أعلام وشخصياتسياسيون ورجال دولة

سعد الله الجابري

رئيس الحكومة السورية ومجلس النواب (1943-1946) - رئيس الحزب الوطني (1947)

الرئيس سعد الله الجابري
الرئيس سعد الله الجابري

 

سعد الله بن عبد القادر لطفي الجابري (1893 – 20 حزيران 1947)، زعيم وطني سوري من حلب وأحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة، ترأس ثلاث حكومات في عهد الرئيس شكري القوتلي وكان رئيساً لمجلس النواب، وهو أحد مؤسسي الجمعية العربية الفتاة المناهضة للدولة العثمانية ومن أركان الكتلة الوطنية المعارضة للانتداب الفرنسي.
شارك في كتابة دستور سورية الملكي عام 1920، وكان عضواً في الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور سورية الجمهوري الأول عام 1928. كان عضواً في وفد الكتلة الوطنية في مفاوضات باريس عام 1936، وكان أحد الموقعين على المعاهدة السورية الفرنسية، كما تزعّم المفاوضات النهائية مع فرنسا التي أدّت إلى استقلال سورية في 17 نيسان 1946. كان أحد مؤسسي جامعة الدول العربية، وانتُخب قبل وفاته في صيف العام 1947 رئيساً للحزب الوطني، وريث الكتلة الوطنية.

البداية

وُلِد سعد الله الجابري في حيّ السُّوَيقة بحلب وهو سليل عائلة معروفة من الأشراف، تعود زعامتها إلى منتصف القرن الثامن عشر. عُيّن والده مُفتياً على المدينة في العهد الحميدي، أمّا والدته حسنى مالك، فكانت من أصول شركسيّة. دَرَس في المدرسة الرشدية في حلب وفي المعهد الشاهاني السُلطانيّ في إسطنبول، قبل سوقه إلى الخدمة الإلزامية في الجيش العثماني مع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914. في هذه الفترة من حياته، انتسب إلى جمعية العربية الفتاة التي أسست في باريس للمطالبة بتوسيع صلاحيات الولايات العربية، قبل أن يصبح مطلبها الاستقلال التام عن الدولة العثمانية.

في العهد الفيصلي (1918-1920)

أيد الثورة العربية الكبرى عند انطلاقها في العام 1916، وعند تحرير دمشق من العثمانيين في أيلول 1918، توجه إليها مع شقيقه إحسان الجابري لمبايعة الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على سورية. عُيّن إحسان الجابري رئيساً لديوان الأمير فيصل وانتُخب سعد الله الجابري نائباً عن حلب في المؤتمر السوري العام، وهو أول مجلس تشريعي عرفته البلاد العربية بعد سقوط الحكم العثماني. بعد تتويج فيصل ملكاً على سورية في 8 آذار 1920، عُيّن الجابري عضواً في لجنة صياغة الدستور الملكي التي كانت برئاسة هاشم الأتاسي، وتحالف مع وزميله في المجلس رياض الصلح وأسسا كتلة نيابية من الشباب التقدميين المُطالبين بتحرير المرأة وإعطائها حق الانتخاب والترشح للمناصب السياسية. وقد توطّدت صداقة قوية بين الجابري والصلح بعد زواج الأخير من فايزة الجابري عام 1930، بنت نافع باشا الجابري، الشقيق الأكبر لسعد الله الجابري. أمّا سعد الله نفسه، فلم يتزوّج وبقي عَزَباً طوال حياته.

مع إبراهيم هنانو

انهار العهد الملكي في سورية عقب معركة ميسلون في 24 تموز 1920، التي كانت نتيجتها خلع الملك فيصل عن العرش وفرض الانتداب الفرنسي. لم يلتحق الجابري بالثورة العسكرية التي اندلعت ضد الفرنسيين في شمال البلاد، لكنّه قدّم لها المال والدعم السياسي وكان مقرّباً من قائدها العام إبراهيم هنانو، زميله في المؤتمر السوري. حُكم عليه بالإعدام، فهرب إلى مصر وحصل على لجوء سياسي من الملك فؤاد الأول. بقي منفياً في القاهرة حتى سنة 1922، عند السماح له بالعودة إلى سورية بعد صدور عفو فرنسي عن مجموعة من الوطنيين السوريين، كان الجابري في مقدمتهم. في هذه الأثناء، شُكّل مجلس عرفي لمحاكمة هنانو في حلب، بعد اعتقاله في شرق الأردن، ووجّهت له تهم شتّى، منها السلب والنهب وقيادة عصيان مسلّح ضد الجمهورية الفرنسية. كان الجابري يحضر جلسات المحكمة بانتظام، بعد أن استُدعي مع شقيقه فاخر شهوداً للدفاع، وفي إحدى الجلسات خاطب رئيس المجلس العسكري هنانو قائلاً: “إنك تزعم أنك قاتلت فرنسا باسم الشعب السوري، فهل يُمكنك أن تأتيني بشخص واحد كلّفك بهذه المُهمّة؟” وهنا وقف الجابري وقال للقاضي الفرنسي:

يا سيدي الرئيس، أنا المدعو سعد الله الجابري من أبناء هذا البلد ومثقّفيه. أنا والألوف معي كلّفنا إبراهيم هنانو بمقاتلة فرنسا التي دخلت بلادنا دون حق، ومن حقنا أن نقاوم الاحتلال الأجنبي. وإن المجرم هو من يعتدي على سلامة الناس وحريّة الشعوب، لا ذلك الذي يدافع عن استقلال بلاده ويجابه في سبيل تحرير آبائه وأجداده. لقد أعلن إبراهيم هنانو الحرب عليكم باسم الشعب السوري العربي، والقتل والفتك والتدمير نتيجة طبيعية للحرب التي خضتم غمارها.

نتيجة تلك المحاكمة كانت براءة هنانو من كل التهم الموجهة إليه، وعودته إلى العمل الوطني، لكن من باب النضال السياسي هذه المرة – لا المُسلح – برفقة سعد الله الجابري الذي بات من أقرب المقربين منه.

الانتساب إلى الكتلة الوطنية

أسس سعد الله الجابري تنظيماً سريّاً لمحاربة الانتداب الفرنسي في حلب، أطْلَق عليه اسم “اليد الحمراء” وضمّ عدداً من أعيان المدينة مثل الدكتور عبد الرحمن كيالي وحسن فؤاد إبراهيم باشا وأسعد الكواكبي، وعندما عَلِمَت السلطات الفرنسية بنشاطه، قامت باعتقال الجابري ونفته إلى صافيتا. وفي عام 1925، أُلقي القبض عليه مرة ثانية لإسهامه في الثورة السورية الكبرى، فسُجِن في حلب ثمّ في جزيرة أرواد. وكان الاعتقال الثالث في العام 1935 بسبب نشاطه في الكتلة الوطنية. انضم الجابري إلى الكتلة الوطنية من خلال إبراهيم هنانو الذي كان أحد مؤسسيها مع شقيقه فاخر الجابري سنة 1927. أشرف هنانو بنفسه على انتساب سعد الله الجابري، وانتخابه عضواً في المجلس الدائم للكتلة الوطنية، ثم نائباً لرئيسها هاشم الأتاسي.

دستور عام 1928

خاضت الكتلة الوطنية أولى معاركها السياسية في العام 1928، عند ترشّح زعمائها في انتخابات الجمعية التأسيسية المكّلفة بوضع دستور جديد لسورية بدلاً من الدستور الملكي الذي قامت فرنسا بتعطيله منذ بدء الاحتلال عام 1920. انتُخب الجابري عضواً في الجمعية، وهاشم الأتاسي رئيساً لها، فكانت هذه ثاني تجربة دستورية لهما، بعد عملهما المشترك في صياغة الدستور الملكي عام 1920. تمكن الجابري ورفاقه من صياغة مسودة دستور ليس فيه أية إشارة إلى الانتداب الفرنسي، ما أغضب المفوضية الفرنسية العليا في بيروت. اعترضت فرنسا على ست مواد في مسودة الدستور وطلبت من أعضاء الجمعية التأسيسية تعديلها وإضافة مادة جديدة رقمها 116، فيها ذكر واضح وصريح للانتداب. ولكنّ أعضاء المؤتمر أصرّوا على موقفهم الرافض لهذه التعديلات وقاموا بتبني الدستور كاملاً دون أي تعديل في 11 آب 1928، فردّت فرنسا بتعطيل الدستور وحلّ الجمعية التأسيسية إلى أجل غير مُسمّى.

الإضراب الستيني (1936)

عند وفاة إبراهيم هنانو في تشرين الثاني 1935، نصّب أهالي حلب الجابري زعيماً عليهم، ووَقَف في مقدمة المشيعين رافعاً شعارات مناهضة للانتداب ومطالبة باستقلال سورية. قامت سلطة الانتداب باعتقاله، وفي 21 كانون الأول 1936، اعتقلت زميله فخري البارودي في دمشق، ما أشعل الإضراب الستيني في المدن السورية كافّة. توصلت الكتلة الوطنية إلى اتفاق مع فرنسا يقضي بإنهاء الإضراب في شباط 1936، مقابل إطلاق سراح الجابري والبارودي وكل المعتقلين السياسيين، مع سفر وفد بقيادة هاشم الأتاسي إلى باريس لمناقشة مستقبل سورية.

مفاوضات باريس (1936)

في نهاية شهر آذار 1936، توجه وفد الكتلة الوطنية إلى فرنسا ممثلاً بالأتاسي ومعه سعد الله الجابري وجميل مردم بك وفارس الخوري ورياض الصلح. مكثوا في العاصمة الفرنسية طيلة ستة أشهر، وفي 9 أيلول 1936 توصلوا إلى معاهدة مع حكومة ليون بلوم، أعطت الدولة السورية وعداً مشروطاً بالاستقلال التدريجي مقابل حزمة من الامتيازات السياسية والعسكرية والثقافية. نصّت معاهدة عام 1936 على إعادة ضم جبل العلويين إلى سورية، ومعه جبل الدروز، مع توسيع صلاحيات السوريين في الإدارة والحكم. للمرة الأولى منذ عام 1920، سُمِح لهم بإنشاء وزارة للخارجية وأخرى للدفاع.

سعد الله الجابري في باريس سنة 1936 مع هاشك الأتاسي ورياض الصلح.
سعد الله الجابري في باريس سنة 1936 مع هاشم الأتاسي ورياض الصلح.

وزيراً للداخلية والخارجية (1936-1939)

عاد وفد الكتلة الوطنية إلى سورية رافعاً شعار النصر يوم 29 أيلول 1936، وفي تصريحه أمام الصحفيين أثنى الجابري على المعاهدة وقال: “لم يبق على فرنسا إلّا أن تُعطينا مارسيليا.” قدّم رئيس الجمهورية محمد علي العابد استقالته، داعياً لانتخابات نيابية ورئاسية مبكرة فازت بها الكتلة الوطنية بغالبية مقاعد المجلس النيابي. انتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في 21 كانون الأول 1936، وشكّل جميل مردم بك أول حكومة وطنية، تولّى فيها الجابري حقيبتي الداخلية والخارجية، فيما ذهبت بقية الحقائب إلى زملائه في الكتلة الوطنية.

معارضة الشهبندر (1937-1939)

تعرض العهد الجديد إلى تحدّيات كبيرة، منها رفض مناطف العلويين والدروز للمحافظين الجدد الذين عينتهم حكومة دمشق، وفد وصل بهم الأمر إلى تهديد محافظ اللاذقية بالإغتيال، بعد حادثة اختطاف توفيق شامية، محافظ الحزيرة. بعد عودة عبد الرحمن الشهبندر من المنفى (أحد أبرز قادة الثورة السورية الكبرى) شنّ هجوم عنيف على معاهدة عام 1936، معتبراً إنها فرّطت بحقوق سورية، وبأنها أُبرمت على حساب دماء الشهداء، دون أن تنصفهم أو تُعطي وعداً صريحاً بالاستقلال. لم يهاجم رئيس الجمهورية، احتراماً لماضي هاشم الأتاسي الوطني، بل صوّبت انتقاداته تجاه جميل مردم بك وسعد الله الجابري، ورأى أنهما وقفا خلف كل التنازلات الواردة في المعاهدة. 

ضاعف الشهبندر من معارضته بعد رفض البرلمان الفرنسي المصادقة على معاهدة عام 1936، خوفاً من أن تؤدي إلى تراجع نفوذ فرنسا في الشرق الأوسط. سافر الجابري إلى باريس مع رئيس الحكومة، في محاولة لإقناع المُشرّعين الفرنسيين بالعدول عن موقفهم، وقدّموا لهم بعض التنازلات الإضافية، كإعطاء فرنسا حق التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية، وحماية الأقليات في سورية. مع ذلك، بقي البرلمان الفرنسي مصراً على رفضه، وبقيت معاهدة عام 1936 حِبراً على ورق، ما ضرّ كثيراً في سمعة الكتلة الوطنية.

سلخ لواء إسكندرون (1939)

ثم جاءت قضية سلخ منطقة لواء إسكندرون عن سورية، عبر استفتاء أجرته عصبة الأمم، التي لم تكن سورية عضواً فيها. أخفق الجابري بمنع الاستفتاء وضم المنطقة برمّتها إلى تركيا، في فجّر سلسلة من الانتقادات ضده – بصفته وزيراً للخارجية – ولرئيس الحكومة جميل مردم بك، بالتنازل عن لواء إسكندرون، تحديداً بعد لقاء جمع بينهم وبين الرئيس التركي كمال أتاتورك في أنقرة أثناء عودتهما من باريس. اتهمهم الشهبندر بالتقصير في حماية الأراضي السورية، مطالباً باستقالتهم ومحاسبتهم أمام القضاء. ردّ الجابري بوضع الشهبندر قيد الإقامة الجبرية في منزله الصيفي في الزبداني، وفرز عناصر من الشرطة – بصفته وزيراً للداخلية – لمراقبة تحركاته وزواره. وعندما تقدّم الشهبندر إلى وزارة الداخلية بطلب تأسيس حزب سياسي أو استنهاض حزب الشعب المعطّل منذ عام 1925، جاء جواب الرفض موقعاً من الجابري. كما قام الجابري باعتقال عدد من مناصريه، منهم الصحفي نصوح بابيل، بتهمة عقد اجتماع سياسي غير مرخّص في منطقة الميدان، هدفه التحريض ضد الحكومة السورية.

اغتيال الشهبندر (1941)

استقالت حكومة مردم بك في 23 شباط 1939 وبعدها بأشهر تبعها الرئيس هاشم الأتاسي باستقالته، منهياً عهد الكتلة الوطنية الأول في الحكم. وفي 6 تموز 1940، اغتيل عبد الرحمن الشهبندر في عيادته الطبية وسط دمشق، ووجّهت أصابع الاتهام فوراً إلى خصومه في الكتلة الوطنية: جميل مردم بك، ولطفي الحفار، وسعد الله الجابري. خضع الجابري إلى جلسة تحقيق في حلب، وتمكن من الهروب إلى العراق قبل صدور مذكرة توقيف بحقّه وحقّ مردم بك والحفار. حصلوا على لجوء سياسي من حكومة جميل المدفعي، وشُكّل في دمشق فريق من المحامين السوريين واللبنانيين للدفاع عنهم، بعد أن قال أحد الجناة إنه تلقّى مالاً وسلاحاً منه رجالات الكتلة الوطنية لتنفيذ الجريمة. بعد محاكمة غيابية بدمشق، تبيّن أنه لا علاقة للجابري ورفاقه بمقتل الشهبندر، فصدر قرار براءة بحقّهم، ليعودا إلى سورية مطلع العام 1941.

حكومة الجابري الأولى (19 آب 1943 – 14 تشرين الثاني 1944)

ترشّح الجابري في الانتخابات النيابية لعام 1943 وعند انتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية في 17 آب، سُمّي أول رئيس حكومة في عهده. واجه الجابري معارضة منظّمة من البداية، ليس من دمشق وحدها بل من حلب أيضاً، عند ظهور جيل جديد من الوطنيين الشباب المعارضين للقوتلي، مثل رشدي الكيخيا وناظم القدسي، وهم أعضاء سابقون في الكتلة الوطنية، انشقّوا عنها عام 1939 بسبب فشلها في الحكم وفي منع سلخ لواء إسكندرون عن سورية. استمرت حكومة الجابري في الحكم لغاية 14 تشرين الثاني 1944، تاريخ تعيينه رئيساً لمجلس النواب خلفاً لفارس الخوري. من منجزات الجابري كانت مشاركته في تأسيس جامعة الدول العربية في مصر، وصياغة ميثاقها عام 1944. ويذكر بأنه كان أول من عقد اجتماعاً عربياً لأجل القضية الفلسطينينية (مؤتمر بلودان في 8-9 أيلول 1937) يوم كان وزيراً للخارجية.

سعد الله الجابري مع رياض الصلح سنة 1943.
سعد الله الجابري مع رياض الصلح سنة 1943.

العدوان الفرنسي (29 أيار 1945)

في 29 أيار 1945 وقع العدوان الفرنسي على مدينة دمشق، وكان الهدف منه اعتقال الجابري جميل مردم بك ورئيس الجمهورية شكري القوتلي. افتعلت فرنسا حادثة على مدخل مجلس النواب، وأنزل عناصرها العلم السوري من على السارية ورفعوا العلم الفرنسي مكانه، ثم أمروا عناصر حامية الدرك المرابطة على أبواب المجلس بتحيته. وعند رفضهم تنفيذ الأوامر أطلق الجنود السنغال النار عليهم وقتلوهم، ثم دخلوا مبنى البرلمان بحثاً عن الجابري بنية اعتقاله أو اغتياله. كان الجابري قد غادر المبنى، وعندما لم يجدوه أضرموا النار في مكتبه وصادروا جميع الوثائق. بعدها قصفت فرنسا البرلمان، وأرسلت مفرزة من الجنود لاعتقال الجابري في مكان إقامته في فندق الأورينت بالاس في ساحة الحجاز.

كان ألكسي الأول بطريرك موسكو نزيلاً في الفندق نفسه، فطلبت السفارة السوفيتية من الحاكم العسكري الفرنسي وقف القصف لإجلائه وفتح طريق آمن له لكي يتمكن من السفر إلى لبنان. عرض البطريرك على الجابري السفر معه إلى بيروت، وعندما وصلا إلى حدود المصنع، لم يرغب الجابري أن يدخل الأراضي اللبنانية تحت حماية روسية فترجّل من السيارة واستقل سيارة نقل خاصة أوصلته إلى مقر السراي في بيروت، حيث كان في استقباله رئيس الحكومة اللبنانية عبد الحميد كرامي. وضع كرامي مكتبه تحت تصرف الجابري، الذي عقد مؤتمراً صحفياً وتحدث بإسهاب عن المجزرة الفرنسية في دمشق، ثم سافر إلى القاهرة لحضور اجتماع عاجل في مقر جامعة الدول العربية، خُصّص لمناقشة الأوضاع في سورية.

صدرت إدانات عربية ودولية بحق الفرنسيين، تبعها إنذار بريطاني في 1 حزيران 1945، مُطالباً بوقف العدوان وبدء انسحاب القوات الفرنسية عن سورية. شارك الجابري في المفاوضات النهائية مع فرنسا، حول تسلّم المصالح المشتركة مع لبنان، ومنها المطارات والسجون والمرافق الحيوية. وفي عيد الجلاء الأول يوم 17 نيسان 1946، شارك الرئيس القوتلي في رفع علم الاستقلال فوق السراي الكبير في ساحة المرجة، معلناً جلاء القوات الفرنسية عن سورية.

سعد الله الجابري مع الرئيس شكري القوتلي والرئيس هاشم الأتاسي في عيد الجلاء سنة 1946.
سعد الله الجابري مع الرئيس شكري القوتلي والرئيس هاشم الأتاسي في عيد الجلاء سنة 1946.

مرض الجابري واستقالته

شكّل بعدها الجابري حكومته الثالثة والأخيرة، وهي الأولى في عهد الاستقلال، وقد استمرت في الحكم لغاية 27 كانون الأول 1946، يوم استقالته لأسباب صحية. كان الجابري يُعاني من تشمّع بالكبد، وأُدخل إلى مستشفى المواساة في الإسكندرية وبقي مدة طويلة تحت مراقبة أطباء مصريين وإشراف صفية زغلول، حرم الزعيم المصري سعد زغلول. ومن على سرير المرض، قدّم الجابري استقالة حكومته بنية السفر إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج، ولكنّه توفي قبل موعد السفر بأسابيع. وقد جاء في مذكرات خالد العظم أن الجابري استقال من منصبه بطلب من رئيس الجمهورية، بسبب رفضه مقترح تعديل الدستور للسماح للقوتلي بولاية رئاسية ثانية. يقول العظم في مذكراته:

أرسل السيد محسن البرازي (أمين عام القصر الجمهوري) إلى الإسكندرية ليجتمع بالجابري ويأخذ منه كتاب الاستقالة. إلى أن المشار إليه قابل الموفد باشمئزاز وحمّله رسالة شديدة اللهجة للقوتلي، تتضمن معاتبة لأنه استعجل في طلب الاستقالة، وعدّ ذلك دليلاً على القنوط من شفائه، مما يؤدي إلى انهيار مقاومته المعنوية للمرض.

تأسيس الحزب الوطني (1947)

آخر نشاط سياسي لسعد الله الجابري كان مشاركته في تأسيس الحزب الوطني، الذي أُشهر في دمشق يوم 29 آذار 1947. لم يكن حاضراً في مؤتمر التأسيس بسبب شدّة مرضه، وناب عنه شقيقه الأكبر فاخر الجابري. دعا الحزب إلى الحفاظ على وحدة سورية واحترام نظامها الجمهوري، ما وضعه في مواجهة مباشرة مع الأسرة الهاشمية التي كانت تطالب بضمّ سورية إلى الأردن أو العراق. انتُخب الجابري رئيساً للحزب في 23 نيسان 1947، وعند وفاته بعد شهرين خلفه نبيه العظمة.

الوفاة

توفي سعد الله الجابري في حلب يوم 20 حزيران 1947، عن عمر ناهز 54 عاماً. أُعلن الحداد العام ثلاثة أيام وخرجت له جنازة رئاسية، رُفع فيها نعشه المُجَلَّل بالعلم السوري على عربة مدفع، وتقدّم المشيّعين رئيس الجمهورية شكري القوتلي. في مذكراته وصف الأمير عادل أرسلان مراسيم التشييع قائلاً: “كان سعد الله وطنياً، أبياً، صادقاً، مخلصاً، جواداً وفياً. تأبين شكري القوتلي له كان مؤثراً فقد بكى وأبكى السامعين.”

تكريم الجابري

أُطلق اسم سعد الله الجابري على شارع رئيسي في كل المدن السورية، ونُصِب له تمثال نصفي في حلب وسط ساحة عريقة حملت اسمه منذ سنة 1947. وصدر طابع بريد يحمل رسمه مع عدد كبير من الدراسات، منها:

المناصب الرسمية

المنصب الفترة سبقه خلفه
نائب رئيس الكتلة الوطنية 1936-1934 لا يوجد شكري القوتلي
وزير الداخلية 21 كانون الأول 1936 – 23 شباط 1939 عطا الأيوبي مظهر رسلان
وزير الخارجية 21 كانون الأول 1936 – 23 شباط 1939 لا يوجد فائز الخوري
رئيس الحكومة 19 آب 1943 – 14 تشرين الثاني 1944 عطا الأيوبي فارس الخوري
رئيس مجلس النواب 14 تشرين الثاني 1944 – 30 أيلول 1945 فارس الخوري فارس الخوري
رئيس الحكومة 30 أيلول 1945 – 27 كانون الأول 1946 فارس الخوري جميل مردم بك
رئيس الحزب الوطني 23 نيسان – 20 حزيران 1947 أول من تولاه نبيه العظمة
المصدر
1. رياض الجابري. سعد الله الجابري وحوار مع التاريخ (دمشق 2006)، 102. فيليب خوري. سورية والانتداب الفرنسي (باللغة الإنكليزية - جامعة برينستون 1987)، 2713. عبد الغني العطري. أعلام ومبدعون (دار البشائر، دمشق 1999)، 584. محمد رضوان الأتاسي. هاشم الأتاسي: حياته وعصره (دمشق 2005)، 565. ماري الماظ شهرستان. المؤتمر السوري العام 1919-1920 (دار أمواج، بيروت 2000)، 1976. باتريك سيل. الصراع على الاستقلال العربي (باللغة الإنكليزية، جامعة كامبريدخ، 2010)، 6747. فيليب خوري. سورية والانتداب الفرنسي (باللغة الإنكليزية - جامعة برينستون 1987)، 1258. نصوح بابيل. صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين (دار رياض نجيب الريّيس، لندن 1987)، 409. فيليب خوري. سورية والانتداب الفرنسي (باللغة الإنكليزية - جامعة برينستون 1987)، 12510. محمد رضوان الأتاسي. هاشم الأتاسي: حياته وعصره (دمشق 2005)، 14911. محمد الفرحاني. فارس الخوري وأيام لا تنسى (دار الغد، بيروت 1965)، 19512. نصوح بابيل. صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين (دار رياض نجيب الريّيس، لندن 1987)، 12813. نصوح بابيل. صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين (دار رياض نجيب الريّيس، لندن 1987)، 13414. وصفي المالح. تاريخ المسرح السوري ومُذكراتي (دمشق 1984)، 11215. علي الطنطاوي. ذكريات، الجزء الخامس (دار المنارة، السعودية 1985)، 24816. نفس المصدر، 24117. نفس المصدر18. وثائق وزارة الخارجية البريطانية، 684-15-1، مُرسل من بيوموت (دمشق) إلى لندن، بتاريخ 22 أيار 1944.19. نفس المصدر20. وثائق وزارة الخارجية البريطانية، تقرير من روبيرت فلاك (دمشق) إلى لندن (23 آيار 1944).21. سلمى مردم بك. أوراق جميل مردم بك (شركة المطبوعات، بيروت 1994)، 43422. نفس المصدر23. نفس المصدر، 44024. رياض الجابري. سعد الله الجابري وحوار مع التاريخ (دمشق 2006)، 16624. نصوح بابيل. صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين (دار رياض نجيب الريّيس، لندن 1987)، 30925. خالد العظم. مُذكّرات، الجزء الأول (الدار المتحدة، بيروت 1972)، 32926. نصوح بابيل. صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين (دار رياض نجيب الريّيس، لندن 1987)، 31027. الليدي سبيرز. قضية الاستقلال في سورية ولبنان (دار العلم للملايين، بيروت 1947)، 70

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !