أعلام وشخصياتسياسيون ورجال دولة

معروف الدواليبي

رئيس مجلس نواب (1951) ورئيس الحكومة السورية (1951) - (1961)

دولة الدكتور معروف الداوليبي
دولة الدكتور معروف الداوليبي

معروف الدواليبي (29 آذار 1909 – 15 كانون الثاني 2004)، سياسي سوري من حلب، كان أحد أقطاب حزب الشعب ومن قادته التاريخيين. شكّل حكومتين في تاريخ سورية الحديث، كانت الأولى في عهد الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1951 والثانية في عهد الرئيس ناظم القدسي سنة 1961، وانتُخب رئيساً للبرلمان السوري من 23 حزيران ولغاية 30 أيلول 1951. في المرتين، أطيح به بانقلاب عسكري، كان الأول بقيادة أديب الشيشكلي يوم 29 تشرين الثاني 1951 والثاني بقيادة عبد الكريم النحلاوي في 28 آذار 1962.

تولّى حقيبة الاقتصاد الوطني ثم وزارة الدفاع في مرحلة ما قبل الوحدة السورية – المصرية وشارك في صياغة دستور سنة 1950 وفي تأسيس كلية الشريعة في الجامعة السورية. وبعد خروجه من سورية سنة 1963 عُيّن مُستَشاراً لملوك السعودية حتى وفاته عام 2004.

البداية                                                                             

ولِدَ معروف الدواليبي في مدينة حلب وهو سليل أسرة يعود نسبها إلى الصحابي فيروز الديلمي الذي ولّي على صنعاء في عهد معاوية بن أبي سفيان.

دَرَس العلوم الشرعية في مدرسة مسجد الإسماعيلية بحلب (التي سُمّيت لاحقاً المدرسة الخسروية)، ثم في كلية الحقوق في الجامعة السورية، حيث تخرج سنة 1940. انتَسَب الدواليبي في شبابه  إلى الكتلة الوطنية وانتُدب من قبلها للإشراف على الاستفتاء الذي أقامته عصبة الأمم في لواء إسكندرون، وكانت نتيجته سلخ المنطقة عن سورية وضمّها إلى تركيا. توجّه بعدها إلى فرنسا لدراسة الحقوق الرومانية في جامعة باريس وانتُخب رئيساً لرابطة الطلاب العرب.

اِقتَرَنَ معروف الدواليبي بفتاة فرنسية كان مقيماً عند أهلها في أثناء دراسته الجامعية. اعتنقت الإسلام عند زواجها منه وشاركته في مراحل نضاله المُختلفة ضد الفرنسيين والبريطانيين. وكانت أولى مساهماتها السفر مع زوجها  إلى ألمانيا في أثناء الحرب العالمية الثانية، للعمل معه ومع الرايخ الثالث، المُعادي لليهود وللصهيونية.

العمل مع هتلر

قرار سفر الدواليبي إلى ألمانيا جاء بعد توجّه مُفتي القدس الحاج أمين الحُسيني إلى برلين، طالباً العون المادي والعسكري من أدولف هتلر. جمعته بهتلر مصالح مشتركة ضد الإنكليز والصهاينة بعد أن وعد الزعيم الألماني بإلغاء وعد بلفور وتحرير البلاد العربية من الاستعمار الفرنسي والبريطاني، مُقابل حصول بلاده على دعم من العالم الإسلامي. كان هذا الأمر يروق جداً معروف الدواليبي ورفاقه الطلاب العرب الكارهين للصهيونية، وقد أحبّوا أمين الحسيني ووثقوا به منذ أن كان قائداً لثورة مُسلّحة ضد البريطانيين في فلسطين سنة 1936.

في برلين، وضع الدواليبي نفسه تحت تصرف المفتي وعمل معه على الترويج للقضية العربية داخل المجتمع الألماني. وعند سقوط العاصمة الألمانية واحتلالها عسكريّاً سنة 1945 هرب الدواليبي  إلى مدينة الفاشتاين في جبال اليرون النمساوية، حيث كان من المُقرر أن يُنقَل مكتب هتلر ومكتب السفير الياباني. ولكن هتلر لم يتمكّن من مُغادرة برلين وانتَحَرَ في أحد أقبيتها العسكرية يوم 30 نيسان 1945.

قبل وفاته، كان هتلر قد أوصى القيادة النازية بنقل معروف الدواليبي ورفاقه إلى السعودية، لكيلا يقعوا أسرى في أيدي الجيوش الأمريكية والبريطانية والفرنسية.  وعدت القيادة الألمانية بتنفيذ أوامر الفوهرر، غير أن المطارات قصفت كلها وقرر الألمان عندئذ نقل أمين الحسيني في طائرة خاصة من أعالي الجبال، ولكن الحكومة السويسرية قامت باعتراضها وألقت القبض عليه وسلّمته إلى الفرنسيين. ثم أُلْقِي القبض على أنصاره وجُمِعوا بمكان واحد داخل الأراضي الألمانية، بانتظار نقلهم إلى السجون الأمريكية.

قال لأحد الحرّاس إنه من رعايا المُستعمرات الفرنسية، افتعل قصة كاذبة للخروج من المُعتقل، مدعياً أن قوات فيشي الموالية لهتلر قد اعتقلته بسبب مناهضته للفاشية والنازية. سُمح له بالخروج من ألمانيا والعودة إلى فرنسا، بعد كتابة العبارة التالية على أوراقه الثبوتية: “يُتابع سفره إلى دمشق، لأنه تحت الحماية وعذرُه أنه اعتُقل.”

بعد وصوله باريس مع زوجته عَلِم الدواليبي أنه مطلوب من قبل المباحث الفرنسية، فلجأ إلى منزل ناجية ذي الفقار، عمّة الملك فاروق المُقيمة في فرنسا والتي كانت تتمتع بحصانة دبلوماسية. وكان الدواليبي قد هرّب معه من ألمانيا سائق الحاج أمين الحسيني، وهو مواطن سوري يُدعى خالد رمضان، الذي طُلب إليه تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية ليُنقَل إلى مكان احتجاز المفتي. تجاوب السائق مع هذه المهمة وأرسل رسالة سريّة إلى معروف الدواليبي عن مكان اعتقال الحاج أمين، في فيلّا داخل قرية صغيرة على نهر اللوار جنوب باريس.

تهريب مفتي القدس في فرنسا

قرر الدواليبي تهريب المفتي من معتقله وحصل على مبلغ  100 ألف فرنك فرنسي من السفير السوري عدنان الأتاسي، خُصّصت لهذه العملية. ولكنّه لم يتمكن من فعل ذلك بسبب الحراسة المُشددة على أمين الحسيني، فانتظر الدواليبي قليلاً حتى تغيّر الأوضاع الدولية ونشوب خلاف بين بريطانيا وفرنسا، بسبب دعم رئيس الحكومة ونستون تشرشل لقضية استقلال سورية ودعوة وفد من دمشق إلى الولايات المتحدة للمشاركة في تأسيس الأمم المتحدة في نيسان 1945. انزعج شارل ديغول من التدخل البريطاني في شؤون سورية ولعِب الدواليبي على هذا الخلاف وأقنع الفرنسيين بضرورة الإفراج عن أمين الحُسيني للضغط على البريطانيين والنيل من سياساتهم في الشرق الأوسط.

وبالفعل، قررت فرنسا إطلاق سراح المفتي ونقله إلى منزل جديد لا يعرف مكانه إلا قائد الشرطة العسكرية الفرنسية. من هنا بدأت المرحلة الثانية من عملية تهريب المفتي، بتخطيط وتنفيذ من معروف الدواليبي. زاره في مكان إقامته الجبرية وطلب إليه حلق لحيته وخلع عمامته وارتداء بزة وقبعة إفرنجية، ثم أخذ له صورة بحلّاسه الجديد ووضعها على جواز سفر سوري مزوّر باسم “معروف الدواليبي.” ثم حجز الدواليبي تذكرة وأرسله إلى مصر، على أساس أنه المواطن السوري معروف الدواليبي وليس مفتي القدس أمين الحُسيني، المطلوب والملاحق دولياً.

وصل المفتي إلى مصر واعتُقل الدواليبي فوراً بتهمة تهريب “مجرم حرب” من فرنسا.  ولكن السلطات الفرنسية أفرجت عنه بعد حين، لأنها لم تكن مُنزعجة كثيراً من تخلّصها من أمين الحسيني، لما في ذلك من إحراج وتحدّ للإنكليز، فعاد معروف الدواليبي إلى سورية في 14 تموز 1946. وكان ديغول قد أوصى السفينة الفرنسية التي نقلته إلى مصر ومن ثمّ إلى سورية، بألا تعطي اسمه لأي جهاز أمني، لكي يصل موطنه سالماً.

في جامعة دمشق

بعد أشهر من عودته إلى سورية، عُيّن الدكتور الدواليبي أستاذاً لمادة الحقوق الرومانية في الجامعة السورية، ثمّ عضواً في اللجنة المُكلّفة بإنشاء كلية الشريعة التي كانت برئاسة الشّيخ مصطفى السباعي، زعيم حركة الإخوان المسلمين في سورية. وعند افتتاحها في منتصف الخمسينيات، صار يُدرس فيها مادتي أصول الفقه الإسلامي والحديث الشريف. وبعد أشهر من وصوله دمشق، عُرض عليه منصب سفير سورية في السعودية ولكنه رفض وفضّل العمل في التدريس.

مع حزب الشعب

دخل معروف الدواليبي عالم السياسة عبر الانتخابات النيابية التي أجريت سنة 1947، وفاز بالنيابة عن حلب. وفي سنة 1948 شارك في تأسيس حزب الشعب المعارض لرئيس الجمهورية شكري القوتلي والمطالب بتحقيق وحدة مع العراق. وعد حزب الشعب بتعزيز موقع المدن السورية الكبرى، مثل حلب وحمص وحماة، للوقوف في وجه هيمنة الدمشقيين على المشهد السياسي السوري منذ انتخاب القوتلي رئيساً سنة 1943. اعترض الدواليبي على تعديل الدستور للسماح للقوتلي بولاية رئاسية ثانية ولكنّه عارض الانقلاب العسكري الذي أطاح به وبحكمه يوم 29 آذار 1949، ورأى أنه يتنافى مع روح الديمقراطية. دعي الدواليبي للاجتماع بحسني الزعيم، مهندس الانقلاب الأول، وعرض عليه التعاون مع العهد الجديد، ولكنه رفض قائلاً إن معارضته للقوتلي لا تعني أبداً القبول بنظام عسكري، مُسجلاً اعتراضه على نزول الدبابات إلى الشوارع واعتقال رئيس الجمهورية.

دستور عام 1950

وبعد سقوط حسني الزعيم ومقتله في منتصف شهر آب من العام 1949، عُقد اجتماع في مبنى الأركان العامة بدمشق، دعا له اللواء سامي الحناوي، مهندس الانقلاب الثاني، المحسوب على العراق والمقرب من حزب الشعب. حضر الدواليبي هذا الاجتماع وتقرر فيه عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم للإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية مكلفة بوضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي قام الزعيم بحلّه قبل أشهر. فاز الدواليبي بعضوية الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور عام 1950، وذهبت غالبية مقاعدها إلى أعضاء حزب الشعب.

معروف الدواليبي مع رفاقه في حزب الشعب، عدنان الأتاسي وفيضي الأتاسي.
معروف الدواليبي مع رفاقه في حزب الشعب، عدنان وفيضي الأتاسي.

الدواليبي وزيراً للاقتصاد

وفي 27 كانون الأول 1949، عُيّن الدواليبي وزيراً للاقتصاد في حكومة  خالد العظم الثالثة، إضافة إلى مهامه في اللجنة الدستورية. توجّه يومها إلى القاهرة وحصل على قرض من الحكومة المصرية بقيمة ستة ملايين دولار أمريكي للنهوض بالاقتصاد السوري، وسافر بعدها إلى الرياض لإبرام معاهدة صداقة وتجارة مع السعودية في كانون الثاني 1950. وقد أثار الدواليبي اهتمام الصحف العالمية عندما صرّح من تحت قبة المجلس النيابي أنه مستعد للتحالف مع الاتحاد السوفيتي للوقوف في وجه الصهيونية قائلاً:

إن استمرّ الضغط الأمريكي على العرب، لجعلهم يسيرون بالاتجاه السوفيتي، فأنا أقترح إجراء استفتاء في العالم العربي ليعرف الملأ ما إذا كان العرب يفضلون ألف مرة أن يصبحوا جمهورية سوفيتية على أن يكونوا طعمة لليهود.

أدى هذا التصريح إلى تصنيف معروف الدواليبي بأنه “عدو للولايات المتحدة الأمريكي” وعومل على هذا الأساس من قبل إدارة الرئيس هاري ترومان.

معروف الدواليبي مع الرئيس هاشم الأتاسي في 1 آذار 1954.
معروف الدواليبي مع الرئيس هاشم الأتاسي في 1 آذار 1954.

حكومة الدواليبي الأولى 

ساد جو من التوتر الرهيب بين معروف الدواليبي والعقيد أديب الشيشكلي، المعارض لحزب الشعب ولمشروع الوحدة مع العراق. وكان الشيشكلي قد نفّذ انقلابه الأول في 19 كانون الأول 1949 وتخلّص من سامي الحناوي لحرمان قادة حزب الشعب من الدعم العسكري الذي كانوا يتمتعون به في سعيهم نحو الوحدة مع العراق. لم يقترب الشيشكلي من رئيس الجمهورية، ولكنه وضع شرطاً على جميع الحكومات المتعاقبة من يومها، أن تذهب حقيبة الدفاع إلى صديقه اللواء فوزي سلو، وأن يكون له حق الاعتراض على أي مشروع وحدوي مع العراق قد يُطرح مستقبلاً داخل السلطة التنفيذية.

جميع رؤساء الحكومات في الفترة ما بين 1949-1951 قبلوا بهذا الشرط تجنباً لمواجهة جديدة مع الشيشكلي. ولكن الدواليبي رفض الخضوع له عند تعيينه رئيساً للحكومة في 28 تشرين الأول 1951. أبقى على حقيبة الدفاع لنفسه، متجاهلاُ كل التهديدات التي وصلته من الشيشكلي. وعندما لم يستجب الدواليبي، نفذّ الشيشكلي انقلابه الثاني صباح يوم في 29 تشرين الثاني 1949 واعتقل رئيس الحكومة مع جميع الوزراء، ومعظمهم كان من حزب الشعب. وكان الدواليبي وقبل تكليفه برئاسة الحكومة قد شغل رئاسة مجلس النواب لمدة وجيزة، من 23 حزيران ولغاية 30 أيلول 1951، خلفاً لزميله رشدي الكيخيا، زعيم حزب الشعب.

في عهد الشيشكلي

وكان الدواليبي قبل اعتقاله قد نال ثقة مجلس النواب عند تلاوة بيان حكومته التي وعد بأن تحافظ على نظام سورية الجمهوري وتُراعي توازنات الحرب الباردة، رافعاً شعار: “المزيد من الأصدقاء لسورية.” مع ذلك وصفته الصحف الأمريكية بأنه أحد أشرس أعداء الولايات المتحدة في العالم العربي، وأكثرهم هجوماً على الغرب بسبب مواقفه السابقة المؤيدة للنازية أولاً ثم للاتحاد السوفيتي.

سيق معروف الدواليبي إلى سجن المزة وفي 2 كانون الأول 1951، استقال الرئيس هاشم الأتاسي من منصبه احتجاجاً على الانقلاب الجديد. في اليوم نفسه عيّن الشيشكلي فوزي سلو رئيساً للدولة والحكومة معاً، واستقال وزراء الدواليبي من مناصبهم ليُفرَج عنهم تباعاً. بقي الدواليبي سجيناً وحده حتى كانون الثاني 1952، حيث أُفرِج عنه لمدة قصيرة، ليُعاد سجنه في 29 حزيران 1953 بسبب شدة انتقاداته لأديب الشيشكلي.

بعد خروجه من المُعتقل في المرة الثانية، توجه إلى حمص لحضور اجتماع في منزل الرئيس المُستقيل هاشم الأتاسي، تقرر فيه عدم الاعتراف بشرعية حكم الشيشكلي ورفض الدستور الذي كان قد فرضه على سورية. وعند تولّي الشيشكلي رئاسة الجمهورية رسمياً في 11 تموز 1953، ضاعف الدواليبي من نشاطه المعارض وهرب إلى العراق ومن ثمّ إلى لبنان، تفادياً للاعتقال مرة ثالثة. ومن منفاه، راقب الثورة العسكرية التي انطلقت ضد الشيشكلي من جبل الدروز والتي تمكّنت من إسقاطه في 25 شباط 1954.

عند سماعه نبأ استقالة الشيشكلي وهروبه إلى السعودية، عاد الدواليبي إلى سورية وتوجه مجدداً إلى حمص لمرافقة هاشم الأتاسي في عودته إلى دمشق يوم 1 آذار 1954. تقرر يومها عودة الأتاسي إلى رئاسة الجمهورية لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية التي قُطعت بسبب انقلاب الشيشكلي الأخير وعدّت الطبقة السياسية أن عهد الشيشكلي لم يمر على سورية. حاول الأتاسي إعادة عقارب الساعة إلى عشيّة وقوع الانقلاب في 29 تشرين الثاني 1951، عندما كان معروف الدواليبي رئيساً للحكومة. طلب إلى الدواليبي تقديم استقالة حكومته حسب الأصول الدستورية، وبعد موافقة رئيس الجمهورية عليها، كلف صبري العسلي بتشكيل حكومة جديدة سُمّي فيها معروف الدواليبي وزيراً للدفاع من 1 آذار ولغاية 29 حزيران 1954.

الوحدة السورية المصرية

علاقة معروف الدواليبي كانت بالأساس جيدة مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي اجتمع به في القاهرة عند زيارته مصر على رأس وفد نيابي. أيّد قرار تأميم قناة السويس سنة 1956 ووقف مع عبد الناصر في حربه ضد بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ولكن فراقاً حلّ بينهما بسبب ملاحقة الرئيس المصري لقادة الإخوان المسلمين. ومع ذلك، بارك الدواليبي قيام الوحدة السورية – المصرية سنة 1958 وصوت لصالحها داخل مجلس النواب، أملاً أن يتمكن عبد الناصر من وضع حد لتجاوزات العسكر وطموحاتهم في سورية. وقبل بشرط عبد الناصر حلّ جميع الأحزاب العاملة في سورية، وفي مقدمتها حزب الشعب، ورأى أنّ هذا التنازل مطلوب من قبله لأجل نجاح الوحدة العربية الشاملة.

بعدها بأشهر تعرض حزب الشعب إلى ضربة قاسية عند الإطاحة بالحكم الملكي في العراق يوم 14 تموز 1958، منهياً حلم الدواليبي بإقامة وحدة مع الأسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد منذ سنة 1921. تسلّم الحكم من بعدهم مجموعة من الضباط العراقيين المحسوبين على جمال عبد الناصر، وجميعهم كانوا من الناقمين على العهد الملكي وكل حلفائه في الوطن العربي.

حكومة الدواليبي الثانية والأخيرة سنة 1961

كان معروف الدواليبي موجوداً في القاهرة يوم انقلاب الانفصال على جمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961. عاد مُسرعاً إلى دمشق وترشّح في الانتخابات النيابية التي جرت في مطلع عهد الانفصال. فاز بغالبية أصوات مدينة حلب، ما جعله مُرشحاً طبيعياً لتولّي رئاسة الحكومة من جديد، بعد انتخاب زميله ناظم القدسي رئيساً للجمهورية يوم 14 كانون الأول 1961. رفض الدواليبي التكليف بداية، وقال للرئيس القدسي إنه لا يجوز أن تكون رئاسة الجمهورية والحكومة في في أيدي شخصيات حلبية، محذراً من نقمة الدمشقيين. وفي مُذكّراته، يقول الدواليبي: “أذاع ناظم القدسي بياناً بتكليفي دون عِلمي، واستدعاني فجئت وقلت له: يا ناظم بك لقد أخطأت، واغرورقت عيناي بالدموع.”

ولكنه وتحت الإصرار والضغط من زملائه في حزب الشعب، قبل بالمنصب الجديد وشكّل حكومته الثانية والأخيرة في الأسبوع الأخير من العام 1961. كانت حكومة الدواليبي الثانية هي الأكبر في تاريخ سورية، مؤلفة من 16 وزيراً، ولكنها لم تستمر طويلاً وسقطت بموجب انقلاب عسكري في 28 آذار 1962، قام به المقدم عبد الكريم النحلاوي.

كان الدواليبي قد اصطدم مجدداً بالعسكر، تماماً كما فعل في زمن هاشم الأتاسي قبل عشر سنوات، وفي هذه المرة، كانت خصومته مع النحلاوي الذي حاول الدواليبي تقليم أظافره وإبعاده عن الحياة السياسية. اعتقل يومها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، مع عدد كبير من قادة حزب الشعب. وقد جاء في مُذكّرات الدواليبي أن انقلاب النحلاوي كان بدعم وتمويل من جمال عبد الناصر، الذي أراد الإطاحة بحكام سورية الجدد عبر النحلاوي بعد أن وجد الأخير نفسه خارج دائرة صنع القرار منذ عودة القدسي والدواليبي إلى الحكم.

مدة احتجازهم لم تستمر إلا أياماً معدودة، وتمرّد قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين على عبد الكريم النحلاوي يوم 1 نيسان 1962. أُطلق سراح الموقوفين وعاد ناظم القدسي إلى القصر الجمهوري والدواليبي إلى السراي الحكومي، ولكنه أجبر على الاستقالة تفادياً لصدام جديد مع العسكر.

المواجهة مع عفلق

في 8 آذار 1963، وقع انقلاب جديد في سورية، قامت به مجموعة من الضُبّاط الناصريين والبعثيين الموالين للرئيس عبد الناصر والطامعين باستعادة الوحدة مع مصر. اعتقلوا القدسي والدواليبي مُجدداً، وطبقوا عليهم قانون العزل المدني الصادر عن مجلس قيادة الثورة بتهمة تأييد “جريمة الانفصال” وشرعنتها. أُطلق سراح القدسي بعد أسابيع وبقي الدواليبي محتجزاً في سجن المزة حتى منتصف عام 1964، عندما أُفرِج عنه بأمر من رئيس الدولة أمين الحافظ. دُعي الدواليبي لزيارة الحافظ في القصر الجمهوري، وحاول الأخير إقامة صلح بينه وبين ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث. رفض الدواليبي هذا الأمر وقال لأمين الحافظ إنه عند اعتقاله، طلب أن يأتيه مأمور السجن بنسخة من القرآن الكريم لكي يُصلي، فجاءه بنسخة من كتاب في سبيل البعث وطلب إليه أن يحفظ كلام عفلق كنص “مُقدس.” وعند سماعه هذه القصة قال  الحافظ للدواليبي: “من الأفضل يا دكتور أن تترك هذا البلد.”

المنفى الأخير

توجه الدواليبي بداية إلى لبنان، معلناً اعتزاله العمل السياسي. وعندما عِلِم الملك فيصل بن عبد العزيز بأمره، دعاه إلى السعودية ليكون مستشاراً خاصاً له، مكلّفاً بتطوير عمل الديوان الملكي ومراقبته. عمل مع الملك فيصل ومع أشقائه من بعده، الملك خالد ثمّ الملك فهد.  وفي سنة 1975 انتُخب رئيساً للمؤتمر العالم الإسلامي وعضواً في المجلس الأعلى للمساجد في مكة. بعدها بسنوات كان رئيساً لمنظمة الإسلام والغرب في مدينة جنيف السويسرية من 1989 ولغاية عام 1994.

مؤلفاته

وضع معروف الدواليبي عدداً من الأبحاث القانونية والتاريخية والدينية، منها:

مذكرات الدواليبي

في سنوات المنفى عمل الدواليبي على تسجيل مذكراته في حوارات أجراها مع الدكتور عبد القدوس أبو صالح، بدأت سنة 1987 وانتهت عام 1993. وقد جُمعت تلك الحوارات في كتاب بعنوان مُذكرات معروف الدواليبي، صدر في السعودية سنة 2005.

الوفاة

توفي الدكتور معروف الدواليبي عن عمر ناهز 95 عاماً يوم 15 كانون الثاني 2004 ودُفن في البقيع في المدينة المنورة.

المناصب

وزيراً للاقتصاد (27 كانون الأول 1949 – 4 حزيران 1950)
رئيساً لمجلس النواب (23 حزيران – 30 أيلول 1951)
رئيساً للحكومة السورية (28-29 تشرين الثاني 1951)
وزيراً للدفاع (1 آذار – 19 حزيران 1954)
  • سبقه في المنصب: رفعت خانكان
  • خلفه في المنصب: سعيد الغزي
رئيساً للحكومة السورية (22 كانون الأول 1961 – 28 آذار 1962)
المصدر
1. أبو صالح، عبد القدوس. مُذكّرات معروف الدواليبي (مكتبة العبيكان، السعودية 2005)، 132. نفس المصدر، 443. نفس المصدر، 52-534. نفس المصدر، 695. نفس المصدر، 736. نفس المصدر، 757. نفس المصدر، 76-778. نفس المصدر، 779. نفس المصدر، 9310. نفس المصدر، 10011. جورج فارس. من هم في العالم العربي (دمشق 1957)، 253-25412. أبو صالح، عبد القدوس. مُذكّرات معروف الدواليبي (مكتبة العبيكان، السعودية 2005)، 11013. نفس المصدر، 13114. عبد الغني العطري. أعلام ومبدعون (دار البشائر، دمشق 1999)، 4915. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية - لندن 1965)، 9216. عبد الغني العطري. أعلام ومبدعون (دار البشائر، دمشق 1999)، 4917. أسعد كوراني. ذكريات وخواطر مما رأيت وسمعت وفعلت ( دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2000)، 24018. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية - لندن 1965)، 11519. نفس المصدر20. أبو صالح، عبد القدوس. مُذكّرات معروف الدواليبي (مكتبة العبيكان، السعودية 2005)، 15121. مطيع السمان. وطن وعسكر (مكتبة بيسان، بيروت 1995)، 4522. خالد العظم. مُذكّرات، الجزء الثالث (الدار المتحدة، بيروت 1972)، 22323. نفس المصدر، 22924. أبو صالح، عبد القدوس. مُذكّرات معروف الدواليبي (مكتبة العبيكان، السعودية 2005)، 15825. نفس المصدر26. نفس المصدر، 194

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !