حبيب كحّالة (1898 – 22 كانون الأول 1965)، صحفي سوري من دمشق وأحد أبرز رواد الصحافة السياسية الساخرة في الشرق الأوسط. أسس جريدة سورية الجديدة سنة 1918 وبعدها مجلّة “المضحك المبكي” سنة 1928 التي أصبحت وخلال فترة قياسية من أنجح وأشهر المطبوعات السورية، سواء في زمن الانتداب الفرنسي أو في مطلع عهد الاستقلال ولغاية عام 1966. هو خال الأديبة السورية كوليت خوري، وكانت شقيقته ليلى متزوجة من النائب والوزير سهيل فارس الخوري.
البداية
ولِد حبيب كحّالة في دمشق ودَرَس الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت. بعد شهر من تحرير سورية من الحكم العثماني أطلق صحيفة سورية الجديدة التي صدر عددها الأول في 27 كانون الأول 1918. دعمت الملك فيصل الأول ودعت للحفاظ على عرشه ورفض الانتداب الفرنسي سنة 1920. نظراً لخطها الوطني المعتدل لم تغلق الصحيفة من قبل سلطات الانتداب إبان سقوط الحكم الفيصلي وظلّت تصدر حتى سنة 1925، عندما صدر قرار بإغلاقها بسبب تأييد كحّالة للثورة السورية الكبرى.
المضحك المبكي
وفي سنة 1929 أطلق حبيب كحّالة مشروعه الأشهر والأنجح، مجلّة “المضحك المبكي” الكاريكاتورية الساخرة. تعاقد مع الرسّام المعروف توفيق طارق لتصميم أغلفة “المضحك المبكي،” وطلب إلى الفنان خليل درويش الأشقر وضع رسوماتها الداخلية باسم “جوليان” المستعار. انتقل بعدها الأشقر إلى لبنان وعمل مع الصحفي سعيد فريحة في مجلّة الصيّاد.
كتب حبيب كحّالة افتتاحية العدد الأول من “المضحك المبكي” وجاء فيها:
أما خطتنا فإننا نعاهد القارئ أن تكون المجلة صريحة، صادقة، ولو أغضبت البعض. ولا نجعل موقفنا موقف الأحنف الذي كان يسمع مدح الشعراء ليزيد بن معاوية وهو ساكت. فلما سأله معاوية: مالك ساكت يا أبا بحر؟” قال إنني أخاف الله تعالى إذا كذبت، وأخافك إذا صدقت! فنحن سنسعى إلى أن نخاف الله في صراحتنا، وأما عبيد الله، فإذا غضبوا ونحن نقول الحقيقة، فليشربوا البحر.
كانت مقالات “المضحك المبكي” الداخلية مزيجاً بين اللغة العامية والفصحى، وفيها أبواب فكاهية متنوعة ومنها:
- “حديث سياسي حشاش،” وكان ينتقل فيه المحرر من موضوع إلى آخر دون أي ترابط لمساءلة الوزراء وطرح أهم القضايا الوطنية أمامهم.
- “على التلفون،” حيث يتصل المحرر بوزير ويحاوره سريعاً عن موضوع شائك في البلاد.
- “إعراب المضحك المبكي” حيث يقوم المحرر بإعراب بيت من الشعر له ترابط مع حديث سياسي هام.
- “محكمة المضحك المبكي” حيث يتم وضع مسؤول في قفص الاتهام في موضوع معين وتقوم أسرة المجلّة بالحكم عليه بناء على المعطيات المتوفرة لديها.
- “قالوا وقلنا” وهو باب يُعلّق فيه المحرر على أقوال الناس والمسؤولين.
كما ضمّت المضحك المبكي أبواباً أخرى مثل “موال الأسبوع” و”زغلوطة” والزجل القرّادي.” وفي بداية الثلاثينيات، أنشأ حبيب كحّالة مطبعة خاصة بمجلّته، مقرها في شارع الملك فؤاد الأول.
مواجهة الرقابة
أُغلقت “المضحك المبكي” مراراً في زمن الانتداب، وتعرض صاحبها للملاحقة القانونية والاعتقال في عهد الشيخ تاج الدين الحسني سنة 1930، عندما أظهره حبيب كحّالة وهو يغني النشيد الوطني الفرنسي بدلاً من الأناشيد الوطنية السورية. وبعد خروجه من السجن، نشر كحالة صورة كاريكاتورية لنفسه وهو يخارج من القبر، وحوله الشيخ تاج ووزرائه يصرخون: “وليّ على هالعمر…رجعنا للمضحك المبكي!”
في الصحافة والسياسة
شارك حبيب كحّالة بتأسيس نقابة محرري الصحف السورية وفي سنة 1936، أصدر مجلّة مصورة باسم “المصوّر،” ولكنها لم تلاقِ نفس نجاح “المضحك المبكي” وتوقفت بعد بضعة أعداد. وعند جلاء القوات الفرنسية عن سورية في نيسان 1946 عاد وأطلق جريدة سياسية يومية باسم “دمشق” ولكنها أيضاً لم تستمر طويلاً. انتسب حبيب كحّالة في هذه المرحلة من حياته إلى الحزب الوطني وانتخب نائباً عن دمشق سنة 1947 وعضواً في المجلس الملّي لطائفة الروم الأورثوذوكس. وكان
الحجب الطوعي (1956-1961)
توقف حبيب كحّالة عن إصدار “المضحك المبكي” سنة 1956، في ظلّ تنامي نفوذ المباحث في عهد عبد الحميد السراج، ولم يعاود النشر طوال سنوات الوحدة السورية المصرية (1958-1961). عادت “المضحك المبكي” إلى قرائها في مطلع عهد الانفصال وكتب كحّالة افتتاحية عددها الجديد قائلاً:
تعود هذه المجلّة إلى الصدور بعد غياب طويل، لا أتهم به أحداً ولا أرجعه لأحد، وإنما قصدته بملء إرادتي ومحض مشيئتي، لأني لم أستطع أن أكتب ما أريد، ولا أقبل أن أحمَل على كتابة ما لا أريد، فكسرت القلم واعتزلت، لأن العبد الحقيقي، كما يقول أوسكار وايلد، هو الذي لا يستطيع أن يعبر عن رأيه بحرية.
دافع حبيب كحّالة عن حرية الصحافة بكل توجهاتها ورفض قرار منع جريدة حزب البعث من الصدور بسبب موقفها المؤيد للرئيس جمال عبد الناصر ورفضها للانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة سنة 1961. حفظ البعثيون له هذا الموقف الشجاع وعند وصولهم إلى الحكم سنة 1963 استثنوا مجلته من قراراتهم المتعلقة بكل المطبوعات السورية الخاصة. ظلّت المضحك المبكي تصدر في سنوات البعث الأولى ولم تتوقف إلا بعد وفاة صاحبها بأمر شفهي من جميل شيّا، وزير الإعلام في حكومة يوسف زعين، يوم 29 أيار 1966.
مؤلفاته
وضع حبيب كحّالة عدد من المؤلفات في حياته، أبرزها “ذكريات نائب” و”قصة خاطئة” و”كشكول المضحك المبكي” الذي جمع فيه نوادر مجلته.
الوفاة
توفي حبيب كحّالة بدمشق عن عمر ناهز 67 عاماً في 22 كانون الأول 1965. وقد تولى إدارة المضحك المبكي من بعده ابنه سمير وبنت أخته الأديبة كوليت خوري.