أدباء وكتاب

أدونيس

شاعر ومفكر سوري

علي أحمد سعيد إسبر (1 كانون الثاني 1930)، والمعروف باسمه الأدبي “أدونيس” هو شاعر ومفكر سوري، وأحد رواد التجديد في الشعر العربي الحديث. وصفه المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد بأنه “الشاعر العربي العالمي” وكان مرشحاً دائماً لنيل جائزة نوبل للأدب، وفي سنة 2011 كان أول أديب عربي يفوز بجائزة غوته الألمانية.

البداية

ولد علي أحمد سعيد في قرية القصابين التابعة لمدينة جبلة ونشأ في بيئة ريفية فقيرة. تعلّم القراءةَ والكتابة في الكتّاب، وحفظ على يد أبيه القرآن الكريم كاملاً وشيئاً من الشعر العربي والمأثورات المتصلة بتراث منطقته. أدخله والده إلى العالم الصوفي قبل أن يدخل مدرسة القرية في الثالثة عشرة من عمره. يومها وقف الفتى علي أحمد سعيد أمام رئيس الجمهورية شكري القوتلي أثناء جولته على قرى الساحل السوري، وألقي قصيدة ترحيب في الاحتفال الشعبي الذي نظم لاستقباله. أعجب القوتلي بالقصيدة وطلب إليه الانتقال من مدرسة القرية البسيطة إلى مدرسة اللايك بدمشق، والتي كانت تعتبر أفضل مدارس سورية. دخل أدونيس إلى اللاييك بالقنباز الجبلي وبقي فيه مدة شهرين. وعندما سأل عن هذه المرحلة في حياته قال أدونيس: “بذهني مدرسة الشجرة راسخة أكثر من مدرسة اللايك. يبدو أن الأكثر رسوخاً في ذاكرة الإنسان هو ما يكون أكثر ارتباطاً بالطبيعة والطفولة.”

في أعقاب الاستقلال سنة 1946، انتقل أدونيس إلى اللاذقية لمتابعة دراسته الثانوية، وانضم بعد سنتين إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وكان شديد التأثر بأفكار مؤسسه أنطون سعادة. بعد نيله الشهادة الثانوية سنة 1949، عاد إلى دمشق والتحق بكلية الحقوق في الجامعة السورية، قبل الانتقال إلى كلية الآداب، قسم الفلسفة. وصل دمشق شاباً فقيراً ووحيداً، وسكن يومها في قبو صغير لا تدخله أشعة الشمس في منطقة القصّاع. وفي ذكرياته، يقول أدونيس: “كنت أشعر أن قسم اللغة العربية لن يفيدني شيئاً، لأنني كنت أعرف مسبقاً ما سأدرسه فيها لغةً وشعراً، لذلك اخترت الفلسفة، قائلا في ذات نفسي: “ربما أفيد من الفلسفة، ففتحت الفلسفة لي آفاقًا فكرية غريبة علي.”

قدم أطروحة التخرج عن الصوفية العربية، وفي سنة 1973، بعد أن أصبح أحد أشهر الشعراء العرب، نال شهادة الدكتوراه في الآداب من جامعة القديس يوسف في بيروت، عن أطروحته المشهورة حول الثابت والمتحول، وهو بحث في الاتباع والإبداع عند العرب.

اسم أدونيس

هناك جدل حول من أطلق عليه اسم “أدونيس،” فهو يقول إنه هو من اختار لنفسه هذا الاسم، والبعض يقول أن أنطون سعادة هو من أطلق عليه هذا اللقب. في بداية حياته الأدبية وعندما كان يتابع دراسته الثانوية في اللاذقية، وعمرُه زهاء سبع عشرة سنة، كان يُرسل بعضَ تجاربه الشعرية إلى الصحف اليومية، موقعة باسمه الحقيقي “علي أحمد سعيد،” لكنها لم تكن تجد طريقاً للنشر. يحكي أدونيس عن ذلك:

وقعت في يدي مصادفةً مجلةٌ أسبوعية، لبنانية على الأرجـح، قرأت فيها مقالةً عن أسطورة أدونيس: كيف كان جميلاً، وأحبته عشتار، وكيف قتله الخنزير البري، وكيف كان يُبعث كل سنة في الربيع، فهزتني الأسطورةُ. وقلت فجأة في ذات نفسي، سأستعير مِن الآن فصاعداً اسمَ أدونيس، وأُوقِّع به. ولا شك أن هذه الصحفَ والمجلات التي لا تنشر لي، إنما هي بمثابة ذلك الخنزيرِ البري الذي يقتل ابداعي. وفعلا كتبتُ نصاً شعرياً وقّعته باسم “أدونيس،” وأرسلته إلى جريدة لم تكن تنشر لي، وكانت تصدر في اللاذقية. وفوجئت أنها نشرته. ثم أرسلت نصاً ثانياً، فنشرته على الصفحة الأولى.

أما عن سبب اختياره للقب أدونيس الراسخ في الوثنية فقد صرح في مناسبات عديدة بأنه وثنيٌّ في معتقده، بل هو يذهب بعيداً لإثبات الأصل الوثنيّ لاسمه الإسلامي حينما زعم أن اسم عليّ مشتق مِن (EL) وهو اسم الإله الأعظم عند السومريين. حتى أنه يعتبر تغييرَ اسمه الإسلامي بآخر غير إسلامي تحرراً من قيود هُويته المحدودة الجامدة، وانخراطاً بهُوية كونية لا حدود لها.

الاعتقال

بعد تخرجه من الجامعة السورية سنة 1954، التحق أدونيس بالخدمة العسكرية واعتقل إثر اغتيال العقيد عدنان المالكي عام 1955 واتهام الحزب السوري القومي الاجتماعي بالحادثة. أودع في سجن المزة مدة ستة شهور دون محاكمة، إلا أن تم الافراج عنه ونقله إلى مدينة القنيطرة لإتمام خدمته العسكرية بالقرب من الحدود السورية – الإسرائيلية، حيث مكث هناك أسبوع واحد فقط، ليتم اعتقاله مجدداً ويودع في السجن العسكري مدة ستة شهور أيضاً بسبب وشاية وشاها أحدهم عن رأي سياسي أدلى به.

مجلّة شعر

شارك أدونيس بتأسيس مجلّة شعر في لبنان مع يوسف الخال سنة 1957، وهناك رأيان مختلفان حول أصل علاقة أدونيس بهذه المجلة. فالأول – وهو رأي أدونيس نفسه – يقول إنه كان شريكاً ليوسف الخال منذ البداية في تأسيس المجلة، والرأيُ الثاني هو أن أدونيس التحق بالمجلّة بعد التأسيس. يقول أدونيس، متذكراً لقاءه الأول مع يوسف الخال:

في الأسبوع الأول من وصولي إلى بيروت عام 1956، التقيت بيوسف الخال. ومنذ لقائنا نشأت بيننا صداقةٌ قوية، شعرياً وإنسانياً وكنا معا دائماً في بيته. كان واعياً وواثقا أنه سيفتح بهذه المجلة أفقاً جديداً للشعر العربي. وكان قد تحدث عنها مع أصدقاء وشعراء آخرين. كان هذا اللقاء الأول بيوسف الخال لقاء عمل، كنا كمثل شخصين أقاما عهداً بينهما، دون أن يعرف أحدهما الآخر، ودون أن يلتقيا ولم يكن لقاؤهما إلا لكي يضعا هذا العهد موضع الممارسة. هكذا بدونا، في لقائنا كمثل شخصين تربط بينهما صداقة قديمة، قدم الشعر؛ كمثل شخصين يسكنهما هاجسٌ واحد من أجل قضية واحدة: التأسيس لكتابة شعرية عربية جديدة؛ كمثل شخصين لا سلاح لهما غير الشعر والصداقة والحرية.

بعد اختلافه مع يوسف الخال وانفصاله عن جماعة شعر، أسس في لبنان سنة 1968 مجلّة مواقف التي استمر اصدارها حتى عام 1993، كما اشتغل بالتدريس في الجامعة اللبنانية. وبعد اشتعال الحرب الأهلية في لبنان، عاد إلى سورية سنة 1976، حيث عمل أستاذاً في جامعة دمشق، ومحرراً أدبياً في صحيفة الثورة.

كما أسس أدونيس أيضاً وحرر مجلة الآخر، وعمل في ترجمة الأعمال المسرحية الكاملة لجورج شحادة ومسرحيتان لراسين ما بين 1972-1978، إضافة إلى ترجمة شعر سان جون برس. وما بين 1985-1989، كان أدونيس ممثلاً للجامعة الدول العربية في منظمة اليونسكو في باريس.

أدونيس وسوريا

بعد مغادرة أدونيس لسورية للمرة الأولى سنة 1956، عاد لها ثلاث مرات: مرة سنة 1976 عند اشتعال الحرب الأهلية في لبنان، ثم سنة 2003 بعد غياب دام خمسين عام، حيث ألقى قصيدة “تحولات الصقر” في أمسية شعرية حضرها جمهور كبير بقصر العظم في دمشق. أما آخر زيارة له لسورية فكانت قبل بداية الأزمة السورية عام 2010. سئل ذات يوم: “هل تحلم بالعودة إلى سورية؟” فأجاب: “أحلم بالعودة إلى البيت الذي ولدت فيه، وإلى الأرض التي وطئتها قدماي لأول مرة، وإلى الشجرة التي صعدت إليها للمرة الأولى وأنا طفل، أحلم بالعودة إلى طفولتي التي امتزجت بالماء والتراب والهواء والشمس.”

أدونيس ولبنان

توجه أدونيس إلى لبنان بعد تسريحه من الجيش وقرر الإقامة فيه على أثر الاعتقال التعسفي الذي تعرض له على خلفية اغتيال عدنان المالكي. وعد أنه ولد ولادته الثانية في بيروت، ولادة وصفها بثقافية، حيث كان لبنان يومها يقود العالم العربي في المجال الأدبي. أبهرته بيروت بجمالها ومنحته مساحة كبيرة من الحرية كان قد حرم منها في سورية، كما أتاحت له فرصة العمل في مطبوعات شهيرة، مثل مجلّة شعر ومجلة مواقف وصحيفة النهار.

شهد في لبنان الحرب الأهلية خلال فترة تدريسه في الجامعة اللبنانية، ولكونه ضد العنف بكل أشكاله، وجد أنها حرب عبثية وقال: “أنا مع غاندي وضد جيفارا في كل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية والحياة الثقافية، إذا الانسان لم يتطور تلقائياً، إذا لم يتطور استناداً على العقل وعلى المعرفة وعلى الحوار، لا يمكن أن يتطور بالسيف.”

أدونيس والإسلام

أثارت أراء أدونيس حول الاسلام جدلاً واسعاً، إلا أنه بين رأيه وقال:

لم أكتب كلمة ضد الإسلام بوصفه ديناً ورؤية للعالم، وإنما انتقدتُ الممارسة والفهم للنص القرآني، وانتقدت التأويل السائد للإسلام، وسأستمر في نقدي هذا. أنا مسلم ابن الثقافة الإسلامية، ولو كان الإسلام لا يهمني لتحدثت عن قضايا أخرى، لكن الإسلام يسكنني في دمي وحياتي وثقافتي، لذلك أغضب للإسلام وأناقشه، وأتحدى أي شخص أن يأتيني بكلمة واحدة كتبتها ضد الإسلام، وحينما أدعو مثلاً إلى قراءة القرآن قراءة عصرية؛ فهذا ليس معناه الانتقاص منه أو إزالة أي شيء منه بطبيعة الحال، بل إن الاجتهاد مدعاة للتعريف بعظمته وقيمته.

أدونيس والربيع العربي

أما عن رأيه بأحداث الربيع العربي فقال:

نحن العرب الآن في مرحلة انقراض، ولسنا في مرحلة ثورة ولا في مرحلة نهوض، نحن بحيرة تجف، مليئة بالسمك، وهذا السمك يأكل بعضه بعضاً بعماوة، وبضلالة كاملة، هذا يقتلك باسم القومية، هذا يقتلك باسم الدين، وهذا يقتلك باسم القبيلة، وليس هناك أي أفق أمام العرب على الاطلاق إلا إذا خرجوا من هذا السياق التاريخي بمعجزة، إلى سياق آخر، والسياق الآخر هو القطيعة الكاملة مع الماضي، وتأسيس مجتمع جديد، على أساس قانوني، على أساس تحرير المرأة، على أساس نشوء الفرد الحر المستقل، لا على أساس القبيلة، ولا الدين، ولا الطائفة، ولا العشيرة. يجب أن نفكر بمجتمع جديد، بعروبة جديدة، بخطاب جديد، بثقافة جديدة، وليس فقط بسلطة جديدة. العالم العربي كله يسير على كرسي متحرك، لا إرادة له، وإنما هناك من يقوم بتحريكه، فنحن مجرد أدوات.

مؤلفاته

الجوائز

ترشح مرات عديدة لنيل جائزة نوبل، ومن الجوائز التي فاز بها أثناء مسيرته الأدبية:

حياته الشخصية

في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي تعرّف أدونيس على شريكة حياته الأديبة خالدة سعيد، وتزوج منها سنة 1956، وأنجبت له ابنْتين هما أرواد ونينار. نال الجنسية اللبنانية مع أسرته في العام 1963 وهو مقيم معهم في فرنسا منذ سنة 1986.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !