نجيب الريّس (1898 – 9 شباط 1952)، مؤسس جريدة القبس الدمشقية في زمن الانتداب الفرنسي وأحد قادة الحزب الوطني في مرحلة الاستقلال. انتسب إلى الكتلة الوطنية في شبابه وانتخب نائباً في البرلمان السورية سنة 1943. يُعدّ من أبرز الصحفيين السوريين في أربعينيات القرن العشرين وهو صاحب نشيد يا ظلام السجن خيّم ووالد الناشر والكاتب رياض الريّس.
البداية
ولِد نجيب الريّس في مدينة حماة ودرس في مدارسها الابتدائية قبل انتقاله إلى دمشق لدراسة الحقوق في الجامعة السورية. لم يكمل دراسته الجامعية وتفرغ باكراً للعمل الصحفي وبدأ حياته المهنية مراسلاً لجريدة النهار اللبنانية. عُرف بموقفه المعارض للانتداب الفرنسي، ما أدى إلى اعتقاله وسجنه في جزيرة أرواد سنة 1922، وفيه وضع نشيده الشهير يا ظلام السجن خيّم الذي أصبح من أشهر الأناشيد الوطنية في سورية، لا يضاهيه من حيث الشعبية والانتشار إلّا نشيد بلاد العرب أوطاني لصديقه في الحركة الوطنية فخري البارودي.
مع القبس
بعد خروجه من المعتقل أنضم الريّس سنة 1925 إلى صفوف حزب الشعب، بقيادة الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر وعمل رئيساً لتحرير صحيفة بريد الشرق الأسبوعية. وفي 1 أيلول 1928 أطلق صحيفة القبس اليومية التي صدرت بداية بصفحتين، خلافاً للأربع صفحات المتعارف عليها في الصحف السورية يومئذ، وكانت من القطع الصغير. وكانت القبس امتداداً لصحيفة المقتبس التي أوقفها صاحبها محمد كرد علي قبل بضعة أشهر ولصحيفة القبس القديمة التي ظهرت بدمشق سنة 1913 وكانت برئاسة المحامي شكري العسلي، أحد شهداء 6 أيار 1916. وضع الريّس صورة العسلي على غلاف العدد الأول من القبس ونظراً لخطها الوطني المتشدد حققت الصحيفة نجاحاً مبهراً في عامها الأول وأصبحت من أكثر الصحف السورية تداولاً وشهرة. وقد تعرضت للتعطيل مراراً في زمن الانتداب، أثناء حكم تاج الدين الحسني ثم في عهد رئيس حكومة المديرين بهيج الخطيب عام 1940.
النشاط السياسي
انضم نجيب الريّس إلى صفوف الكتلة الوطنية ودافع بشدّة عن المعاهدة التي أبرمتها في باريس – معاهدة عام 1936 – ما وضعه في مواجهة مباشرة مع حليف الأمس عبد الرحمن الشهبندر، المعارض للمعاهدة. شن الريّس هجوماً على منتقدي المعاهدة، وفي مقدمتهم الشهبندر، داعياً السوريين للاستثمار بعهد الكتلة ودعم حكومة الرئيس جميل مردم بك. وحذّر من مطامع الأتراك في سورية وكتب الكثير من منطقة لواء إسكندورن التي سُلخت عن الأراضي سورية في زمن الحكومة المردمية وألحقت بتركيا سنة 1939. جمعاً وضع نجيب الريّس 700 مقال في مرحلة الانتداب الفرنسي: 64 منها عن قضية اللواء السليب و 182 افتتاحية في شتى الأمور السياسية، نُشرت كلّها في القبس.
الحزب الوطني
انتخب الريّس نائباً في البرلمان السورية سنة 1943 – على قوائم الكتلة الوطنية – وبعد تحرير سورية من الانتداب الفرنسي وجلاء القوات الأجنبية عن أرضها سنة 1946 شارك في تأسيس الحزب الوطني وانتُخب عضواً في لجنته الدعائية وأميناً للسر في اللجنة السياسة.
الريّس والماسونية
انتسب نجيب الريّس في شبابه إلى عشيرة البنائين الأحرار وكان عضواً في محفل قاسيون الدمشقي، قبل أن يُطرد منه وهو لايزال برتبة “المبتدئ” سنة 1925 لإفشاء أسرار الماسونية. كتم نشاطه الماسوني طيلة حياته وتوفي دون أن يعرف أحد عن عضويته في محفل قاسيون. بعد رحيله بسنوات طويلة قامت الكتابة السورية سعاد جروس بجمع أوراقه في كتاب، ومنها رسالة طرده من المحفل. وعلى الرغم من وصف المحفل لهذا الطرد بالنهائي، إلا أنه تراجع ودعا نجيب الريّس لحضور إحدى حفلاته الخيرية بدمشق سنة 1934. وقد ورد اسمه في برنامج الحفل الموزع على الحضور بـصفة “الأخ” نجيب الريّس.
معركة دستور عام 1950
تعرض نجيب الريّس إلى مضايقات كبيرة في مرحلة الاستقلال، من قادة حزب الشعب أولاً المنافسين له وللحزب الوطني. جاء ذلك بعد وصولهم إلى الحكم سنة 1949 وسعيهم جاهدين لإلغاء امتياز القبس. واصطدم أيضاً مع جماعة الإخوان المسلمين بسبب معارضته لهم أثناء مناقشة دستور عام 1950. حاول نواب الإخوان فرض مادة دين الدولة على مسودة الدستور وكتب الريّس مقالاً مطولاً في القبس، جاء بعنوان “البلاد ليست لنا وحدنا.” دافع عن المسيحيين وحقوقهم السياسية في سورية، وطالب بسنّ دستور عصري يحترم “علمانية الدولة السورية”:
لو كانت هذه البلاد للمسلمين وحدهم، لكانوا أحراراً في فرض دينهم على أنفسهم وعلى حكوماتهم وحكامهم، ولكن البلاد ليست لنا وحدنا، بل هي لنا ولغيرنا، وخصوصاً للنصارى الذين كانت لهم قبلنا، والذين دخلنا عليهم وهم فيها أصحاب دولة وملك ودين. حرمة الدين الإسلامي لا تكون بالنصوص والقوانين المفروضة، بل تكون بالتقوى والتمسك بتعاليم الدين، فلنكن متدينين أتقياء لا متعصبين أشداء، وليكن الدين مظهراً لأخلاقنا لا منفراً لإخواننا ومواطنينا.
أكمل الريّس كلامه بالقول: “لماذا تضعون هذه المادة الذي يثير، مجرد وضعها فقط، نفوس غير المسلمين في سورية وفي غيرها ويفتح علينا وعلى بلادنا باباً جديداً من الدعاية في العالم الخارجي نحن في غنى عن فتحه؟”
الموجهة مع أكرم الحوراني
واعترض الريّس على المادة 30 من مسودة الدستور، التي حددت سقف الملكية الزراعية في سورية وأعطت الدولة حق انتزاعها من أصحابها في حال تقصيرهم في زراعتها أو استثمارها. وقف خلف هذا الطرح يومها الزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني وردّ عليه الريّس قائلاً:
لقد أصبحوا يرددون كلمات “الإقطاعية” و”الرأسمالية” في أحاديثهم وخطبهم، يهاجمون ويتجاهلون ما يجنوه على الفلاحيين في الدرجة الأولى من قتل روح العمل في نفوسهم وتحويلهم عن الكسب الحلال إلى الكسل والبطالة والفتن.
ختم الريّس مقاله محذراً من أن تصرفات الحوراني وأفكاره قائلاً إنها ستؤدي إلى “أرض عاطلة عن الإنتاج، فلاحين عاطلين عن العمل، وملاكين يتركون قراهم بوراً يرتع فيها هؤلاء التقدميون الاشتراكيون مثل أكرم الحوراني، فلا يجدون فيها غير جياع لا يملكون إلا أصواتهم بعد أن أفقدوهم مؤنتهم وطعامهم في سبيل مبادئهم.”
الوفاة
توفي نجيب الريّس عن عمر ناهز 54 عاماً في 9 شباط 1952 وأطلقت الدولة السورية اسمه على جادة رئيسية في مدينة دمشق وأخرى في مسقط رأسه بحماة، تكريماً له لمنجزاته الوطنية.
عائلة الريّس، أوراقه، وذكراه
اشتهر في عالم الصحافة منذ نهاية الخمسينيات الكاتب رياض الريّس، الذي أسس دار رياض نجيب الريّس للطباعة والنشر في لندن مع مكتبة الكشكول لبيع الكتب العربية وسط شارع نايتسبريدج. تولى الريّس جمع مقالات أبيه في كتاب الأعمال المختارة صدر سنة 1994، وفي العام 2008 أعاد نشر كتاب نضال الصادر بطبعته الأولى سنة 1934، وهو أول كتاب وضعه الريّس في حياته، وقدم له في حينها صديقه وزميله في الكتلة الوطنية، فارس الخوري. وقد كتب الخوري في مقدمته:
“وهو على حداثة سنه قد زيّن المطبوعات العربية في سورية ومصر بشذرات قلمه السيال ونفثات براعه الطليق وبنات فكره المولد، حتى باتت مقالاته الشيّقة الأسلوب والغزيرة المادة في كل موضوع طرحه، لذّة المطالعين وأحدوثة الأسمار.”
كما صدر عن دار الريّس كتابين عن حياة نجيب الرئيس:
- نجيب الريس 1898-1962: القبس المضيء: حياته وجريدته وما كتب عنه (بيروت 2008)
- من الانتداب إلى الانقلاب: سورية زمن نجيب الريّس، للكاتبة سعاد جروس (بيروت 2015)
بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية انتقلت دار الريّس على بيروت، حيث عمل رياض الريّس حتى وفاته في أيلول 2020. أوصى بنقل أوراق أبيه ومراسلاته وصوره إلى الكاتب السوري سامي مروان مبيّض، لوضعها ضمن مقتنيات مؤسسة تاريخ دمشق التي كان الريّس يشغل عضوية مجلس حكمائها منذ سنة 2017.