أحداث

معرض دمشق الدولي

معرض دمشق الاقتصادي الأول منذ سنة 1954.

معرض دمشق الدولي، هو معرض دولي يُقام في دمشق سنوياً منذ عام 1954، وهو من أقدم وأعرق وأكبر المعارض في الشرق الأوسط، تشارك في دوراته عشرات الدول ومئات الشركات السورية والعالمية. انطلقت دورته الأولى في عهد الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1954 وتوقف لسنوات خلال الحرب السورية، ليعود مجدداً ابتداء من العام 2016. كان افتتاح معرض دمشق الدولي حدثاً دولياً اقتصادياً كبيراً حقق نجاحاً فاق كل التوقعات، ليس فقط على المستوى الاقتصادي والتجاري وكذلك على المستوى السياسي والسياحي.

لمحة تاريخية

عند انتخاب محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية عام 1932، ازداد الاهتمام الرسمي بالتجار والصناعيين، بحكم أن الرئيس نفسه كان رجل أعمال مرموقاً وثرياً، وقد قرر العابد إقامة معرض سنوي للصناعات الدمشقية، يهدف إلى تعريف التجّار المحليين بالعالم الخارجي وتقديم منتجاتهم إلى الأسواق العالمية. عُين الأمير مصطفى الشهابي مديراً للمعرض، وسمّي القاضي عارف النكدي وكيلاً للمعرض. استغرق الإعداد لهذا المعرض عشرة أشهر وافتُتح تحت رعاية الرئيس العابد وبحضوره يوم 31 أيار 1936.

فيما بعد طالب المشاركون في المعرض من الحكومة السورية تحويله إلى فعالية سنوية تُقام تحت رعاية غرفة تجارة دمشق. لم تسمح الظروف بذلك، بسبب استقالة الرئيس العابد من منصبه بعد أشهر قليلة ودخول سورية في دوامة اضطرابات ما قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939. بعد خروج الفرنسيين، قرّر تجار دمشق إحياء الفكرة مجدداً، ولكنّ الحرب الفلسطينية منعتهم من ذلك، ثم جاءت الانقلابات العسكرية وبقي الموضوع معلقاً حتى وصول العقيد أديب الشيشكلي إلى الحكم عام 1953. كلّف الشيشكلي وزير الاقتصاد في عهده منير دياب وضع دراسة عن معرض سنوي يهدف إلى الترويج للمنتجات الوطنية وجلب استثمارات دولية وعربية في كافة القطاعات، على أن يُقام في أحد أكبر ميادين دمشق، المعروف بمحلّة مرج الحشيش، أو المرج الأخضر، وهو وقف قديم من زمن الدولة الأيوبية، بات يعرف منذ ذلك التاريخ بأرض معرض دمشق الدولي.

المؤسسون

شُكِّلت لجنة إدارية لإقامة المعرض الجديد، مؤلفة من مديره العام الدكتور خالد بوظو، ونائبه الشاعر سليم الزركلي، مع عدد من الأعيان، منهم رئيس غرفة التجارة مسلم السيوفي ونائب دمشق فخري البارودي. قرروا نقل الملعب البلدي الكبير ومضمار سباق الخيل من جوار الجامعة السورية والتكية السليمانية إلى آخر نقطة فارغة كانت موجودة هناك، بالقرب من ساحة الأمويين، تمهيداً لإنشاء أرض المعرض في مكانهما، بعد الحصول على موافقة من مديرية الأوقاف. الموقع كان استثنائياً بكل المقاييس، واسعاً وخلاباً، مطلاً على شارع الرئيس شكري القوتلي، الواصل بين ساحتي المرجة والأمويين.

نُقل الملعب البلدي القديم، الذي شيّد عام 1925، إلى أرض قريبة تقع إلى جانب مسرح المعرض الجديد، وأضيف إليه المسبح البلدي. بنى المؤسسون أجنحة دائمة للدول المشاركة في المعرض، تمتد على طول نهر بردى من جوار متحف دمشق الوطني، وصولاً إلى مطعم الشرق الملاصق للمسرح. كذلك شيدت بحيرة البط الشهيرة ونوافير مياه ملوّنة، ومعها مجسمات هندسية بأشكال مختلفة، وأعمدة إنارة نيون أبيض ومكبرات صوت ضخمة وزعت على كافة أرجاء أرض المعرض. أُقيمت قوس كبيرة عند مدخل المعرض، ومقابلها أعمدة رُفع عليها أعلام الدول المشاركة.

ألحّ مدير الشؤون الإنشائية يومها حسن مراد، على المهندس شكيب العمري أن يضع قوساً كبيرة للمعرض على شكل قوس قزح، تكون قواعده شبيهة بقواعد برج إيفل، تمتدّ من بوابة المعرض إلى حديقة كازينو دمشق الدولي (التي أصبحت اليوم مقرّ فندق الفورسيزنز). شُيد القوس بحضور أديب الشيشكلي، الذي أطيح بحكمه في شباط 1954، أي قبل سبعة أشهر من بدء فعاليات المعرض. وبقيت القوس شاهدة على كل سنوات المعرض إلى أن أُزيلت عام 2005 عند افتتاح فندق الفورسيزنز، بعد سنتين من نقل أرض المعرض إلى مدينة المعارض على طريق مطار دمشق الدولي.

قوس المعرض في الستينيات.
قوس المعرض في الستينيات.

معرض دمشق الدولي في دورته الأولى سنة 1954.
معرض دمشق الدولي في دورته الأولى سنة 1954.

الدورة الأولى

بحضور رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، أقيمت الدورة الأولى لمعرض دمشق الدولي في 2 أيلول 1954، واستمرت شهراً كاملاً. فاق عدد زواره المليون زائر من مختلف الدول، وقد شاركت في الدورة الأولى ستة وعشرون دولة عربية وأجنبية إضافة لعدد من المؤسسات والشركات الصناعية والتجارية السورية.

نُصب جسر مؤقت يصل بين ضفتي نهر بردى للوصول إلى وزارة المعارف (السياحة اليوم) دون الحاجة لاستعمال جسر المتحف الوطني، مع وجود منافذ أخرى لدخول الزوار تخفيفاً للضغط على البوابة الرئيسية. سُمح للسيارات، بالرغم من قلتها سنة 1954، بالوقوف على ضفاف النهر خلال الفعاليات، ولكن السير توقف كلياً في يوم الافتتاح، ابتداءً من بوابة المعرض، وصولاً إلى طلعة الجبخانة، المعروفة اليوم بطلعة قصر الضيافة. في يوم الافتتاح خطب مدير المعرض خالد بوظو، قائلًا: “إنه برهان ملموس على ما بلغته جهود أمة فتية ناشئة لم يمضِ على تحريرها بالكامل عقد واحد من السنين، في بعث حضارتها ومسايرة ركب المدنية في التقدم والعمران.” ثم ألقى نائبه سليم الزركلي قصيدة جاء في مطلعها: “اليوم عيدك يا شام فهللي وتفتحي عن عالم جنان.”

الرئيس هاشم الأتاسي يجول على الأجنحة يوم افتتاح معرض دمشق الدولي.
الرئيس هاشم الأتاسي يجول على الأجنحة يوم افتتاح معرض دمشق الدولي.

فعاليات المعرض الفنية

لم يقتصر نشاط المعرض على أجنحة الدول المشاركة والشركات الصناعية والتجارية، بل كانت تقام فعاليات فنية وثقافية خلال انعقاد دوراته السنوية، ومن أشهرها حفلات أم كلثوم  سنتي 1957-1958، وفيروز التي غنّت على مسرح المعرض للمرة الأولى سنة 1960 وبقيت تظهر إما بحفلات منفردة أو ضمن مسرحيات الأخوين رحباني حتى سنة 1977 مع غياب واحد سنة 1965 يسبب حملها بابنتها ريما الرحباني. كما غنى الكثير من المطربين العرب على خشبة المعرض، منهم وديع الصافي ونجاح سلام وصولاً إلى عبد الحليم حافظ في دورة عام 1976.  

الرئيس هاشم الأتاسي يجول على الأجنحة يوم افتتاح معرض دمشق الدولي.
اعلانات لحفلات فيروز خلال فعاليات معرض دمشق الدولي.
مسرحيات الأخوين رحباني على مسرح المعرض.
مسرحيات الأخوين رحباني على مسرح المعرض.

المقر الجديد

تقع أرض معرض دمشق القديم في وسط مدينة دمشق والتي تمتد من جسر الرئيس ومتحف دمشق الوطني حتى ساحة الأمويين بمحاذاة نهر بردى. مع توسع العمران وازدياد عدد السكان والازدحام، قررت الحكومة السورية نقل المعرض إلى فناء أوسع وأبعد عن وسط المدينة. تم بناء مدينة مخصصة للمعارض على طريق مطار دمشق الدولي وجرى افتتاحها سنة 2003. وقد أقفل المعرض أبوابه وتوقفت نشاطاته بسبب الحرب السورية من سنة 2011 وحتى سنة 2016، وتوقف ثانية بسبب جائحة كورونا سنة 2020 ومازال لتاريخه بسبب الأوضاع الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !