رجال وعلماء دين

محمد علي الدقر

عالم دين سوري

محمد علي بن عبد الغني الدقر (1877- 1 آذار 1943)، داعية وعلّامة ومربّي أجيال، شافعي المذهب، صاحب أكبر نهضة علميّة في بلاد الشّام في القرن الرابع عشر الهجري، وأحد أبرز علماء السنّة في سوريّة.

البداية

ولد الشيخ علي الدقر في زقاق البُرْغُل في حي الشاغور الجوّاني من أسرة دمشقيّة عريقة لأب تاجر صالح، ورث عنه كرمه وجوده، فيذكر أنه كان يملك مزرعتان في المزّة وداريّا، يقصدهما الفقراء والمحتاجون، ويزدحم عليهما المساكين.

دراسته

بدأ الشيخ علي الدقر رحلة طلب العلم على يد الشيخ عبد الكريم الدقر بتعلّم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة في أحد كتاتيب دمشق، وأتمّ إتقان القرآن الكريم على يد الشيخ المقرئ أبو الصفا المالكي في عام 1907.

ليلازم بعدها حلقات العلوم الإسلاميّة والعربيّة والفلسفة المنتشرة آنذاك في دمشق، فأمَّ حلقة الشيخ أمين البيطار في عام 1908 في جامع السنانية وقرأ عليه حتى بلغ مرحلة الشباب.

ثمّ انتقل إلى حلقة العالم الشيخ محمد القاسمي في عام 1918 في جامع حسان الواقع في باب الجابية، ومنها إلى مدرسة الشّيخ عيد السفرجلاني في عام 1931، ليظلّ فيها سنوات حصّل خلالها مبادئ العلوم الإسلاميّة والعربيّة، كما تردّد على العلّامة الأصولي الشيخ أمين سويد وذلك سنة 1936 فأخذ عنه الأخلاق وبعض علوم التصوف.

حضر لدى محدّث الشام الشيخ بدر الدين الحسني سنة 1935، وكان مقدّمًا عنده، فقرأ عليه كتب الحديث الستّة، وبعض الأصول، كما اختّصه بقراءة بعض الكتب بغرفته في دار الحديث النورية، وكان يقدّمه لإمامة صلاة العشاء في بيته بعد انتهاء الدرس الخاص، وقد تفرّس الشيخ بدر الدين الحسني فيه الخير فصدقت فراسته، ولمّا انتشرت دعوته وبدأت نهضته العلميّة كان من أشدّ المشجعين له، انصرف بعدها إلى حلقات العديد من علماء دمشق آنذاك، على خلاف ما أراد له والده من عمل في التجارة حذوةً بأخوته.

توجّه بعدها الشيخ علي الدقر إلى التدريس في حياة شيخه محمد القاسمي، فكانت له حلقة علم في مسجد قرب باب الجابية، تدرّج بها مع طلابه في الإقراء حتى قرّر لهم الكتب الكبار وشيخه ما زال حياً.

أفكار الدعوية

أكدّ الشّيخ علي الدقر في دروسه على أربعة أمورٍ في غاية الأهميّة استمرّ عليها إلى آخر حياته، وهي:

  1. مكافحة الاستعمار والتنصير والسفور والتبرُّج.
  2. الحضّ على التكافل الاجتماعي والبر ومساعدة الفقراء والمعوزين.
  3. معالجة مشكلات المجتمع والسوق والباعة وأرباب المهن والصنائع.
  4. الحضّ على طلب العلم الشرعي ورعاية طلابه وكفايتهم حتى تخرّجهم، وتأسيس معهدين لذلك.

نهضته العلميّة الكبرى في الشام نحو عام 1915

كان الشيخ علي الدقر نشيطاً في دعوته في مساجد دمشق وغيرها من المدن والقرى السورية. وله عظيم التأثير في النفوس، فازدحم على دروسه العلمية كبار تجار دمشق وصالحوها، يدعوهم إلى التعاون والإيثار. وينهاهم عن الغش والاحتكار، ويرسّخ قواعد التعامل بينهم في سائر علاقاتهم الأسرية والاجتماعية والتجارية. ويُذكر أنّه كان من أوائل من أفتوا بتحريم الدّخان، كما كان كثيراً ما يؤكد على فريضة الجهاد بالمال والنفس ضد المستعمر الفرنسي، ومن ذلك تشجيعه للثوار عند قيام الثورة السورية الكبرى سنة 1925 إلى جانب شيخه بدر الدين الحسني. ومن ذلك أيضاً دوره في تهدئة الأوضاع في دمشق عند قيام الإضراب الستيني في عام 1936. فبعد انتشار حوادث العنف نتيجة الإضراب دعاه المفوض السامي الفرنسي دي مارتيل إليه، فردّ الشيخ على مبعوثه: (قل له أنني لا أذهب إلى أحد، وإن أراد المجيء إلي استقبلته بشرطين؛ أن لا أقوم له، ويجب عند دخوله أن يخلع حذاءه). فجاءه المفوض السامي وكان مدار الحديث أن طلب منه العمل على تهدئة الأوضاع في دمشق.

طقوسه اليومية

كان زاد الشيخ علي الدقر الأساسي ذكر الله تعالى، فقد كان يبدأ يومه بصلاة الفجر إماماً في جامع السادات الواقع في سوق مدحت باشا. ثم يجلس ليتلو أوراده إلى طلوع الشّمس، ليخرج بعدها صحبة طلّابه إلى جامع السنانيّة حيث يلقي هناك درسه وسط حشد كبير من النّاس لساعة ونصف، أمّا في يومي الجمعة والثلاثاء كان يلقي درسه هذا في جامع السادات. وبعد أن تنفّض النّاس من حوله كان ينفرد بطلابه فيعلّمهم أصول المذهب الشّافعي الذي زاد انتشاره على يديه في دمشق وما حولها، ليؤدي بعدها صلاة الظهر، ويقرأ درساً خاصاً في النحو، وبعد صلاة العصر درسا آخر في البلاغة. ثمّ درساً في التفسير عقب صلاة المغرب، ودرساً في علوم الحديث النبوي والفرائض والمواريث بعد صلاة العشاء.

أمّا إذا دخل شهر رمضان انقطع عن التدريس، وأوقف الحلقات العلميّة، وتفرّغ هو وبعض تلاميذه للاعتكاف في المسجد للطّاعة والعبادة وتلاوة القرآن، ومن جهة أخرى فإنّه كان يرسل بعض طلابه المتمكنين إلى القرى والبلدات والنواحي المختلفة حول دمشق ليعظوا النّاس في شهر رمضان، ويعلّموهم أمور دينهم.

آثاره

لم يترك الشيخ كتباً أو مؤلّفات، بل كان جهده منصبّاً على تربية الطلاب وتعليمهم. كحال أكثر علماء القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين الماضيين. فقد كانوا يكتفون بقراءة وتقرير وتدريس ما ألّف من كتب وشروح ومتون، وينصرفون بكليّتهم إلى تربية الطلاب وتهذيبهم وتهيئتهم ليكونوا معلمين ومربين ودعاة صالحين. كما كان قريباً من العوام يحل مشاكلهم ويفتيهم في أمور دينهم ودنياهم.

أبرز طلابه

منجزاته

كما استعان الشيخ علي الدقر بالشيخ بدر الدين الحسني لأخذ مدرسة تنكز الكبيرة من المحتلين الفرنسيين فأجابه الشيخ وأخذها منهم عنوةً في أقلّ من شهر لتتسلمها الجمعية الغرّاء وتجدّدها بجمع الأموال الكثيرة من أعضاء الجمعية التجار، وجُهزّت خلال سنوات قليلة لتتمكن من استيعاب عدداً كبيراً من طلاب العلم الشرعي.

حياته الشخصية

برز من أبناءه الشيخ عبد الغني الدقر صاحب “معجم النحو”، والشيخ أحمد الدقر مدير جمعية الغرّاء.

قيل عنه

قال عنه محدّث الشّام الشيخ بدر الدين الحسني:

«لو أنصف أهل الشام لما تركوا الشيخ علي وتلامذته يمشون على الأرض، بل حملوهم على رؤوسهم».

كما قال:

«من أراد ان يأخذ دين الإسلام فليأخذه عن الشيخ علي الدقر، ومن له شك في ذلك فليراجعني».

كتب عنه الشيخ علي الطنطاوي في كتابه رجال من التاريخ:

«الرجل الذي هزّ دمشق من أربعين سنة هزّة لم تعرف مثلها من مئتي سنة، وصرخ في أرجائها صرخة الإيمان، فتجاوبت أصداؤها في أقطار الشّام، واستجاب لها النّاس، يعودون إلى دين الله أفواجاً، يبتدرون المساجد، ويستبقون إلى حلقاتها، وهو علّامة الشّام بل هو في الشّام علم الأعلام، أُعطي من التوفيق في العمل، والعمق في الأثر، ما لم يعطَ مثله الشّيخ بدر الدين ولا غيره من مشايخ الشّام في تلك الأيام».

قال الرئيس شكري القوتلي في مجلس عزاء الشيخ علي الدقر:

«العالم العامل، الذي نجتمع اليوم في هذا المكان المقدس لتخليد ذكراه، أخلص لدينه فعبد الله عبادة خشوع وقنوت، وأخلص لعمله فنشره بين الناس بكلّ قوة، وعممه وراء الأقطار والأمصار بكل جرأة، وسعى لعقيدته دون رهبة أو خشية، وسار في طريق الحق مجتازاً كل عقبة، وصابراً على كل صدمة».

مما كتب عنه

مسجد الشيخ علي الدقر

بُني مسجد كبير سُمِّي باسمه في حي كفرسوسة في دمشق سنة 1985، وفي جزءه السفلي ضمّ معاهد الجمعية الغرّاء.

وفاته

توفّي الشيخ علي الدقر في دمشق يوم الثلاثاء في 1 آذار عام 1943، وصُلّي عليه في الجامع الأموي الكبير، ودُفن في تربة الباب الصغير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !