أعلام وشخصياتعسكريون

عبد الحميد السراج

مدير المكتب الثاني (1955-1958)، وزير الداخلية (1958-1961)، نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة (1961)

العقيد عبد الحميد السراج
العقيد عبد الحميد السراج

عبد الحميد السراج (1925 -23 أيلول 2013)، ضابط سوري من حماة  وأحد أشهر الشخصيات العسكرية العربية في خمسينيات القرن العشرين. خاض حرب فلسطين في صفوف جيش الإنقاذ سنة 1948 وكان رئيساً للمكتب الثاني (شعبة المخابرات العسكرية) في سورية من سنة 1955 ولغاية تعيينه وزيراً للداخلية في الجمهورية العربية المتحدة عام 1958. لعب دوراً محورياً في إقامة الوحدة وكان من أشد المعجبين بالرئيس المصري جمال عبد الناصر وأقرب المقربين منه. عينه عبد الناصر رئيساً للمجلس التنفيذي في سورية – بمنزلة رئيس حكومة – ثم نائباً لرئيس الجمهورية لغاية 22 أيلول 1961. ارتبط اسمه بتصفية الحزب السوري القومي الاجتماعي في الخمسينيات وضرب الحزب الشيوعي السوري في زمن الوحدة وكان له دور كبير في تسليح المعارضة اللبنانية ضد الرئيس كميل شمعون سنة 1958. اعتقل في زمن الانفصال ونفذّت عملية استخباراتية دقيقة لإخراجه من سجن المزة ونقله إلى القاهرة. عاش ضيفاً على كل رؤساء مصر من عبد الناصر إلى محمد مرسي والرئيس المؤقت عدلي منصور وتوفي في القاهرة يوم 23 أيلول 2013.

البداية

ولد عبد الحميد السراج في حماة وكان والده رجلاً بسيطاً يملك حانوتاً صغيراً لأغراض السمانة. دَرَس في مدارس حماة الحكومية وبعد نيله الشهادة الثانوية انتسب إلى مدرسة الدرك ثمّ إلى كلية حمص الحربية. عُيّن في بداية حياته المهنية في مخفر باب الفرج في مدينة حلب قبل أن يتقدم بطلب الانضمام إلى جيش الإنقاذ لمحاربة الصهاينة في فلسطين سنة 1947.

في جيش الإنقاذ (1947-1948)

رُفض طلبه بداية من قبل فوزي القاوقجي، قائد جيش الإنقاذ، نظراً لقلّة خبرته العسكرية فتوسط لأجله صديقه أديب الشيشكلي، ابن مدينة حماة وقائد فوج اليرموك في جيش الإنقاذ. أقنع الشيشكلي قائد جيش الإنقاذ بقدرات عبد الحميد السراج، فدخل في صفوف المتطوعين العرب وشارك في معارك فلسطين حيث تعرّف إلى قائد الجيش السوري حسني الزعيم. أحبه ووثق به وعند قيامه بانقلاب على رئيس الجمهورية شكري القوتلي يوم 29 آذار 1949 عينه مرافقاً عسكرياً له.

مرافقاً لحسني الزعيم سنة 1949

رافق السراج حسني الزعيم أثناء فترة حكمه القصيرة بدمشق وكان من المفترض أن يكون مناوباً في بيته ليلة الانقلاب العسكري الذي أطاح به يوم 14 آب 1949. غياب السراج عن عمله في تلك الليلة أثار الكثير من التساؤلات حول علمه المسبق بالانقلاب أو حتى مشاركته به إلى جانب أديب الشيشكلي.

في زمن الشيشكلي (1951-1954)

وبعد اعتقال الزعيم ومقتله، دخل السراج في وحدات سلاح المشاة وشارك في انقلاب الشيشكلي على رئيس أركان الجيش اللواء سامي الحناوي في كانون الأول 1949. وعندما أصبح الشيشكلي رئيساً للجمهورية في تموز 1953 أرسل السراج إلى فرنسا لاتباع دورة عسكرية مكثفة. وعند عودته إلى دمشق عُيّن مديراً للشعبة الأولى لغاية سقوط حكم الشيشكلي في شباط 1954. تعرض السراج لمضايقات من الضباط الذين قاموا بالانقلاب على أديب الشيشكلي، وطالبوا تسريحه من الجيش بسبب قربه من الشيشكلي ومن حسني الزعيم من قبله. توسط السراج لدى رئيس الحكومة صبري العسلي وقال إن علاقته بالشيشكلي انتهت يوم خروجه من سورية. اكتفى العسلي بإبعاده عن الجيش وفي صيف العام 1954، عينه ملحقاً عسكرياً في السفارة السورية بباريس.

في رئاسة المكتب الثاني (1955-1958)

تزامنت عودة السراج إلى سورية مع اغتيال العقيد عدنان المالكي، رئيس شعبة العمليات، في 22 نيسان 1955. قُتل المالكي في الملعب البلدي بدمشق وقرر رئيس الأركان شوكت شقير تكليفه بإدارة الشعبة الثانية خلفاً للعقيد مصطفى رام حمداني. كان السراج في الثلاثين من عمره يومها، وأعطي صلاحيات مطلقة لتعقب الجناة ومحاسبتهم. أثبتت تحقيقاته ضلوع عناصر من الحزب السوري القومي الاجتماعي في جريمة المالكي، فأمر باعتقال رئيس الحزب عصام المحايري وجوليت المير، أرملة الرئيس لمؤسس أنطون سعادة. شملت اعتقالات السراج كل عناصر الحزب المقيمين في سورية، ومنهم الشعراء محمد الماغوط وأدونيس، وطلب إلى رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي إعلان الأحكام العرفية لكي يتمكن من استكمال التحقيقات والمداهمات بحق بقية القوميين. وعندما رفض الأتاسي طلبه، هدده السراج قائلاً: “إن كنت يا فخامة الرئيس لا تعلن الأحكام العرفية فلن أستطيع ضمان حياة المعتقلين.” نهره الأتاسي وطلب إليه الخروج من مكتبه فوراً، مهدداً بتسريحه ومعاقبته على هذا التطاول على مقام الرئاسة.

السراج والعدوان الثلاثي

وعلى الرغم من انزعاج الأتاسي الكبير من أسلوبه وتصرفاته، إلى أنه قرر الاحتفاظ بالسراج لحين انتهاء التحقيقات في جريمة مقتل المالكي، خشياً أن يؤدي تسريحه المبكر إلى نقمة من الضباط. وكانت النتيجة أن السراج بقي في منصبه إلى بعد انتهاء ولاية الأتاسي وانتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية في 18 آب 1955. لم تُعجب سياساته البوليسية الرئيس القوتلي ولكنه أبقاه في منصبه نظراً لتفانيه بالعمل ونزعته العروبية والشعبية الكبيرة التي كان يحظى بها في المؤسسة العسكرية. وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر في تشرين الأول 1956، سافر القوتلي إلى موسكو لحشد الدعم الدولي لصالح الرئيس جمال عبد الناصر، واستغل السراج غيابه لنسف أنابيب شركة نفط العراق (IPC) المارة عبر الأراضي السورية، دون عِلم أو موافقة رئيس الجمهورية. وقد أدى هذا التصرف إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين دمشق ولندن، ولكنه قرّب السراج كثيراً من جمال عبد الناصر، أعجب كثيراً بشجاعته وإخلاصه.

المؤامرة العراقية

في نهاية العام 1956 أعلن السراج عن محاولة انقلاب ضد الرئيس القوتلي، بتمويل وتخطيط يقف من الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله. كان العراق يومها في أوج مواجهته مع مصر ورئيسها، وحاول قادته القيام بانقلاب عسكري في سورية لنسف تحالف القوتلي مع عبد الناصر. تعاون العراق مع فلول الحزب السوري القومي الاجتماعي ومع شخصيات سورية نافذة مثل الرئيس الأسبق أديب الشيشكلي والنواب منير العجلاني وميخائيل إليان وعدنان ابن هاشم الأتاسي. اتهمهم السراج بمحاولة تصفيته شخصياً وقتل الزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني – المحسوب على عبد الناصر. وجاء في قرار الاتهام إنهم كانوا سيوجهون إنذاراً إلى القوتلي: إما قطع علاقة سورية مع مصر والاتحاد السوفيتي، أو التنحي عن الحكم.

صدر حكم غيابي باعتقال الشيشكلي المقيم في أوروبا يومها وتمكن وميخائيل إليان من الهروب قبل صدور مذكرة اعتقاله. أما الأتاسي والعجلاني، فقد اعتقلوا بأمر مباشر من السراج بعد إسقاط عنهم الحصانة النيابية وسيقوا مكبلين مهانين إلى سجن المزة. أشرف السراج على التحقيق معهم بنفسه ولم يوفر نوعاً من أنواع التعذيب لاستنطاقهم. شكلت محكمة خاصة للمتهمين برئاسة الضابط الشيوعي عفيف البزري، وصدرت عنها أحكام تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد.

 محاولة إقصاء السراج

حاول الرئيس القوتلي التخلّص من عبد الحميد السراج وفي سنة 1957 أصدر مرسوماً بتعيينه ملحقاً عسكرياً إلى مصر، إلى أنه تراجع عن قراره إبان تمرد بعض ضباط الجيش في معسكر قطنا القريب من دمشق، الذين هددوا بانقلاب عسكري في حال تعرض الرئيس للسراج وطالبوا بالمقابل بإقالة رئيس الأركان توفيق نظام الدين ومعاونه عزيز عبد الكريم، وعدوهم المسؤولين عن إبعاد السراج. وبعد طيّ القرار ضغط السراج على القوتلي لتسريح نظام الدين من منصبه واستبداله باللواء عفيف البزري، رئيس المحكمة التي حكمت بالإعدام على عدنان الأتاسي ومنير العجلاني ورفاقهم.

الوحدة مع مصر سنة 1958  

توجه عفيف البزري إلى القاهرة على رأس وفد من العسكريين في 11 كانون الثاني 1958، لمقابلة عبد الناصر ومطالبته بتوحيد مصر وسورية بأي شكل يراه مناسباً. سافر البزري ورفاقه دون علم رئيس الجمهورية، ودون أخذ موافقة وزير الدفاع خالد العظم، ولم يكن بحوزتهم لا تصريح أمني أو جوازات سفر. حصانتهم الوحيدة كانت أوامر عبد الحميد السراج الشفهية، الذي دعاهم للبقاء في مصر حتى إقناع عبد الناصر بالوحدة وطلب إلى القوتلي عدم اعتراضهم أو ملاحقتهم.

خوفاً من نقمة الجيش والشارع الناصري، قبل القوتلي بـالإملاءات المفروضة عليه من قبل عفيف البزري وعبد الحميد السراج وأرسل وزير الخارجية صلاح البيطار إلى القاهرة لإضفاء شرعية سياسية على الوفد العسكري. وعند إتمام الاتفاق مع عبد الناصر، توجه القوتلي إلى القاهرة برفقة السراج ورئيس الحكومة صبري العسلي، وفي شباط 1958 أعلنوا رسمياً عن ولادة الجمهورية العربية المتحدة.

الرئيس جمال عبد الناصر على شرفة قصر الضيافة بدمشق وخلفه عبد الحميد السراج في شباط 1958.
الرئيس جمال عبد الناصر على شرفة قصر الضيافة بدمشق وخلفه عبد الحميد السراج في شباط 1958.

محاولة اغتيال عبد الناصر في دمشق

شارك السراج في الاستقبال الشعبي الكبير الذي أقيم لعبد الناصر بدمشق وكان مسؤولاً عن حمايته الشخصية. وأثناء وجود الرئيس في قصر الضيافة، أعلن السراج أن السعودية الممثلة بملكها سعود بن عبد العزيز آل سعود كانت تخطط لاغتيال عبد الناصر في سورية. قال السراج أنهم تواصلوا معه لترتيب عملية الاغتيال وبأنه تظاهر بقبول المشاركة بهدف كشفها أمام الرأي العام العربي. وعرض إلى عبد الناصر شيكات صادرة عن البنك العربي، قدّمت له من الملك سعود لتأمين نفقات عملية الاغتيال.

الثورة اللبنانية سنة 1958

وفي صيف العام 1958 كلف السراج بالتواصل مع المعارضة النيابية للرئيس كميل شمعون، المناهض لعبد الناصر والقريب من الولايات المتحدة الأمريكية. بدأ السراج بتمويل المعارضة في لبنان، الممثلة بكمال جنبلاط وحميد فرنجية ورئيس الحكومة الأسبق صائب سلام. شكلت كتائب مسلحة في بيروت جاء سلاحها من المكتب الثاني بدمشق مع كميات كبيرة من الديناميت والذخيرة، وتمكنت من إسقاط شمعون ومنعه من تجديد ولايته الرئاسية.

الرئيس عبد الناصر مع عبد الحميد السراج في مصر.
الرئيس عبد الناصر مع عبد الحميد السراج في مصر.

تصفية الشيوعيين

كافئ عبد الناصر عبد الحميد السراج بتعيينه وزيراً للداخلية في الإقليم الشمالي. استخدم جهاز الأمن لضرب قواعد الحزب الشيوعي في سورية وأمر باعتقال قادته، باستثناء خالد بكداش الذي هرب إلى أوروبا الشرقية تفادياً لبطش السراج ورجاله. جمع رجال المباحث في قلعة دمشق وأعلن حربه على الشيوعيين السوريين، وعند اعتراض بعض الضباط وقالهم إن الحزب الشيوعي فيه شعراء وكتاب لا يجب معاملتهم على أنهم مجرمون، ردّ السراج بسخرية: “كيف تريدون أن نعاملهم؟ هل نضعهم على الرف ونضرب لهم على الدف؟” ومن أبرز ضحايا السراج يومها كان القائد الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، الذي مات تحت التعذيب في معتقلات المكتب الثاني يوم 25 حزيران 1959. قيل إنه ذوّب بالأسيد وظلّت هذه التهمة تلاحق السراج حتى الممات.

عبد الحميد السراج في مصر سنة 1960.
عبد الحميد السراج في مصر سنة 1960.

السراج رئيساً للمجلس التنفيذي

تصاعد نفوذ السراج بشكل كبير جداً وفي 20 أيلول 1960، عينه عبد الناصر رئيساً للمجلس التنفيذي في سورية، أي بمنزلة رئيس حكومة، إضافة لمنصبه وزيراً للداخلية. ولكنّه اصطدم مع ممثل عبد الناصر بدمشق، المشير عبد الحكيم عامر، وانطلقت بينهما صراعات مريرة على النفوذ والسلطة. اختلفا في عدة أمور كانت آخرها حول قرارات التأميم التي صدرت عن رئيس الجمهورية في تموز 1961. عارض السراج تأميم المصانع في سورية، محذراً من نقمة تجار وصناعي حلب ودمشق، واقترح الاكتفاء بتأميم المصارف السورية والعربية فقط. أمّا المشير عامر فقد أيد قرار التأميم ومن دون تحفظ.

غضب عبد الناصر من موقف السراج وفي الصباح الباكر استدعاه إلى داره في منشية البكري في القاهرة ووبخه توبيخاً شديداً بحضور مدير المخابرات المصرية صلاح نصر. وجّه إليه عبد الناصر كلاماً قاسياً وقال: “أنت عايز إيه يا عبد الحميد؟ عاوز أعملك أي عشان ترضى؟ إنني لا أستطيع أن أفهم تصرفاتك وتصرف رجالك في دمشق.” وكان هذا الغضب الكبير ناجماً عن تحريض عبد الحكيم عامر المستمر على عبد الحميد السراج، الذي طالما كان يدعو عبد الناصر إلى كف يده عن سورية ونقله إلى مصر ليكون بعيداً عن قاعدته الأمنية وعناصره الذين يكنون له ولاءً مطلقاً.

حاول السراج تدارك الموقف بسرعة ونزل بنفسه إلى مقر الشركة الخماسية، كبرى الشركات الصناعية السورية، للإشراف على تأميمها ولكنّ هذا لم ينفع في ترميم الثقة بينه وبين عبد الناصر. استجاب الرئيس لنصيحة المشير ونقل السراج إلى مصر مع استحداث منصب خاص به: نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الداخلية. كان منصباً شكلياً لا سلطة حقيقية له، وقد تألم السراج كثيراً بعد تعييه فيه وفي كتابه ما الذي جرى في سورية يقول محمد حسنين هيكل إن عبد الناصر قال للسراج: “قد سببتم ليّ من المتاعب ما لم يسببه لي أعداء الوحدة وخصومها.”

اعتقال السراج

اشتد الخلاف بين السراج والمشير عامر وفي 22 أيلول 1961 دعاهم عبد الناصر إلى مكتبه في القاهرة، قبل ستة أيام من انقلاب الانفصال الذي أطاح بجمهورية الوحدة. اجتمع خمس مرات مع السراج على مدى عشرين ساعة متقطعة، وعندما أدرك الأخير أن موقف الرئيس كان أكثر تعاطفاً مع موقف خصمه المشير، عاد السراج إلى دمشق واستقال من منصبه، وقيل إنه أُقيل. فُتحت سجون السراج وسرّح الكثير من ضباطه الأوفياء وخُتمت مكاتبه بالشمع الأحمر. غاب السراج عن المشهد في الأيام الأخيرة من الوحدة ليظهر بعد ساعات قليلة من انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961، عند دعوته إلى مبنى الأركان العامة بدمشق. حاول مهندس الانقلاب عبد الكريم النحلاوي استمالته لكونه الأعلم بأسرار عبد الناصر وكل تفاصيل حكمه في سورية، ولكنه رفض التعاون وقال إنه وعلى الرغم من خلافة الكبير مع عبد الناصر لا يزال موالياً له ولجمهورية العربية المتحدة، معترضاً وبشدة على الانفصال. بعدها بأيام معدودة، أمر النحلاوي باعتقاله من منزل أحد أقرباء زوجته في حيّ المالكي ونقله إلى سجن المزة، نحت حراسة مشددة.

خبر وصول السراج إلى مصر في جريدة الأهرام.
خبر وصول السراج إلى مصر في جريدة الأهرام.

تهريب السراج إلى مصر

شُكّلت محكمة خاصة لمحاكة السراج كمجرم حرب، برئاسة المحقق عمر الربّاط، الذي وجه له 400 تهمة، أصغرها ستودي به إلى حبل المشنقة. ولكن عبد الناصر لم يرض هذا الختام للسراج وأمر بتهريبه من السجن. نُفذت العملية من قبل المخابرات المصرية والسفير المصري في لبنان عبد الحميد غالب، بمساعدة رئيس حرس السجن منصور الرواشدة، الذي أعطى السراج بذلة عسكرية ليتنكر برتبة “رقيب” في الجيش السوري وأخرجه من الزنزانة بعد صرف الحراسة عنها إلى سيارة سوداء كانت بانتظاره لنقله إلى لبنان. استضافة الزعيم الدرزي كمال جنبلاط في بيروت ليلة واحدة قبل سفره إلى الإسكندرية عبر سفينة حضرت خصيصاً من مصر لأجل هذه المهمة. علمت السلطات السورية بهروبه من جريدة الأهرام التي عنونت صفحتها الأولى في اليوم التالي: “السراج وحارسه في الرئيس.”

الوفاة

وفي مصر عين السراج بمنصب مدني في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، بعيداً عن الأمور السياسية والعسكرية. رفض إجراء إي لقاء صحفي أو تلفزيوني وفي سنة 2005 توسط وزير الدفاع مصطفى طلاس لأجله ودعاه للعودة إلى سورية ولكنه رفض وظلّ مقيمياً في مصر لغاية وفاته عن عمر ناهز 88 عاماً في 23 أيلول 2013. أجريت له جنازة رسمية بصفته نائباً سابقاً للرئيس جمال عبد الناصر، حضرها ممثل عن وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي، ومهندس الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي قبل وفاة السراج بشهرين.

شهادة السراج

قبل رحيله بعشر سنوات، اجتمع السراج مع الطبيب والباحث الفلسطيني كمال خلف الطويل، الخبير بالمرحلة الناصرية، الذي سأله:

“حقاً، لِمَ أنت معتصم بالصمت بكل هذا الإصرار؟ هل هناك ما يدين أو يشين من يهمك أمره؟”

“لأجله وحده لن أتكلم”، وأشار بسبابته إلى صورة على الحائط لجمال عبد الناصر بكامل قامته.

وأضاف السراج:

هو أشرف الرجال وأطهر الرجال ولن يقيض الله للأمة أحداً مثله إلى أجل طويل. لكن مأساته أنه حمل على كتفيه من لا يستحق ولا يقدِر، فأوصله وأوصلنا والأمة معه إلى هاوية بدأت بالانفصال ومرّت باليمن ووصلت إلى الهزيمة (عام 1967). إنه عبد الحكيم عامر. كم نصحته وبتكرار: انتبه يا ريّس، لن يخرب الرجل بيت الإقليم الشمالي فقط، بل والجنوبي بعده، والوحدة برمتها والجيش بأسره.

سرّ السراج للدكتور الطويل قائلاً:

زارني (المشير) في منزلي بعد إعلان الوحدة ببرهة، وبصحبته العميد عبد المحسن أبو النور، المعيَّن رئيساً لأركان الجيش الأول، وإثر ما غادرا اكتشفت مظروفاً على الكنبة التي جلس عليها عامر يحتوي على 5000 جنيه، فسارعت بالاتصال بعبد المحسن على اللاسلكي، وطلبت منه العودة للتو، وعندما وصل قلت له: “أبلغ المشير ألّا يعود إلى مسلك كهذا معي، فلست ممن يمكن شراء ولائهم”. فردّ الضابط المصري: “هوّ المشير لاحظ أن سجاد المنزل لا يليق بوزير داخلية، فارتأى أن يسهم في إبداله بلائقٍ، وهو العليم بضيق ذات يدك، فأخذ المبادرة بخفر ونية حسنة.

وقد ورد هذا الحديث كاملاً في كتاب عبد الناصر والتأميم الصادر سنة 2019 للكاتب السوري سامي مروان مبيّض.

ذكرى السراج

وفي 1991 صدر كتاب عن حياة عبد الحميد السراج في لندن بعنوان السلطان الأحمر، وضعه عديله الصحفي السوري غسان زكريا. وبعدها بخمس سنوات، ظهرت شخصية السراج على شاشة التلفزيون في الجزء الثاني من مسلسل حمام القيشاني، ولعب دوره الفنان محمد آل رشي.

المناصب:

رئيس المكتب الثاني (نيسان 1955 – آذار 1958)
وزيراً للداخلية (6 آذار 1958 – 16 آب 1961)
رئيساً للمجلس التنفيذي (20 أيلول 1960 – 16 آب 1961)
نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الداخلية (16 آب – 22 أيلول 1961)
  • سبقه في المنصب: لا يوجد
  • خلفه في المنصب: لا يوجد

 

 

المصدر
1. سامي جمعة. أوراق من دقتر الوطن (دار طلاس، دمشق 2000)، 1682. غسان زكريا. السلطان الأحمر. (لندن 1991)، 313. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية – مطبعة جامعة أوكسفورد 1965)، 2454. غسان زكريا. السلطان الأحمر. (لندن 1991)، 345. سامي جمعة. أوراق من دقتر الوطن (دار طلاس، دمشق 2000)، 2446. محمد حسنين هيكل. ما الذي جرى في سورية (القاهرة، 1962)، 40-417. سامي جمعة. أوراق من دقتر الوطن (دار طلاس، دمشق 2000)، 32510. محمد حسنين هيكل. ما الذي جرى في سورية (القاهرة، 1962)، 1158. سامي مروان مبيّض. عبد الناصر والتأميم (دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2019)، 369. صلاح نصر. عبد الناصر وتجربة الوحدة في سورية (مؤسسة الوطن العربي، القاهرة 1976)، 220 10. محمد حسنين هيكل. ما الذي جرى في سورية (القاهرة، 1962)، 11511. سامي مروان مبيّض. عبد الناصر والتأميم (دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2019)، 20012. نفس المصدر، 37 13. محمد حسنين هيكل. ما الذي جرى في سورية (القاهرة، 1962)، 11614. نفس المصدر، 11515. مطيع السمان. وطن وعسكر (مكتبة بيسان، بيروت 1995)، 2416. سامي مروان مبيّض. عبد الناصر والتأميم (دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2019)، 3917. نفس المصدر18. نفس المصدر19. نفس المصدر 20. غسان زكريا. السلطان الأحمر. (لندن 1991)، 25421. سامي مروان مبيّض. عبد الناصر والتأميم (دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2019)، 40-4122. نفس المصدر23. نفس المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !