عازفون وملحنون

محمد عبد الكريم

أمير البزق

أمير البزق
أمير البزق

محمد عبد الكريم بن علي المرعي (شباط 1911 – 30 كانون الثاني 1989) الشهير بأمير البزق، أشهر عازفي آلة البزق في سورية والوطن العربي في النصف الأول من القرن العشرين. كان أحد مؤسسي إذاعة الشرق الأدنى في فلسطين وإذاعة دمشق سنة 1947 ووصفه الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب بالقول: “إذا كانت الموسيقا الغربية تفتخر بباغانيني كأشهر عازف للكمان، فإن الموسيقا الشرقية تفتخر بمحمد عبد الكريم كأشهر عازف للبزق.” أطلق عليه الزعيم الوطني فخري البارودي اسمه الفني وسماه غازي الأول ملك العراق بأمير البزق.

البداية

ولد محمد عبد الكريم في حي الخضرة الشعبي بمدينة حمص، وتعود أصوله إلى عائلة غجرية فقيرة. كان والده يعزف على آلتي العود والبزق، وأمه عماشة كانت ذات صوت جميل، فشكل معها فرقة موسيقية لإحياء الحفلات في حمص، وما لبث إلى أن انضم لهم عبد الكريم في سن مبكر بعد أن علّمه والده أصول الموسيقى والغناء وكان أستاذه الأول.

وبعد وفاة الأب تولّى شقيقه سليم تربيته وأدخله في المدرسة إلا أنه لم يستطع أن متابعة دراسته بسبب حادث أليم ألحق أضراراً بالغة في عموده الفقري وأعصابه، فتوقف نموه وطوله عند ثمانية وتسعين سنتمتراً، إلا أن ذلك لم يوقفه عن متابعة عمله في الموسيقى.

في العاشرة من عمره انتقل مرعي مع أمه إلى دمشق، وكان يسير معها في شارع الدرويشية بأول سوق مدحت باشا، عندما لمح محلاً لبيع الآلات الموسيقية، يتصدر واجهته آلة البزق. أفلت من يد أمه وتمدد على سكة الترام وهدد والدته بالانتحار دهساً إذا لم تشتر له البزق.‏‏ تقدم صاحب المحل جميل القوتلي من محمد مرعي وقال: “إن استطعت أن تعزف على البزق، أقدمه لك هدية.” أمسك الفتى بالبزق وعزف عليه بشكل أدهش القوتلي الذي أوفى بوعده وأعطاه البزق هدية.‏

العلاقة مع البارودي

كان لجميل القوتلي فرقة موسيقية صغيرة مع زوجته وابنته، فدعا المرعي للانضمام إليهم لإقامة الحفلات في المنازل الدمشقية. وفي ذات الوقت عمل المرعي مع أبي شاكر الحكواتي في مقهى النوفرة، حيث كان الأخير يُقدم فقرات كركوز وعيواظ وكان يرافقه في العزف. وفي أثناء عمله في النوفرة تعرف على الزعيم الوطني فخري البارودي الذي تبناه فنياً وأدخله إلى بيوت كبار العائلات بدمشق، بعد إطلاق عليه اسمه الفني “محمد عبد الكريم.”

من مصر إلى أوروبا

انتسب المرعي إلى نادي الميماس الموسيقي عازفاً، ودخل فرقة المطرب المصري أحمد إدريس وعزف مع المطرب المصري محمد بخيت. انتقل إلى القاهرة سنة 1925 وأمضى فيها سنتين نعرف من خلالها تعرف على أقطاب الموسيقا العربية، وفي مقدمتهم محمد القصبجي وزكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب. وفي القاهرة أحيا العديد من الحفلات، وعرض عليه وكيل شركة أوديون الألمانية السفر إلى برلين لتسجيل اسطوانات خاصة به، فسافر إلى ألمانيا سنة 1927 وسجّل عشر أسطوانات باسم “الأمير عبد الكريم.”

ثم ابتدأ جولة أوروبية أحيا فيها العديد من الحفلات في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، حيث عزف على بزقه لحنين شعبيين لمدينة نابولي. ثم زار لندن وفي حفله فيها، هزأ الجمهور من شكله وبدأوا بالصفير والصياح، فما كان منه ألا أن خلع حذاءه وبدأ يعزف النشيد الملكي بأصابع قدميه، مما جعل الجمهور يقف له اعجاباً بجراءته وعزفه المتقن.

تطوير آلة البزق

طور عبد الكريم في آلة البزق وجدد بعقدها وأضاف إليها “زندّ ودساستين،” كما غيّر الطاسة وصنعها من خشب “موندرين” وزاد على البزق وترين. أما أربطة زند البزق فقد كان عددها 18 رباطاً فجعلها 38 رباطاً للتنوع في النغم. وفي لقاء مع الصحفي حسين راجي قال أمير البزق: “هل سمعت بالمثل الذي يقول: وزاد في لطنبور نغماً؟ وهل تعلم من الذي زاد في الطنبور نغماً؟ إنه أنا محمد عبد الكريم.”

لقب أمير البزق

سافر محمد عبد الكريم إلى العراق سنة 1933 للمشاركة في حفل أقامه الملك غازي الأول في القصر الملكي، ولشدة إعجابه بموهبته أطلق عليه لقب “أمير البزق.” وبعد مغادرة بغداد رافق الموسيقار كميل شمبير في لبنان وقدما عدة حفلات على مسرح أحمد الجاك في منطقة البرج، ومن ثم ذهبا إلى حلب وكان من المفترض أن يذهبا معاً إلى الولايات المتحدة الأميركية ولكن ذلك لم يحصل.

في فلسطين

ثم رأى أمير البزق أن يتجه إلى فلسطين لحضور افتتاح إذاعة القدس وهناك ألف فرقة موسيقية مع المطربة هادية رستم والمطرب حنّا ظاهر. أقاموا عدة حفلات ناجحة معاً وكان دخلها مغرياً فاتفق حنّا طاهر مع هادية رستم على سرقة الواردات وترك “الأمير” في الفندق وحيداً دون أي مال. وعندما علِم الملحن الفلسطيني يحيى السعودي بالأمر أنقذه من هذه الورطة واصطحبه اشترك إلى يافا للعمل مع المطرب الشيخ أمين حسنين. ولما نشبت الحرب العالمية الثانية سنة 1939، تأسست في يافا محطة الشرق الأدنى فانضم إليها أمير البزق ووضع لها شارتها الموسيقية مع تأسيس وترأس فرقتها الموسيقية. وبعد انتهاء الحرب سافر أمير البزق إلى لندن لإحياء الحفلات وتسجيل بعض الإسطوانات، عاد بعدها إلى القدس ليتعلم التدوين الموسيقي على يد يوسف بتروني، كما وضع ألحاناً جديدة لمحمد غازي والمطربة ماري عكاوي.

العودة إلى دمشق

عاد الأمير إلى سورية وكان أحد مؤسسي إذاعة دمشق سنة 1947 ووضع لها شارة الافتتاح بلحنه التي رافقت العبارة الشهيرة “هنا دمشق.” عمل ضمن فرقة الإذاعة الموسيقية. ولكنه بقي فقيراَ معدماً، يسكن في غرفة متواضعة بحيّ عين الكرش، رافضاً الانصياع إلى تيار الأغنية الشبابية وإعطائها ألحانه. بقي محافظاً على مبادئه الفنية، رغم أنه كان يعيش شيخوخة صعبة براتب تقاعدي بسيط. وعندما سأله الصحفي حسين راجي: “ماذا تفعل يا أمير؟ أجاب: ألاحق معاملة تقاعديتي.”

الوفاة

أصيب محمد عبد الكريم بمرض شديد، نُقل بسببه إلى مشفى الهلال الأحمر، وفيه توفي عن عمر ناهز 78 عاماً يوم 30 كانون الثاني 1989.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !