الشهر: يناير 2021

  • جريدة الشرق

    الشرق، جريدة يومية سياسية أسسها جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية لتغطية أخبار جبهات القتال العثمانية في الحرب العالمية الأولى والترويج لسياسات الدولة العثمانية. عهد إلى الشيخ تاج الدين الحسني برئاسة التحرير، يعاونه الأمير شكيب أرسلان مديراً، وصدر عددها الأول في 27 نيسان 1916.

    استقال الأمير شكيب من أسرة التحرير بعد تبني الشرق رواية السلطات العثمانية حول شهداء ساحة المرجة في 6 أيار 1916 التي وصفتهم بالخونة والعملاء لصالح دول أجنبية، وخلفه في إدارة الشرق الأديب محمد كرد علي. وفي 30 أيلول 1916، أعيد ترتيب الجريدة بعد زيادة عدد صفحاتها وإدخال الصور الفوتوغرافية عليها، لتصدر باسم “الشرق المصور.” ظلّت تَصدر حتى نهاية الحكم العثماني في سورية عام 1918 وكان أول قرار للأمير سعيد الجزائري، الذي عين نفسه حاكماً مؤقتاً على دمشق، مداهمة مكاتب الشرق وإنزال صورة السلطان محمد السادس منها، مع تغير اسمها إلى الاستقلال العربي.

  • محمود حمزة (الحمزاوي)

    محمود بن محمد نسيب حمزة، الشهير بالحمزاوي (1821-1887)، مفتي دمشق في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وأحد أشهر علمائها، لعِب دوراً محورياً مع الأمير عبد القادر الجزائري في حماية المسيحيين سنة 1860 وهو جدّ الشاعر خليل مردم بك وشقيق جدّ الأديبة ألفة الإدلبي.

    البداية

    ولِد محمود حمزة (الحمزاوي) في أُسرة دينية عريقة تولّى أبناؤها إفتاء دمشق في سنوات القرن الثامن عشر. كان والده فقيهاً لامعاً خَدم في مجلس ولاية دمشق وأصبح مُفتيّاً عام 1846. درس الحمزاوي العلوم الشرعية في مدارس دمشق الدينية، وقرأ على يد والده وعدد من علماء الشّام مثل الشّيخ عبد الرحمن الكزبري والشّيخ حامد العطار. عُيّن مُدرّساً في حي القيمرية ثمّ قاضياً في محكمة البزورية وفي سنة 1849، انتخب عضواً في مجلس ولاية دمشق وبعدها بعام مديراً لأوقاف دمشق، وهو في التاسعة والعشرين من عمره.

    العلاقة مع الأمير عبد القادر

    تعرف محمود الحمزاوي على الأمير عبد القادر الجزائري عندما وصل الأخير دمشق سنة 1855، قادماً من السجون الفرنسية. ولدت بينهما صداقة متينة واشترى الأمير عبد القادر داره المعروف من الحمزاوي، في زقاق النقيب خلف الجامع الأموي (نسبة لآل الحمزاوي ومن تولّى منهم نقابة الأشراف في الشّام). تعاون الرجلان في إطفاء نار الفتنة التي اشتعلت بدمشق في تموز 1860، يوم هجم آلاف الناس على منطقة باب توما وبدءوا بإحراق دوره وكنائسه وقتل سكانه المسيحيين. أنقذ الحمزاوي والأمير عبد القادر آلاف العائلات المسيحية يومها، ونقلوهم إما إلى دار آل الجزائري في محلّة العمارة أو إلى قلعة دمشق.

    اعتقال الحمزاوي

    انتهت الفتنة بمقتل خمسة آلاف شخص وتدمير الحيّ المسيحي بأكمله، وحينها وصل وزير الخارجية العثماني فؤاد باشا إلى دمشق، وأمر باعتقال أكثر من ألف شخص، إما بتهمة المشاركة بعمليات القتل أو عدم اعتراضها. اعتقل الحمزاوي مع من تم اعتقالهم من الأعيان يوم 19 آب 1860، ولكنّ سرعان ما أُطلق سراحه بعد خمسة أيام عند ثبوت براءته التامة من تلك الجريمة. فرض الوزير العثماني أقصى العقوبات على مثيري الفوضى، وأعدم الوالي أحمد عزت باشا، ومعه عدد كبير من أهالي دمشق. في 31 آب 1860، نزل الحمزاوي إلى الجامع الأموي وألقى خطبة الجمعة قائلاً: “ذلك الفعل القبيح، قتل أهل الكتاب، هدم ركن من أركان الدين وفاعله خارج بالكلية عن جمهور الموحدين. وكل من أنكر العقوبة والقصاص على الفاعلين حكمه حكم أولئك الغادرين الباغين.”

    مفتياً على دمشق

    عُيّن بعدها عضواً في لجنة التحقيق في أحداث 1860 ورئيساً للجنة استعادة المسروقات من الحيّ المسيحي. وفي عام 1861، أُعيد إلى منصبه السابق في مجلس الولاية، قبل تعيينه مفتياً على المدينة سنة 1868. تعاون المفتي الحمزاوي مع الشيخ طاهر الجزائري ووالي دمشق الجديد مدحت باشا سنة 1878 في فتح المدارس الحكومية في المدينة، بدلاً من الكتّاب والزوايا الدينية المنتشرة في حارات الشّام. وقدم دعماً كبيراً للشيخ أبو خليل القباني ومسرحه الغنائي، على الرغم من معارضة المؤسسة الدينية لنشاطه الفني. حاول القباني إقناعهم بالحوار، ولكنهم رفضوا الاستماع إليه، فعرض عليهم مشاركتهم بعائدات شباك التذاكر وحضور عروضه للتأكد أن ليس فيها ما يخل بالآداب العامة. وحده الحمزاوي قبل دعوة القباني وحضر عروضه في خان أسعد باشا في سوق البزورية.

    الخلاف مع إسطنبول

    بعد سحب مدحت باشا من دمشق واتهامه باغتيال السلطان الأسبق عبد العزيز الأول، بدأت الدولة العثمانية بملاحقة أعوانه في سورية، وفي مقدمتهم محمود الحمزاوي والشيخ طاهر الجزائري. سحبت منه صلاحيات مجلس المعارف وأشيع أنه معارض للسلطان عبد الحميد الثاني وبأنه يرتب عصيان ضده بهدف فصل ولاية سورية عن السلطنة العثمانية، بالتنسيق مع فرنسا والتعاون مع هولو باشا العابد، أحد وجهاء حيّ الميدان.

    الوفاة

    في سنواته الأخيرة، فقد الحمزاوي الكثير من نفوذه وسلطته، ولكنه بقي في منصبه لغاية وفاته في أيلول 1887. اعترض شيخ الإسلام في إسطنبول على تولّي شقيقه أسعد منصب الإفتاء العام بدمشق، وسُمّي الشّيخ محمد المنيني خلفاً للحمزاوي. وفي سنة 2020 صدرت دراسة عن حياته في مجلّة تاريخ دمشق للمؤرخ السوري سامي مروان مبيّض.

    المنصب

    مفتي دمشق (1868-1887)
    • سبقه في المنصب: الشيخ أحمد الجندي
    • خلفه في المنصب: الشيخ محمد المنيني
  • قمر قزعون شورى

    قمر قزعون شورى
    قمر قزعون شورى

    قمر بنت محمد سعيد قزعون (1917 – 29 تموز 2013)، سيدة سورية من دمشق وإحدى مؤسسات منظمة الهلال الأحمر العربي السوري سنة 1946. انتخبت رئيساً لفرع دمشق سنة 1965 وكانت نائباً لرئيس المنظمة 1980-2003، ثم رئيساً فخرياً حتى وفاتها عام 2017. هي زوجة الدكتور منير شورى، عميد كلية الطب في الجامعة السورية وأحد أشهر أطباء دمشق في النصف الأول من القرن العشرين.

    البداية

    ولِدت قمر قزعون بدمشق في زمن الحرب العالمية الأولى وكان والدها من مموّلي الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي. درست في دار المعلمات وحصلت على شهادة في الفلسفة وعلم النفس، وفي سنة 1940 شاركت بتأسيس جمعية الندوة الثقافية النسائية بدمشق وساعدت أهالي مدينتها من المصابين والجرحى في أثناء العدوان الفرنسي يوم 29 أيار 1945. وبعدها عملت مع عادلة بيهم الجزائري على تأمين حاجات آلاف اللاجئات الفلسطينيات إبان احتلال بلادهن سنة 1948.

    الهلال الأحمر العربي السوري

    أشهر منجزاتها وأهمها كان مشاركتها في تأسيس الهلال الأحمر العربي السوري وانتخابها أميناً للسر ثمّ رئيساً لفرع دمشق سنة 1965. وفي عام 1980 انتُخبت نائباً لرئيس المنظمة لغاية تسميتها رئيساً فخرياً مدى الحياة ابتداءً من العام 2003. قلدتها الدولة السورية وسام الإخلاص ونالت لقب الأم المثالية من الرئيس المصري جمال عبد الناصر إضافة لوسام الفارسة من الملك المغربي الحسن الثاني. لعبت دوراً محورياً في تأمين اللاجئين اللبنانيين الهاربين في سورية إبان الاجتياح الإسرائيلي لمدينة بيروت سنة 1982، ما أدى إلى منحها وسام هنري دونان الرفيع من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف. وفي العام نفسه قلدها الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران وسام جوقة الشرف برتبة فارس، وفي سنة 2007، كرمتها السيدة الأولى أسماء الأسد وأطلقت عليها لقب “المرأة السورية المميّزة”.

    العائلة

    تزوجت قمر قزعون من الطبيب منير شورى في 22 أيلول 1940 ورزقت منه بأربعة أولاد: الدكتور وسيم والمهندسة ميسان الأستاذ دارم والأستاذة رنـا شورى.

    الوفاة

    توفيت قمر قزعون عن عمر ناهز 96 عاماً يوم 29 تموز 2013.

  • جريدة الأيام

    جريدة الأيام في أيامها الأخيرة
    جريدة الأيام في أيامها الأخيرة

    الأيام، صحيفة يومية أطلقها زعماء الكتلة الوطنية في سورية قبل أن تنتقل ملكيتها إلى نقيب الصحفيين نصوح بابيل، وكانت ومن أنجح وأشهر الصحف السورية وأكثرها رواجاً وسمعة في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. صدر عددها الأول في 10 أيار 1931 والأخير في 8 آذار 1963 ولا علاقة لها بجريدة الأيام التي صدرت في فلسطين بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993.

    البداية

    تأسست جريدة الأيام كذراع إعلامي للكتلة الوطنية في زمن الانتداب الفرنسي وكان قرار الإشهار باسم هاشم الأتاسي رئيس الكتلة وزملائه إبراهيم هنانو وجميل مردم بك وسعد الله الجابري ولطفي الحفار وفخري البارودي. حصلوا عل امتياز أول باسم “جريدة الأيام” وثان باسم اليوم، بحيث إذ عُطلت “الأيام” لأسباب سياسية، صدرت اليوم بدلاً عنها. عُيّن القاضي عارف النكدي رئيساً للتحرير الصحيفة والدكتور نجيب الأرمنازي سكرتيراً. صدر العدد الأول من الأيام مساء يوم 10 أيار 1931، وكان عبارة عن ثماني صفحات من القطع الكبير، لتكون “الأيام” أول جريدة من هذا الحجم في سورية. وعند تعطيلها للمرة الأولى، صدرت صحيفة اليوم البديلة في 13 تشرين الأول 1931.

    نصوح بابيل مع أسرة الأيام.
    نصوح بابيل مع أسرة الأيام.

    عهد نصوح بابيل

    تخلت الكتلة الوطنية عن امتياز “الأيام” لصالح الصحفي نصوح بابيل، صاحب المطبعة التي كانت تطبع فيها الصحيفة في سوق العصرونية. تولّى رئاسة التحرير بنفسه أصدر أول عدد من الأيام بتوقيعه في 15 آب 1932، محافظاً على خط “الأيام” الوطني المعروف. وصارت تصدر بعدد خاص من اثني عشرة صفحة في أيام الجمعة ولكنها عطلت سنة 1938 واعتقل صاحبها بسبب اعتراضه على معاهدة عام 1936، التي أبرمتها الكتلة الوطنية في باريس. كان بابيل يومها قد انتقل إلى صفوف المعارضة للكتلة مع الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، وحول الأيام من صحيفة ناطقة باسمها إلى صحيفة معارضة لها ولحكمها.

    ولكنها سرعان ما عادت إلى دعم الكتلة بعد مقتل الشهبندر سنة 1940 وانتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية عام 1943. وقفت “الأيام” مع القوتلي إبان الانقلاب العسكري الذي قاده حسني الزعيم ضده، فعطّلت مجدداً في عهده مدة قصيرة. وفي عهد العقيد أديب الشيشكلي دمجت الصحيفة مع جريدة الإنشاء سنة 1952 وصدرت باسم اليوم حتى 30 كانون الأول 1953. عادت إلى هويتها القديمة واستقلاليتها بعد سقوط حكم الشيشكلي عام 1954 وأيدت قيام الوحدة السورية المصرية عام 1958. هللت الأيام للوحدة ولم تعارض انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961 ولكنها توقفت وبشكل نهائي مع سائر المطبوعات السورية الخاصة عند صدور المرسوم العسكري رقم 4 لعام 1963، وذلك بعد تولّي حزب البعث الحكم في سورية.

    تخرّج من مكاتب “الأيام” عدداً من الصحفيين الكبار أمثال:

    وكَتب في صفحاتها الكثير من المفكرين أمثال:

     

     

     

  • جريدة الإنشاء

    الإنشاء، جريدة يومية مسائية أسسها الصحفي وجيه الحفار بالتعاون مع ابن عمه لطفي الحفار وصدر عددها الأول في 18 تشرين الثاني 1936 والأخير في 8 آذار 1963. كانت موالية للكتلة الوطنية في زمن الانتداب الفرنسي واعتمد عليها زعماء الكتلة كثيراً بعد وصولهم إلى الحكم سنة 1936.

    مرحلة الانقلابات العسكرية

    ظلّت تصدر بأربع صفحات من القطع الكبير حتى 29 آذار 1949، يوم صدر قرار بإغلاقها وإلغاء رخصتها واعتقال صاحبها وجيه الحفار بسبب رفضه  الانقلاب العسكري الذي قاده حسني الزعيم ضد رئيس الجمهورية شكري القوتلي. أعيد العمل بجريدة الإنشاء بعد القضاء على حكم الزعيم ومقتله في 14 آب 1949، ليتم دمجها مع جريدة الأيام سنة 1952 في عهد العقيد أديب الشيشكلي. صدرت باسم اليوم لغاية 30 كانون الأول 1953، عندما قرر الشيشكلي التراجع عن قراره السابق والسماح لكل صحيفة باستعادة هويتها القديمة وشكلها القديم.

    نهاية الإنشاء

    استمرت الإنشاء بالصدور بشكل منتظم لغاية إيقافها مجدداً في زمن الوحدة مع مصر عام 1958. وكانت العودة الثالثة والأخيرة في زمن الانفصال، لتتوقف مجدداً وبشكل نهائي هذه المرة بعد وصول حزب البعث إلى الحكم سنة 1963.

    أشهر كتّاب الإنشاء

    ومن أشهر كُتّاب الإنشاء:

     

  • جريدة الأخبار

    الأخبار، جريدة يومية أسسها الصحفي بسيم مراد بدمشق سنة 1941، ولا علاقة لها بصحيفة الأخبار اللبنانية. صدرت في منتصف الحرب العالمية الثانية توقفت في عهد حسني الزعيم العسكري عام 1949، بسبب دعمها لرئيس الجمهورية شكري القوتلي. دمجت مع جريدة النصر الدمشقية في عهد العقيد أديب الشيشكلي سنة 1952 وصدرت بإسم النصر الجديد لغاية 30 كانون الأول 1953.

    تولّى الصحفي عبد الغني العطري رئاسة تحريرها في الأربعينيات، قبل أن يتفرغ لتأسيس مجلّة الصباح، وخلفه في جريدة الأخبار زميله الصحفي ياسين النويلاتي. توقفت “الأحبار” مع سائر الصحف السورية بقرار من مجلس قيادة الثورة يوم انقلاب 8 آذار 1963.

  • عدنان مردم بك

    عدنان مردم بك
    عدنان مردم بك

    عدنان بن خليل مردم بك (24 أيلول 1917 – 18 تشرين الأول 1988)، شاعر وكاتب مسرحي سوري من دمشق، ألّف أربعة عشر مسرحية شعرية وكانت أشهرها “رابعة العدوية” التي فازت بالجائزة العالمية من منظمة اليونيسكو.

    البداية

    ولِد عدنان مردم بك في دمشق وهو سليل عائلة علمية وسياسية عريقة، ووالده شاعر الشّام خليل مردم بك، رئيس مجمع اللغة العربية من سنة 1953 ولغاية وفاته عام 1959. درس عدنان مردم بك في مدرسة مكتب عنبر وفي الكلية العِلمية الوطنية ثمّ بكلية الحقوق بجامعة دمشق. وعند تخرجه سنة 1940 عَمَل مُتدرباً في مكتب سعيد الغزي، الذي أصبح رئيساً لوزراء سورية في مرحلة الاستقلال.

    المسيرة المهنية

    تتلمذ عدنان مردم بك في مدرسة أبيه الشعرية وبدأ يُنظم الشعر وهو فتى يافع، حيث نَشر أولى قصائده في جريدة البرق البيروتية، لصاحبها بشارة الخوري (الأخطل الصغير). وكان تجاربه الشعرية المبكرة تنشر تحت اسم “فتى النيربين” المستعار. وفي سنة 1956 صدر ديوانه الأول نجوى تلاه بعد خمس سنوات ديوان صفحة ذكرى. أصدر بعدها ديوانين شعريين هما عبير من دمشق ونفحات شاميّة وعند وفاة أبيه سنة 1959 تولّى مهمة نشر وتحقيق مخطوطاته ودراساته الشعرية التي لم تصدر في حياته، ومنها مراسلاته عندما كان وزيراً مفوضاً في بغداد ومذكراته التي حملت عنوان “يوميات الخليل”.

    المسرحية الشعرية

    تعرف عدنان مردم بك على المسرحية الشعرية سنة 1932، بفضل أستاذه الفرنسي في الكلية العِلمية الوطنية، الذي درّسه مسرحية السيد للشاعر الفرنسي بيير كورناي. وأثناء شرحه للمسرحية، قال له الأستاذ: “هذا النوع من الأدب تفتقرون إليه في سورية” مما حفّز مردم بك على التبحر بهذا النمط المسرحي، حيث وجد مسرحيتان في مكتبة والده للشاعر المصري أحمد شوقي، هما مصرع كليوباترا ومجنون ليلى. بعد قراءتهم وتحليلهم، بدأ بتنظيم مسرحيته الشعرية الأولى فتح عمورية التي نُشر جزءاً منها في مجلّة “الشّام”.

    ونظّم سنة 1934 مسرحية “مصرع الحُسين” وجاء بعدها مسرحية “عبد الرحمن الداخل” ثم مسرحية “جميل بثينة” عام 1936. ثم جاءت مسرحية “الدون كارلوس” ومسرحية “يوسف وزليخة” عام 1943. جمعاً، وضع عدنان مردم بك أربع عشرة مسرحية شعرية، منها “غادة أفاميا” و”العباسية” و”الحلّاج” إضافة إلى “رابعة العدوية” و”فلسطين الثائرة” و”الملكة زنوبيا” وقد فازت مسرحية “رابعة العدوية” بالجائزة العالمية الثالثة من منظمة اليونيسكو في أسبوع الكتاب الصوفي، وتُرجمت إلى عدة لغات. وأسس عام 1933 جمعية أدبية أسماها “الثريا” وكان أعضاؤها يقومون بتدريب الشعراء والكتاب على أساليب الخطابة والفصاحة.

    في القضاء السوري

    مارس عدنان مردم بك مهنة المحاماة لما يقارب السبع سنوات، انتسب بعدها إلى سلك القضاء وتدرج في عدة مناصب في محكمة البداية ومحكمة الاستئناف، وصولاً لتعيينه مستشاراً في محكمة النقص حتى إحالته على التقاعد سنة 1966.

    الوفاة

    توفي عدنان مردم بك في دار العائلة بدمشق يوم 18 تشرين الأول 1988 ووري الثرى في مدافن الأسرة المردمية قرب الباب الصغير. وفي سنة 2014 تحوّل داره الكائن في سوق البورص المتفرع عن سوق الحميدية إلى دار للثقافة، بإشراف أبنائه قتيبة ووضاع وبناته حسّانة والدكتورة هند مردم بك.

  • البطريرك غريغوريوس الرابع حداد

    البطريرك غريغوريوس الرابع حداد
    البطريرك غريغوريوس الرابع حداد

    غريغوريوس الرابع حداد (1 تموز 1859 – 12 كانون الأول 1928) بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذوكس منذ سنة 1906 ولغاية وفاته عام 1928. هو ثاني بطريرك عربي يعتلي سدة الكرسي البطريركي الأنطاكي بعد تعريبه عام 1899، وشهد عهده المجاعة التي ضربت بلاد الشّام أثناء الحرب العالمية الأولى وسقوط الحكم العثماني وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على البلاد سنة 1920.

    البداية

    ولد غنطوس ابن جرجس الحداد في الأول من تموز عام 1859 في قرية عبيه قرب عاليه في متصرفية جبل لبنان. دَرَس في المدرسة البروتستانتية الأمريكية في عبية ثم انتقل إلى بيروت عام 1872 وانتسب إلى المدرسة الإكليريكية وتخرج فيها سنة 1875.

    توجه إلى الحياة الرهبانية في دير سيدة النورية، متخذاً اسم “غريغوريوس” وسيّم شماساً عام 1879. أثناء وجوده في بيروت أسس غريغوريوس جريدة الهدية عام 1883 وعمل رئيساً لتحريرها حتى عام 1888. سيّم كاهناً في عام 1890، وفي العام نفسه انتدب أسقفاً لطرابلس الشام. شارك غريغوريوس في الجبهة العربية الأنطاكية التي نجحت عام 1899 في انتخاب وتنصيب بطريرك عربي، عوضاً عن يوناني، على سدة الكرسي الأنطاكي الأرثوذكسي لأول مرة منذ عام 1724.

    غريغوريوس البطريرك

    عقب وفاة البطريرك ملاتيوس الثاني (الدوماني)، انتخب غريغوريوس بطريركاً لأنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس في 6 آب 1906 وتم تنصيبه في الثالث عشر من الشهر نفسه في الكاتدرائية المريمية بدمشق. اعترف كل من بطريركي القسطنطينية والقدس اليونانيين بشرعية غريغوريوس عام 1909، وبذلك انتهت القطيعة بين هاتين الكنيستين والكنيسة الأنطاكية والتي أعقبت تعريب الكرسي الأنطاكي عام 1899.

    أسس غريغوريوس العديد من المدارس، أهمها مدرسة دير البلمند في شمال لبنان، كما أنشأ الكلية الأرثوذكسية في حمص عام 1910، وأطلق مجلّة النعمة التي أصبحت النشرة الرسمية لبطريركية أنطاكية. وفي عهده انتُخب أسقف أرثوذكسي لأول مرة في كل من ريو ديجانيرو (ميخائيل شحادة عام 1921) ونيويورك (فيتكتور يعقوب عام 1923) وذلك لخدمة الجالية الأنطاكية في الأمريكيتين.

    في عام 1913 زار غريغوريوس الرابع سانت بطرسبرغ، عاصمة الإمبراطورية الروسية، بدعوة من القيصر نيقولا الثاني لحضور احتفالات عائلة رومانوف بالمئوية الثالثة لتوليها حكم روسيا، حيث تم تقليده وسام القديس ألكسندر نيفسكي من قبل القيصر.

    مجاعة الحرب العالمية الأولى

    عُرف عن غريغوريوس مساندته سكان الشّام أثناء المجاعة التي استفحلت في البلاد في سنوات الحرب العالمية الأولى، حيث فتح باب المقر البطريركي في الكنيسة المريمية أمام المحتاجين من كل الطوائف. خلال فترة الحرب استدان غريغوريوس أكثر من عشرين ألف ليرة ذهبية لمساعدة المتضررين من ويلات الحرب ولتأمين ثمن القمح اللازم لإطعام الجائعين. كما أنه اضطر لبيع صليب ذهبي كان قد أهداه إياه القيصر نيقولا الثاني خلال زيارته لروسيا لتغطية النفقات.

    البطريرك حداد والأمير فيصل

    أعلن البطريرك غريغوريوس الرابع تأييده للأمير فيصل بن الحسين عقب تولّي الأخير زمام الحكم في دمشق مع خروج القوات العثمانية من سورية في تشرين الأول عام 1918. وأيد مطالب المؤتمر السوري العام بوحدة الأراضي السورية – ومن ضمنها فلسطين – واستقلالها ورفض نظام الانتداب أمام لجنة كينغ كراين التي عينها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون للوقوف على آراء أبناء المنطقة في مستقبل بلادهم.

    وعند تتويج الأمير فيصل ملكاً على سورية في 8  آذار 1920 قام غريغوريوس بمبايعته. في أعقاب هزيمة الجيش العربي أمام القوات الفرنسية في معركة ميسلون واضطرار فيصل لمغادرة دمشق قبل دخول الفرنسيين وكان غريغوريوس من بين الذين خرجوا لوداعه. شاب التوتر علاقات غريغوريوس الرابع مع سلطات الانتداب الفرنسي في سورية ولبنان بسبب مواقفه المؤيدة لفيصل والرافضة للانتداب، وقام الفرنسيون بالتضييق عليه والتحريض ضده مما دفعه للإقامة في لبنان حتى وفاته.

    وفاته

    توفي البطريرك غريغوريوس الرابع حداد في 12 كانون الأول 1928 وشيع جثمانه خمسون ألفاً من أهالي دمشق المسلمين والمسيحيين. أطلقت المدافع مئة طلقة وطلقة تحيةً للبطريرك الراحل، فيما رافق الموكب الجنائزي مئة فارس أرسلهم فيصل، بعد أن أصبح ملكاً على العراق. وُوري غريغوريوس الرابع الثرى في المدافن البطريركية في الكاتدرائية المريمية بدمشق.

    المناصب

    بطريرك بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذوكس (6 آب 1906 – 12 كانون الأول 1928)
  • أحمد منيف العائدي

    الدكتور أحمد منيف العائدي
    الدكتور أحمد منيف العائدي

    أحمد منيف بن عثمان العائدي (1886 – 3 شباط 1962)، طبيب سوري من دمشق، كان أحد مؤسسي كلية الطب في الجامعة السورية وانتخب عميداً لها سنة 1934. وهو مؤسس الكلية العِلمية الوطنية في سوق البزورية، إحدى أشهر مدارس دمشق في النصف الأول من القرن العشرين، وأحد مؤسسي عصبة العمل القومي التي نشطت ضد الانتداب الفرنسي في سورية ولبنان.

    البداية

    ولد أحمد منيف العائدي في دمشق ودرس في معهد الطب العثماني في إسطنبول. وعند تخرجه سنة 1906 عُيّن مدرساً في الكلية الحربية العثمانية قبل انفصاله عن العمل الحكومي لتأسيس مدرسة خاصة به عام 1907 سمّيت بالكلية العِلمية الوطنية وكان مقرها في سوق البزورية. تعرضت أسرته للنفي الجماعي بسبب انشقاق شقيقه شوكت عن الجيش العثماني والتحاقه بصفوف الثورة العربية الكبرى سنة 1917.

    نُفيت أسرة العائدي إلى أقصى الحدود التركية الرومانية، حيث بقيت حتى نهاية الحرب العالمية الأولى في أيلول 1918. وعند عودته إلى دمشق عشية تحريرها من الجيش العثماني عُيّن أحمد منيف العائدي عضواً في اللجنة العلمية المكلفة بتعريب الكتب المدرسية والجامعية بطلب من حاكم سورية الجديد الأمير فيصل بن الحسين. وعند إعادة افتتاح معهد الطب العثماني بدمشق بعد تسميته بمعهد الطب العربي، عُيّن العائدي أستاذاً فيه لمادة الفيزيولوجيا، إضافة لعمله في الكلية العلمية الوطنية. وبعد دمج معهد الطب ومعهد الحقوق في مؤسسة تعليمية واحدة سنة 1923 أصبح العائدي عضواً في الهيئة التدريسية للجامعة السورية قبل انتخابه عميداً لكية الطب في السنوات 1934-1936.

    مدرسة الكلية العِلمية الوطني

    كانت مدرسة العائدي تُدرس جميع المراحل التعليمية، من الابتدائي وحتى الشهادة الثانوية، وقد ضمّت هيئتها التدريسية الشاعر خليل مردم بك، والشيخ علي الطنطاوي قاضي دمشق الشرعي. شجعت المواهب لدى الطلاب ونمّت لديهم فن الرسم والخطابة والتمثيل، إضافة إلى الدروس الكلاسيكية في الفيزياء والكيمياء والتاريخ العالمي والإسلامي. وفي عام 1931، أضاف العائدي قسماً مخصصاً للفتيات في سوق ساروجا قبل نقله إلى حيّ الروضة في مطلع عهد الاستقلال. خَرّجت الكلية العِلمية الوطنية عدداً من مشاهير سورية، ومنهم الأطباء مدحت شيخ الأرض ورشاد فرعون، والشاعر نزار قباني وشقيقه السفير الدكتور صباح قباني.

    العمل السياسي

    في عام 1928، ترشح العائدي لعضوية الجمعية التأسيسية المُكلفة بوضع أول دستور جمهوري في سورية، ولكنه انسحب بطلب من صديقه فوزي الغزي لصالح أصدقائه في الكتلة الوطنية ولتكون لهم الأغلبية في كتابة الدستور. وبعدها بست سنوات، شارك في تأسيس عصبة العمل القومي التي هدفت إلى تحرير سورية ولبنان من الانتداب الفرنسي ودخل عالم الاقتصاد عبر شركة الكونسروة الوطنية المساهمة التي أطلقها شكري القوتلي مع عدد من التجار والصناعيين. انتخب العائدي رئيساً لمجلس إدارة الشركة وكانت عائداتها تعود على الكتلة الوطنية لتمويل نشاطاتها وإعانة أسر العائلات الشهداء والمعتقلين في السجون الفرنسية.

    أُسرة العائدي

    كل أشقاء العائدي كانوا فاعلين جداً في الحياة الوطنية، فقد استشهد شوكت العائدي في معارك الثورة السورية الكبرى  سنة 1926 وكان عبد الكريم العائدي قائداً للأمن العام في عهد الرئيس شكري القوتلي. أمّا عن أولاد أحمد منيف العائدي فكان أشهرهم رجل الأعمال الدكتور عثمان العائدي، صاحب سلسلة فنادق الشّام في سورية وفندق رويال مونسو في باريس.

    الوفاة

    توفي أحمد منيف العائدي في دمشق عن عمر ناهز 76 عاماً يوم 3 شباط 1962. تكريماً له ولدوره، أطلق اسمه على إحدى قاعات مجمع اللغة العربية وعلى شارع صغير في سوق البزورية وعلى مَدرسة حكومية بدمشق. وقد صدرت عدة دراسات حول حياته كان أبرزها كتاب “أحمد منيف العائدي” لصهره الدكتور عزة مريدن الصادر بدمشق سنة 1996.

    المناصب

    عميد كلية الطب في الجامعة السورية (1934-1936)
    • سبقه في المنصب: الدكتور سامي الساطي
    • خلفه في المنصب: الدكتور مصطفى شوقي
    مديراً للكلية العلمية الوطنية (1907-1962)
    • سبقه في المنصب: لا يوجد
    • خلفه في المنصب: الدكتور عدنان العائدي
  • أحمد عزت باشا العابد

    أحمد عزت باشا العابد
    أحمد عزت باشا العابد

    أَحمد عزّت بن هولو العابد (1851 – 15 تشرين الأول 1924)، رجل دولة من دمشق وكبير أمناء السلطان عبد الحميد الثاني، كان عضواً في مجلس شورى الدولة العثمانية، وهو صاحب مشروع الخط الحديدي الحجازي، ووالد محمد علي العابد، رئيس الجمهورية السورية في السنوات 1932-1936. كانت لأحمد عزت العابد مكانة كبيرة في بلاط السلطان عبد الحميد الثاني، وكان الأكثر نفوذاً بين كلّ المستشارين العرب لغاية انقلاب 1908 الذي أطاح به وبالسلطان معاً، فسافر بعدها إلى فرنسا وتوفي في مصر سنة 1924.

    البداية

    ولِد أحمد عزت العابد في دمشق وهو ابن أسرة تجارية من حيّ الميدان، كانت تعمل في الزراعة وتربية المواشي. ذاع صيت العائلة في الأحداث الدامية التي شهِدتها دمشق سنة 1860، عندما حمى جدّه عمر آغا العابد آلاف المسيحيين السوريين، بالتنسيق مع الأمير عبد القادر الجزائري، فيما عُرف بفتنة عام 1860.

    نُصّب عمر العابد من بعدها زعيماً على حي الميدان وانتقلت زعامة الأسرة بالوراثة من بعده إلى أكبر أولاده هولو العابد، الذي عُيّن مُتصرّفاً على مدينة حمص ثم على نابلس، قبل تعيينه رئيساً لمحكمة النقد ومديراً لمجلس ولاية سورية سنة 1890. تضاعفت ثروة آل العابد بشكل كبير من يومها، وقام هولو باشا بشراء أسهم في شركة قناة السويس البحرية، وأصبح صديقاً للخديوي إسماعيل وامتلك أسهماً في قناة بنما الواصلة بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.

    العمل في الصحافة

    عاش أحمد عزّت العابد سنواته الأولى في كنف والده الذي توفي سنة 1895، ودَرَس مع الأجانب في مدارس الكاثوليك الخاصة في بيروت. وقد عَمِل في شبابه كاتباً في دائرة المُراسلات العثمانيّة بدمشق، مُستفيداً من إتقانه التام للغات الفرنسية والإنجليزية، بالإضافة طبعاً للغتين العربية والتركية. في عام 1873، عُيّن أحمد عزّت العابد رئيساً لدائرة القَلَم في ولاية سورية، ثمّ رئيساً لمحكمة التجارة المختلطة، وأصبح مُقرّباً من والي الشّام أحمد جواد باشا. أحبّ جواد باشا هذا الفتى اللّامع الطموح وعدّه رجلاً فريداً قلّ مثيلهُ بين أعيان دمشق، نظراً لمعرفته الواسعة بالسياسة الدولية واطلاعِه على الحضارات الغربية، فعيّنه رئيساً لتحرير جريدة سورية الرسميّة التي كانت تُصدرها الدولة العثمانية في دمشق باللغتين العربية والتركية.

    جريدة دمشق

    في عام 1878، أسّس أحمد عزت باشا مطبوعة خاصة، وهي صحيفة أسبوعية ناطقة باللغة العربية حملت اسم جريدة دمشق. كانت الصحيفة تُنادي بالإصلاح وتدعم كل سياسات السلطان عبد الحميد الثاني الداخلية والخارجية. لم تلقَ الجريدة رواجاً واسعاً في دمشق، بسبب تَفَشّي الأمّيّة في المدينة يومها، لكنها أصبحت في مدّة قصيرة الجريدة المُفضّلة لدى النخبة العثمانية الحاكمة، وقيل إن مواضيعها وطروحاتها كانت تُعجب كلّاً من السلطان والصدر الأعظم. ولكثرة انشغاله بالأمور السياسيّة، ولأنّ الصحافة لم تكن يوماً مهنته المُفضّلة، أغلق أحمد عزت باشا الجريدة سنة 1887، وسافر إلى عاصمة الخلافة بحثاً عن منصب جديد يرقى إلى طموحاته السياسيّة.

    في قصر السلطان عبد الحميد الثاني

    عمل بداية في نظارة العدلية، قاضياً في المحاكم التجارية، وتمكن من الوصول إلى مجلس السلطان عبد الحميد الثاني، الذي أحبه فوراً وعيّنه مديراً إدارياً لمجلس الشورى العثماني. مع مرور الوقت أصبح أحمد عزت العابد صديقاً للسلطان ومستشاراً خاصاً له، بالإضافة لتكليفه بمراقبة لجنة الموازنة التابعة للحكومة العثمانية. كان العابد يومها لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره، وكان السلطان عبد الحميد يكبره بإحدى عشرة سنة، ومع ذلك كانت هذه الصداقة السريعة نتيجة خُلقه الرفيع ودماثته العالية، وقد سمّى السلطان عبد الحميد أحد أولاده عابد (وهو تولد سنة 1905) محبة وتقديراً لمستشاره السوري.

    منجزات العابد

    أسهم أحمد عزت العابد إسهاماً كبيراً في إنشاء الخطّ الحديدي الحجازي الذي ربط دمشق بالمدينة المنورة وسهّل سفر الحجاج وسير البضائع التجارية من بلاد الشّام إلى الحجاز. تكلفة المشروع وصلت إلى خمسة ملايين ليرة عثمانية ذهبية، جُمِعت من تبرعات الحواضر الإسلامية، وكان العابد من أول المتبرعين. ويعود له الفضل في إنشاء خطّ التلغراف الواصل بين إزمير وبنغازي من جهة، وبين دمشق والمدينة المنورة. كما أنه شجّع السلطان على إدخال الكهرباء إلى مدينة دمشق سنة 1907، عبر شركة بلجيكية كبيرة، مع تدشين وسيلة نقل الترامواي في شوارع دمشق، التي ترافقت مع إنارة المدينة.

    قام العابد ببناء فندق فخم وسط مدينة دمشق، مُطل على نهر بردى، حمل اسم فندق فكتوريا، وقد استغرق بناؤه عشر سنوات. كان الفندق مختلفاً عن الذوق العام في مدينة دمشق، يعكس تأثر صاحبه بالعمارة الغربية، ليس في زخارفه ونقوشه فحسب بل في حجره الأبيض والرخام المستورد من أوروبا. كان فندق فكتوريا يُشبه أبنية باريس وبرلين، وفي سنة 1898، نَزَلَ به الإمبراطور غليوم الثاني في زيارته إلى دمشق. وبعدها شيّد العابد بناء كبيراً وسط ساحة المرجة، أطلق عليه اسم بناء العابد وهو لا يزال قائماً حتى اليوم، بعد نقل ملكيته إلى الحكومة السورية.

    الانقلاب العثماني سنة 1908

    أرسل أحمد عزت العابد ابنه محمد علي إلى باريس لدراسة الهندسة المدنية في جامعة السوربون، وعند تَخرّجِه، عُيّن سفيراً في واشنطن سنة 1908. بعد أسابيع قليلة من وصوله، وقع انقلاب عسكري في إسطنبول، نفّذته مجموعة من ضبّاط جمعية الاتحاد والترقي، الذين حاصروا السلطان عبد الحميد داخل قصره يوم 23 تموز 1908، وفرضوا عليه حزمة من الإصلاحات المؤلمة، مثل العودة إلى الدستور العثماني المُعطل منذ سبعينيات القرن التاسع عشر وتفعيل المجلس النيابي (مجلس المبعوثان)، ما حوّل عبد الحميد الثاني من حاكم مطلق إلى حاكم صوري لا سلطة حقيقية له، مقيّد الصلاحيات من قبل مجلس تشريعي منتخب.

    فرض قادة الانقلاب على السلطان التخلي عن معظم مستشاريه القدامى، وفي مقدمتهم أحمد عزّت العابد الذي عزل عن منصبه ونفي خارج البلاد إلى أوروبا، مع أمر صارم بألّا يعود أبداً إلى إسطنبول. وبدأت المُخابرات العثمانية بنشر الإشاعات حول دور العابد في العهد البائد، وقالوا إنه متهم بالفساد و”الإجرام السياسي” غادر أحمد عزّت الباشا إسطنبول مُتجهاً إلى واشنطن، ليكون ضيفاً على السفير محمد علي العابد، ولكنه توقف في باريس بعد صدور قرار بعزل ابنه، فاجتمعت الأسرة في فرنسا وعاشت فيها طيلة عشر سنوات (1908-1918).

    سنوات المنفى

    من منفاه الجديد، أدار أحمد عزت باشا ما تبقى له من أملاك في سورية واشترى أسهماً في عدة شركات عالمية في كلّ من نيويورك وباريس ولندن. حافظ أحمد عزّت باشا على قناة اتصال سريّة بالسلطان عبد الحميد، الذي عُزل عن العرش في نيسان 1909 وبقي سجيناً في قصره على ضفاف البوسفور حتى وفاته يوم 10 شباط 1918، أي قبل أشهر قليلة من سقوط الحكم العثماني في دمشق مع نهاية الحرب العالمية الأولى.

    أحمد عزت باشا العابد في سنواته الأخيرة
    أحمد عزت باشا العابد في سنواته الأخيرة

    معارضة حكم الملك فيصل

    عند مشاهدتهم مصير مولاهم السلطان عبد الحميد، قرر رجال بيت العابد اعتزال العمل السياسي بشكل نهائي، وعدم الاقتراب من الثورة العربية الكبرى التي أطلقها  شريف مكة الحسين بن عليّ في صيف عام 1916. هذا مع العلم أنها وُجِّهت ضدّ قادة جمعية الاتحاد والترقي حصراً (الباشوات الثلاثة أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا، أعداء أحمد عزّت باشا اللدودون) وليس ضدّ الدولة العثمانية برُمّتها. وبعد نجاح ثورة الشريف حسين وهزيمة الجيش العثماني في دمشق نهاية شهر أيلول من العام 1918، رفض العابد مبايعة الأمير فيصل حاكماً عربياً على سورية وفضّل البقاء في منفاه الدائم في فرنسا طيلة سنوات الحكم الفيصلي. كان ذلك احتراماً لماضيه العثماني وسنوات خدمته في بلاط السلطان عبد الحميد الثاني.

    العودة إلى دمشق

    لم يعد العابد إلى دمشق إلّا بعد فرض الانتداب الفرنسي سنة 1920، بتشجيع وإلحاح من الجنرال هنري غورو، مندوب فرنسا السامي في سورية الذي أراد دفعه للاستثمار مجدداً في وطنه، وطلب إليه المساهمة في نهوض الاقتصاد السوري بعد أن دمرته الحرب العالمية الأولى. لبّى العابد الدعوة وعاد إلى دمشق مع ابنه، حيث بنى مستشفى بحيّ الميدان مع ملجأ للأيتام، ولكنه رفض الإقامة في دمشق وشدّ الرحال متجهاً إلى مصر، ليحلّ ضيفاً على الملك فؤاد الأول.

    عائلة العابد

    تزوج أحمد عزّت العابد مرتين، وكانت زوجته الأولى بهيّة المارديني من سلالة جلال الدين الرومي والثانية شركسية وتُدعى نِبراس خانم، وهي والدة الرئيس محمّد علي العابد.

    الوفاة

    توفي أحمد عزت باشا العابد في مصر عن عمر ناهز 73 عاماً يوم 15 تشرين الأول 1924.

    مذكّرات العابد

    في عام 2018، أُعلن في إسطنبول عن قرب صدور مُذكّرات أحمد عزّت العابد باللغة التركية، التي كان قد وضعها في نهاية الحرب العالمية الأولى وأودعها في أحد المصارف السويسريّة، مُشترطاً ألّا تُنشر إلّا بعد مرور 100 عام على كتابتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !