محمد رشيد بن علي رضا (23 أيلول 1865 – 22 آب 1935)، مفكر إسلامي، داعية، وأحد رواد الإصلاح في مطلع القرن العشرين. يعتبره كثيرون خليفة للشيخ محمد عبده، وقد طالب بالحفاظ على الخلافة الإسلامية بعد القضاء عليها في تركيا عام 1924، ونبذ العلمانية في محاربة الاستعمار الأوروبي. أسس مجلة المنار في القاهرة عام 1898، التي حققت نجاحاً باهراً في العالم الإسلامي وألهمت جيلاً كاملاً من المفكرين الإسلاميين، وفي مقدمتهم الإمام حسن البنا، مؤسس الإخوان المسلمين.
انتُخب في أيار 1920 رئيساً للمؤتمر السوري العام، وصادق على الدستور الملكي قبل احتلال سورية وفرض الانتداب الفرنسي عليها في 24 تموز 1920. شارك بعدها في تأسيس المؤتمر السوري الفلسطيني في جنيف، وعمل مع أركان الحركة الوطنية السورية ضد الاحتلال البريطاني في فلسطين، والفرنسي في سورية ولبنان.
البداية
وُلِد رشيد رضا في قرية القلمون اللبنانية القريبة من طرابلس الشّام، وكان والده إمام المذهب الشافعي في مسجدها. قرأ على يده وحفظ القرآن الكريم، كما تعلّم مبادئ القراءة والكتابة والحساب. درس في المدرسة الرشيدية الابتدائية في طرابل ، ثم في المدرسة الوطنية الإسلامية، حيث توثّقت علاقته بمؤسس هذه المدرسة، الشيخ حسين الجسر. وفي عام 1887، حصل على إجازة منه لتدريس العلوم الشرعية، وإجازة ثانية لرواية الحديث عن الشيخ محمود نشابة.
مجلة المنار
بدأ دعوته من قرية القلمون، وأصبح خطيباً في مسجدها، حيث تعرّف على محمد عبده وأصبح من مريديه، حين كان الأخير منفياً في بيروت بسبب دوره في الثورة العرابية في مصر. وتوثّقت الصلة بينهما، وحاول الشيخ رشيد لقاء جمال الدين الأفغاني، لكن جهوده توقفت عند حدود تبادل الرسائل. وبعد عودة محمد عبده إلى مصر، هاجر رشيد رضا إلى القاهرة واستقر بها اعتباراً من 3 كانون الثاني 1898. كانت المرحلة المصرية هي الأكثر إنتاجاً وتأثيراً في تفكيره ومنهجه الإصلاحي. وفي شهر آذار من العام نفسه، أسس مجلة المنار، على غرار مجلة العروة الوثقى التي كان يصدرها الأفغاني مغ محمد عبده.
أشار رضا في العدد الأول إلى أن مجلته تهدف إلى الإصلاح الديني والاجتماعي في العالم الإسلامي. وإلى جانب المقالات العامة في الدين والأخلاق والسياسة، أفردت المنار باباً خاصاً لنشر تفسير محمد عبده، كما تضمّنت أبواباً أخرى لنشر الفتاوى والإجابة على ما يرد إلى بريد القراء من أسئلة فقهية وعقائدية. تخصصت المنار في تغطية أخبار الأمة الإسلامية، والتعريف بأعلام الفكر والسياسة في العالم العربي والإسلامي. وقد حققت نجاحاً واسعاً في الوطن العربي كله، جعل من رشيد رضا أحد أبرز المفكرين في عصره، وأكثرهم نفوذاً بعد الأفغاني وعبده.
نشاطه السياسي
في عام 1897، أسس بالتعاون مع رفيق العظم جمعية سياسية في القاهرة، تدعو إلى توحيد الأمة الإسلامية تحت عرش الدولة العثمانية. أيد السلطان عبد الحميد الثاني في البداية، ثم سرعان ما انقلب ضده وبارك انقلاب عام 1908 الذي فرض عليه استعادة العمل بالدستور العثماني المُعطَّل منذ سبعينيات القرن التاسع عشر. في تشرين الأول 1909، زار إسطنبول بعد تنحية عبد الحميد عن العرش وطرح فكرة إنشاء مدرسة خاصة لتأهيل دعاة الإسلام في العالم، ولكن جمعية الاتحاد والترقي لم توافق على مقترحه. ثم كانت سياسة التتريك التي عارضها رشيد رضا بشدة، ما خلّف نفوراً بينه وبين الاتحاديين تطوّر إلى خصومة وقطيعة كاملة. اتهمهم بإضعاف الدولة العثمانية، وبتأييد الدول الأوروبية التي تريد النيل من هيبة الخلافة الإسلامية وبث الفوضى.
بدأ الشيخ رضا في دعوته لإعطاء الولايات العربية قدراً من الاستقلالية، فوجّه له الاتحاديون تهمة السعي للانفصال عن الدولة. وصفهم بالملحدين، ونبّه في كتاباته إلى أن سياساتهم ستؤدي إلى انهيار الدولة، وبأنهم أصبحوا أداة في يد الدول الغربية التي تطمح إلى تمزيق دولة الخلافة، تمهيداً للقضاء عليها. وفي آذار 1914، اتهم جمعية الاتحاد والترقي بدعم الصهيونية، وبأنها لا تمانع إقامة دولة يهودية في فلسطين.
رئيساً للمؤتمر السوري العام
وعند اندلاع الثورة العربية الكبرى عام 1916، تواصل رشيد رضا مع الشريف حسين، سعياً لإقامة دولة عربية. وعندما أصبح ابنه الأمير فيصل حاكماً على سورية بعد تحريرها من الحكم التركي، قدّم له رشيد رضا البيعة وأصبح عضواً في المؤتمر السوري العام سنة 1919. انتقل للعيش في دمشق يوم 8 شباط 1920، وحضر مراسيم تتويج فيصل ملكاً على سورية في 8 آذار 1920. بعدها بشهرين، انتُخب رئيساً للمؤتمر، خلفاً لهاشم الأتاسي الذي سُمّي رئيساً للحكومة في 5 أيار 1920.
انضم رضا إلى كتلة المحافظين في المجلس، معارضاً للنهج العلماني الذي تبنّاه عدد من النواب الشباب، مثل سعد الله الجابري ورياض الصلح. وقد قال لهم: “إن أُعلنت حكومة لا دينية، يفهم منها جميع المسلمين أنها حكومة كفر وتعطيل… غير شرعية… يجب إسقاطها.” كما علّق أمام نائبه وزميله الشيخ عبد القادر الخطيب قائلاً: “الأفندية (في إشارة إلى الأعيان والشباب) يجدون صعوبة في تقبّل فكرة أن يكون رئيس مجلسهم رجل دين معمّم يرتدي لِفّة كبيرة على رأسه.”
الدستور السوري الملكي
في عهده، شُكّلت لجنة لصياغة الدستور الملكي برئاسة هاشم الأتاسي، الذي لم يُعجب الملك فيصل ومن سار بركبه من الوطنيين الشباب. نصّ الدستور الجديد على جعل فيصل ملكاً دستورياً مقيد الصلاحيات، خاضعاً للمساءلة والاستجواب من مجلس النواب. جاء في مواد الدستور أنه يحق لثلث أعضاء المجلس اختيار خليفة الملك عند وفاته (في حال عدم وجود وليّ للعهد من أبنائه)، وبأنه بحاجة إلى موافقة غالبية أعضاء المجلس قبل إعلان الحرب أو إبرام أي اتفاقيات دولية.
وقد فاجأ رشيد رضا خصومه بعدم الاعتراض على المادة 13 من الدستور، التي نصّت على حرية المعتقد والأديان، ولم يُصر على أن تكون الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في المملكة السورية. الذكر الوحيد لدين الإسلام كان في مادة دين الملك، وهي المادة الثالثة التي جاء فيها: “حكومة المملكة العربية السورية حكومة ملكية مدنية نيابية عاصمتها دمشق ودين ملكها الإسلام.” دافع رشيد رضا عن موقفه أمام المحافظين من أنصاره، قائلاً إنه وبتحييد الدين عن الدستور كان يسعى لسحب ذريعة التدخل في شؤون سورية المستقبلية من الدول الأوروبية، بحجة حماية الأقليات، كما حدث في دمشق بعد فتنة العام 1860. وكان يُشير طبعاً إلى إرسال قوات فرنسية إلى السواحل السورية يومها لحماية المسيحيين بعد تعرّضهم لمذبحة كبيرة في تموز 1860.
قبل توجّه قواته إلى معركة ميسلون في 24 تموز 1920، اجتمع الملك فيصل برشيد رضا، الذي أبلغه قرار السلطة التشريعية رفض التنازل أمام الفرنسيين، وأن ذلك يكون تماشياً مع الدستور الجديد الذي أقره المؤتمر السوري. هدّد فيصل بحلّ المجلس، ولكن رضا قال له: “لا يمكنك أن تفعل ذلك.” غضب فيصل عند سماعه هذا التحدي، وتساءل: “من أنتم؟ أنا الذي خلقت سورية!” فردّ الشيخ رضا عليه بغضب: “أأنت خلقت سورية؟ سورية خُلقت قبل أن تُخلق!” وقد علّق الشيخ رضا على هذا الحديث في مذكراته، واصفاً فيصل بالمتعجرف و”المجنون.”
سقوط الحكم الفيصلي والعودة إلى مصر
رفض رشيد رضا دعوة الأمة إلى الجهاد ضد الفرنسيين، حرصاً على حياة الناس، وقال إنه لا يرى فائدة من دخول السوريين في مواجهة عسكرية مع فرنسا، لأن نتائجها لن تكون لصالحهم. حصلت المواجهة العسكرية في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، حيث هُزم الجيش السوري – كما توقّع رشيد رضا – وخُلع الملك فيصل عن العرش. هرب الملك إلى درعا جنوب البلاد، وفي 1 آب 1920، عبر الحدود إلى فلسطين. أما رشيد رضا فقد بقي في دمشق حتى 23 آب، وعاد بعدها إلى مصر لمزاولة نشاطه الدعوي. وقد أرسل خطاباً إلى عصبة الأمم في أيلول 1920، استنكر فيه الاحتلال الفرنسي لسورية، ووقّعه بصفته رئيساً للمؤتمر السوري المنحل منذ شهر تموز.
المؤتمر السوري الفلسطيني
تعاون رشيد رضا مع قادة الحراك الوطني في القاهرة، مثل الأمير ميشيل لطف الله وعبد الرحمن الشهبندر، و في 21 أيلول 1921، شارك في تأسيس المؤتمر السوري الفلسطيني في جنيف،، المناهض للاحتلال الأجنبي في الوطن العربي. كان هذا المؤتمر مدعوماً من قبل الشريف حسين وأولاده، فيصل بعد تنصيبه ملكاً على العراق، والأمير عبد الله بعد تأسيسه إمارة شرق الأردن. ولهذا السبب رفض الأمير عبد العزيز آل سعود دعم المؤتمر، ما أدى إلى انشقاق بعض الأعضاء وتأسيس فرح لهم يدعو إلى الاستقلالية عن الأسرة الهاشمية. عرف هذا الفرع بلجة عابدين، بسبب قرب موقعها من قصر عابدين، وقد ضم شكري القوتلي والأمير شكيب أرسلان والحاج أمين الحسيني.
السنوات الأخيرة والوفاة
عارض محاولات الشريف حسين تنصيب نفسه خليفة على الأمة الإسلامية بعد إلغاء المنصب في تركيا سنة 1924، وقدم دعماً كبيراً للأمير عبد العزيز في حربه على مملكة الحجاز. أيد ابن سعود والفكر الوهابي، وكان من أشد المتحمسين لإقامة المملكة العربية السعودية قبل وفاته في القاهرة عن عمر 69 عاماً، إثر نوبة قلبية في 22 آب 1935
مؤلفاته
- تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (مطبعة المنار، القاهرة 1906)
- تفسير القرآن الكريم (مطبعة المنار – القاهرة 1906)
- المسلمون والقبط والمؤتمر المصري (مطبعة المنار – القاهرة 1911)
- عقيدة الصلب والفداء (مطبعة المنار، القاهرة 1912)
- ذكرى المولد النبوي (مطبعة المنار، القاهرة 1917)
- الخلافة أو الإمامة العظمى (مطبعة المنار، القاهرة 1922)
- خلاصة السيرة المحمدية وحقيقة الدعوة الإسلامية (مطبعة المنار، القاهرة 1927)
- الوحي المحمدي (مطبعة المنار، القاهرة 1933)
- تفسير سورة يوسف عليه السلام (مطبعة المنار، القاهرة 1936)
- الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (مصر 1939)
- السنة والشيعة، أو الوهابية والرافضية (مطبعة المنار، القاهرة 1947)
- تفسير الفاتحة وست صور من خواتيم القرآن (مطبعة المنار، القاهرة 1947)
- شبهات النصارى وحجج الإسلام (مطبعة المنار، القاهرة 1947)
- فتاوى الإمام محمد رشيد رضا، تحقيق الدكتور صلاح الدين منجد (دار الكتاب الجديد، بيروت 1970)
- الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية (المكتب الإسلامي، بيروت 1970)
- رحلات الإمام محمد رشيد رضا، تحقيق الدكتور يوسف الإبش (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1971)
- التفسير المختصر المفيد للقرآن المجيد (المكتبة الإسلامية، بيروت 1984)
- الربا والمعاملات في الإسلام، تحقيق محمد بهجة البيطار (دار ابن زيدون، 1986)
- رحلتان إلى سورية، تحقيق زهير أحمد ظاظا (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2000)
- مقالات الشيخ رشيد رضا السياسية (دار ابن عربي، بيروت 1994)
الكتب التي حققها
- رسالة في حقيقة الصيام، تأليف ابن تيمية (مطبعة المنار، القاهرة 1900)
- أسرار البلاغة في علم البيان، تأليف عبد القاهر الجرجاني (مطبعة المنار، القاهرة 1902)
- الآداب الشرعية والمنح المرعية (مطبعة المنار، القاهرة 1929)
- قاعدة في المعجزات والكرامات وأنواع خوارق العادات، تأليف ابن تيمية (مطبعة المنار، القاهرة 1930)
- بضع رسائل في عقائد الإسلام، تأليف محمد عبد الوهاب (مطبعة المنار، القاهرة 1930)
- مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام الله الكريم، تأليف ابن تيمية (مطبعة المنار، القاهرة 1930)
- الارتسامات اللطف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف، تأليف شكيب أرسلان (مطبعة المنار، القاهرة 1931)
- رسالة التوحيد، تأليف محمد عبده (دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1951)
- مجموعة الرسائل والمسائل، تأليف ابن تيمية (لجنة التراث العربي، القاهرة 1960)
المناصب
رئيس المؤتمر السوري (5 أيار – 24 تموز 1920)
- سبقه في المنصب: هاشم الأتاسي
- خلفه في المنصب: ألغي المنصب