أعلام وشخصياتأعيانسياسيون ورجال دولة

عبد الرحمن باشا اليوسف

أمير الحج الشامي (1891-1918) ورئيس مجلس شورى (1920)

عبد الرحمن باشا اليوسف
عبد الرحمن باشا اليوسف

عبد الرحمن بن محمد اليوسف (1871 – 21 آب 1920)، أمير محمل الحج الشّامي، عضو مجلس الأعيان في الدولة العثمانية ونائب دمشق في مجلس المبعوثان، كان رئيساً لمجلس الشورى في عهد الملك فيصل الأول ونائباً لرئيس المؤتمر السوري العام. يُعدّ اليوسف من أشهر الشخصيات السياسية السورية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين. قُتل مع رئيس الحكومة علاء الدين الدروبي في قرية خربة غزالة في سهل سهل حوران يوم 21 آب 1920.

البداية

ولِد عبد الرحمن اليوسف سنة 1871 في سوق ساروجا، خارج أسوار المدينة القديمة، ويعود نسبهُ إلى عشيرة كردية جاءت من مدينة دياربكر واستوطنت دمشق في مطلع القرن التاسع عشر. والده محمد باشا اليوسف كان من الأعيان وقد تسلّم عدة مناصب رفيعة في حمص وعكا وطرابلس الشّام.

إمارة الحج الشامي

وَرِثَ عبد الرحمن اليوسف ثروة طائلة عن جدّه لأمه، الزعيم الكُردي وأمير مَحمل الحج الشّامي محمد سعيد شمدين آغا، وخلفه في إمارة الحج وهو في العشرين من عمره سنة 1891. اعترض الكثير من الأعيان على تولّي اليوسف هذا المنصب الرفيع وهو في هذا السنّ المبكر، وكان في مقدمتهم أحمد عزت باشا العابد، ثاني أمناء السلطان عبد الحميد الثاني، الذي أراد أن تكون إمارة الحج من نصيب أخيه مصطفى باشا العابد. تدخل الشيخ أبو الهدى الصيّادي، أحد مستشاري السلطان عبد الحميد، وتمكّن من حسم الأمر لصالح اليوسف، فحصلت قطيعة كبيرة بين عائلتي اليوسف والعابد يومها استمرت دون انقطاع حتى زواج زهراء اليوسف، شقيقة عبد الرحمن باشا، من محمد علي العابد، نجل أحمد عزّت باشا سنة 1908.

ثروة الباشا

تزوّج عبد الرحمن اليوسف من فايزة بنت خليل باشا العظم، وهي سيّدة ثريّة من سلالة سياسيّة عَريقة، كانت قد حكمت دمشق طوال سنوات القرن الثامن عشر وتولّى الكثير من من رجالِها إمارة الحج قبل أن تذهب لآل شمدين آغا. أُضيفت ثروة آل العظم إلى ثروات آل شمدين آغا واليوسف، ما جعل من عبد الرحمن باشا وعلى الرغم من صغر سنه، أحد أغنى أغنياء عصره. كانت أراضيهم الزراعية الخصبة تدرّ عليه ما لا يقل عن عشرة آلاف ليرة ذهبية سنوياً، وكان كريماً جداً وسخيّاً مع كل من عَمل معه من فلّاحين ومرابعين لكسب احترام الناس وولائهم المطلق. على سبيل المثال، كان راتب وكيله العام عشر ليرات ذهبية في السنة، وهو أعلى راتب عرفته دمشق في حينها، وكان يَدفع خمس ليرات ذهبية سنوياً لكل مُحاسب، وليرة ونصف الليرة لكل مختار من مخاتير القرى التي كان يَملكها، مع نسبة من أرباح عائداتها الزراعية الموسمية. مع مطلع القرن العشرين، كان عبد الرحمن اليوسف يَملك كامل الشاطئ الشرقي من بحيرة طبريا، وثلاث قرى بأكملها في غوطة دمشق الشرقية، إضافة لخمس قرى في سهل البقاع وأربع وعشرين قرية في الجولان.

عبد الرحمن باشا اليوسف بلباس التشريفات العثماني.
عبد الرحمن باشا اليوسف بلباس التشريفات العثماني.

الانقلاب العثماني سنة 1908

في تموز 1908 وقع انقلاب عسكري في إسطنبول، قادته مجموعة من ضبّاط جمعية الاتحاد والترقي السريّة من مدينة سالونيك ضد السلطان عبد الحميد الثاني. فرضوا عليه مجموعة إصلاحات جذريّة مؤلمة، كان من ضمنها العودة إلى الدستور العثماني المُعطّل منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، والذي حوّل عبد الحميد من حاكم مُطلق إلى سلطان مقيّد الصلاحيات، خاضع لمساءلة مجلس تشريعي منتخب ومحاسبته، أي مجلس المبعوثان.

وعزل قادة الاتحاد والترقي معظم المستشارين العرب المحيطين بالسلطان، مثل أبي الهدى الصيّادي وأحمد عزت باشا العابد، قبل الانقضاض عليه وعزلِه عن العرش في نيسان 1909. شاهد اليوسف مصير زملائه العرب وقرر أن يتجنّب ختاماً مماثلاً له ولأسرتِهِ، فتحالف مع جمعية الاتحاد والترقي ورشّح نفسه لأول انتخابات نيابية جرت في عهدهم بعد انقلاب 1908، ليفوز بالنيابة عن دمشق في مجلس المبعوثان. رحّب قادة الاتحاد والترقي به وجددوا له منصبه القديم أميراً للحج الشّامي.

موقفه من مؤتمر باريس وإعدامات سنة 1916

أُعيد انتخابه مبعوثاً سنة 1912 وفي عام 1914، عُيّن عضواً في مجلس الأعيان وفي اللجنة المركزية لجمعية الاتحاد والترقي، وكُلّف برئاسة فرعها في دمشق. من موقعه الجديد، عارض عبد الرحمن باشا نشاط الجمعيات العربية المطالبة بتوسيع صلاحيات المناطق العربية داخل السلطنة العثمانية، ورأى أنّها لا تمثل الشارع العربي، وكان له موقف سلبي من المؤتمر العربي الذي عقد في باريس سنة 1913 لتوحيد المطالب العربية. رئيس المؤتمر عبد الرحمن الزهراوي كان صديقه وزميله في مجلس المبعوثان، ولكن ذلك لم يمنع اليوسف من اتهامه بالعمالة لصالح فرنسا والسعي لقلب نظام الحكم العثماني في سورية. ولم يعترض على إعدام الزهراوي وصحبه في ساحة المرجة بدمشق يوم 6 أيار 1916 على يد جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية، وأحد قادة جمعية الاتحاد والترقي، الذي أمر بتصفية عدد من المثقفين والكتاب والسياسيين، المدانين أمام القضاء العرفي العثماني بالتخابر من فرنسا في زمن الحرب العالمية الأولى. وقد شملت الإعدامات بقية زملاء الباشا العرب في مجلس المبعوثان، مثل رشدي الشمعة وشكري العسلي وشفيق مؤيد العظم.

سقوط دمشق بيد الحلفاء سنة 1918

بعد سقوط دمشق في يد الحلفاء إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918، رَفض عبد الرحمن اليوسف مبايعة حاكم المدينة الجديد الأمير فيصل بن الحسين، نجل الشريف حسين بن عليّ، قائد الثورة العربية الكبرى. لم يكن اليوسف من مؤيدي تلك الثورة، وعدّها خيانة للخلافة الإسلامية والدولة العثمانية. وقد أضاف أن كل من شارك بها وخطط لها عبارة عن عميل لصالح الجيش البريطاني. كان اليوسف خارج دمشق ليلة سقوطها في يد الجيوش العربية في 1 تشرين الأول 1918، وقد تردد كثيراً في العودة خوفاً من الاعتقال أو التصفية. ولكنّ رسالة وصلته من الأمير فيصل عبر الحاكم العسكري الجديد رضا باشا الركابي، تدعوه للمشاركة بالعهد الجديد، مع إعطائه كامل الأمان والطمأنينة.

تأسيس الحزب الوطني السوري

من أولى قرارات الحكم الفيصلي في سورية كان إلغاء منصب إمارة الحج، ما أجبر اليوسف على البحث عن دور جديد لنفسه ودخول الحياة السياسية من أبوابها الحزبية. شارك في تأسيس حزب سياسي باسم الحزب الوطني السوري، والذي عُرف شعبياً بحزب الذوات، نظراً لوجود اليوسف في صدارته. تشكل الحزب من هيئة إدارية مؤلفة من ستة عشر عضواً وهيئة استشارية فيها خمسة وعشرون عضواً، جميعهم من الأعيان، ولم يكن له أي برنامج سياسي واضح، سوى المطالبة باستقلال سورية بحدودها الطبيعية وضمان وحدة أراضيه.

جاء في بيان التأسيس مطالبة أعضاء الحزب الوطني السوري بنظام ملكي دستوري، يقيّد صلاحيات الأمير فيصل ويجعله مسؤولاً أمام مجلس نواب مُنتخب. وطالبوا بالتساوي في الحقوق والواجبات بين جميع مكونات الشعب السوري، دون التفريق بين أي عرق أو دين. ولكيلا يبقى الحزب مرتبطاً بالذوات، طالب أعضاؤه بإنشاء صناديق للتعاون الاقتصادي تقوم على تبرعات الأعضاء المؤسسين لرفع السوية المعيشية لأبناء الشعب السوري كافة، وكان من ضمن أهدافهم تنشيط التجارة والصناعة والزراعة وصون حقوق النقابات والعمال. وفي محاولة لاستمالة علماء الدين إلى صفوف الحزب، تعاون عبد الرحمن اليوسف مع أمين الفتوى بدمشق الشيخ عبد المحسن الأسطواني ومع الشّيخ عبد القادر الخطيب، خطيب الجامع الأموي.

نائباً في المؤتمر السوري الأول

في عام 1919، انتُخب اليوسف نائباً عن دمشق في المؤتمر السوري العام، أول سلطة تشريعية منتخبة في تاريخ سورية الحديث، وسمّي نائباً لرئيسه هاشم الأتاسي. وفي يوم 8 آذار 1920، أعلن أعضاء المؤتمر استقلال سورية بحدودها الطبيعة، وبايعوا الأمير فيصل ملكاً دستورياً على البلاد.  مَثّلَ اليوسف جيل الشيوخ في المؤتمر السوري، مع محمد فوزي العظم ومرعي باشا الملّاح، وقد ظهر خلاف واضح بينهم وبين النواب الشباب المتحمسين للقضية العربية. عندما بدأ زحف الجيش الفرنسي باتجاه مدينة دمشق في تموز 1920، بنية احتلالها وفرض الانتداب الفرنسي على سورية، نصحَ اليوسف بتجنب أية مواجهة عسكرية، وفضل التوصل إلى تسوية مع فرنسا لأن الجيش السوري الصغير لم يكن قادراً – بحسب قوله – على مواجهة الجيش الفرنسي المتفوق عليه عسكرياً وتقنياً ومادياً.

سقوط الحكم الفيصلي

ولكن القائمين على الحكم يومها رفضوا الأخذ بنصيحة اليوسف، وعدّوه مُتخاذلاً جباناً. حصلت مواجهة عسكرية في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920 هُزم فيها الجيش السوري واستُشهد وزير الحربية يوسف العظمة. قبل مغادرته دمشق متجهاً إلى جنوب البلاد، أمر الملك فيصل بتشكيل حكومة جديدة برئاسة علاء الدين الدروبي، عُيّن فيها اليوسف رئيساً لمجلس الشورى يوم 26 تموز 1920. فرض المندوب السامي الفرنسي الجديد هنري غورو غرامة ماليّة على المُدن السورية كافة، عقاباً على دعمها الجيش الفيصلي في ميسلون، ولكنّ أهالي حوران رفضوا الالتزام وهددوا بعصيان مُسلّح دعماً لملكهم المخلوع. شُكل وفد حكومي رفيع لمفاوضة أهالي المنطقة، كان برئاسة الدروبي وعضوية اليوسف ووزير الداخلية عطا الأيوبي.

جريمة خربة غزالة

سافر الوفد إلى حوران صباح يوم 21 آب 1920 وعند وصوله إلى قرية خربة غزالة، أطلق أحد الجنود السنغاليين المرافقين للوفد النار على جمع من الحورانيين الموجودين في محطة القطار، خوفاً من البنادق التي كانت بين أيديهم. ترجّل اليوسف من القطار قاصداً المحطة للاتصال بدمشق وطلب نجدة عسكرية، فلحق به ثلاثة مسلحين وقتلوه، وقتلوا الرئيس الدروبي. بقي جثمانهما في خربة غزالة حتى نهاية شهر أيلول، بسبب توقف الرحلات البرّيّة بين دمشق وحوران، لتعاد إلى العاصمة السورية في 20 أيلول 1920. أقيمت لهما جنازة رسميّة شارك بها مندوب عن الجنرال هنري غورو، ودُفن عبد الرحمن اليوسف في مقبرة الدحداح.

ذكرى اليوسف

بعد اثنتي عشرة سنة على وفاته، قدّمت عائلة اليوسف قطعة أرض إلى الدولة السورية  لإقامة مستشفى ابن النفيس ووضع في مدخلها لوحة رخاميّة كتب عليها “تقدمة أبناء عبد الرحمن باشا اليوسف،” تخليداً لذكراه. وفي سنة 1949، عُيّن أكبر أولاده محمّد سعيد محافظاً على مدينة دمشق، وكان شقيقه الأصغر حسن سامي اليوسف عضواً مؤسساً في الحزب الوطني الحاكم ما بين 1947-1949. وفي منتصف مرحلة الخمسينيات تحوّل قصر العظم وسط سوق البزورية إلى متحف للفنون والتراث الدمشقيّ، وُنصِب تمثال شمع لعبد الرحمن باشا في القسم الخاص بمحمل الحج الشّامي.

تجسيد شخصيته على شاشة التلفزيون

في سنة 2000 لَعِب الفنان الفلسطيني أحمد رافع دور عبد الرحمن باشا اليوسف في المسلسل السوري الخوالي.

المناصب

أمير الحج الشامي (1891-1918)
رئيس مجلس الشورى (25 تموز – 21 آب 1920)

 

المصدر
1. ليندا شيلشر. دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر (دار الجمهورية دمشق 1998)، 1842. عبد القادر بدران. الكواكب الدرية في تاريخ عبد الرحمن باشا اليوسف (دمشق 1920)، 203. يوسف الحكيم. سورية والعهد العثماني (دار النهار، بيروت 1966)، 604. حنا بطاطو . فلاحو سورية: أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم (باللغة الإنكليزية - جامعة برينستون 1999)، 405. نفس المصدر6. جريدة القبس (20 كانون الأول 1909)7. عبد العزيز العظمة. مرآة الشّام : تاريخ دمشق واهلها (دار رياض نجيب الريّس، لندن 1987). 1218. جريدة القبس (17 حزيران 1909)9. أحمد قدري. مُذكّراتي عن الثورة العربية الكبرى (دمشق 1956)، 12110. محمّد حرب فرزات. الحياة الحزبية في سورية (دار الرواد، دمشق 1955)، 76-7711. نفس المصدر12. عبد العزيز العظمة. مرآة الشّام : تاريخ دمشق واهلها (دار رياض نجيب الريّس، لندن 1987)، 245

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !