عبد المحسن بن عبد القادر الأسطواني (1853-1961)، عالم دين سوري من دمشق، أنتخب نائباً في مجلس المبعوثان العثماني وتسلّم أمانة الفتوى في دمشق من سنة 1886 ولغاية اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914. وفي عهد الملك فيصل الأول كان نائباً لرئيس مجلس الشورى وأحد مؤسسي الحزب السوري الوطني.
البداية
ولِد عبد المحسن الأسطواني في أُسرة عريقة اشتهر رجالها بالعِلم وتبوَّؤُوا أرفع المناصب الدينية. دَرَس على يد علماء دمشق ومنهم والده الشّيخ عبد القادر الأسطواني والشّيخ سليم العطار، مُدرّس البخاري في جامع سليمان باشا. كان مقرباً من مفتي دمشق الشّيخ محمود الحمزاوي الذي عينه أميناً للفتوى قبل وففاته بأسابيع سنة 1886.
أمين فتوى دمشق
حافظ الشيخ الأسطواني على منصبه على الرغم من كل التغيرات السياسية التي عصفت من حوله ومنها الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني وتنحيته عن العرش في نيسان 1909 وصولاً لاندلاعالحرب العالمية الأولى سنة 1914. انتُخب نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان في إسطنبول وبعد سقوط الحكم العثماني في سورية نهاية شهر أيلول من العام 1918، بايع الأمير فيصل حاكماً عربياً على البلاد. عينه الأخير نائباً لرئيس مجلس الشورى عبد القادر مؤيد العظم وفي عهده كان أحد مؤسسي الحزب السوري الوطني مع أمير الحج عبد الرحمن باشا اليوسف. نادى الحزب باستقلال سورية ووحدة أراضيها، ودعا إلى نظام ملكي دستوري، تكون السلطة العليا فيه لمجلس نيابي مُنتخب. أفتى بمبايعة فيصل الأول ملكاً على سورية – بناء على مقررات المؤتمر السوري العام – وحضر حفل تنصيبه في دار البلدية وسط ساحة المرجة في يوم 8 آذار 1920.
نائباً لرئيس مجلس الشورى
ولكن الحكم الفيصلي لم يستمر طويلاً في سورية وسقط إبان هزيمة الجيش السوري في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920. فُرض الانتداب الفرنسي على دمشق وهرب الملك فيصل إلى فلسطين ومن ثم إلى أوروبا، ولكنه قبل مغادرته دمشق، أعاد تشكيل مجلس الشورى وعيّن عبد الرحمن باشا اليوسف رئيساً له، وهو صديق قديم للأسطواني، كان عضواً معه في مجلس المبعوثان وفي الحزب السوري الوطني. أعاد اليوسف تسمية الأسطواني نائباً له وبقي في منصبه حتى سنة 1924.
موقفه من قانون الأحوال الشخصية
وفي عام 1928، عُيّن الشيخ الأسطواني قاضياً شرعياً في دمشق ثم رئيساً لمحكمة التمييز الشرعية. تزامن هذا التكليف مع محاولة فرنسا تمرير قانون جديد للأحوال الشخصية في سورية، ينص على تحويل كل قضاياه من المحاكم الشرعية إلى المحاكم المدنية، إلّا فيما يتعلق بأمور الزواج والطلاق. اعترض الأسطواني على هذا القرار وحاربه بشدة، لأنه سمح لأي مواطن سوري بلغ سن الرشد أن يختار دينه وأن يتنقل بحرية من طائفة إلى أخرى، أو من دين إلى دين، دون إعلام مجلس الملّة أو الطائفة أو الكنيسة. وسمح القانون لأي امرأة مسلمة أن تتزوج من مسيحي أو يهودي دون أن ينطق الشهادتين، ما أثار حفيظة الأسطواني علماء الشّام كافة.
بسبب الغليان الشعبي الذي أثاره الأسطواني، ظلّ قانون الأحوال الشخصية معلّقاً حتى نهاية عام 1938، عندما قبل به رئيس الحكومة جميل مردم بك. ثار الأسطواني وحشد من أعوانه ومريديه وطالبوا بإسقاط الحكومة المردمية، مهددين بعصيان مدني لو أصر مردم بك على موقفه. شُكّلت لجنة لإعادة النظر في القانون، مؤلفة من عبد المحسن الأسطواني والشّيخ كامل القصّاب ورئيس محكمة التمييز مصطفى برمدا والقاضي حنا مالك، وقرروا مجتمعين طيّ القرار إلى أجل غير مسمى.
موقفه من العدوان الفرنسي عام 1945
كان لعبد المحسن الأسطواني موقف لافت في أثناء العدوان الفرنسي على مدينة دمشق يوم 29 أيار 1945، عندما دخل إلى الجامع الأموي ووجد المصلين يدعون على فرنسا فصاح بهم غاضباً: “المساجد للمُقعدين فقط، فليحمل كل واحد منكم سلاحه.”
شاعراً في عهد الاستقلال
حافظ عبد المحسن الأسطواني على منصبه في محكمة التمييز حتى نهاية حياته، لأن قانون التقاعد في سورية لم يكن ينطبق لا على علماء الدين أو على أئمة المساجد. وظلّ يخطب في جامع البزورية ويُقيم مجلس عِلم في داره، عُرف باسم “مجلس الشيوخ،” وكان بضمّ العديد من السياسيين والعلماء. وكان يُنظم الشّعر التعليمي في أحكام المساجد وأبواب الوتر والنوافل وقضاء الفوائت وسجود السهو والمسائل الفقهية التي كان يغلب عليها الجانب التحليلي العقلي. التزم في نظمه الأوزان الموروثة، مع ميله إلى التنويع في قوافيه، حيث جعل لكل بيت قافية.
الوفاة
توفي الشيخ عبد المحسن الأسطواني بدمشق عن عمر ناهز 108 سنوات 1961. وفي عام 2000، جُمعت قصائده في كتاب زبدة الأقوال: نظم وشرح الفقير الفاني عبد المحسن الأسطواني، صدر عن مطبعة الرازي بدمشق.