فنانون

نهاد قلعي

ممثل وكاتب وأحد مؤسسي التلفزيون العربي السوري

نهاد قلعي
نهاد قلعي

نهاد بن محمد رفقي حقي قلعي (1928 – 19 تشرين الأول 1993) ممثل ومخرج ومؤلف درامي سوري وأحد مؤسسي التلفزيون السوري، شكّل ثنائي فني مع دريد لحام سنة 1960 استمر لغاية عام 1976، اشتهر فيه بشخصية “حسني البورظان” التي أداها في عدد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية. وهو صانع عدّة شخصيات درامية شهيرة مثل “فطوم حيص بيص” و”بدري أبو كلبشة” و”أبو عنتر،” التي ظهرت مجتمعة للمرة الأولى في المسلسل الكوميدي صح النوم سنة 1971. يُعد نهاد قلعي أحد أعمدة الدراما السورية ومن صنّاع الكوميديا في الوطن العربي، ومن أشهر أعماله تأليفاً وتمثيلاً مسلسل مقالب غوار سنة 1966 ومسلسل حمام الهنا سنة 1968 ومسلسل صح النوم سنة 1971.

البدايات

ولد نهاد قلعي في مدينة زحلة اللبنانية (واسمه الكامل نهاد قلعي الخربوطلي)،حيث كان والده يعمل رئيساً لمصلحة البرق والبريد. عاد إلى دمشق مع أسرته في ثلاثينيات القرن العشرين وأقاموا في جادة شورى في منطقة المهاجرين، ثم انتقلوا إلى جادة الشطّا القريبة. انتسب إلى مدرسة البخاري، حيث تعلّم فن الخطابة والإلقاء. وفي حفلة نهاية السنة الدراسية، ألقى قصيدة في إطار تمثيلي بحضور الفنان توفيق العطري، وهو من رواد المسرح في سورية، فأعجب به واقترب منه وقال: “ستكون فناناً” وقد ظلّت هذه القصيدة عزيزة على قلب نهاد، وقام بإدخالها على أحد مشاهد تمثيلية ملح وسكر المتممة لمسلسل صح النوم سنة 1973.

انتقل بعدها نهاد قلعي إلى مدرسة التجهيز الأولى (ثانوية جودت الهاشمي اليوم)، حيث صادق أستاذ مادة الرسم الفنان عبد الوهاب أبو سعود، وهو أيضاً من الجيل المؤسس في المسرح السوري، والفنان الشاب وصفي المالح، الذي أعطاه دور صغير في مسرحية مجنون ليلى لأمير الشعراء أحمد شوقي، التي كانت تُعرض على مسرح الهبرا في حيّ القصّاع. إضافة للدراسة والتمثيل، عمل مراقباً في معمل المعكرونة بحيّ الميدان، ثم ضارباً على الآلة الكاتبة في جامعة دمشق، فموظفاً في وزارة الدفاع ومساعداً لمخلص جمركي.

طريق الفن

انتسب نهاد قلعي إلى نادي “أستوديو البرق الفني” في مبنى العابد وسط ساحة المرجة، مطلع عام 1946. وفيه قدمت مسرحية “جيشنا السوري” احتفالاً بجلاء القوات الفرنسية عن سورية في 17 نيسان 1946. كان لنهاد قلعي دور متواضع فيها، ولكن السلطات اعتقلت بطل المسرحية حسن ستّي، فاضطر نهاد لأن يلعب دوره عشية العرض الأول، في دار سينما عائدة في ساحة الحجاز.

انتقل بعدها إلى النادي الشرقي سنة 1954، الذي شارك نهاد في تأسيسه مع المخرج الشاب خلدون المالح (مخرج معظم أعماله التلفزيونية اللاحقة مع دريد لحام). فيه قدم أول دور كوميدي له على خشبة مسرح مدرسة اللاييك، قبل المشاركة في العروض الفنية على مسرح معرض دمشق الدولي.

مشهد من مسرحية ثمن الحرية.
مشهد من مسرحية ثمن الحرية.

وفي زمن الوحدة مع مصر، توجه نهاد قلعي إلى القاهرة لتقديم مسرحية “ثمن الحرية” على مسرح الأزبكية في شباط 1959. كانت مسرحية أجنبية لإمانويل روبلزس، وقد عربها الدكتور زهير براقي ونقل أحداثها من فنزويلا إلى أرض الجزائر الثائرة ضد الفرنسيين، وأدخل عليها حوارات عميقة عن القومية العربية.

عُرضت هذه المسرحية في القاهرة لمدة ثلاثة أسابيع، وكانت باللغة العربية الفصحى، وقد أثنى عليها عميد المسرح المصري يوسف بك وهبي. عاد نهاد إلى دمشق بعدها حيث كلفته وزارة الثقافة بتأسيس المسرح القومي وإدارته، ليكون مسرحاً رسمياً مدعوماً من حكومة الجمهورية العربية المتحدة. ومنه انتقل إلى التلفزيون العربي السوري عند تأسيسه سنة 1960، في الذكرى الثامنة لقيام ثورة 23 تموز في مصر.

شخصية حسني البورظان

كان مقر التلفزيون السوري في قمّة جبل قاسيون، وكان يبث في دمشق وحلب فقط ومدة البث لا تتجاوز الساعتين في اليوم الواحد. دُعي للمشاركة في برنامج الإجازة السعيدة مع الفنان الشاب دريد لحام، الذي كان معيداً في جامعة دمشق يومها ومدرساً في وزارة المعارف. التقى مع دريد بواسطة مدير التلفزيون صباح قباني، ولم يكن يدور في ذهنه أنهما سيشكلان أشهر ثنائي فني عرفه الوطن العربي.

نهاد قلعي ودريد لحام في الإجازة السعيدة سنة 1960.
نهاد قلعي ودريد لحام في الإجازة السعيدة سنة 1960.

بعد الإجازة السعيدة قدّما برنامج “سهرة دمشق،” وانضم إليهما الفنان رفيق سبيعي بشخصيته الشهيرة أبو صياح. كان الانسجام الفني بينه وبيد دريد كبيراً، وكان مبنياً على الفكاهة الدمشقية لا على التركيب الفيزيولوجي بين رجل بدين ورجل نحيل، ولا علاقة للثنائي الأمريكي لوريل وهاردي بولادة ثنائي “دريد ونهاد.”

لاقت “سهرة دمشق” جماهيرية واسعة، وكانت تأليفاً مشتركاً بين دريد ونهاد. كان اسمه في هذا العمل “حسني،” وذات مرة كان يتحدث على الهاتف في مشهد تمثيلي يُبثّ على الهواء مباشرة، فنسي الحوار. تداركاً للموقف ارتجل نهاد حواراً وقال: “أنا حسني… حسني مين؟” وفي تلك اللحظة لمح خلف الكواليس أحد أفراد الفرقة الموسيقية يحمل بورظاناً فقال: “حسني البورظان.” أعجب الجمهور بهذا الاسم التي اخترعته المصادفة، وظلّ مرافقاً نهاد قلعي حتى الممات.

المرحلة اللبنانية 1961-1963

وفي سنة 1961 قدّما مسرحية عقد اللولو على مسرح نادي الضباط بدمشق، التي كانت من تأليف دريد وسيناريو نهاد. وعند عرضها في بحمدون نالت المسرحية استحسان الجمهور اللبناني وتم التعاقد مع دريد ونهاد لتقديم  سلسة حلقات كوميدية على القناة 11، سمّيت أنا وهو (وهي اليوم تعرف باسم فقاقيع)، مع مشاركة بعض الفنانين من سورية ومنهم رفيق سبيعي وملك سكر وطلحت حمدي.

وبعدها جاء مسلسل مقالب غوار الشهير، الذي كان إنتاجاً لبنانياً سنة 1966، وهو من بطولة دريد ونهاد ورفيق سبيعي، وبسبب نجاحه الكبير تم إنتاج نسخة سورية منه. وفي نفس السنة تم تحويل مسرحية عقد اللولو إلى فيلم سينمائي من إنتاج تحسين القوادري وبطولة دريد ونهاد والفنانة اللبنانية صباح والمطرب السوري فهد بلان.  ومنه انطلق الثنائي للمشاركة في عدة أفلام مصرية ولبنانية، مع صباح وشادية ونبيلة عبيد وسمير غانم وكمال الشناوي وغيرهم من النجوم الكبار، إضافة إلى تجربة يتيمة ومنسية مع المخرج العالمي يوسف شاهين والفنانة فاتن حمامة في فيلم رمال من ذهب سنة 1971.

مسلسل صح النوم

بعد نجاح مقالب غوار بنسختيه اللبنانية والسورية، شارك الثنائي في مسلسل حمام الهنا سنة 1967، وهو من إخراج المخرج العراقي فيصل الياسري وإنتاج التلفزيون السوري. ولكن النجاح الأكبر الذي أوصلهم إلى النجومية المطلقة كان مسلسل صح النوم، الذي أنتج سنة 1971 وكان له الفضل، بحسب رأي النقّاد، في تخليد كل من شارك فيه من نجوم. كان هذا العمل من تأليف نهاد وقد ظهرت فيه شخصيات شهيرة مثل “أبو عنتر” الذي لعب دوره الفنان ناجي جبر و”أبو كلبشة” الذي جسده الفنان عبد اللطيف فتحي و”فطوم حيص بيص” محبوبة حسني البورظان وغوار الطوشة، التي لعبت دورها الفنانة نجاح حفيظ. وقد أنتج منه جزءً ثانياً سنة ليكون أول مسلسل عربي ذي جزأين، ومعها تمثيلية متممة بعنوان ملح وسكر عُرضت سنة 1973 وفيلماً سينمائياً حمل نفس الاسم عام 1976.

مشهد من فيلم صح النوم.
مشهد من فيلم صح النوم.

مسرحيات دريد ونهاد

وكان لنهاد قلعي حضور لافت مع دريد لحام في مسرحية جيرك (التي تُعرف اليوم باسم مسرح الشوك) سنة 1968، وقد جاءت بانتقادات لاذعة للحكام العرب بعد هزيمة حرب حزيران سنة 1967. وكان صلاح جديد، مهندس انقلاب البعث الثاني، يريد اعتقال دريد ونهاد بسبب ما وصف بتطاولهما في هذا العرض، ولكن تدخّلاً من وزير الدفاع حافظ الأسد، منعه من ذلك. وقبل مسرح الشوك كانت مسرحية مساعد المختار سنة 1965 ثم مسرحية “قضية وحرامية” سنة 1973 التي عُرضت في بيروت مع الفنان فيلمون وهبي، تلتها مسرحية ضيعة تشرين سنة 1974، والتب حققت نجاحاً كبيراً في دول الخليج العربي وحضر افتتاحها بدمشق الرئيس حافظ الأسد. وأخيراً كانت مسرحية غربة سنة 1976، وقد سقط مريضاً خلالها، وظل متشائماً منها حتى وفاته. ويذكر أن نهاد لم يشارك في كتابة ضيعة تشرين وغربة، وكانتا من تأليف دريد لحام والشاعر محمد الماغوط.

نهاد قلعي ودريد لحام، أو حسني البورظان وغوار الطوشة.
نهاد قلعي ودريد لحام، أو حسني البورظان وغوار الطوشة.

حادثة التعدي عليه ومرضه

في منتصف العام 1976، ذهب نهاد قلعي إلى مطعم نادي دمشق العائلي، وكان برفقة الصحفي اللبناني جورج إبراهيم الخوري. طلب الضيف اللبناني نوعاً معيّناً من السجائر، فنادى نهاد على النادل وطلب منه إحضار التبغ المطلوب. لم يُلبّ النادل الطلب، فزعل نهاد ووبخه، وإذ برجل يجلس على طاولة مجاورة ينادي بصوت عالٍ غليظ: “بورظان بدك سيجارة؟ تعال خود من عندي.” وكلمة “بورظان” كانت نسبة لشخصية حسني البورظان الشهيرة.

رد نهاد بغضب: “أنا ما بدي من حدا سيجارة… بعدين أنا مالي اسم معروف تناديني فيه؟”

كان الرجل مخموراً وفاقداً لرشده، فحمل الكرسي وضربه به على رأسه. تختلف الأقاويل عن هوية المعتدي، فالبعض يقول إنه كان ضابطاً في سرايا الدفاع، وآخرون يقولون إنه كان من أهالي صيدنايا. في حديث نهاد قلعي مع مجلّة اليقظة في آذار 1983، تذكر هذه الحادثة الأليمة قائلاً: “كان سكران مثلي، لكن الفرق أنه كان بلا أدب.” وعندما سأله الصحفي هاني الحاج عن سبب الهجوم، أجاب: “لأني شتمته وقلت له: إلي اسم يا حمار.”

نُقل نهاد قلعي إلى المستشفى، وقيل إن جرحه كان بسيطاً، فقام بإسقاط حقه في تلك الليلة. وفي اليوم الثاني، زار الطبيب محمد الشامي ليكشف عن جرحه، فطلب الأخير أن يضعه تحت البنج لمعالجة الجرح، ولكنه رفض قائلاً: “ما فيني أتبنج…عندي عرض مسرحية غربة المسا.”

أدى هذا الأمر إلى حدوث جلطة لدى نهاد قلعي، وهو على خشبة المسرح. استغرب الفنانون تأخره بالحوار على المسرح، والثقل الواضح في لسانه وحركته. وفي الكواليس، تعب نهاد وتم توقيف العرض مع طلب حضور طبيب من الجمهور لمعاينته. وعندما تبين له أنه تعرض لجلطة، خرج الفنان أسامة الروماني على الصالة والجمهور، وقال إن العرض أُلغي بسبب تعرض نهاد قلعي لوعكة صحية. ثم قال للجمهور إن بإمكانهم استرداد ثمن بطاقة شباك التذاكر، ولكن جميعهم رفضوا.

عولج لاحقاً في دمشق ولندن وتشيكوسلوفاكيا، حيث تم إرساله بأمر من الرئيس حافظ الأسد. وعندما تبين أن حالته مستقرة، أمر الرئيس الأسد بإعادته إلى وظيفته مخرجاً في المسرح القومي، وصار يكتب في مجلّة سامر اللبنانية المخصصة للأطفال، سلسلة كارتونية من بطولة “عمو حسني” وقد ظلّ يعمل مع مجلّة سامر حتى نهاية الثمانينيات، مع خمس محاولات للعودة إلى التمثيل.

محاولات العودة

كانت الأولى عند تصوير مسرحية غربة التي خلفه في دور “أبو ريشة” فيها الفنان القدير تيسير السعدي. ولكن، وعند التصوير للعرض التلفزيوني في عمّان، قرر نهاد قلعي تأدية الدور بنفسه، على الرغم من مرضه الثقيل. وهو يظهر بالنسخة المصورة من غربة مشلولاً في يده، ولكنه وفي ختام العرض وعند ظهوره الأخير على المسرح، تمكن من رفع يده المريضة لمشاركة الناس في تصفيقهم.

والمحاولة الثانية كانت في فيلم عندما تغيب الزوجات سنة 1980 مع زميله دريد لحام، حيث تم الاتفاق على مرضه بإظهار شخصيته وكأنها مكسورة اليد.

وكانت محاولة أخرى مع دريد في المسلسل الإذاعي كل يوم حكاية، وهو من تأليف نهاد وأحمد قنوع، وبطولة دريد ونهاد مع مشاركة رمزية من رفيق سبيعي. بث هذا العمل في منتصف الثمانينات عبر أثير إذاعة دمشق، وبقي مفقوداً حتى العثور عليه وإعادة من قبل قناة دريد لحام الرسمية على يوتيوب سنة 2023.

وفي سنة 1990، ظهر نهاد قلعي على الشاشة للمرة الأخيرة مع دريد لحام في برنامج وثائقي بعنوان مشوار دريد ونهاد كان من إنتاج تحسين القوادري ومشاركة مع رفاق دربهما المشترك: رفيق سبيعي وزياد مولوي (أبطال مقالب غوار وحمام الهنا) وفهد بلان، بطل فيلم عقد اللولو. ولكنه هذه العمل لم يكتمل ولم ينجز منه إلا ثلاث حلقات.

دريد ونهاد في برنامج "مشوار دريد ونهاد."
دريد ونهاد في برنامج “مشوار دريد ونهاد.”

وكان لنهاد محاولة يتيمة منفرداً  في مسلسل عريس الهنا الذي كان من بطولته وتأليفه، والذي عُرض على شاشة التلفزيون السوري سنة 1984.

الأعمال المسرحية

الأعمال التلفزيونية

الأعمال السينمائية

الوفاة

توفي نهاد قلعي عن عمر ناهز 65 عاماً في 19 تشرين الأول 1993. وقد منحه الرئيس بشار الأسد وسام الاستحقاق سنة 2008 خلال فعاليات دمشق عاصمة ثقافة عربية. وصدر طابع بريد تذكاري يحمل صورته، كما قامت محافظة دمشق بالتعاون مع جمعية أصدقاء دمشق بإطلاق اسمه على شارع منزله في المهاجرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !