أعلام وشخصياتضباط وقادة عسكريون

عفيف البزري

رئيس أركان الجيش السوري (1957-1958)

اللواء عفيف البزرة
اللواء عفيف البزري

عفيف البزري (1914 – 28 كانون الثاني 1994)، ضابط سوري من أصول لبنانية، عاش بدمشق وتولّى رئاسة أركان الجيش السوري من 17 آب 1957 ولغاية إحالته على التقاعد يوم 2 نيسان 1958. خاض حرب فلسطين مع جيش الإنقاذ وشارك في مفاوضات الهدنة السورية – الإسرائيلية سنة 1949. وفي 11 كانون الثاني 1958 ترأس الوفد العسكري الذي سافر إلى القاهرة لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر ومطالبته بتحقيق وحدة اندماجية كاملة بين مصر وسورية. اتُهم بالميل نحو المعسكر الشرقي في الحرب الباردة وعدّ من أنصار الحزب الشيوعي في سورية، ما أدى إلى تسريحه من الخدمة فور قيام الجمهورية العربية المتحدة، بقرار من الرئيس عبد الناصر. تفرّغ بعدها للدراسات العسكرية ووضع العديد من الأبحاث لصالح حركة فتح، بطلب من ياسر عرفات مطلع الثمانينيات.

البداية

ولِد عفيف البزري في مدينة صيدا، وكان جدّه لأمه الشّيخ يوسف الأسير أحد رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر. أما والده فكان قاضياً عمل في المحاكم العثماني وانتقل مع أسرته للعيش بدمشق نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918. درس البزري في مدارس دمشق الحكومية قبل التحاقه بالجامعة اليسوعية في بيروت لدراسة الرياضيات. سجّل أيضاً في كلية الحقوق بالجامعة السورية لكن ظروف والده المادية لم تسمح له من إكمال دراسته فدخل الكلية الحربية في حمص وتخرج فيها ضابطاً – اختصاص مدفعية – وانتسب إلى جيش الشرق التابع لسلطة الانتداب الفرنسي في لبنان وسورية.

ضابطاً في جيش الشرق

انشق البزري عن الفرنسيين سنة 1941 وانضم إلى ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق مع اثنين من رفاقه، وهما جمال الأتاسي وأكرم الحوراني. اعتقلته سلطة الانتداب ونفته إلى مدينة دير الزور حيث بقي سجيناً مدة عام، ليتم إطلاق سراحه يوم انتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية في 17 آب 1943. اعتُقل مجدداً مع شقيقه صلاح البزري، الضابط في سلاح الهندسة، يوم 18 أيار 1945 بتهمة تحريض الجنود للقيام بثورة ضد الانتداب. نُقل مخفوراً إلى سجن بيروت العسكري ولكنه تمكن من الهروب إلى دمشق في 3 حزيران من العام نفسه، ليضع نفسه تحت تصرف القيادة السورية. عُيّن في اللجنة المكلفة بتسلّم الثكنات العسكرية من الفرنسيين قبيل جلاء قواتهم عن سورية في 17 نيسان 1946. وفي مطلع عهد الاستقلال، عُيّن أستاذاً لمادة الطبوغرافيا العسكرية في كلية حمص الحربية.

في جيش الإنقاذ

ومع صدور قرار تقسيم فلسطين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وتشكيل جيش الإنقاذ من قبل جامعة الدول العربية، التحق البزري بصفوفه، ضابطاً في سلاح المدفعية. خدم في جيش الإنقاذ لغاية دخول القوات السورية النظامية المعركة إبان إعلان دافيد بين غوريون قيام دولة إسرائيل في 14 أيار 1948 حيث تعرّف على حسني الزعيم، قائد الجيش السوري الذي أحبه وأُعجب بشاعته، وعند قيامه بانقلاب عسكري على الرئيس سكري القوتلي في 29 آذار 1949 طلب إليه العمل معه بدمشق.

مع حسني الزعيم

كلفه حسني الزعيم بعضوية الوفد العسكري الذي شكل برعاية الأمم المتحدة لأجل مفاوضات الهدنة مع إسرائيل. أجريت المفاوضات في خيمة نُصبت على الحدود السورية الفلسطينية، وامتدت من نيسان وحتى تموز عام 1949. خاض البزري 19 اجتماعاً مع الإسرائيليين، تخللتها 500 مذكرة احتجاج منه ومن الجانب السوري على خروقات العدو، قبل التوصل إلى اتفاق بين الطرفين في 20 تموز 1949.

في عهد الانقلابات العسكرية

بعد سقوط الزعيم ومقتله في 14 آب 1949، سافر البزري إلى فرنسا للدراسة في معهد الجغرافيا بباريس حتى نهاية العام 1953، أي أنه غاب عن كل الانقلابات العسكري التي تعاقبت على سورية. عاد إلى دمشق مع نهاية عهد أديب الشيشكلي وكانت تربطه صداقة متينة مع رئيس أركانه اللواء شوكت شقير، وهو لبناني مثله. طلب إليه اللواء شقير الإشراف على تبيض السجون وإطلاق سراح كل الموقوفين بأمر من الشيشكلي من دون مذكرة قضائية.

عفيف البزري رئيساً للمحكمة العسكرية سنة 1957.
عفيف البزري رئيساً للمحكمة العسكرية سنة 1957.

المؤامرة العراقية

وفي سنة 1956 أعلنت الدولة السورية عن إحباط محاولة انقلاب فاشلة حاول بعض السياسيين القيام بها بتخطيط وتمويل من المملكة العراقية. عُرفت بالمؤامرة العراقية، وكان هدفها التخلّص من كل الشخصيات المحسوبة على الاتحاد السوفيتي والرئيس المصري جمال عبد الناصر في سورية. صدرت مذكرات توقيف بحق المتهمين، ومنهم الرئيس الأسبق أديب الشيشكلي والوزراء والنواب عدنان الأتاسي ومنير العجلاني وميخائيل إليان. فر إليان إلى تركيا ونجى الشيشكلي من الاعتقال لكونه خارج البلاد مقيماً في أوروبا. أمّا العجلاني والأتاسي وبقية رفاقهم، فتم اعتقالهم وشكلّت محكمة خاصة لمحاكمتهم على مدرج الجامعة السورية، ذهبت رئاستها للعقيد عفيف البزري، بتزكية من عبد الحميد السراج، مدير المكتب الثاني.

كان البزري قد حقق سمعة جيدة في الأوساط العسكرية السورية، والجميع كان يعلم أنه مُقرب من الحزب الشيوعي السوري ومن أشد المؤيدين للرئيس عبد الناصر. افتتحت جلسات المحكمة في 8 كانون الأول 1957 وصدرت عنها أحكام الإعدام بحق قادة “المؤامرة العراقية.” اعترض الرئيس سكري القوتلي على الحكام البزري، نظراً لعلاقته التاريخية مع هاشم الأتاسي والد الوزير والنائب عدنان الأتاسي، وطالب إليه تخفيف الحكم. رضخ البزري لطلب رئيس الجمهورية وعدّل الأحكام إلى السجن المؤبد.

رئيساً للأركان العامة (أب 1957 – نيسان 1958)

تزامنت محاكمات البزري مع حدوث تقارب كبير بين سورية وللاتحاد السوفيتي وفي آب 1957 حصلت حكومة الرئيس صبري العسلي على سلاح نوعي من موسكو بقيمة 570 مليون دولار. ردّت الولايات المتحدة على هذا التقارب بمحاولة انقلاب فاشلة في صيف العام 1957، كانت نتيجتها طرد طاقم السفارة الأمريكية من دمشق وسحب السفير السوري فريد زين الدين من واشنطن. بعدها بأيام قليلة، أُعفي رئيس الأركان توفيق نظام الدين من منصبه واستبدل بعفيف البزري، فيما عدّه البعض إرضاءً للاتحاد السوفيتي. رُفّع البزري استثنائياً إلى رتبة “لواء” ومما لا شك فيه أن ميوله الشيوعية كانت لها اليد العليا في تعيينه رئيساً للأركان. علّقت واشنطن على هذا القرار وقالت إن سورية أصبحت “جمهورية سوفيتية يحكمها ضابط شيوعي.”

اللواء عفيف البزرى مع الرئيس شكري القوتلي سنة 1957.
اللواء عفيف البزرى مع الرئيس شكري القوتلي سنة 1957.

الأزمة مع تركيا

تزامن تعيين اللواء البزري في رئاسة الأركان مع حشد قوات تركية على الحدود السورية، وقول حكومة أنقرة إن النظام الحاكم بدمشق بات يهدد أمن وسلامة دول حلف شمال الأطلسي. عرض الاتحاد السوفيتي التدخل العسكري المباشر لصالح سورية وأرسل عبد الناصر قواته إلى مدينة اللاذقية، دعماً للبزري وللجيش السوري. ولكن فتيل الأزمة نُزع قبل حدوث أي مواجهة بفضل وساطة سياسية قام بها الملك السعودي سعود بن عبد العزيز.

سفر الضباط إلى مصر

في 11 كانون الثاني 1958، توجه عفيف البزري إلى القاهرة على رأس وفد مؤلف من 14 ضابطاً ناصرياً، يرافقهم الملحق العسكري المصري عبد المحسن أبو النور. سافروا إلى مصر دون جوازات سفر ودون إعلام رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة ولا حتى وزير الدفاع. طلب البزري إلى نائبه أمين نفوري البقاء في دمشق وإبلاغ القيادة السورية أن الجيش قرر تسلّم زمام المبادرة والتوجه إلى مصر للمطالبة بتحقيق وحدة فورية، دون أي شرط أو قيد.

عفيف البزري والوفد المرافق له مع الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1958.
عفيف البزري والوفد المرافق له مع الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1958.

وكان البزري قد أبرق إلى القاهرة قبل سفره معلناً عن ساعة وصول طائرته، لكيلا تعترضها الدفاعات الجوية المصرية. وعندما تردد بعض الضباط في السفر بهذا الشكل المغامر، خوفاً من عواقب رحلتهم، خاطبهم البزري بحزم وقال: “أمامكم طريقان، الأول يؤدي إلى القاهرة والثاني إلى المزة (سجن المزة)، وعليكم الاختيار بينهما.” حطّت طائرة البزري في مطار ألماظة العسكري ولكن عبد الناصر تأخر في استقباله بسبب انشغاله مع الرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو. وعندما حصل اللقاء مساء 13 كانون الثاني 1958 قال إنه لا يعترف بشرعية وفد البزري لأنه مؤلف من عسكريين فقط جاؤوا دون موافقة رئيس جمهوريتهم. ردّ البزري وقال إنهم يمثلون الشارع السوري وهذا يكفي، مُؤكداً للرئيس المصري أن القيادة السورية لا تستطيع رفض طلبهم.

اللواء عفيف البزري مع وزير الدفاع خالد العظم سنة 1958.
اللواء عفيف البزري مع وزير الدفاع خالد العظم سنة 1958.

التزم الرئيس المصري بموقفه إلى أن جاءه اتصال هاتفي من الرئيس القوتلي، أكد فيه أن البزري وصحبه مفوضين باسم الدولة السورية لمناقشة موضوع الوحدة. أرسل القوتلي وزير الخارجية صلاح البيطار إلى مصر لدعم موقف البزري وإضفاء شرعية سياسية على مفاوضاته. توجه بعدها القوتلي إلى مصر واتفق مع عبد الناصر على قيام وحدة اندماجية باسم الجمهورية العربية المتحدة، والتي أُعلنت رسمياً من القاهرة في 22 شباط 1958.

بين الوحدة والانفصال

بعد أقل من شهرين من ولادة الجمهورية العربية المتحدة، أمر عبد الناصر بتسريح عفيف البزري وإعفائه من منصبه في 2 نيسان 1958، بعد ترفيعه إلى رتبة “فريق.” كان قرار إعفاؤه صادماً لكونه أحد أشد المتحمسين للوحدة، ويعود بشكل رئيسي إلى سببين، أولهما يكمن في شخصيته المغامرة، حيث عدّ عبد الناصر أن من تمرد على رئيس جمهورية سورية يمكنه وبأي وقت التمرد عليه في المستقبل. أما السبب الثاني فكان ناتجاً من ميول البزري الشيوعية التي أقلقت عبد الناصر كثيراً، وهو الذي عمل جاهداً على تطهير الجيش المصري من الحزبية السياسية وأراد اتخاذ قرار مماثل مع الجيش السوري.

صُدم البزري من قرار تسريحه وقيل إنه قرأه في صحيفة الأهرام. لم يتوقع أن يكون هو أول ضحية نظام الوحدة الذي صنعه بنفسه، وعلى الرغم من تعيينه في هيئة تخطيط الدولة في مصر – وهو منصب شرفي لا سلطة حقيقية له – انتقل البزري سراً إلى صفوف المعارضة وأيد الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961. وضع نفسه في مقدمة منتقدي عبد الناصر وفي مطلع عهد الانفصال ألف كتاب الناصرية في جملة الاستعمار الحديث، وفيه شن هجوماً عنيفاً على الرئيس المصري.

الدراسات العسكرية والمناصب الفخرية

تفرغ عفيف البزري من يومها لكتابة الدراسات العسكرية، ومنها “علم الرمي للمدفعية” و”المدفع في الميدان.” وفي مطلع عهد حزب البعث سنة 1963 قدّم مقترح لتأسيس فرع للجغرافيا العسكرية في الجيش السوري، وأثناء حرب حزيران سنة 1967، عُيّنه وزير الدفاع حافظ الأسد رئيساً للجنة الدفاع الوطني في سورية.

مع ياسر عرفات

وفي مطلع الثمانينيات تعاون مع ياسر عرفات وقدّم له مجموعة دراسات عسكرية، كان من ضمنها كفاح العالم الثالث  – معركة شقيف عرنون – الأزمة الراهنة للنظام الإمبريالي. وبطلب من عرفات أيضاً ألّف دراسة مفصلة عن المفاعل الذري والقنبلة الذرية، رُفعت للعقيد الليبي معمّر القذافي بناء على طلبه سنة 1985. وفي السنوات 1980-1982، طبعت حركة فتح بعض مؤلفات عفيف البزري العسكرية ووزعتها في مخيمات اللجوء الفلسطينية.

مؤلفاته

ومن مؤلفات عفيف البزري المطبوعة:

الوفاة

توفي الفريق عفيف البزري بدمشق عن عمر ناهز 80 عاماً يوم 28 كانون الثاني 1994.

المناصب

رئيساً لأركان الجيش السوري (17 آب 1957 – 2 نيسان 1958)

 

 

المصدر
1. عفيف البزرة. سورية جزيرة الحرية الخضراء.2. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية – مطبعة جامعة أوكسفورد 1965)، 103. عفيف البزرة. سورية جزيرة الحرية الخضراء.4. نفس المصدر5. سامي مروان مبيّض. غرب كنيس دمشق (دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2017)، 2145. نفس المصدر6. عفيف البزرة. سورية جزيرة الحرية الخضراء.7. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية – مطبعة جامعة أوكسفورد 1965)، 3008. نفس المصدر، 3209. عبد المحسن أبو النور. مذكرات عبد المحسن أبو النور. الحقيقة عن ثورة 23 يوليو (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2001)، 21410. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية – مطبعة جامعة أوكسفورد 1965)، 32311. عبد الله الخاني. جهاد شكري القوتلي (دار النفائس، بيروت 2003)، 114-115

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !