أعلام وشخصياتسياسيون ورجال دولة

خالد العظم

رئيس الحكومة السورية (1941) - (1948-1949) - (1950-1951) - (1962-1963)

الرئيس خالد العظم
الرئيس خالد العظم

خالد بن محمد فوزي باشا العظم (6 تشرين الثاني 1903 – 18 شباط 1965)، سياسي سوري ورجل دولة، وآخر حكام دمشق من آل العظم. شكَّل خمس حكومات في سورية، وكان أحد أقطاب السياسة السورية في خمسينيات القرن العشرين ومن الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة. بدأ عمله في الصناعة، ثم انتقل إلى عالم السياسة وأصبح وزيراً للخارجية عام 1939، ثم رئيساً للحكومة خلال الحرب العالمية الثانية عام 1941 وحرب فلسطين عام 1948.

ترشَّح للرئاسة السورية مرتين: الأولى ضد شكري القوتلي في انتخابات عام 1955، والثانية ضد ناظم القدسي في انتخابات عام 1961، لكنه خَسِرَ في المرة الأولى وانسحب في المرة الثانية. تسلَّم عدة حقائب وزارية في حياته، منها المالية والخارجية مرات، إضافة إلى وزارتي العدل والدفاع. هو مؤسس غرفة صناعة دمشق وعرّاب التقارب السوري السوفيتي في مرحلة الخمسينيات. عارض الوحدة مع مصر بسبب سياسات جمال عبد الناصر الاشتراكية، وحاول إلغاء قرارات التأميم والإصلاح الزراعي عند عودته إلى الحكم عام 1962. انقلب عليه حزب البعث عام 1963 ونُفي إلى لبنان، حيث توفي عام 1965.

البداية

وُلِد خالد العظم في قصر العائلة بحي ساروجا في دمشق، وهو الابن الوحيد لحمد فوزي باشا العظم، أحد أعيان الشام في العهد الحميدي. أما والدته فهي إفاكت الأستانلي، حفيدة الوالي العثماني عثمان باشا، وقد سمَّته “خالداً” تيمناً بالصحابي خالد بن الوليد بعد أن زارت مسجده في حمص. دَرَسَ على يد مدرسين خصوصيين، وتنقل بين مدارس دمشق وبيروت وإسطنبول. تزوَّج باكراً من سنيّة بنت القاضي راشد مردم بك، وقد حضر الملك فيصل الأول عرسه عام 1919. توفيت سنيّة عند وضع ابنتها عليّة يوم 24 تموز 1920، المصادف ليوم معركة ميسلون واحتلال دمشق من قبل الجيش الفرنسي.

العمل الصناعي

درس خالد العظم في معهد الحقوق العربي، وبدأ حياته المهنية في الزراعة والإشراف على أملاك أسرته الشاسعة، قبل اختياره ليكون مديراً لمعمل الإسمنت الوطني في منطقة دمّر عام 1930، الذي أسسته الكتلة الوطنية لتمويل نشاطاتها المعارضة للانتداب الفرنسي. وبعد نجاح هذا المشروع، سارع العظم إلى تأسيس غرفة صناعة دمشق وانتُخب رئيساً لها حتى سنة 1943. عمل مستشاراً لبلدية دمشق (1938-1940)، وفي نيسان 1939، عُيّن وزيراً للخارجية والعدل في حكومة نصوحي البخاري، آخر حكومة في عهد الكتلة الوطنية التي شُكلت قبل خمسة أشهر من اندلاع الحرب العالمية الثانية.

الحكومة العظمية الأولى (5 نيسان 12 – أيلول 1941)

بعد الإطاحة بحكومة المديرين، عُيّن العظم رئيساً للوزراء في نيسان 1941، يوم كانت سورية تتبع لحكم فيشي في فرنسا الموالي للزعيم النازي أدولف هتلر. جاء قرار تعيينه من قبل الجنرال هنري دانتز، ممثل حكومة فيشي في سورية، وشهدت وزارته معارك بين قوات فيشي والجيش البريطاني والمدعوم من قبل قوات فرنسا الحرة بقيادة الجنرال شارل ديغول.

شنَّت جيوش الحلفاء هجوماً بريّاً وجوياً واسعاً على سورية لطرد فيشي من أراضيها، وفي 19 حزيران 1941، أعلنت عن انتهاء عملياتها العسكرية مع تحقيق هدفها. وصل ديغول إلى دمشق، حيث كان خالد العظم في استقباله، وفي أيلول 1941، قام الأخير بتعيين الشيخ تاج الدين الحسني رئيساً للجمهورية، وشكَّل حكومة برئاسة حسن الحكيم، بدلاً من حكومة خالد العظم المستقيلة.

وزيراً في عهد القوتلي (19441946)

غاب خالد العظم عن المشهد السياسي لمدة عامين، وعاد متحالفاً مع الكتلة الوطنية في انتخابات عام 1943. فاز بالنيابة عن دمشق، وبعد انتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية في 17 آب 1943، عُيّن وزيراً للمالية في حكومة سعد الله الجابري الأولى. تسلَّم الحقيبة نفسها في حكومة فارس الخوري الأولى يوم 14 تشرين الثاني 1944، وفي حكومة الخوري الثالثة يوم 24 آب 1945.

في 29 أيار 1945، وقع العدوان الفرنسي على مدينة دمشق بهدف قلب نظام الحكم والتخلص من القوتلي وأركانه. ضُربت قلعة دمشق وقُصفت أحياء المدينة بالمدافع، فهرب أعضاء الحكومة من السرايا في ساحة المرجة إلى منزل خالد العظم في ساروجا. استقبل العظم أكثر من 100 شخص في داره، من سياسيين ومواطنين وعناصر من الشرطة والدرك، فردّت فرنسا بقصف الحي وتدمير عدد من مبانيه الأثرية. وقد أدى هذا العدوان إلى صدور إنذار بريطاني في 1 حزيران 1945، مطالباً بانسحاب الجيش الفرنسي عن سورية

معارضة القوتلي

بعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية في 17 نيسان 1946، شُكِّلت حكومة سعد الله الجابري الأخيرة وعُيّن فيها خالد العظم وزيراً للعدل والاقتصاد الوطني. حصل خلاف بينه وبين القوتلي بسبب معارضته تعديل الدستور للسماح للرئيس بولاية ثانية، ما أدى إلى خروجه من الوزارة في تشرين الأول 1947 ونقله وزيراً مفوضاً إلى فرنسا. عدَّ العظم هذا التعيين نَفْياً وإبعاداً عن مسرح الأحداث. وأثناء فترة غيابه، أُعيد انتخاب القوتلي رئيساً عام 1948.

الحكومة العظمية الثانية (16 كانون الأول 1948 – 29 آذار 1949)

في نهاية عام 1948، استُدعي العظم إلى دمشق وكُلِّف برئاسة الحكومة بعد استقالة حكومة جميل مردم بك. كانت حرب فلسطين في أوجها، وتألَّفت حكومة العظم الثانية في 16 كانون الأول 1948. في عهدها، أُقرَّ فك ارتباط العملة السورية بالفرنك الفرنسي الذي كان يُغطي الليرة الورقية السورية منذ عام 1920. واصطدم العظم بقائد الجيش حسني الزعيم بعد أن حمَّله مسؤولية الهزيمة في فلسطين. وجَّه إليه ولعدد من ضباطه اتهامات فساد وسوء أمانة، وعند تعرُّض الزعيم لهجوم عنيف داخل المجلس النيابي من قبل النائب فيصل العسلي، رفض العظم الدفاع عنه بصفته رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع. وعندما حضر الزعيم إلى دار خالد العظم لتقديم معروض باسم ضباط الجيش، رفض استقباله وجعله ينتظر طويلاً. كان هذا المعروض قد صيغ في القنيطرة وحمل توقيع حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وسامي الحناوي، وجميعهم كانوا من الضباط المرموقين والناقمين على الطبقة المدنية الحاكمة. اتصل العظم بالرئيس القوتلي مُحذِّراً من حسني الزعيم وقال: “هذا الرجل خطر، وقبل أن يتعشى بنا يجب أن نتغدى به.” ونصح بنقله إلى اللاذقية أو أي مدينة أخرى، ولكنّ القوتلي رفض الاستجابة وردَّ قائلاً: “هو أفضل من سواه.”

الانقلاب الأول: 29 آذار 1949

في منتصف ليلة 29-30 آذار 1949، تحرَّك الزعيم بقواته ومدرعاته من الحدود السورية – الفلسطينية باتجاه العاصمة دمشق. أُلقي القبض على رئيس الجمهورية. وعند وصولهم إلى دار خالد العظم، تعامل معه الجنود بقسوة بالغة، كما جاء في مذكراته:

صوَّب الجندي رشاشه إلى صدري وقال: ‘إياك والمقاومة! نقتلك إذا قاومت.’ وكيف السبيل إلى المقاومة وأنا أعزل من السلاح وهما اثنان، وفي يد كل منهما رشاش ومسدس؟ وقادني بقوة إلى السلم وإذ هرولنا نزولاً. وقعت على الأرض في آخر درجات السلم وسقطت نظارتي ولم يتركاني ألتقطها. بل أمسكا بي وأخرجاني بسرعة من الدار. ولم أكن، حتى ذلك الحين، تمالكت وعيي بعد ولا علمت لشدة الظلام، من هم هؤلاء الضباط والجنود. وهذا كله جرى في دقيقة أو دقيقتين. ثم وجدت نفسي في سيارة النقل، حافي القدمين، ليس عليّ من اللباس سوى بيجاما حريرية رقيقة. وكنت حاسر الرأس وبدون نظارتي.

نُقل القوتلي والعظم إلى سجن المزة، ثم إلى مستشفى الشهيد يوسف العظمة، حيث ظلَّا سجينين لمدة أسبوع، ومن داخل المشفى أُجبِرا على توقيع استقالتهما بوساطة رئيس مجلس النواب فارس الخوري. نُفي القوتلي إلى مصر، وغاب العظم عن المشهد العام خلال مدة حكم حسني الزعيم، التي انتهت بالانقلاب عليه ومقتله في 14 آب 1949. بارَك الانقلاب العسكري الذي أطاح بالزعيم، وأثنى على قرار سامي الحناوي في عودة الجيش إلى الثكنات والدعوة إلى انتخاب مجلس تأسيسي تكون مهمته وضع دستور جديد للبلاد. دعا الحناوي إلى اجتماع في مبنى الأركان العامة، حضره العظم مع سائر السياسيين القدامى، وتقرر فيه عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم، ليُشكل حكومة وطنية جامعة، عُيّن فيها خالد العظم وزيراً للمالية حتى نهاية عام 1949.

في تشرين الثاني 1949، قام أديب الشيشكلي بانقلاب عسكري واعتقل سامي الحناوي بسبب سعي الأخير لإقامة وحدة مع العراق. اشترط الشيشكلي على الرئيس هاشم الأتاسي وكل السياسيين تعيين أحد أعوانه العسكريين في وزارة الدفاع (اللواء فوزي سلو) لضمان عدم طرح موضوع الوحدة مجدداً داخل مجلس الوزراء. وفي ظلّ هذه الأزمة السياسيّة، طُلب إلى العظم تشكيل حكومة جديدة، مهمتها التصديق على إقالة سامي الحناوي من الجيش.

مرفأ اللاذقية

من أشهر ما قام به العظم يومها إعلان القطيعة الاقتصادية مع لبنان، من خلال إغلاق الحدود البرية اعتباراً من 18 آذار 1950، ولتحرير تجار سورية من الاعتماد على مرفأ بيروت، بدأ في بناء مرفأ اللاذقية، إلا أن ميزانية الخزينة لم تكن قادرة على تحمّل نفقات هذا المشروع، الذي وصلت تكلفته إلى 25 مليون ليرة سورية. دعا العظم القطاع الخاص للمشاركة، على أن تُساهم الدولة السورية أيضاً وتضمن للمستثمرين ربحاً سنويّاً لا يقل عن خمسة بالمئة من استثمارهم. حُدِّد سعر السهم الواحد بمئة ليرة سورية، ووزّع على الشكل الآتي: 80 ألف سهم للدولة، 130 ألف سهم للقطاع الخاص، 40 ألف سهم للحامل. تحت إشراف الرئيس العظم، انتُخب مجلس إدارة مشترك للمشروع، برئاسة الدكتور عزت طرابلسي (الذي أصبح وزيراً للاقتصاد في حكومته الخامسة والأخيرة سنة 1962)، وصدر مرسوم مرفأ اللاذقية في 12 شباط 1950. في خطابه أمام الحكومة يوم التدشين، قال العظم: “هنيئاً لمن له شبر أرض في اللاذقية.”

خالد العظم مع رئيس حكومة لبنان رياض الصلح سنة 1950.
خالد العظم مع رئيس حكومة لبنان رياض الصلح سنة 1950.

الحكومة العظمية الرابعة (27 آذار – 9 آب 1951)

سقطت حكومة العظم الثالثة في حزيران 1950، لكنّه عاد إلى رئاسة الوزارة مرة رابعة بتكليف من الرئيس الأتاسي يوم 27 آذار 1951. اختلف يومها مع حزب الشعب بسبب رفضه إحياء محادثات الوحدة مع العراق، فلم يشارك أحد من الحزب في الحكومة وقرروا المقاطعة. اعتمد العظم على الجيش، رغم قلّة الود بينه وبين أديب الشيشكلي، وجاء بفوزي سلو وزيراً للدفاع. إضافة لرئاسة الحكومة، تسلَّم العظم حقيبة الخارجية بنفسه، ومن هذا الموقع رفض قبول المساعدات الأميركية التي قُدِّمت إلى سورية بموجب النقطة الرابعة من مشروع الرئيس هاري ترومان. تعرَّضت حكومة العظم إلى شلل كامل بسبب إضراب سبعة عشر ألف موظف حكومي يوم 30 حزيران 1951، مطالبين برفع الأجور والرواتب. توقفت الحركة التجارية، قبل أن ينضم إلى الإضراب عمّال النظافة وموظفو البرق والبريد والهاتف، ما أجبر العظم على الاستقالة في 9 آب 1951.

خالد العظم وأديب الشيشكلي.
خالد العظم وأديب الشيشكلي.

في زمن الشيشكلي (1951-1954)

تسلَّم أديب الشيشكلي الحكم في نهاية عام 1951 من خلال فوزي سلو، وحكم البلاد عن طريقه حتى صيف العام 1953، عند تسلُّمه رئاسة الجمهورية بشكل مباشر. لم يُشارك العظم في عهد الشيشكلي وعدَّه نظاماً عسكريّاً غير شرعي وغير دستوري، لكنّه بالمقابل لم يعمل على إسقاطه مع المعارضة التي قادها هاشم الأتاسي. فضَّل السفر إلى لبنان للعيش في عزلة، وعند سقوط الشيشكلي في شباط 1954، عاد إلى دمشق مُعلناً دعمه لعودة الأتاسي إلى الحكم. وفي 13 شباط 1955، عُيّن وزيراً للخارجية والدفاع في حكومة الرئيس صبري العسلي.

سياسة عدم الانحياز

لعب العظم دوراً محورياً في التوازنات الإقليمية والدولية، رافضاً انضمام سورية إلى حلف بغداد المعادي للشيوعية العالمية. لكنه في المقابل، لم يقبل الانصياع الكامل لسياسات الرئيس المصري جمال عبد الناصر، المعارضة لحلف بغداد. على الرغم من ماله الوفير وفكره الحر وميوله الأرستقراطية، كان العظم لا يرى نفعاً من مجابهة المعسكر الشرقي ولا ضرراً من التحالف معه في وجه الولايات المتحدة الأمريكية. كان ناقماً على الولايات المتحدة بسبب دعمها لإسرائيل، ولانقلاب حسني الزعيم الذي أطاح به وبالقوتلي. وفي 18 نيسان 1955، توجه إلى مؤتمر عدم الانحياز المُنعقد في مدينة باندونغ الإندونيسية، رافعاً شعار حياد سورية في الحرب الباردة. لكنه سافر إلى نيويورك مجبراً لتمثيل سورية في الذكرى العاشرة لتأسيس الأمم المتحدة في حزيران 1955، حيث ألقى خطاباً هجومياً ضد إدارة الأمريكي الرئيس دوايت أيزنهاور.

معركة الرئاسة بين خالد العظم وشكري القوتلي سنة 1955.
معركة الرئاسة بين خالد العظم وشكري القوتلي سنة 1955.

الانتخابات الرئاسية سنة 1955

مع قرب انتهاء ولاية هاشم الأتاسي، قرر العظم الترشح لرئاسة الجمهورية ضد شكري القوتلي، وهو المنصب الذي طالما حلم به وسعى إليه. وقفت المؤسسة العسكرية خلف القوتلي، المدعوم أيضاً من عبد الناصر، وأيّده زعماء حزب الشعب. في مُذكّراته يقول العظم: “دخلت الانتخابات وحيداً، لا نصير لي سوى سمعتي التي أفتخر بها، ونظافة يدي ومقدرتي على تسيير أمور الحكومة، وموقفي من النهوض بالاقتصاد السوري.” جرت الانتخابات داخل مجلس النواب يوم 18 آب 1955، وكانت نتيجتها الأولى 42 صوتاً لخالد العظم و89 صوتاً لشكري القوتلي. وبما أن أياً منهما لم يحصل على أكثرية الثلثين، أُعيد التصويت مرة ثانية وكانت النتيجة النهائية لصالح القوتلي: 91 صوتاً له مقابل 41 صوتاً لخالد العظم

الاتفاق العسكري مع الاتحاد السوفيتي (آب 1957)

تسلَّم القوتلي مقاليد الحكم في 5 أيلول 1955، وفي 31 كانون الأول 1956، عُيّن العظم وزيراً للدفاع في حكومة صبري العسلي الرابعة والأخيرة. من أبرز منجزاته في هذه المرحلة كان إبرام اتفاقية تعاون اقتصادي وعسكري مع الاتحاد السوفيتي، حيث سافر إلى موسكو واجتمع مع نيكيتا خروتشوف في 6 آب 1957. كان لهذه الزيارة أثر سلبي للغاية على العلاقات السورية – الأميركية، حيث اتُهمت دمشق من قبل إدارة الرئيس أيزنهاور بالمضي نحو المعسكر الشرقي. وقد نص اتفاق العظم مع خروتشوف على تزويد الجيش السوري بأسلحة سوفيتية بقيمة 700 مليون دولار أمريكي، تُسدد بالتقسيط المريح على مدى 12 سنة من عائدات الزراعة. لُقِّب العظم بسبب هذا الاتفاق، شعبيّاً وعالميّاً، بالمليونير “الأحمر.”

خالد العظم مع نيكيتا خروتشوف في موسكو سنة 1957.
خالد العظم مع نيكيتا خروتشوف في موسكو سنة 1957.

الوحدة مع مصر  (1958)

في 11 كانون الثاني 1958، توجَّه وفد من ضباط الجيش إلى مصر دون إبلاغ خالد العظم بصفته وزيراً للدفاع. كان هدفهم إقامة وحدة مباشرة مع جمال عبد الناصر، وكان الوفد برئاسة رئيس الأركان اللواء عفيف البزري. ضم الوفد عدداً من العسكريين المشاركين في الانقلابات السابقة، منهم من ساهم في وصول حسني الزعيم إلى السلطة ومنهم من شارك في إقصاء أديب الشيشكلي عن الحكم. قابلوا عبد الناصر وطلبوا إليه إقامة وحدة اندماجية فورية مع سورية، دون أي قيد أو شرط. غضب العظم من هذا التصرف وحاول إقناع القوتلي بإقالتهم جميعاً بتهمة الخيانة العظمى، ولكن الأخير فضَّل استيعابهم واحتضان موقفهم، أملاً أن يؤدي ذلك إلى قيام وحدة عربية حقيقية تضع حداً لتجاوزات العسكر في سورية.

اللواء عفيف البزري مع وزير الدفاع خالد العظم سنة 1958.
اللواء عفيف البزري مع وزير الدفاع خالد العظم سنة 1958.

بدلاً من معاقبة الضباط أو فصلهم عن الخدمة، قرر القوتلي إضفاء شرعية على وفدهم وأرسل وزير الخارجية صلاح البيطار إلى القاهرة لمساندتهم، قبل أن يتوجه بنفسه إلى مصر مع كامل أعضاء الحكومة للتصديق على الوحدة. وفي مذكراته يقول العظم عن رحلة الطائرة إلى القاهرة:

عندما حلقت الطائرة لاحظت أنها تطير باتجاه الشرق الجنوبي، وليس الغرب حيث الطريق الجوي المألوف. فسألت عن السبب فقال البزري: ‘إننا نخشى أن يتعرض اليهود لطائرتنا فيقضون على الحكومة السورية بأسرها.’ فقلت في نفسي: ليتهم يفعلون.

ثم يُضيف عن اجتماع الوحدة:

أبديت اعتراضي على جعل نظام الحكم رئاسياً وأبديت مخاوفي من أن يجر ذلك إلى زوال الحكم الديمقراطي النيابي وأن تتحول سورية إلى دولة يحكمها فرد بطريقة ديكتاتورية. ثم أضفت قولي بأن هذا النوع من الحكم قد جُرّب في بلاد عديدة وفشل فيها كلها وأودى بها إلى الهاوية.

خالد العظم مع صبري العسلي وشكري القوتلي عام 1958.
خالد العظم مع صبري العسلي وشكري القوتلي عام 1958.

موقفه من التأميم

أمضى خالد العظم سنوات الوحدة في بيروت، معارضاً لقانون الإصلاح الزراعي الذي أصدره عبد الناصر في أيلول 1958، ولقرارات التأميم الصادرة في تموز 1961. طالت هذه القرارات الاشتراكية معظم أراضي خالد العظم والمصانع والمصارف والعديد من الشركات الخاصة التي كان يملك أسهماً بها، وقد علَّق في مذكراته قائلاً:

الكثير من المسؤولين المصريين، إن لم تكن غالبيتهم، يجهلون واقع سورية الاقتصادي والاجتماعي، وهم معذورون بذلك ريثما يكتسبون الخبرة الكاملة، وقد غشّهم من اعتمدوا عليهم من السوريين. لقد وثقت البلاد كلها بالرئيس ولا يزال عند حسن ظنها به، وهي تطلب إليه تحقيق آمالها من حيث إقامة حكم محبب إلى القلوب واستبعاد النظام الإرهابي. فإن القلوب لا تستجيب بالشدة والقسوة وإنما بالرفق وحسن المعاملة.

ثم أضاف:

فوجئ الناس بصدور قوانين التأميم التي وصِفت بأنها اشتراكية إصلاحية وهي في حقيقتها لم تكن ترمي إلا إلى القضاء على الاقتصاد وقتله في مهده ولا تقصد سوى السيطرة ودعم السلطات القائمة عن طريق تركيز الفعاليات الاقتصادية بيد الدولة وإحداث رأسمالية حكومية ديكتاتورية.

الترشح للرئاسة في زمن الانفصال

أيّد الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة يوم 28 أيلول 1961، وعاد إلى دمشق للتوقيع على بيان الانفصال في منزل الوزير أحمد الشرباتي في 2 تشرين الأول. وصَف السياسيون القدامى الموقعون على البيان عهد عبد الناصر بالبوليسي، وباركوا حركة الضباط التي أسقطته. ترشَّح للنيابة عن دمشق وفاز بأغلبية أصوات المدينة، ما خوَّله الترشّح لرئاسة الجمهورية للمرة الثانية والأخيرة في نهاية العام 1961.

تنافس هذه المرة مع ناظم القدسي، مرشح حزب الشعب، ومأمون الكزبري، أول رئيس حكومة في عهد الانفصال. دخل العظم في تحالف مع الزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني وقادة حزب البعث، لكنه بقي مشككاً في فرص نجاحه وقال:

وكانت لي تجربة 1955 كدرس لمعرفة أخلاق الناس وشدة تمسكهم بموعدهم وحتى بإيمانهم. فلم يكن يدور بخلدي النجاح المضمون لكنني كنت لا أريد عدم استجابة أصدقائي من النواب.

انسحب العظم من المعركة الانتخابية بعد توصّل حزب الشعب إلى اتفاق مع مأمون الكزبري، يقضي بانسحاب الأخير لصالح ناظم القدسي مقابل انتخاب الكزبري رئيساً لمجلس النواب. وفي 14 كانون الأول 1961، انتُخب القدسي رئيساً للجمهورية.

الاعتقال الأخير في 28 آذار 1962

بعدها بثلاثة أشهر، وقع انقلاب جديد في سورية بقيادة عبد الكريم النحلاوي، الذي أمر باعتقال الرئيس القدسي ومعه عدد من السياسيين الكبار، منهم خالد العظم. بقوا سجناء لمدة أسبوع، ليُطلَق سراحهم بعد تمرد قائد الجيش على النحلاوي وإعادة الأمور إلى نصابها في 1 نيسان 1962.

الحكومة العظمية الخامسة والأخيرة (17 أيلول 1962 – 8 آذار 1963)

في خريف العام 1962، طلب القدسي إلى خالد العظم تشكيل الوزارة خلفاً لحكومة الدكتور بشير العظمة. وافق العظم على الرغم من التراجع الملحوظ في صحته، حيث كان يُعاني من تفاقم مرض السكري وزيادة كبيرة في وزنه. شكَّل حكومة موسعة كانت الأكبر في تاريخ سورية. وفي أثناء مرضه ودخوله المتكرر إلى المستشفى، ناب عنه وزير العدل أسعد كوراني.

معظم الوزراء كانوا من الاختصاصيين المستقلين، غير المنتمين إلى أي حزب من الأحزاب. وقد أُضيفت مناصب جديدة على حكومة العظم، مثل منصب “نائب رئيس الحكومة،” واحتُفظ بالحقائب التي أُوجدت في زمن الوحدة، كوزارات التموين والإعلام والأوقاف. أهم ما جاء به العظم في حكومته الأخيرة كان الفريق الاقتصادي الذي شكَّله لمراجعة المراسيم الاشتراكية التي صدرت في عهد عبد الناصر. ضم الفريق وزير الصناعة جورج خوري ووزير الاقتصاد عزت طرابلسي، وقد سعى العظم بالتعاون معهم إلى إلغاء قرارات التأميم، ولكنه واجه معارضة شديدة من الناصريين في الجيش والأرياف. أبقى على التأميم مجبراً، لكنه خاطب التجار والصناعيين ووعد: “لا تأميم بعد اليوم.” ومن حلب، العاصمة الصناعية السورية، أعلن عن خطة متكاملة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع الصناعي، ووعد بجلب استثمارات بقيمة 2700 مليون ليرة سورية لإنشاء صناعات جديدة.

وفي شرحه المفصل للتأميم أضاف العظم:

أما الاشتراكية فأدين بها وأريدها تطويرية ترافق إمكانيات البلاد وحاجاتها وتستهدف زيادة الدخل العام. أولئك الذين أوصلوا البلاد إلى الاستقلال وأزاحوا الاستعمار، أولئك كلهم كانوا وبدون استثناء من أولاد العائلات ومن أصحاب الأراضي ورؤوس الأموال التجارية والعقارية. أما القول بأن الثروات تمركزت بجيوب قليلة وأن الأغنياء احتكروا الأرض والتجارة واستغلوا عرق العمال والفلاحين الكادحين فهو قول مردود.

نهاية العهد

لم ينجح العظم في حماية الاقتصاد السوري، وقد أُطيح به وبمشروعه الاقتصادي في 8 آذار 1963، عندما انقلب عليه مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين. صادرت دولة البعث ما تبقى من أملاكه وحولتها إلى مؤسسات حكومية، مثل قصر العائلة في سوق ساروجا، الذي أصبح متحفاً للتراث والوثائق التاريخية، ومكتبه الخاص مقابل حديقة المدفع، الذي شغله لسنوات طويلة نائب رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام، ومزرعته الصيفية في الغوطة التي تحوّلت إلى مقر معمل تاميكو للأدوية. شمله العزل المدني الصادر عن مجلس قيادة الثورة، بتهمة “جريمة الانفصال.” وعند صدور البلاغ رقم واحد، لجأ العظم إلى مقر السفارة التركية الذي كان في عمارته بحيّ الروضة. حصل على لجوء سياسي من الحكومة التركية، ما منع الجنود من الاقتراب منه، وقد ضمنت له أنقرة خروجاً آمناً إلى لبنان.

الوفاة

عاش خالد العظم سنواته الأخيرة في ظروف مادية وصحية صعبة، وتوفي في بيروت يوم 18 شباط 1965، عن عمر ناهز 62 عاماً. لكيلا تُثير جنازته أية مواجهات دامية في دمشق، أوصى أن يُدفن بجوار الإمام الأوزاعي في بيروت. وكان قد نشر مذكراته في جريدة النهار، قبل أن تُجمع في كتاب بعد رحيله بعنوان مذكرات خالد العظم. تألَّفت المذكرات من ثلاثة أجزاء، وبقيت ممنوعة في سورية حتى سقوط نظام البعث في كانون الأول 2024.

تكريم خالد العظم

رفضت السلطات السورية تسمية أي شارع أو مدرسة باسم “خالد العظم،” ولكنها لم تمانع نشر بعض الكتب عنه بعد وفاة حافظ الأسد، منها:

العظم على شاشة التلفزيون

جُسِّدت شخصية خالد العظم في المسلسل السوري حمام القيشاني، ولعب دوره الفنان مروان الطيب.

المناصب الرسمية

المنصب الفترة سبقه خلفه
وزير الخارجية 5 نيسان – 8 تموز 1939 فائز الخوري أُلغي المنصب
وزير العدلية 5 نيسان – 8 تموز 1939 نسيب البكري خليل رفعت
وزير الداخلية 5 نيسان – 12 أيلول 1941 بهيج الخطيب بهيج الخطيب
رئيس الحكومة 5 نيسان – 12 أيلول 1941 بهيج الخطيب حسن الحكيم
وزير المالية 19 آب 1943 – 7 نيسان 1945 مصطفى الشهابي نعيم أنطاكي
وزير المالية 24 آب – 30 أيلول 1945 نعيم أنطاكي نعيم أنطاكي
وزير العدلية 27 نيسان – 27 كانون الأول 1946 صبري العسلي أُلغي المنصب
وزير الاقتصاد 27 نيسان – 27 كانون الأول 1946) حسن جبارة حكمت الحكيم
وزير الدفاع 16 كانون الأول 1948 – 29 آذار 1949) جميل مردم بك حسني الزعيم
وزير الخارجية 16 كانون الأول 1948 – 29 آذار 1949 محسن البرازي الأمير عادل أرسلان
رئيس الحكومة 16 كانون الأول 1948 – 29 آذار 1949 جميل مردم بك حسني الزعيم
وزير المالية 14 آب – 14 كانون الأول 1949 مصطفى الشهابي شاكر العاص
وزير الخارجية 27 كانون الأول 1949 – 4 حزيران 1950 ناظم القدسي ناظم القدسي
رئيس الحكومة 27 كانون الأول 1949 – 4 حزيران 1950 ناظم القدسي ناظم القدسي
رئيس الحكومة 27 آذار – 9 آب 1951 ناظم القدسي حسن الحكيم
وزير الخارجية 27 آذار – 9 آب 1951 ناظم القدسي فيضي الأتاسي
وزير الخارجية 13 شباط – 13 أيلول 1955 فيضي الأتاسي سعيد الغزي
وزير الدفاع بالوكالة 13 شباط – 13 أيلول 1955 رشاد برمدا رشاد برمدا
وزير الدفاع 31 كانون الأول 1956 – 6 أذار 1958 عبد الحسيب رسلان أُلغي المنصب
رئيس الحكومة 17 أيلول 1962 – 8 آذار 1963 بشير العظمة صلاح الدين البيطار

 

 

 

 

المصدر
1. أكرم حسن العلبي. خالد العظم: أخر حكام دمشق من آل العظم (دار شهرزاد، دمشق 2005)، 712. خالد العظم. مُذكّرات، الجزء الأول (الدار المتحدة، بيروت 1972)، 1213. أكرم حسن العلبي. خالد العظم: أخر حكام دمشق من آل العظم (دار شهرزاد، دمشق 2005)، 594. سامي مروان مبيّض. عبد الناصر والتأميم (دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2019)، 1745. أكرم حسن العلبي. خالد العظم: أخر حكام دمشق من آل العظم (دار شهرزاد، دمشق 2005)، 716. جورج فارس. من هم في العالم العربي (دمشق 1957)، 4327. عبد الله الخاني. سورية بين الديمقراطية والحكم الفردي (دار النفائس، بيروت 2004)، 738. خالد العظم. مُذكّرات، الجزء الثاني (الدار المتحدة، بيروت 1972)، 1919. نفس المصدر10. نفس المصدر، 193-19411. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية - لندن 1965)، 9212. باتريك سيل. الصراع على الاستقلال العربي (باللغة الإنكليزية، جامعة كامبريدخ، 2010)، 706-70712. خالد العظم. مُذكّرات، الجزء الثاني (الدار المتحدة، بيروت 1972)، 12013. سامي مروان مبيّض. عبد الناصر والتأميم (دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2019)، 30514. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية - لندن 1965)، 108-10915. نفس المصدر16.خالد العظم. مُذكّرات، الجزء الثاني (الدار المتحدة، بيروت 1972)، 44016. نفس المصدر، 46217. نفس المصدر18. نفس المصدر، الجزء الثالث، 519. نفس المصدر، 14320. نفس المصدر، 13621. نفس المصدر، 18522. نفس المصدر، 24223. سامي مروان مبيّض. عبد الناصر والتأميم (دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2019)، 4323. خالد العظم. مُذكّرات، الجزء الثالث (الدار المتحدة، بيروت 1972)، 22024. نفس المصدر25. نفس المصدر26. مطيع السمان. وطن وعسكر (مكتبة بيسان، بيروت 1995)، 41527. عوض بركات. القطاع الخاص والتنمية الاقتصادية في سورية، محاضرة أُلقيت في أسبوع التنمية (حلب، تشرين الأول 1962)28. كلمة الرئيس خالد العظم في المؤتمر الاقتصادي بحلب يوم 2 تشرين الثاني 196229. نفس المصدر30. عبد الغني العطري. عبقريات (دار البشائر، دمشق 1997)، 1631. نفس المصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !