جبل قاسيون، يقع شمالي مدينة دمشق ويعد امتداداً لسلسة الجبال السورية الغربية، يبلغ ارتفاعه 1150 متراً عن مستوى سطح البحر، وبحسب الوصف الجيولوجي هو عبارة عن هضبة محدبة غير متناظرة تشكلت في أول مرحلة من العصر الطباشيري المتأخر “حقبة الكريتاسي السينوماني.” يقدم الجبل مشهداً بانورامياً لمدينة دمشق، ويعتبر أحد أماكن التنزه والترفيه المحيطة بها، تغنى به الشعراء والأدباء وكان مصيفاً للملوك والأمراء في العهد الأموي. وتتربع على سفوح الجبل عدة أحياء سكنية شهيرة كحيّ الصالحية ومنطقة المهاجرين وحي الأكراد ومنطقة الشيخ محي الدين، باتت كلها من أشهر مناطق العاصمة السورية.
الموقع
يتصل جبل قاسيون من جهة الغرب بسلسلة جبال لبنان، ومن الشمال والشرق بسلسلة جبال القلمون الممتدة إلى منطقة حمص، كما يشرف على غوطة دمشق وله سفحان يفصل بينهما نهر يزيد المتفرع عن نهر بردى. السفح الأول يقع على ضفة النهر الشمالية ويسمى السفح الأعلى، وهو سفح واسع كبير خال من الماء، أما السفح الأدنى فهو على الضفة الجنوبية وهو سفح مزدهر ونضر.
التسمية
جبل قَاسيون بفتح السين؛ عُرف أيضاً بجبل دمشق، أو جبل الشّام، وجبل التين، وجبل الأنبياء، كما جاء ذكره في أحد المصادر باسم قَيْسُون وأيضاً قايسون، وفي اللغة الآرامية القديمة قَيْصُون، والتي تعني: نهائي أو أقصى. أما عن سبب التسمية فتعددت التفسيرات إلا أن معظم الأبحاث اعتمدت على تفسير سبط ابن الجوزي وهو المستمد من القساوة. إلا أن هذا التفسير بقي معلقاً بين الرواية الدينية التي تقول “هو قاس لأنه لم يسمح بأن تؤخذ منه الأصنام،” والرواية الاجتماعية التي انطلقت من قساوته لعدم نمو الأشجار فيه.
وهناك اعتقاد آخر بأن الاسم غير مستمد من العربية، إذ يذكر الكاتب والمؤرخ المعاصر قتيبة الشهابي أن تسمية “قاسيون” وردت في أقدم المصادر العربية بدءاً من القرن الأول الهجري، غير أن بعض المصادر أوردته أحياناً باسم “قيسون” أو “قايسون،” ومثال على ذلك ما ورد في الشعر “بنت قيسون” وهو لقب خوطبت به دمشق.
وبالنسبة إلى تحول الاسم من “قيسون” إلى “قاسيون،” يرجح أن يكون قد حدث في العصر الهلنستي، إذ إنه أقرب إلى النطق باللسان اليوناني بإشباع حروف العلة بحيث تصبح Kasayon أو Kassyon بدلاً من Kysson. ومن المحتمل أيضاً أن يكون اشتقاق اسم الجبل من الجذر الآرامي “ق ش ا” الذي يفيد القسوة، وعلى ذلك يكون معنى اسم قاسيون “القاسي،” وهذا يؤيد ما كتبه الأب أيوب سميا: “قاسيون كلمة سريانية (قشيونو) معناها القاسي الجاف، وهي صفة هذا الجبل الصخري الأجرد الذي لا عشب فيه ولا خضرة ولا ماء.”
الأساطير حول الجبل
أحيط جبل قاسيون بكثير من الأساطير المنسوبة إلى عدد كبير من الأنبياء. فهناك أسطورة تقول إن سيدنا آدم عليه السلام قد سكن بالقرب من التربة البدرية، وفي سفحه قتل قابيل أخاه هابيل، ففُتح الجبل ليبتلع قاتل أخيه، وذات الأسطورة تقول إن الملائكة زارت سيدنا آدم في كهف جبريل لتُعزِّيه بابنه المقتول.
كما يُعتَقَدُ أنه في شرق جبل قاسيون في قرية برزة نزل سيدنا إبراهيم، فقد ذكر ابن جبير في كتابه “أخبار دمشق” والتي عزاها للعالم الإسلامي ابن عساكر:
تدور أحداث تلك القصة عن النبي إبراهيم الذي ولد في مرتفعات هذا الجبل، بالقرب من قرية تعرف باسم برزة، داخل مغارة طويلة وضيقة، تبعد قرابة كيلومتر ونصف عن الموضع الذي كنا نجلس فيه، إذ يروي ابن جبير ما يلي: من ذلك الغار رأى صلى الله عليه وسلم الكوكب ثم القمر ثم الشمس حسبما ذكره الله تعالى في كتابه عز وجل.
يحكى أيضاً أنه بقرب الربوة في النيرب سكنت حَنَّة أم مريم العذراء. وأن يحيى بن زكريا قد نزل فيه وأمه مدة أربعين عاماً واحتمى فيه من قوم عاد في الغار الذي تحته وفيما بعد أتاها حواريّو عيسى عليه السلام وكان عددهم أربعين حوارياً، ويضم المسجد المُقام هناك أربعين محراباً. وعن الجانب الغربي للجبل، كتب ابن جبير وأكدت التقاليد والتراث المحلي بأنه يمثل التلة المذكورة في القرآن التي عاش فيها المسيح وأمه مريم. وتعبيراً عن قدسية وشرف هذا الجبل قيل: “بين بَرْزَة وَأَرْزَة أربعون ألف نبي”
المغاور الموجودة في جبل قاسيون
فيه العديد من المغاور الطبيعية والمغاور التي أنشأها الإنسان، وأشهرها هي:
- مغارة الجوعيَّة أو الجوع: أما عن سبب تسميتها بذلك فيقال أنه لجأ إليها أربعون نبيّاً خوفاً من الكفار، ولم يكن معهم سوى رغيف واحد من الخبز، فأخذ كلُّ واحد منهم يؤثر رفيقه عليه، حتى ماتوا من الجوع جميعهم.
- مغارة الأربعين: أو مغارة آدم ومغارة الدمو، والتي تقول الأسطورة عنها بأن هابيلاً قُتل على يد أخيه قابيل، وبأن دم هابيل لطخ الجبل بلون أحمر من سفحه حتى منتصفه، ولم ينته إلا عند تلك المغارة.
- مغارة الشيّاح: فيها قبر الشيخ محمد الشيّاح.
أشهر المعالم الموجودة في الجبل
يضم جبل قاسيون:
- قبَّتين تاريخيتين، هما مبنى مرصد قاسيون والتي تعرف باسم قبة السيار الأثرية الواقعة على قمة الجنك، وكانت المرصد الفلكيّ للمأمون لرصد النجوم والكواكب، وقبة النصر المندثرة.
- صخرة اذكريني، تروي قصّة حبّ مؤلمة، حيث كان شاباً يلتقي بمحبوبته التي هام بها، إلاَّ أنّ أهلها أجبروها على الزواج بغيره، فلم يستطع تقّبل الأمر. فما كان منه إلاَّ أن صعد جبل قاسيون، ووقف على هذه الصخرة التي كانتا يجتمعان عندها، وكتب عليها رسالةً بدمه (اذكريني)، ورمى نفسه من أعلى هذا الجبل، لتأتي حبيبته هاربةً من أهلها لعلّها تلتقيه وتتزوّجه، فرأت هذه الكلمة وعرفت ما فعل، فما كان منها إلاَّ أن كتبت تحت رسالته وبدمها أيضاً (لن أنساك)، ورمت نفسها أيضاً، ومازالتا حتى اليوم هاتان الرسالتان موجودتين بخطّهما، لتبقى هذه الصخرة ملتقى للعشاق.
- نصب الجندي المجهول، الذي يتموضع في الجهة الجنوبية الغربية من الجبل.
- مبنى التلفزيون العربي السوري القديم وعلى قمته محطة لتقوية البث الإذاعي والتلفزيوني.
- فيه العديد من الأديرة ومقامات للأولياء الصالحين؛ كدير مَرّان، وقبر النبي ذي الكفل عليه السلام، ومقام النبي يونس عليه السلام، وقبر العلاَّمة محيي الدين بن العربي، وكذلك النبي إيليا.
- عند سفح جبل قاسيون تقع مقالع الحجارة الأثرية التي كانت تزود دمشق بالحجر الكلسي الفاتح في لونه والذي كانوا يستخدمونه في تصميمات الأبلق الشهيرة، التي يتناوب فيها الحجر الفاتح مع الداكن والتي نجدها بكثرة في مساجد دمشق ومدارسها وقصورها.
في وصف الجبل
يتجلى الوصف الأكثر إبهاراً للجبل في كتاب تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار لابن بطوطة، الذي ذكر موضع قاسيون قائلاً “وقاسيون جبل في شمال دمشق والصالحية في سفحه، وهو شهير البركة لأنه مصعد الأنبياء، ومن مشاهده المباركة الغار الذي ولد فيه إبراهيم، ومن ذلك الغار رأى الكواكب والقمر والشمس، ومن مشاهده بالغرب منه، مغارة الدم وفوقها بالجبل دم هابيل، وقد أبقى الله منه في الحجارة أثراً محمراً وهو الموضع الذي قتله أخوه به، واجتره إلى المغارة. ومنها كهف بأعلى الجبل ينسب لآدم وعليه بناء وأسفل منه مغارة تعرف بمغارة الجوع، يذكر أنه أوى إليها سبعون من الأنبياء، ويذكر أن فيما بين باب الفراديس وجامع قاسيون مدفن 700 نبي وبعضهم يقول 70 ألفاً، وفي آخر جبل قاسيون الربوة مأوى المسيح عيسى وأمه”.
أما سبط ابن الجوزي فقد قال فيه “جبل ترتاح النفس في المقام به، ومن يسكنه لا يستطيب له السكن بغيره”، وياقوت الحمويّ فقد ذكره بأنّه جبل معظّم ومقدّس.
قاسيون مسكن الدمشقيين الأول
ويقول المؤرخ الدمشقي محمد أحمد دهمان أن أهل دمشق سكنوا هذا الجبل قبل أن يسكنوا دمشق، وعاشوا فيه أجيالاً طويلة، ثم هبطوا إلى السهل المنبسط أسفله وبنوا مدينتهم، أي أن مدينتهم الأولى كانت قاسيون. ويقول ابن طولون: “سكن أهل المدينة دمشق هذا الجبل قبل أن يسكنوا دمشق، عاشوا فيه أجيالاً طويلة من الزمن، حتى إذا تكاثروا وتناسلوا وارتقت معارفهم وتجاربهم هبطوا إلى السهل المنبسط أسفله، فبنوا مدينتهم دمشق، ولكن مدينتهم الأولى هي قاسيون ففيه نشأوا أولاً وإليه رجعوا.”