ضباط وقادة عسكريون

عبد الكريم النحلاوي

قائد انقلاب الانفصال (28 أيلول 1961)

عبد الكريم النحلاوي
عبد الكريم النحلاوي

عبد الكريم النحلاوي (1927)، ضابط سوري من دمشق وقائد انقلاب الانفصال الذي أطاح بجمهورية الوحدة مع مصر في 28 أيلول 1961. أعاد الحياة البرلمانية إلى سورية وعندما لم تعجبه نتائجها انقلب عليها وأمر باعتقال رئيس الجمهورية ناظم القدسي ورئيس الحكومة معروف الدواليبي في 28 آذار 1962. هدد باستعادة الوحدة لو استمرت الطبقة السياسية الحاكمة بتحييده عن السلطة وطالب بحلّ المجلس النيابي المنتخب نهاية عام 1961. تمرد بعض ضباط الجيش على النحلاوي وعقدوا مؤتمراً في مدينة حمص يوم 1 نيسان 1962 تقرر فيه إقصاؤه عن الجيش ونفيه خارج البلاد. عاد إلى دمشق في كانون الثاني 1963 وحاول مجدداً القيام بانقلاب عسكري – هو الثالث في أقل من ثلاث سنوات – ولكنه لم ينجح.

البداية

ولد عبد الكريم النحلاوي في حي قبر عاتكة بدمشق ودرس في مدارسها قبل التحاقه بكلية حمص الحربية وتخرج فيها سنة 1950. لم يشارك في أي من الانقلابات العسكرية الأولى، وفي زمن الوحدة السورية – المصرية عُيّن معاوناً لمدير شؤون الضباط في الجيش الأول، وهو الجيش السوري في الجمهورية العربية المتحدة. عارض التهميش الكبير الذي تعرض له الضباط من قبل نظرائهم المصريين، وفي مقدمتهم المشير عبد الحكيم عامر، ممثل الرئيس جمال عبد الناصر في سورية. وعدّ أن قانون الإصلاح الزراعي الصادر في أيلول 1958 كان مضراً بحق الأسر الدمشقية الكبرى، وكان له رأي مشابه في قرارات التأميم التي صدرت عن عبد الناصر في تموز 1961. ومن هنا بدأ بالتحضير لانقلاب عسكري يصوّب أخطاء الوحدة مستغلاً الصراعات الدائرة يومئذ بين عبد الحكيم عامر وعبد الحميد السراج، نواب رئيس الجمهورية. وعند استقالة السراج من منصبه في 22 أيلول انشغلت المخابرات المصرية بملاحقة أنصاره وإطلاق سراح كل المعتقلين في سجونه، وقرر النحلاوي التحرك وقتها، دون الإدراك أنه سيقضي بشكل نهائي على الجمهورية العربية المتحدة.

انقلاب الانفصال

تواصل النحلاوي مع مجموعة من الضباط الدمشقيين الناقمين على المشير عامر، وفي مقدمتهم العميد موفق عصاصة والمقدم حيدر الكزبري وصهره المقدم مهيب الهندي، رئيس أركان اللواء 72. وفي صباح 28 أيلول 1961 تحركوا مجتمعين ونفذوا انقلابهم معلنين أن لا هدف لديهم إلا إصلاح الجيش وتصويب أوضاع الوحدة فقط، دون المس بجوهرها ورئيسها. تقدمت قواتهم نحو العاصمة دمشق لاحتلال مبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين، ومعها مبنى رئاسة الأركان ومنزل المشير الكائن في منطقة الروضة. كان المقدم النحلاوي في الثالثة والثلاثين من عمره يومها ودخل في مفاوضات مباشرة مع المشير عامر، عارضاً طلباته على القيادة المصرية. تظاهر المشير بقبول الطلبات واستأذن مدة لمناقشتها مع عبد الناصر على الهاتف. وعندما علم النحلاوي أن عبد الناصر لم يكن صادقاً في وعده، قرر المضي نحو إسقاط العهد بأكمله، وفي مساء اليوم نفسه أشرف على ترحيل عبد الحكيم عامر عن دمشق ومعه عدد من الوزراء العسكريين ورئيسه المباشر في إدارة شؤون الضباط، العقيد المصري أحمد علوي.

عبد الكريم النحلاوي ومهيب الهندي ويقف بينهما محمود اللحام.
عبد الكريم النحلاوي ومهيب الهندي ويقف بينهما محمود اللحام.

شكل مجلس عسكري لإدارة البلاد، برئاسة النحلاوي الذي تسلّم إدارة شؤون الضباط في سورية. تقرر استعادة الحكم البرلماني وتعيين الدكتور مأمون الكزبري رئيساً للحكومة للإشراف على انتخابات نيابية ورئاسية نهاية العام نفسه. وإلى حين الانتهاء من ذلك، حكم النحلاوي وجماعته سورية ولقبوا مجتمعين بشلّة الشّوام. اعترض الرفاق على تسلّط النحلاوي وتفرده باتخاذ كل القرارات المصيرية فرد باعتقال زملائه فيصل سري الحسيني وحيدر الكزبري، وكلاهما من رموز انقلاب الانفصال. وعندما اعترض رئيس الحكومة مأمون الكزبري على اعتقال قريبه حيدر الكزبري، أجبره النحلاوي على الاستقالة في 21 تشرين الثاني 1961.

الانقلاب الثاني: 28 آذار 1962

أجريت الانتخابات البرلمانية والرئاسية بموعدها وفاز الدكتور ناظم القدسي برئاسة الجمهورية. بدأ عهده في 14 كانون الأول 1961 وشكلت أول حكومة برئاسة الدكتور معروف الدواليبي، الذي أراد تقليم أظافر النحلاوي وصحبه لكيلا يكون لهم دور في مستقبل سورية. ردّ النحلاوي على هذا التمادي بعنف، وفي 28 آذار 1962 قام بانقلاب جديد واعتقل الدواليبي ورئيس الجمهورية وأودعهما في سجن المزة.

طالب النحلاوي بحل مجلس النواب المنتخب حديثاً وباستقالة حكومة الدواليبي، وشملت اعتقالاته كل رؤساء الحكومات السابقين، ومنهم صبري العسلي وخالد العظم ولطفي الحفار، المتقاعد والمعتزل العمل السياسي منذ منتصف الخمسينيات. في سنوات لاحقة، كتب كل من قائد الجيش اللواء عبد الكريم زهر الدين ومدير الأمن العام مطيع السمّان في مذكراته أن انقلاب النحلاوي الثاني جاء بتخطيط وتنفيذ من المخابرات المصرية وذلك للانتقام من قادة الانفصال المدنيين، وهو ما نكره النحلاوي بشدة في لقائه مع قناة الجزيرة سنة 2010. انتفض قائد الجيش ضد انقلاب النحلاوي ومعه قائد سلاح الجو اللواء وديع مقعبري الذي دعا إلى اجتماع في كبير في المنطقة الوسطى – عُرف لاحقاً بمؤتمر حمص – تقرر فيه إطلاق سراح القدسي والدواليبي مع كل المعتقلين السياسيين من سجن المزة، ونفي عبد الكريم النحلاوي وجماعته خارج البلاد اعتباراً من 2 نيسان 1962.

الانقلاب الثالث

بعدها بتسعة أشهر وردت أنباء من مخابرات الجيش أن النحلاوي يحضر لانقلاب جديد، وبأنه دخل الأراضي السورية من معبر باب الهوى يوم 10 كانون الثاني 1963. استنفرت القطعات العسكرية وأذيع البحث عنه مع أمر اعتقاله حينما وجد. ولكنه فاجأ الجميع وتوجه لمقابلة رئيس الجمهورية في قصره، ومن ثم التقى مع قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين، أحد المسؤولين الرئيسين عن إبعاده وتسريحه في أعقاب مؤتمر حمص. وبحسب ما ورد في مذكرات زهر الدين أنه قال للنحلاوي: “ماذا تريد يا عبد الكريم من هذا البلد الذي أشعلته؟ ماذا تريد من هذا الجيش الذي مزقته تمزيقاً؟ هل تريد الحكم؟ أرحل يا نحلاوي…أرحل فوراً وإلا ساراني مضطراً إلى اعتقالك في سبيل تأمين الهدوء والراحلة للجيش والشعب.”

أجاب النحلاوي: “يا سيدي أنا وضعت دمي على كفي يوم 28 أيلول وأصبحت بين عشية وضحاها خارج البلد الذي خلصته من أكبر طاغية وأقسى حكم ديكتاتوري. أني لا أطمع بالحكم ولا بالمراكز ولو كنت فعلاً أطمع بذلك لما تأخرت في الحصول عليه. غير أني أود العودة إلى بلدي لأعيش فيه كمواطن عادي فقط.”

سنوات المنفى

أمنيته بالعيش في سورية لم تحقق وأجبر على المغادرة مجدداً بضغط من قيادة الجيش، وعند وصول حزب البعث إلى السلطة بعدها بشهر ونيّف صدر بحقه قرار عزل مدني وحُكم غيابياً أمام القضاء. توجه النحلاوي إلى السعودية وعمل محاسباً في شركة بخشان، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية. رفض لسنوات طويلة الإدلاء بأي تصريح ولكنه كسر صمته سنة 2010 وأجرى سلسلة مقابلات مع الإعلامي المصري أحمد منصور، بثّت على قناة الجزيرة.

عبد الكريم النحلاوي في الولايات المتحدة مع الباحث السوري سعيد فنصة.
عبد الكريم النحلاوي في الولايات المتحدة مع الباحث السوري سعيد فنصة.
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !