أحداث

الإضراب الستيني

(27 كانون الثاني - 2 آذار 1936)

الإضراب الستيني، هو إضراب عام في جميع المدن السورية، نظمته الكتلة الوطنية في الفترة ما بين شهري كانون الثاني وآذار عام 1936، رداً على اعتقال نائب دمشق فخري البارودي. كانت نتيجة الإضراب إقالة حكومة الشيخ تاج الدين الحسني المحسوبة على فرنسا والدخول في مفاوضات مباشرة مع قادة الكتلة، أدت إلى سفر وفد إلى باريس برئاسة هاشم الأتاسي، لمناقشة مستقبل الانتداب الفرنسي في سورية. استغرقت المفاوضات أشهر طويلة وفي نهايتها وقع الأتاسي باسم الكتلة الوطنية معاهدة عام 1936 مع الحكومة الفرنسية، التي وعدت السوريين باستقلال تدريجي ولكنّها لم تُطبق بسبب رفض البرلمان الفرنسي المصادقة عليها، خوفاً من قرب وقوع حرب عالمية جديدة في أوروبا.

البداية

تعود جذور الإضراب الستيني في سورية إلى المظاهرات الحاشدة المنددة بالانتداب الفرنسي التي قادتها الكتلة الوطنية في حلب يوم وفاة إبراهيم هنانو في 21 تشرين الثاني 1935. شارك أكثر من 150 ألف شخص في جنازة هنانو ورفعت فيها شعارات جريئة مطالبة بالاستقلال وتنحي رئيس الجمهورية محمد علي العابد ورئيس الحكومة تاج الدين الحسني. اعتقلت السلطات الفرنسية مئة من المشيعين، كان من بينهم النائب سعد الله الجابري، خليفة إبراهيم هنانو في حلب. وبعد الانتهاء من الدفن، اقتحمت القوات الفرنسية منزل هنانو في حلب وصادرت ما في داخله من أوراق ووثائق، ما أشعل المزيد من المظاهرات والاعتقالات، طالت 160 شاباً من أنصار الكتلة الوطنية في شمال سورية. استمرت المظاهرات في الأشهر الأخيرة من العام 1935 وفي 18 كانون الثاني 1936 اعتقلت السلطات الفرنسية نائب دمشق فخري البارودي بتهمة التحريض، وقالت إنه هو المسؤول عن كل أعمال الشغب التي شهدتها سورية منذ وفاة هنانو.

توسع رقعة المظاهرات والإضراب

تزامناً مع اعتقال البارودي قامت سلطة الانتداب بإغلاق مكاتب الكتلة الوطنية في دمشق وحلب، فعرض عارف الحلبوني، رئيس غرفة التجارة أن يقوم بوساطة بين الفرنسيين وهاشم الأتاسي. وعندما فشلت مساعيه، دعت الكتلة إلى إضراب عام في المدن السورية كافة ابتداء من صباح يوم 27 كانون الثاني 1936، ورفع الأتاسي برقية إلى عصبة الأمم مسوغاً موقفه بالقول:

أغلقت مكاتب الكتلة الوطنية في سورية بعد إبعاد النائب فخري البارودي وسجن مئات من الشباب والطلاب بدون حكم. أحتل الجند شوارع المدن السورية، أطلقت النار على الطلاب وقُتل منهم عدد كبير، خُرقت حرمة المنازل، خُطف الأطفال لإرهاب العائلات هذه التدابير تؤدي البلاد إلى مجازفة مخيفة. نرجوكم العمل لوضع حدّ لهذه السياسة الخرقاء، ساعدونا على مطالبنا الحقّة.

ردت سلطة الانتداب بمنع قادة الكتلة بدمشق من المشاركة بالإضراب ووضعت شكري القوتلي ولطفي الحفار ونسيب البكري قيد الإقامة الجبرية في منازلهم، مع نفي جميل مردم بك إلى بلدة أعزاز على الحدود السورية – التركية وطرد فارس الخوري من الهيئة التدريسية في الجامعة السورية وإعفاء شقيقه فائز الخوري من عمادة كلية الحقوق.

وعلى الرغم من كل هذه التدابير الصارمة بحق الكتلة الوطنية، إلا أن قادتها تمكنوا من حشد الشارع الدمشقي داخل الجامع الأموي وعند محاولة الشبّان الخروج في مظاهرة إلى سوق الحميدية، أطلق عليهم النار واستشهد أربعة منهم. أغلقت كل متاجر دمشق احتجاجاً على لجوء الفرنسيين للرصاص الحيّ في تفريق المتظاهرين، وأضربت مدينة حمص تضامناً ودعماً لأهالي دمشق وحلب. قُتل ثلاثة متظاهرين في حمص، وامتد الإضراب بسرعة إلى بقية المدن السورية ووصل إلى حماة واللاذقية، ثم إلى مدينة دير الزور على ضفاف نهر الفرات، التي دخلت الإضراب رسمياً في 10 شباط 1936. وحدها الأفران بقيت تعمل في كل هذه المدن لتأمين حاجة المواطنين اليومية من الخبز، بطلب من هاشم الأتاسي.

حدد الأتاسي مطالب الكتلة الوطنية وشروطه لوقف الإضراب:

  • إطلاق سراح المعتقلين، وفي مقدمتهم فخري البارودي.
  • إصدار عفو عام عن المبعدين السياسيين.
  • إبطال قرار طرد الطلاب من مدارسهم وجامعتهم بسبب مشاركتهم في الإضراب.
  • فتح مكاتب الكتلة الوطنية في دمشق وحلب.
هاشم الأتاسي وعطا الأيوبي يوم انتهاء الإضراب الستيني في 2 آذار 1936.
هاشم الأتاسي وعطا الأيوبي يوم انتهاء الإضراب الستيني في 2 آذار 1936.

نهاية الإضراب

أدركت فرنسا حجم الضرر الذي لحق لسمعتها ومصالحها الاقتصادية في سورية بسبب الإضراب وأوعزت إلى مندوبها السامي هنري دي مارتيل بفتح قناة تواصل مع هاشم الأتاسي. قال دي مارتيل أن حكومة بلاده قبلت بمطالب الكتلة وأنها ستتفاوض معها على هذا الأساس. أعفى المندوب الفرنسي رئيس الحكومة تاج الدين الحسني من منصبه وعيّن السياسي المستقل عطا الأيوبي – المقبول من الأتاسي والكتلة الوطنية – رئيساً للحكومة السورية.

توجه معه الأتاسي إلى بيروت لمفاوضة دي مارتيل، واتفق الطرفان على إنهاء الإضراب وفتح المتاجر مقابل إطلاق سراح البارودي وصحبه وسفر وفد رفيع من الكتلة الوطنية إلى باريس للتفاوض على مستقبل الانتداب الفرنسي في سورية.  وفي 2 آذار 1936 أصدر الأتاسي بياناً يدعو فيه الشعب إلى فتح المتاجر ونزل بنفسه إلى سوق الحميدية، أكبر أسواق دمشق التجارية، لقصّ الشريط الأخضر الذي وضع على مدخله، معلناً إنهاء الإضراب الستيني. رسالة الأتاسي كانت واضحة: وحدها الكتلة الوطنية قادرة على إغلاق الأسواق، ووحدها الكتلة الوطنية قادرة على فتحها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !