أثناء تواجده في فرنسا أبحر في دراسات الحروب الأوروبية وأصبح مرجعاً في سياسات نابليون العسكرية. وتدرج عند عودته في جميع الرتب العسكرية وصولاً إلى ترفيعه إلى رتبة “مقدم” في جيش الشرق سنة 1936. كان أول ضابط سوري يصل إلى منصب قائد كتيبة في زمن الانتداب ومع بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939، عُيّن رئيساً لأركان المنطقة الشرقية ثم قائداً لفوج الدفاع عن شواطئ سورية ولبنان.
أولى تحديات الزعيم عطفة كانت في تجهيز الجيش وتدريبه للمشاركة في حرب فلسطين، مع وضع أساسات وطنية لكلية حمص العسكرية التي ورثتها الدولة السورية عن فرنسا. شهد عهده تأسيس مدرسة الطيران وتسلّم المطارات العسكرية والثكنات من الفرنسيين. بقيادة الزعيم عطفة دخل الجيش السوري ميدان المعركة في 15 أيار 1948، يوم إعلان دافيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل.
كلفته القيادة العربية المشتركة بوضع المخطط الحربي لجبهات القتال كافة، ورفعه إلى ملك الأردن لأخذ الموافقة النهائية عليه باعتباره أكثر الزعماء العرب دراية بالشؤون الحربية منذ مشاركته في معارك الثورة العربية الكبرى مع أبيه سنة 1916. أستهدف مدينة تل أبيب في مخططه وأراد احتلالها، مستغلاً نقاط الضعف في المناطق المؤدية إليها. وبعد بدء الهجوم وتقهقر القوات الصهيونية أمام تقدم الجيوش العربية أبرق الملك عبد الله إلى عطفة بطلب إليه تعديل خطة الهجوم على الجبهة السورية وإلزام الجيش السوري بالهجوم فقط من منطقة سمخ. وحين استلم عطفة البرقية القادمة من عمّان توجه بها على الفور إلى القصر الجمهوري ليضع رئيس الجمهورية ووزير الدفاع بصورتها. كان حوابهم واحد: “الملك عبد الله يتحمل المسؤولية وحده بصفته قائد الجيوش العربية،” فرد وقال إنها تحمل في طيّاتها “ضياع فلسطين.”
نجت القوات السورية في احتلال مستعمرة سمخ وما حولها، ولكنّها توقف عند مستعمرتي دغانيا آ ودغانيا ب، بانتظار تعزيزات عسكرية من الحلفاء. شنّت إسرائيل هجوماً معاكساً أفقد الجيش السوري كل مكتسباته الأولية في المعركة. خرجت مظاهرات حاشدة بدمشق، تطالب باستقالة رئيس الحكومة جميل مردم بك ووزير الدفاع أحمد الشرباتي ورئيس الأركان عبد الله عطفة. رفض مردم بك الاستجابة لمطالب المتظاهرين ولكن الشرباتي وعطفة استقالوا من مناصبهم في 23 أيار 1948. حاول البعض النيل من سمعة قائد الجيش وقالوا إنه كان على تواصل مع عبد الله للإطاحة بنظام سورية الجمهوري. شُكلت لجنة خاصة للتحقيق في كل الاتهامات الموجهة إليه، ومنها شراء سلاح قديم للجيش السوري وإطعام جنوده طعاماً فاسداً. وبعد انتهاء التحقيق قررت اللجنة تبرئته والشرباتي من كل التهم.
وزيراً للدفاع (حزيران – كانون الأول 1949)
أدت هذه الاتهامات إلى شرخ كبير في علاقة عطفة مع الطبقة السياسية الحاكمة، وكان على رأسها رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس حكومته خالد العظم الذي لم يُدافع عن قائد الجيش ولم يتدخّل لإنصافه في ظلّ الحملة الإعلامية والبرلمانية الشرسة التي أطلقت ضده. وبذلك أيد عبد الله عطفة الانقلاب العسكري الذي أطاح بالقوتليوالعظم في 29 أيار 1949 وكان بقيادة حسني الزعيم، خليفته في رئاسة الأركان. أعاده الزعيم إلى الخدمة العسكرية في 13 نيسان 1949 ورفعه إلى رتبة “لواء” قبل تعيينه وزيراً للدفاع في حكومة الدكتور محسن البرازي يوم 26 حزيران 1949. ولكن هذه الحكومة لم تستمر إلا أسابيع معدودة فقط وسقطت مع سقوط حكم الزعيم وإعدامه مع الدكتور البرازي في 14 آب 1949. حاول الزعيم استرضاء الجنود الذين اقتحموا منزله – بحسب ما جاء في مذكرات رئيسهم فضل الله أبو منصور – وتنصّل من تهمة تسريح رفاقهم العسكريين وقال إن هذه القرارات التعسفية كانت تصدر عن عبد الله عطفة.
اللواء عبد الله عطفة (يمين) مع مهندس الانقلاب سامي الحناوي والأمير سعيد الجزائري في 15 آب 1949.
تحالف عطفة مع مهندس الانقلاب، اللواء سامي الحناوي، وبعد ساعات من إعدام الزعيموالبرازي، سمّي وزيراً للدفاع مرة ثانية، في حكومة الرئيس هاشم الأتاسي. ولكن هذه الحكومة، مثلها مثل حكومة البرازي، لم تستمر طويلاً وسقطت في 19 كانون الأول 1949، عند قيام أديب الشيشكلي بانقلابه الأول داخل المؤسسة العسكرية واعتقال سامي الحناوي والكثير من أعوانه. نظراً لمكانته الرمزية كمؤسس للجيش السوري لم تطله اعتقالات الشيشكلي ولكن الأخير أصدر مرسوماً بتسريحه من الجيش في 31 كانون الأول 1949.
الوفاة
غاب عبد الله عطفة من بعدها عن أي منصب سياسي أو عسكري، ليقضي سنوات تقاعده الطويلة بدمشق وفيها توفي عن عمر ناهز 79 عاماً يوم 25 نيسان 1976.
المناصب
رئيساً لأركان الجيش السوري (5 آب 1945 – 23 أيار 1948)
فريد بن محمد زين الدين (1909 – 17 كانون الثاني 1973)، دبلوماسي سورية من أصول لبنانية، كان عضواً في وفد سورية الدائم في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، ثم رئيساً للوفد خلفاً لفارس الخوري. عُين بعدها وزيراً مفوضاً في موسكو، ثم سفيراً في الولايات المتحدة، حيث شهدت مرحلته انهيار العلاقات الثنائية وسحب السفراء عام 1957.
أثناء إقامته في برلين، أسس بالتعاون مع الأمير شكيب أرسلان “جمعية التحرير العربي” لمحاربة الانتداب الفرنسي في لبنان وسورية. تحولت الجمعية إلى عصبة العمل القومي التي أطلقت رسمياً في قرية قرنايل اللبنانية عام 1933، وكانت تُنادي بالعروبة أولاً، عكس الكتلة الوطنية التي كانت قد ظهرت في سورية قبل خمس سنوات، التي رفعت شعار “سورية أولاً.”
انهارت العصبة بسرعة بعد وفاة رئيسها عبد الرزاق الدندشي عام 1935، فانضم زين الدين إلى الكتلة الوطنية بعد وصولها إلى الحكم في كانون الأول 1936. عيّنه سعد الله الجابري مُديراً للقسم السياسي في وزارة الخارجية، لكنه استقال من منصبه احتجاجاً على سلخ منطقة لواء إسكندرون عن سورية عام 1939. التحق بمكتب فخري البارودي للدعاية والنشر في محلّة القنوات، مكلفاً بمتابعة تغطية الصحف العالمية للقضية الفلسطينية. وفي هذه المرحلة من حياته، عمل سكرتيراً لشكري القوتلي، وبعد انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية عام 1943، عُين زين الدين مديراً للتموين في سورية.
في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945 (من اليمين): رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، رئيس وزراء سورية فارس الخوري، الدكتور فريد زين الدين.
في موسكو (1947–1951)
عاد زين الدين إلى دمشق بعد جلاء الفرنسيين في 17 نيسان 1946 وسُمّي أميناً عاماً لوزارة الخارجية، ثم وزيراً مفوضاً في موسكو. قدم أوراق اعتماده إلى الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، وعند وقوع الانقلاب الأول في 29 آذار 1949، بقي في منصبه على الرغم من علاقته المتينة بالرئيس القوتلي ورئيس الحكومة خالد العظم، من خلال زوجته هيفاء العظم.
السفير فريد زين الدين في واشنطن.
في الولايات المتحدة (1952-1957)
استمر زين الدين في عمله لغاية عام 1951، متجاوزاً كل الانقلابات العسكرية التي مرت على سورية، وفي كانون الأول من العام نفسه، عينه أديب الشيشكلي مندوباً دائماً في الأمم المتحدة ثم سفيراً في الولايات المتحدة. شهدت هذه المرحلة تراجعاً كبيراً في العلاقات السورية – الأمريكية بسبب تقرب الحكومة السورية من مصر ورئيسها جمال عبد الناصر، المحسوب على المعسكر الشرقي في الحرب الباردة. كما حصل تقارب مع الاتحاد السوفيتي، تمثل في سفر الرئيس شكري القوتلي إلى موسكو عام 1956 (بعد عودته إلى الرئاسة)، وصولاً إلى تبادل العلاقات الدبلوماسية مع الصين. بدأت إدارة الرئيس دوايت يزنهاور بالتحضير لانقلاب عسكري يطيحبالقوتلي، وعندما كشف أمره، طُرد السفير الأمريكي جيمس موس من دمشق، وردت الولايات المتحدة بطرد فريد زين الدين من واشنطن عام 1957.
موقفه من الانفصال
أيّد فريد زين الدين قيام الوحدة مع مصر في شباط 1958 وكان من أشد الداعمين للرئيس جمال عبد الناصر. عارض انقلاب الانفصال الذي أسقط الجمهورية العربية المتحدة في 28 أيلول 1961 وتزعّم التيار الوحدوي في سورية. عندما قام عبد الكريم النحلاوي بانقلابه على رئيس الجمهورية ناظم القدسي في 28 آذار 1962، طلب النحلاوي من زين الدين مفاوضة السياسيين المعتقلين في سجن المزة، واقترح على القدسي من خلاله العودة إلى الحكم مقابل تشكيل حكومة وطنية شاملة لا تستثني التيار الناصري. لكن وساطته لم تنجح، وتمرّد الجيش على النحلاوي في 1 نيسان 1962، ليعيد القدسي إلى الحكم، دون أي تنازلات.
الوفاة
بعد وصول حزب البعث إلى الحكم عام 1963، انتقل فريد زين الدين إلى لبنان، وفيه توفي يوم 17 كانون الثاني 1973.
أحمد عزت بن سليم الأستاذ (1865 – 18 آب 1959) محام سوري من دمشق، عَمِل في مكتب السّلطان عبد الحميد الثاني وعند تنحية الأخير عن الحكم سنة 1909، سمّي سكرتيراً لشقيقه السلطان محمد رشاد الخامس. أسس نادي الموسيقى السوري سنة 1928 وشارك في تأسيس معهد الموسيقى الشرقي مع نائب دمشق فخري البارودي عام 1950.
البداية
ولِد أحمد عزّت الأستاذ بدمشق ودَرَس في مدارسها وفي معهد الحقوق في إسطنبول. تعاطف مع القضية الأرمنية وفي إحدى جولاته على مراكز إيواء الأرمن في حماة، تعرف على فتاة أرمنية مجهولة القيد وتزوجها. أسلمت على يده وأطلق عليها اسم “حسنية،” وعاشت معه حتى وفاتها سنة 1931.
بعد عودته إلى دمشق عمل الأستاذ قاضياً في محكمة الاستئناف ومستشاراً قانونياً لرئيس الدولة أحمد نامي سنة 1927. كان مولعاً بالموسيقى الشرقية ويُجيد العزف على العود، فتعاون مع محمد كرد علي، رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، على تأسيس نادي الموسيقى السوري وانتُخب مديراً له. دعا الموسيقار الحلبي توفيق صباغ للمشاركة في إدارة النادي، مع عدد من الفنانين الكبار مثل شفيق شبيب، الذي عُيّن مديراً فنياً للنادي، إضافة للباحث الموسيقي ميشيل الله ويردي. وفي هذا النادي نشأ بهجت الأستاذ، نجل أحمد عزّت، وتعلّم أصول الموسيقى الشرقية قبل أن يُصبح فنان مُحترف ومُطرب مشهوراً في إذاعة دمشق بعد تأسيسها سنة 1947.
نادي الموسيقى الشرقي سنة 1950
وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية سنة 1946 تعاون الأستاذ مع نائب دمشق فخري البارودي – ربيب بهجت الأستاذ – وأطلق معه مشروعه الجديد، نادي الموسيقى الشرقي في سوق ساروجا، الذي تخرج فيه المطرب الحلبي الكبير صباح فخري.
الوفاة
في منتصف الخمسينيات اعتزل أحمد عزت الأستاذ العمل الحقوقي وحوّل مكتبه الكائن في بناء العابد إلى منزل قضى فيه سنواته الأخيرة. وفيه توفي عن عمر ناهز 94 عاماً يوم 18 آب 1959.
سامي بن حلمي الحناوي (1898 – 31 تشرين الأول 1950)، ضابط سوري من حلب ومهندس الانقلاب الثاني في سورية الذي أطاح بحكم حسني الزعيم ورئيس حكومته محسن البرازي في 14 آب 1949. كان أحد مؤسسي الجيش السوري وخاض حرب فلسطين سنة 1948 وشارك في انقلاب الزعيم على رئيس الجمهورية شكري القوتلي في 29 آذار 1949. وبعد نجاح انقلابه على الزعيم أعاد الحناوي الجيش السوري إلى ثكناته ورفض تولّي رئيسة الجمهورية كما فعل الزعيم، وطلب إلى السياسيين القدامى العودة إلى الحكم والإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية تتولّى مهمة وضع دستور جديد للبلاد بدلاً من دستور عام 1928 الذي عطّله حسني الزعيم قبل بضعة أشهر. عيّن الحناوي نفسه رئيساً لأركان الجيش وذهب رئاسة الدولة إلى هاشم الأتاسي. شكل مع الأتاسي قادة حزب الشعب تحالفاً لتحقيق وحدة فيدرالية بين سورية والمملكة العراقية، ما أثار حفيظة العقيد أديب الشيشكلي المعارض للعراق والذي انتفض وقام بانقلاب عسكري في 19 كانون الأول 1949. اعتُقل سامي الحناوي في سجن المزة ثم أطلق سراحه ونفي إلى بيروت، وفيها اغتيل يوم 31 تشرين الأول 1950 على يد حرشو البرازي، انتقاماً لا ابن عمّه محسن البرازي.
البداية
ولِد سامي الحناوي في حلب ودَرَس في مدارسها الحكومية ثمّ في دار المُعلمين قبل التحاقه بالجيش العُثماني. خُرّجت دورته بكشل استثنائي وسريع وذلك لدخول عناصرها ميدان القتال مع بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914. عُيّن في جبهة القوقاز وبعدها في فلسطين قبل انشقاقه عن العثمانيين وانضمامه إلى الثورة العربية الكبرى سنة 1917، والتي كانت بقيادة أمير مكة وشريفها الحسين بن عليّ. شارك الحناوي في معارك الحجاز وفي 3 تشرين الأول 1918 دخل دمشق مع طلائع القوات العربية بقيادة الأمير فيصل بن الحسين. وفي العهد الفيصلي عاد إلى المدرسة الحربية بدمشق وتخرج فيها 18 أيلول 1919.
عينته القيادة العسكرية في قيادة الفوج الأول ثم قائداً لإحدى الجبهات في حرب فلسطين سنة 1948، وفيها توطدت صداقته مع قائد الجيش حسني الزعيم، وهو أيضاً من أبناء مدينة حلب ومن الضباط القدامى في جيش الشرق. شارك الحناوي حسني الزعيم نقمته على الطبقة السياسية الحاكمة وانزعج كثيراً من سيل الاتهامات التي وجهت له ولضباط الجبهة، ومنها التقصير في واجبهم تجاه فلسطين وتزويد الجنود بسلاح فاسد. في 13 شباط 1948 حضر اجتماع كبير عقده الزعيم في مقر قيادته في مدينة القنيطرة، ووقع على بيان شديد اللهجة موجه إلى رئيس الجمهورية شكري القوتلي، مطالباً باعتقال النائب فيصل العسلي، المسؤول عن حملة التشهير التي تعرض لها الجيش تحت قبة المجلس النيابي. رفض القوتلي قبول المعروض وحولهم إلى وزير الدفاع خالد العظم الذي تعامل معهم بخفة، فقرر الزعيم القيام بانقلاب عسكري للإطاحة بالقوتلي ونظامه.
شارك سامي الحناوي في الانقلاب على الرئيس القوتلي يوم 29 آذار 1949 وكان من أشد المتحمسين لتولّي الزعيم زمام الحكم في سورية. ولكن فراقاً حل بينهما بعد قطع الزعيم علاقة بلاده مع الأردن وتهجمه على حكام العراق، ثم جاءت حادثة تسليم أنطون سعادة، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى السلطات البنانية وإعدامه في بيروت يوم 8 تموز 1949 بسبب خيانة الزعيم له. عدّ الحناوي قضية سعادة حدثاً فاصلاً في علاقته مع الزعيم، ولم يخف امتعاضه الشديد من الطريقة المهينة التي تعاملت معه السلطات السورية، على الرغم من حصوله على لجوء سياسي من الزعيم شخصياً.
اللواء سامي الحناوي باللباس المدني.
انقلاب الحناوي (14 آب 1949)
دعي الحناوي لمشاركة في انقلاب عسكري ضد الزعيم، خططت له العراق بالتعاون مع عديله الدكتور أسعد طلس. كل المراجع التاريخية تؤكد أن الحناوي كان رجلاً مُسالماً وبسيطاً، بعيداً كل البعد عن أي طموح سياسي، وأن العقل المدبر للانقلاب كان أسعد طلس الذي وضعه في واجهة الحدث. وفي ساعات الفجر الأولى من 14 آب 1949 توجه سامي الحناوي نحو مدينة دمشق على رأس فوج مدرعات وسرايا مشاة من مركز قيادته في فوج الأول بمعسكر قطنا. أرسل الضابط فضل الله أبو منصور لاعتقال الزعيم ورئيس الحكومة محسن البرازي وعند مثولهم أمامه ترأس الحناوي المحكمة الميدانية التي حَكَمت عليهما بالإعدام. نفذت أوامره فوراً وأعدم الزعيموالبرازي رمياً بالرصاص، بحضور الحناوي وصدر بيان عسكري جاء فيه: “بحمد الله العلي العظيم، تم الانقلاب الحقيقي ونجت البلاد من طاغيتها المُجرم الباغي.”
في نفس اليوم، دعا الحناوي إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة، حضره قيادات من الحزب الوطنيوحزب الشعب وبقية الطبقة السياسية التي حيّدت في عهد الزعيم. قال لهم إنه لا يرغب بتسلّم الحكم وسيُعيد الجيش إلى ثكناته، داعياً لإجراء انتخابات فورية لتشكيل جمعية تأسيسها تكون مهمتها وضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي عطله الزعيم قبل بضعة أشهر. اكتفى الحناوي بمنصب رئيس الأركان وانتخب الرئيس السابق هاشم الأتاسي رئيساً للحكومة من 14 آب ولغاية 14 كانون الأول 1949. أجريت الانتخابات في موعدها وفاز حزب الشعب، الموالي للعراق، بغالية مقاعد الجمعية التأسيسية وانتخب رئيسه ناظم القدسي مقراً للجنة الدستورية. أما أسعد طلس – المهندس الحقيقي للانقلاب – فقد اتخذ منصب أمين عام وزارة الخارجية السورية. وقيل يومها إن انقلاب الحناوي جاء بتخطيط وتمويل من العراق وبأن حكومته وضعت طائرة خاصة تحت تصرف أسعد طلس لنقله مع الحناوي إلى بغداد في حال فشلهم في اعتقال الزعيم وإعدامه.
سامي الحناوي مع الملك فيصل الثاني سنة 1949.
الوحدة مع العراق وانقلاب الشيشكلي
شكل الحناوي وطلس تحالفاً مع الرئيس الأتاسي وقادة حزب الشعب، هدفه تحقيق وحدة فيدرالية مع المملكة العراقية. زار الملك فيصل الثاني دمشق في أيلول 1949 والتقي بالحناوي وسافر وزير الخارجية ناظم القدسي إلى بغداد يوم 5 تشرين الأول لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع الوحدة. أغضبت هذه التطورات السريعة العقيد أديب الشيشكلي، الذي رفض مبدأ الوحدة من أساسها وعد حكام العراق عملاء للإنكليز، مهدداً: “لن تمر هذه الوحدة، حتى ولو على جثتي.”
كان الشيشكلي قد سرح من الجيش في عهد الزعيم وأعيد إلى الخدمة العسكرية من قبل الحناوي الذي عينه في قيادة الفوج الأول. وفي 19 كانون الأول 1949 نفذ الشيشكلي انقلابه وقام باعتقال الحناوي ونقله مخفوراً إلى سجن المزة. كانت انقلاباً محدوداً داخل المؤسسة العسكرية، أطاح بالحناوي وكل الضباط المحسوبين عليه، دون المساس برئيس الدولة هاشم الأتاسي. استسلم الحناوي دون أي مقاومة، طالباً إلى الشيشكلي إحالته على التقاعد وعدم التعرض لأُسرته. سرح من الجيش وظلّ سجيناً لغاية 7 أيلول 1950 عندما أطلق سراحه بالتزامن من إقرار الدستور الجديد ونفي فوراً إلى لبنان.
أديب الشيشكلي جالساً أمام اللواء سامي الحناوي بعد انقلاب 14 آب 1949.
مقتل الحناوي
وفي بيروت، أطلق حرشو البرازي النار على سامي الحناوي وهو يصعد إلى عربة الترامواي يوم 31 تشرين الأول 1950، ثأراً لابن عمه محسن البرازي. وفي شهادته على تلفزيون الدنيا سنة 2010 قال البرازي أن الحناوي صرخ في وجهه مستغيثاً: “دخيلك…لا تقوصني.” سقط الحناوي قتيلاً على الفور ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه في حلب ليُدفن فيها يوم 2 تشرين الثاني 1950.
المناصب
رئيساً لأركان الجيش السوري (14 آب – 19 كانون الأول 1949)
حسني الزعيم (11 أيار 1897 – 14 آب 1949)، ضابط سوري من دمشق، كان رئيساً لأركان الجيش في حرب فلسطين ومهندس الانقلاب الأول في سورية يوم 29 آذار 1949. بعد اعتقال رئيس الجمهورية شكري القوتلي، نصّب نفسه حاكماً عسكرياً على سورية لغاية 26 حزيران 1949، يوم أجرى استفتاء شعبي – كان الأول من نوعه في تاريخ البلاد – أوصله إلى رئاسة الجمهورية. دخل في مفاوضات سلام ووقع على اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، وخلال عهده القصير، وضع دستور جديد أعطى المرأة السورية حق الانتخاب والترشح للنيابة. لم يستمر عهد الزعيم سوى 137 يوماً فقط، حيث تم إلقاء القبض عليه وإعدامه في 14 آب 1949. ألهم نجاح انقلاب الزعيم الضباط الأحرار في مصر على تنفيذ انقلابهم على الملك فاروق عام 1952، وفي سورية، فتح الزعيم شهية العسكريين، ما أدى إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية كان آخرها انقلاب البعث في 8 آذار 1963.
بعد احتلال سورية من قبل الفرنسيين عام 1920، انتسب الزعيم إلى جيش الشرق ووصل إلى رتبة “مقدم.” في عهد فيشي عام 1941، كُلف بتشكيل قوات مسلّحة لمقاومة قوات فرنسا الحرة عند اقترابها من دمشق، لكنّه هرب من المعركة آخذاً معه الأموال المخصصة للمقاومة. بعد تحرير دمشق من فيشي، أصدرت قوات فرنسا الحرة أمراً باعتقاله، وعثرت عليه مخْتَبِئاً في حيّ الأكراد بدمشق. طُرِد من جيش الشرق وحُكم عليه بالسجن 20 عاماً، قضى منها خمس سنوات مُتنقلاً بين سجن القلعة في دمشق وسجن الرمل في بيروت. بعد انتخابه رئيساً للجمهورية عام 1943، توسط شكري القوتلي لأجله وأٌطلق سراحه، شرط وضعه قيد الإقامة الجبرية في منطقة الأشرفية في بيروت.
العودة إلى الخدمة العسكرية (1946-1948)
بعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية في 17 نيسان 1946، تقدّم الزعيم بطلب الانضمام إلى الجيش السوري لكن وزير الدفاع أحمد الشرباتي رفض الموافقة بسبب ما ورد في سجله العسكري من تهم. أصرّ الزعيم على أنه مظلوم، وأن تُهمة الفساد قد لفّقت له بسبب مواقفه “الوطنية.” توسط لدى محسن البرازي، أمين عام الرئاسة السورية، الذي تدخل لأجله مع الرئيس القوتلي وأقنعه بضرورة الاستفادة من خبرة حسني الزعيم وعودته إلى الخدمة العسكرية.
حسني الزعيم مع الرئيس شكري القوتلي سنة 1948 (المصدر: حركة البناء الوطني)
أعاده القوتلي إلى الجيش، مع الاحتفاظ بقدم رتبته العسكرية، وعيّنه قائداً للّواء الثالث في دير الزور. عندما بدأت المظاهرات المطالبة بتسليح الأهالي ودعوتهم للجهاد في فلسطين، قرر القوتلي تعيينه قائداً للشرطة العسكرية، ثم رئيساً للأركان بعد استقالة اللواء عبد الله عطفة في مطلع حرب فلسطين عام 1948. أَظهر الزعيم ولاءً مُطلقاً للقوتلي، الذي أعجب بتفانيه بالعمل وشعبيته بين الجنود والضباط، حيث قال ذات يوم أمام سهيل العشي، المرافق العسكري لرئيس الجمهورية: “يوجد شخص واحد في هذا البلد يجب تقبيل قدميه قبل يديه ورأسه، وهو هذا الرجل العظيم.”وفي حوار مع المؤرخ السوري سامي مروان مبيّض، يقول العشي: “كان الزعيم ماكراً خبيثاً ومُخادعاً، لكن القوتلي وثق به … بكلِّ أسف … واعتمد عليه خلال حرب فلسطين.”
الخلاف مع خالد العظم
قاد الزعيم الجيش السوري في أشدّ معارك حرب فلسطين ضراوة وحقق انتصارات عسكرية كبيرة في الميدان، قبل أن تُفرض الهدنة الأولى على الدول العربية في 11 حزيران 1948. لم تكن علاقته جيدة مع الزعماء السياسيين، وتحديداً خالد العظم، الذي عُيّن رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع في كانون الأول 1948. كان العظم ينظر إلى الزعيم نظرة شك وريبة، وقد حذّر القوتلي منه وقال إنه “خطر على سورية،” مضيفاً: “قبل أن يتعشى بنا يجب أن نتغدى به.”
وصلت هذه الكلمات إلى مسمع الزعيم، بالتزامن مع الانتقادات المتكررة التي وجهت إليه من النائب فيصل العسلي، الذي وصفه بالمقامر والفاسد. طالب العسلي بتسريحه من الجيش وإحالته إلى القضاء العسكري، فرد الزعيم بمعروض، مطالباً برفع الحصانة النابية عن العسلي ومحاكمته بتهمة الإساءة إلى المؤسسة العسكرية. رفض الرئيس القوتلي قبول معروض الزعيم وعاتبه بالقول: “أهكذا أصبح الجيش؟ هل أصبح الضباط مثل المخاتير يحررون المحاضر؟” أحال المعروض إلى خالد العظم حسب الأصول، وعندما توجه الزعيم إلى منزله، جعله العظم ينتظر طويلاً قبل أن يأذن له بالدخول، مما أغضب الزعيم كثيراً وضاعف من نقمته على الطبقة السياسية الحاكمة. هذا وقد اشتدت الحملة على الزعيم بسبب علاقته بالعقيد أنطون البستاني، مدير تموين الجيش، الذي أُدين بإطعام الجنود سمناً فاسداً. أمر القوتلي باعتقال البستاني، لكن الزعيم رفض تنفيذ أوامر رئيس الجمهورية واكتفى بوضعه قيد الإقامة الجبرية في مبنى وزارة الدفاع، دون تسريح أو معاقبة.
الزعيم والولايات المتحدة
تواصل الزعيم مع الميجور ستيفان ميد، مساعد الملحق العسكري في السفارة الأمريكية بدمشق، واجتمع معه ست مرات في الفترة ما بين تشرين الثاني 1947 – آذار 1948. لم يُخفِ الزعيم رغبته القيام بانقلاب عسكري للإطاحة بالقوتلي وفرض نظام عسكري موالِ للولايات المتحدة الأميركية، بعد أن لمس توتراً في علاقة القوتليبواشنطن، بسبب رفض الرئيس السوري توقيع اتفاق هدنة مع إسرائيل وعدم السماح لشركة التابلاين الأميركية من نقل النفط السعودي عبر الأراضي السورية. عرض الزعيم أن يقوم بتمرير اتفاقية التابلاين، وأن يدخل في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، فأبرق الميجور ميد إلى واشنطن قائلاً:
حسني الزعيم يُريد أن يرى تحالفاً عسكرياً بين بلاده والولايات المتحدة، وهو يقول إنّ وجود حكم قوي ومستقر في دمشق – أو ديكتاتورية – سيكون أفضل للجميع وسيُعطي الولايات المتحدة حليفاً موثوقاً ودائماً في سورية. ويقترح أن يكون هو هذا الحليف المؤتمن.
وجهت إنذارات عدة إلى القوتلي لتوخي الحذر من حسني الزعيم، ومن ضمنها ما قاله له مدير البروتوكول في القصر عصام الإنكليزي، بعد اجتماعه بموظفين من السفارة البريطانية في 25 آذار 1949، قبل وقوع الانقلاب بأربعة أيام. وكان الإنذار الثاني قد جاء عبر إدمون حمصي، سفير سورية في لندن، يوم 27 آذار 1949، والثالث من رئيس الحكومة السابق جميل مردم بك، الذي أرسل ابنه إلى دمشق وحذر القوتلي من نيّة الزعيم القيام بانقلاب عسكري.
دبابات حسني الزعيم على مدخل محطة الحجاز صباح 30 آذار 1949.
انقلاب 29 آذار 1949
في منتصف ليلة 29-30 آذار 1949، قُطعت الاتصالات السلكية واللاسلكية عن دمشق، وأُغلقت جميع المعابر الحدودية بين سورية ودول الجوار. تحركت القطعات العسكرية من ريف دمشق باتجاه وسط المدينة، وتمركزت عند مبنى الإذاعة في شارع النصر، والبرلمان في شارع العابد، والقصر الجمهوري في منطقة المهاجرين. اتجهت مجموعة من الجنود إلى منزل الرئيس القوتلي في منطقة بستان الرئيس، وذهبت مجموعة ثانية إلى دار رئيس الحكومة خالد العظم في سوق ساروجا. ألقي القبض على القوتلي دون مقاومة، وتعامل الجنود العظم العظم بقسوة، حيث أنهم ضربوه ورموه من أعلى السلم، وأخرجوه من منزله أمام الناس بشكل مهين، حافي القدمين وبلباس النوم.
اعتقل الزعيم أيضاً مدير الشرطة والأمن العام العقيد محمود الهندي، والنائب فيصل العسلي، وأمين عام وزارة الدفاع أحمد اللحام، والصحفي وجيه الحفار (صاحب جريدة الإنشاء)، ومدير الإذاعة فؤاد الشايب لرفضه إذاعة البلاغ العسكري رقم واحد، والذي كان نصه:
مدفوعين بغيرتنا الوطنية مُتألمين بما آل إليه وضع البلد من جراء افتراءات وتعسُّف من يدَّعون أنهم حُكامنا المخلصون لجأنا مضطرين إلى تسلُّم زمام الحكم مؤقتاً في البلد التي نحرص على المحافظة على استقلالها كلَّ الحرص.
كتب الزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني بلاغات الانقلاب المتتالية، واصفاً عهد القوتلي بأبشع الأوصاف ومُتهِماً رموزه بالخيانة والفساد والتقصير في واجبهم الوطني تجاه فلسطين. كان الحوراني إلى جانب الزعيم عند تنفيذ الانقلاب، وقد نصحه بإعدام القوتلي، لكنّ الزعيم رفض القيام بذلك خوفاً من تداعيات هذا الأمر على قادة الدول العربية المُقربين من الرئيس المعتقل، وفي مقدمتهم الملك فاروق والملك عبد العزيز آل سعود.
عهد الزعيم
فرضت القوانين العرفية على سورية، وأَجاز الزعيم للسلطات الأمنية بمراقبة الاتصالات واعتقال أي مشتبه به دون مذكرة توقيف أو محاكمة. بدأ حكمه بإلغاء رتبة “الزعيم” (وهي توازي رتبة “عميد” اليوم)، وتدريج مقولة “لا زعيم إلّا الزعيم.” إعجاباً بحكّام أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، صار الزعيم يرتدي عدسة المونوكل على عينه اليمنى، ويلبس قفازات بيضاء، كما أمر بإحضار عصا المارشالية لحملها في المناسبات الوطنية، مثل قياصرة ألمانياوروسيا.
أمر الزعيم بتعطيل الدستور وإغلاق مكاتب جميع الأحزاب، إضافة إلى حلّ المجلس النيابي ابتداء من صباح يوم 1 نيسان 1949. كما أنه أوقف مُعظم الصحف اليومية، وأطلق صحيفة سياسية تابعة له باسم الانقلاب، ترأس تحريرها منير الريّس. في بادرة حسن نية تجاه الدول الغربية، رفع الحظر المفروض على يهود سورية وأعاد لهم رُخص السوق وجوازات سفرهم، مع الإبقاء على قانون منع بيع عقاراتهم. وفي 26 نيسان 1949، اعترفت الولايات المتحدة بشرعية انقلاب الزعيم، وتلتها اعترافات بعد أيام من فرنساوبريطانياوالاتحاد السوفيتي.
شرعية الانقلاب
تسارع النواب إلى منزل رئيس المجلس النيابي فارس الخوري، الذي كان قد تمارض يوم الانقلاب لتجنُّب ملاقاة الزعيم. طلبوا منه المشورة حول كيفية التعامل مع العهد الجديد، فكان جوابه: “لقد اندلعت النيران في البيت، وإنّ الواجب والعقل والضمير يفرض علينا أن نتعاون لإخماد النيران أو حصرها قبل أن يشتد لهيبها فتأتي على الأخضر واليابس.”
طلب الزعيم من الخوري زيارة القوتلي في مستشفى الشهيد يوسف العظمة في منطقة المزة لإقناعه بالاستقالة، وفي 6 نيسان 1949 استقال القوتلي بكتاب موجه لا للزعيم بل إلى الشعب السوري: “أُقدم للشعب السوري الكريم استقالتي من رئاسة الجمهورية السورية، راجياً له العز والمجد.” على الفور، قام الزعيم بنسخ استقالة القوتلي ووزعها على الصحف، ثم أعاد نشرها في كتاب ترويجي صدر عن مطبعة الجيش باسم الانقلاب السوري، للصحفي بشير العوف. وقد نشرت مجلّة تايم الأمريكية مقالاً مطولاً عن الوضع في سورية بعد أسبوع واحد من الانقلاب، جاء فيه:
مُعظم السوريين يجلسون في المقاهي والأسواق، يشربون الشاي ويدخنون النراجيل، ولا يعنيهم كثيراً التغيير الذي طرأ على حكومتهم مؤخراً. في تاريخهم الطويل ذاقوا طعم حكم الفرس والرومان والمغول والأتراك والفرنسيين، ويبدو أنهم على استعداد لتقبُّل حسني الزعيم أيضاً.
الزعيم وإسرائيل
تنفيذاً لوعوده السابقة أمام الأمريكان، سارع الزعيم بإطلاق مفاوضات الهدنة مع إسرائيل في 5 نيسان 1949، تحت إشراف الأمم المتحدة. خوفاً من أنْ يتهمه أعداؤه بالخيانة، وإصراراً منه على أن يُثبت أنه ليس أقل وطنية من شكري القوتلي، قال الزعيم لوكالات الأنباء إن هذه المفاوضات هي مُجرد “استراحة محارب،” وهي لا تعني إنهاء الحرب مع إسرائيل أو التخلّي عن حقوق الشعب الفلسطيني.
في ردِّها الأول على عرض الزعيم، عدّت وزارة الخارجية الأمريكية أنه كان “إنسانياً في طرحه ورجل دولة في موقفه.” دعا إدارة الرئيس هاري ترومان أن تتقدم بطلب رسمي إلى الحكومة السورية، لإنشاء قواعد عسكرية في الساحل السوري، وقال إنه سيوافق عليه فوراً بهدف “الحدّ من تمادي الشيوعية في الشرق الأوسط.” عند سماعه عن كل هذه التنازلات، كَتب وزير خارجية الزعيم، الأمير عادل أرسلان في مُذكّراته: “صرت أخشى على سورية أن تُباع!”
حسني الزعيم رئيساً للجمهورية.
الزعيم رئيساً للجمهورية
في حزيران 1949 أجرى الزعيم استفتاء شعبي ومباشر، أوصله إلى رئاسة الجمهورية بنسبة فاقت 116% من أصوات الناخبين. كُلّف محسن البرازي بتشكيل حكومة جديد بدلاً من الحكومة المؤقتة التي ترأسها الزعيم بنفسه منذ 1 نيسان 1949. ضمّت الوزارة عدداً من الشخصيات الوطنية المحترمة، مثل وزير العدل الأمير مصطفى الشهابي ووزير المعارف خليل مردم بك.
العلاقة مع الدول العربية
جميع الدول العربية تعاملت مع انقلاب الزعيم بحذر شديد، وانتظرت قبل الاعتراف به. في 16 نيسان 1949 وصل رئيس الحكومة العراقية نوري السعيد إلى دمشق واجتمع مطوّلاً مع الزعيم في المطار لمعرفة نواياه الإقليمية والدولية. سأله: “هل يقبل عطوفة الزعيم بمشروع الهلال الخصيب الذي كان العراق قد طرحه منذ أشهر؟ وماذا عن تحالف سورية القائم مع الدول العربية المعادية للأسرة الهاشمية (إشارة إلى مصروالسعودية)؟” عرض نوري السعيد إقامة وحدة مباشرة بين سورية والعراق، ولكن الزعيم رفض الدخول بأي حلف، وعاد السعيد إلى بلاده خالي الوفاض.
بعدها جاء عبد الرحمن عزام باشا، أمين عام جامعة الدول العربية، وعرض على الزعيم ترتيب لقاء له مع الملك فاروق. كان فاروق صديقاً قديماً للقوتلي وقد أعطاه اللجوء السياسي في مصر بعد استقالته من رئاسة الجمهورية. اجتماع الملك بالزعيم في القاهرة يوم 21 نيسان 1949، وحصل منه على تعهد شفهي بنبذ الحلف الهاشمي العراقي – الأردني. بناء عليه، قطع الزعيم علاقات سورية مع العراقوالأردن وقال في مؤتمر صحفي يوم 26 نيسان 1949: “سوف آتي بالملك عبد الله إلى دمشق وسوف أعلق مشنقته في ساحة المرجة.”
حسني الزعيم والملك فاروق في القاهرة.
تسليم أنطون سعادة
بعدها اعترفت مصر رسمياً بشرعية انقلاب الزعيم وتلاها اعتراف مُماثل من السعودية. وحده لبنان رفض الانصياع إلى هذا الموقف وظلّ متمسكاً بشكري القوتلي رئيساً شرعياً لسورية. رداً على هذا التحدي، قام الزعيم باستقبال أنطون سعادة، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، المطلوب من القضاء اللبناني. أعطاه اللجوء السياسي في دمشق ووعده بتمويل ثورة عسكرية في لبنان تطيح برئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس حكومته رياض الصلح. كان سعادة معارضاً للميثاق الوطني بين الخوريوالصلح، الذي قسّم رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة بين المسيحيين والمسلمين، كما ضرب في شرعية الجمهورية اللبنانية ورأى أنها يجب أن تبقى جزءاً من سورية الكبرى، بحسب عقيدة السوريين القوميين. وجد حليفاً في شخص حسني الزعيم، الذي كان على خلاف كبير مع قادة لبنان بسبب إصرارهم على عدم الاعتراف بشرعية حكمه. أراد الزعيم استخدام أنطون سعادة للنيل من رياض الصلح، فأعطاه اللجوء المطلوب وقدّم له مسدسه الخاص، عربون وفاء وتقدير.
انطلقت ثورة أنطون سعادة بتمويل وتخطيط من المخابرات السورية، فتواصل رياض الصلح مع نظيره السوري محسن البرازي واتفقا على وأدها وتسليم سعادة إل السلطات اللبنانية مقابل اعتراف الحكومة اللبنانية بحسن الزعيم رئيساً في سورية. في مُذكّراته، يقول نذير فنصة، عديل حسني الزعيم ومدير مكتبه:
ذهبت إلى الزعيم أستفسر عن موضوع سعادة، فقال لي: إن هناك ضغطاً عليه من الشّيخ بشارة الخوريرئيس الجمهورية اللبنانية ومن رياض الصلح. قلت للزعيم: أليس من العار أن تُسلّم شخصاً تعرف أنه سيعدم بعدما منحته الأمان؟ فقال لي: إنهم يطلبون مني أن أدبر قتله هنا في دمشق، وأنا لم أفعل ذلك طبعاً. لذا سأسلمه.
طلب فنصة من الزعيم عدم تسليم سعادة إلى لبنان، واقترح ترحيله إلى الأرجنتين حيث له قاعدة حزبية كبيرة، ولكن الزعيم قام بتسليمه إلى السلطات اللبنانية، حيث أُعدم بعد محاكمة سريعة في 8 تموز 1949. بعدها بأيام معدودة وصل الرئيس بشارة الخوري إلى دمشق ومعه رياض الصلح، واعترفا رسمياً بحسني الزعيم وشرعية حكمه.
حسني الزعيم وبشارة الخوري بعد تسليم أنطون سعادة إلى لبنان.
انقلاب سامي الحناوي
في الساعات الأولى من 14 آب 1949، وقع انقلاب جديد في دمشق بقيادة اللواء سامي الحناوي، صديق حسني الزعيم والمحسوب على العراق. كان الزعيم عائداً من حفل خيري في فندق بلودان الكبير، وقد رتّب الحناوي غياب مرافقه العسكري الملازم أول عبد الحميد السراج عن منزله الكائن في شارع أبو رمانة، لضمان نجاح الانقلاب. في مُذكّراته، يصف أحد قادة الانقلاب فضل الله أبو منصور ما حدث في تلك الليلة قائلاً:
واصلت قرع الباب بشدة، فإذا بالأنوار الكهربائية تُشع، وإذا بحسني الزعيم يُطل من على الشرفة صائحاً: “ما هذا؟ من هنا؟” أجبته بلهجة الأمر الصارم: “استسلم حالاً، فكل شيء قد انتهى، وإلّا دمرت هذا القصر على رأسك.” فانتفض حسني الزعيم وتراجع مذعوراً. عاجلته بوابل من رشاشتي، إلا أنه دخل القصر وتوارى فيه. ثم نزل من الدور الثاني وهو يرتدي بنطلونه فوق ثياب النوم، وزوجته وراءه تصيح: حسني…حسني…إلى أين يا حسني؟ وقبل أن يتمكن حسني من الرد على زوجته، دنوت منه واعتقلته ثم صفعته صفعة كان لها في أرجاء القصر دوي. قال حسني: “لا تضربني يا رجل، احترم كرامتي العسكرية.
وضِع الزعيم في مصفحة، ونُقل إلى منطقة مهجورة بالقرب من مقبرة الفرنسيين في بساتين المزّة، حيث أُلحق به رئيس الحكومة محسن البرازي ومدير مكتبه نذير فنصة. يُضيف أبو منصور:
كان حسني الزعيم في المُصفحة ساهماً تائه النظرات، كأنه لا يُصدق ما يرى ويسمع…كأنه يحسب نفسه في منام مُخيف. ثم قال الزعيم لفضل الله أبو منصور: “يا فضل، أنا بين يديك، معي ثمانون ألف ليرة، خذ منها ستين ألفاً لك ووزع عشرين ألفاً على جنودك وأطلق سراحي ودعني أهرب إلى خارج البلاد.”
يصف نذير فنصة اللحظات الأخيرة من حياة الزعيم قائلاً: “كان الزعيم هادئاً في شكل مُذهل ومتمالكاً نفسه، بينما كان البرازي مرمياً على الأرض ومغمياً عليه. وكنت أنا أرتعد لاقتراب شبح الموت مني، فقال حسني الزعيم، موجهاً كلامه لي وللبرازي: “لا تخافوا، فالإنسان لا يموت سوى مرة واحدة.”
عندها أطلق النار على الزعيم والبرازي، وكانت كلامته الأخيرة: “أنا حسني الزعيم! أنا الذي جعلت لكم كرامة. تقتلوني بدلاً من قتل هؤلاء الكلاب؟”
استمر إطلاق النار زهاء خمس دقائق، داس بعدها الجنود على جثته بأرجلهم. يُكمل فضل الله أبو منصور حديثه بالقول:
أمرت بنقل الجثتين إلى المصفحة ثم سرت إلى المستشفى العسكري لأضعهما في غرفة الموتى. أغلقت عليهما باب الغرفة واحتفظت بالمفتاح وفي الساعة السادسة صباحاً، استوليت على القصر الجمهوري وختمته بالشمع الأحمر ثم توجهت إلى رئاسة الأركان لمقابلة الزعيم سامي الحناوي.
جثة الزعيم
أمر سامي الحناوي بدفن الزعيم في قبر مجهول في قرية أم الشراطيط بريف دمشق، وبعد عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم، طلب البحث عن الجثة قائلاً: “لا يجوز دفن حسني الزعيم بهذه الطريقة، لأنه كان رئيساً لسورية وقائداً لجيشها.” عُثر على جثة الزعيم في نعش مُكسّر تحت حجارة كبيرة، وتمكنت السلطات من التعرّف عليه من سروال بيجامته وآثار رصاصة في خاصرته كان قد أصيب بها في زمن الانتداب الفرنسي. نُقل جثمان الزعيم إلى مقبرة الدحداح في دمشق وأقيم له قبر أنيق، يليق برئيس جمهورية سابق.
وضع دستور يُعطي المرأة السورية حق الانتخاب والترشح للمجلس النيابي
قالوا في الزعيم
اختلفت الأقوال في حسني الزعيم، بينما من وصفه بالأرعن المتهور، ومن اعتبره رائداً ومُجدّداً في أفعاله. أول من أفصح عن رأيه الصريح بالزعيم كان وزير خارجيته الأمير عادل أرسلان، عبر سلسلة مقالات نُشرت في جريدة الحياة في صيف عام 1949، قال فيها أن الزعيم كان يُريد عقد هدنة سريعة من إسرائيل لكي يسحب الجيش السوري من الجبهة ويقمع المعارضة الداخلية. أمّا المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم من جامعة أوكسفورد، فقد وصف الزعيم بالقول: ” بِالرَّغْمِ من عيوبه الشخصية، كان رجلاً جدّياً في طرح الإصلاح الاجتماعي والتطور الاقتصادي، وكان يعد السلام مع إسرائيل وحلّ قضية اللاجئين ضرورياً لتحقيق تلك الأهداف.”
وفي كتابه الشهير لعبة الأمم، عدّ مايلز كوبلاند، موظف وكالة CIA في السفارة الأمريكية بدمشق، أنه أخطأ التقدير في اختيار حسني الزعيم لقيادة سورية، وصرح لزميله ستيفان ميد بالقول: “إنَّ هذا الفعل ينمّ على غباء شديد من طرفنا. كان من المفترض عدم تورُّط بعثتنا الدبلوماسية مع هذا الرجل!” وقد جاء هذا الكلام في كتابه الصادر عام 1970، أي بعد زوال حكم حسني الزعيم بأكثر من عشرين سنة.
العائلة
تزوج حسني الزعيم من السيدة الحلبية نوران باقي، ولهُ منها بنت واحدة ولدت بعد مقتله بأشهر.
كاظم بن محمد راضي الجزّار (1902-1983)، أمين عام وزارة الأشغال العامة في خمسينيات القرن العشرين وصاحب مشاريع تنموية ضخمة كاستصلاح أراضي سهل الغاب ومشروع مصفاة حمص ومحطة توليد الكهرباء في عين الفيجة.
البداية
ولِد كاظم الجزار في حماة وتخرج من كلية الهندسة المدنية في الجامعة اليسوعية في بيروت سنة 1928. عمل بداية في مديرية الأشغال العامة وانتقل بعدها إلى أمانة العاصمة (محافظة دمشق الممتازة). وفي سنة 1945 سمّي مديراً للدائرة الفنية وأشرف على إنشاء شارع أبي رمّانة وتوسيع الطريق المؤدي إلى الزبداني.
في وزارة الأشغال (1948-1958)
وفي شباط 1948 انتقل كاظم الجزّار إلى وزارة الأشغال العامة وعُيّن مديراً للمعادن والمقالع ومشرفاً على الشركات الأجنبية في سورية.
تدرج في المناصب الوزارية من مدير مصلحة إلى مُراقب عام ثم مديراً لهيئة التفتيش، وفي سنة 1951 سمّي أميناً عاماً للوزارة. أشرف الجزّار على عدة مشاريع هامة، منها مشروع مصفاة حمص ومشروع جر مياه الفرات إلى حلب وإنشاء محطة توليد كهرباء في عين الفيجة واستصلاح أراضي سهل الغاب.
الوفاة
بعد تقاعده سنة 1958 تفرغ كاظم الجزّار لمكتبه الهندسي الخاص وتوفي بدمشق عن عمر ناهز 71 عاماً سنة 1983.
ولِد محمد فائق العطار في دمشق وهو حفيد الشّيخ بكري العطار، أحد أشهر عُلماء الشّام في القرن التاسع عشر. توفي والده باكراً فتولّى جدّه الإشراف على تعليمه وأرسله إلى إسطنبول للدراسة الطب في معهد الطب العثماني. عمل طبيباً في المستشفى الحميدي كُلف بمُعالجة وباء الكوليرا المنتشر في سورية سنة 1912.
نور الدين كحالة (1908-1965)، مهندس سوري من حمص، عُيّن أميناً عاماً لوزارة الأشغال في حكومة حسني الزعيم سنة 1949 ثم وزيراً للأشغال العامة في مطلع عهد الوحدة مع مصر. وفي تشرين الأول 1958 سمّي رئيساً للمجلس التنفيذي في سورية، أي ما يعادل رئاسة مجلس الوزراء، قبل تعيينه نائباً للرئيس جمال عبد الناصر من 20 أيلول 1960 ولغاية وقوع انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961.
البداية
ولِد نور الدين كحالة في حمص ودَرَس الهندسة في إسطنبول وفي جامعة إلينوي الأمريكية. عُيّن مُهندساً في شركة كهرباء دمشق وفي سنة 1931 انتُدب إلى معمل الإسمنت في منطقة دمّر، بطلب من مُديره المؤسس خالد العظم.
رئيساً للمجلس التنفيذي (تشرين الأول 1958 – أيلول 1960)
كان نور الدين كحالة من أشد المتحمسين للوحدة ورئيسها جمال عبد الناصر الذي عينه وزيراً للأشغال العامة في 6 آذار 1958. وفي 7 تشرين الأول سمّي رئيساً للمجلس التنفيذي في الإقليم الشمالي، أي بمثابة رئيس مجلس الوزراء، وعُيّن زميله المصري نور الدين طرّاف رئيساً للمجلس التنفيذي في الإقليم الجنوبي. نظراً لحياده التام وابتعاده عن الحياة الحزبية والسياسية، يُعدّ نور الدين كحالة أول رئيس حكومة التكنوقراط في تاريخ سورية الحديث.
نائباً لرئيس الجمهورية (أيلول 1960 – أيلول 1961)
وفي 20 أيلول 1960 نقل نور الدين كحالة إلى القاهرة وسمّي وزيراً مركزياً للتخطيط في القاهرة ونائباً لرئيس الجمهورية العربية المتحدة. وعلى الرغم من قربه الشديد من عبد الناصر إلى أنه عارض قرارات التأميم الصادرة عنه في تموز 1961 ودافع عن القطاع الخاص، مستشهداً بتجربته الناجحة مع معمل الإسمنت قبل سنوات. وضع المهندس كحالة الخطة الخمسية الأولى في سورية، التي كانت تهدف إلى تحسين توزيع دخل المواطنين وتحقيق تنمية دون تضخم أو انكماش. ولكنّ خطته سقطت مع الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961.
الوفاة
رفض نور الدين كحالة تأييد عهد الانفصال وظلّ متمسكاً بالوحدة. عُيّن عضواً في مجلس إدارة مشروع سد الفرات وكان هذا المنصب هو آخر ما شغله قبل وفاته إثر حادث سير بدمشق سنة 1965.
المناصب
مديراً برتبة وزير لوزارة الأشغال العامة (29 آذار – 9 نيسان 1949)
وقد دعمهم أستاذ مادة الرياضيات إبراهيم الدادا الدمشقي، الذي كتب كلمات نشيد الجمعية وكان رئيساً للجنتها الإدارية الأولى. وبعدها بعام واحد، أصبح الدادا مُترجماً للجنة كينغ كراين الأمريكية خلال زيارتها إلى سورية.
ولقد نص قانون جمعية العروة الوثقى على أن غاية الجمعية “ممارسة الخطابة والكتابة باللغة العربية الفصحى.” (غنما 57)
تقيدت الجمعية بهذا النص وظلّت ترعى المناظرات وتعمل على تقوية فنّ الخطابة لدى أعضائها، مع طباعة مجلّة مخصصة لهم ولأنشطتتهم، سُمّيت “العروة الوثقى” وصدر عددها الأول في كانون الثاني 1924.
تنادى عدد من شباب الجامعة السورية، وخاصة من كلية الطب، لتأسيس فرع من العروة الوثقى بعد تولّى الدكتور زريق رئاسة الجامعة، وكان بينهم الدكتور نادر توكل والدكتور بسام الصواف والأستاذة أديبة الصبان والدكتور أحمد الفحام والأستاذة بشرى الكسم والدكتور أنور تيناوي والدكتور مروان محاسني، الذي أصبح بعد سنوات طويلة رئيساً لمجمع اللغة العربية بدمشق. وقد عملوا على تفعيل الشعور القومي في الجامعة السورية وتنظيم مُحاضرات في المناسبات الوطنية.
وفي العام الدراسي 1950-1951 انتسب عدد من طلاب كلية الحقوق إلى الجمعية مثل جودت البارودي وممدوح رحمون ورشيد البارودي وعمر الرباط ورشاد الجنان ووليد الكزبري. وكان العديد من الطلاب يرغبون بالانتساب إليها لكن إدارةالجامعة السورية كانت حريصة على أن يكون منتسبيها من النخبة. وقد أصدرت الجمعية السورية مجلة تحمل اسمها، تحت إشراف الدكتور زريق، كانت تحتوي على مقالات لكبار الأدباء والمفكرين.
ومن ضمن المواضيع التي طرحت في مناظرات الجمعية في دمشق: “إلغاء التعليم الديني في المدارس السورية أنفع للبلاد من بقائه،” “أي أنفع للبلاد: البقاء فيها أم الهجرة.”
بلغ نشاطها ذروته بالمظاهرة الكبرى التي قام بها الأعضاء في كانون الثاني 1952 ضد حكم العقيد أديب الشيشكلي وحاولوا الخروج من الجامعة إلى شوارع دمشق. وتصدت لهم قوات الشرطة، المدعومة من الشرطة العسكرية، وقام عناصرها باقتحام حرم الجامعة السورية. تصدى الدكتور زريق لهذه القوات وحمى طلابه من الرصاص، ولكنه تعرض للضرب من قبل عناصر الشرطة والجيش، فقدم استقالته وتوجه إلى لبنان، حيث تم انتخابه رئيساً بالوكالة للجامعة الأميركية في بيروت.
النهاية
وقد توقف نشاط جمعية العروة الوثقى في دمشق عند سقوط حكم الشيشكلي في شباط 1954. أمّا في بيروت فقد استمرت حتى سنة 1955 عندما تم حلها بطلب من السلطات بسبب مظاهرة كبرى نُظمت ضد حلف بغداد، مما أحرج حكومة الرئيس كميل شمعون الموالية للغرب وفرض على رئيس الجامعة قسطنطين زريق حلّ الجمعية التي كان قد أسسها قبل أربعة عقود.
أعضاء جمعية العروة الوثقى من الطلبة السوريين في جامعة بيروت الأميركية:
قسطنطين زريق: أحد مؤسسي جمعية العروة الوثقى ورئيسها في بيروت سنة 1934 وفي دمشق (1949-1952).
أنسطاس شاهين (1901-1974)، طبيب سوري من دمشق، كان من أشهر وأنجح الأطباء السوريين في النصف الأول من القرن العشرين وتولّى عمادة كلية الطب في الجامعة السورية من سنة 1949 ولغاية عام 1954.
البداية
ولِد أنسطاس شاهين في حي القيمرية الدمشقي، وكان والده نقولا شاهين مديراً لشرطة دمشق سنة 1925. دَرس بداية في معهد الطب العثماني بدمشق قبل انتقاله إلى باريس للتخصص بالطب الشعاعي في جامعة السوربون. ولكنه عدّل على مسيرته ودرس أمراض الأنف والأذن والحنجرة، ثم عاد إلى دمشق وفتح عيادته الطبية في القيمرية سنة 1928 قبل نقلها إلى بناء مرد بك القريب من جسر فكتوريا.
توفي الدكتور أنسطاس شاهين في دمشق عن عمر ناهز 73 عاماً سنة 1974.
الأولاد
تزوج من اللبنانية أيفون بنت جرجي نحّاس، وخلفه في مهنة الطب أكبر أولاده الدكتور نقولا شاهين وحفيده الدكتور كريم شاهين، وكلاهما مثله تخصص بأمراض الأنف والأذن والحنجرة، وعمل من نفس العيادة الطبية في منطقة جسر فيكتوريا.