وُلِد يوسف الحكيم في مدينة اللاذقية، وكان والده طبيباً. تعلَّم مبادئ اللغة العربية والحساب على يد جرجس الخوري، ثم التحق بالمدرسة الإنجيلية الأمريكية في اللاذقية، وبعدها بالمكتب الإعدادي الحكومي، حيث تخرَّج سنة 1899.
في القضاء العثماني
في تموز 1904، عُيِّن يوسف الحكيم في ديوان العدلية، وفي 22 كانون الأول 1909، صار عضواً في محكمة القدس. نُقِل بعدها إلى محكمة يافا في 9 كانون الثاني 1910، ثم إلى طرابلس الشّام، ومنها إلى بيروت حيث قضى ست سنوات في محاكمها. عُيِّن لاحقاً مديراً للرسائل الحكومية في جبل لبنان، مسؤولاً عن مراسلة جميع الولايات العثمانية وإبداء الرأي في أحوال المنطقة، فضلاً عن رفع تقارير دورية إلى الصدر الأعظم في إسطنبول.
وفي 8 آذار 1920، نودي بالأمير فيصل ملكاً على البلاد من قِبَل المؤتمر السوري، وشُكِّلت حكومة جديدة برئاسة رضا باشا الركابي، عُيِّن فيها يوسف الحكيم وزيراً لأمور النافعة (التجارة والزراعة والأشغال العامة). أعيد إلى الحقيبة نفسها في حكومة هاشم الأتاسي في 3 أيار 1920، والتي كانت مهمتها الرئيسية تهيئة البلاد لمواجهة الجيش الفرنسي الزاحف نحو دمشق لفرض الانتداب الفرنسي على سورية. وقعت المواجهة العسكرية في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، ودخل الفرنسيون دمشق صباح اليوم التالي.
استمر الحكيم في عمله الحكومي حتى استقالة الداماد في شباط 1928، ليعود بعدها إلى محكمة التمييز. حافظ على هذا المنصب القضائي طوال سنوات الانتداب حتى إحالته على التقاعد.
مؤلفاته
في سنوات تقاعده، تفرَّغ الحكيم لكتابة مذكراته، التي أتمَّ منها أربعة أجزاء:
عزّت النص (1912-1976)، أستاذ جامعي من دمشق، عمل لفترة وجيزة في السياسة وأصبح وزيراً للتربية ثم رئيساً للحكومة السورية في زمن الانفصال، من 21 تشرين الثاني ولغاية 23 كانون الأول 1961. تولّى حقيبتي الخارجية والدفاع، وأشرفت حكومته على الانتخابات التي أوصلت ناظم القدسي إلى رئاسة الجمهورية في 14 كانون الأول 1961.
البداية
ولِد عزت النص بدمشق وحصل على إجازة في الأدب من جامعة السوربون في باريس. التحق بوزارة المعارف وعُين مديراً لمدرسة التجهيز عام 1931 ثم مديراً للتعليم الابتدائي في سورية. في عهد الاستقلال، أصبح مدير البعثات الأوروبية في وزارة المعارف ومديراً للتعليم الثانوي عام 1952. بعدها بأشهر، انضم إلى الهيئة التدريسية في الجامعة السورية وعُين سكرتيراً لرئيس الجمهورية هاشم الأتاسي في آذار 1954. انتُدب من وزارة المعارف إلى رئاسة الجمهورية، حيث عمل لغاية انتهاء ولاية الأتاسي في أيلول 1955.
وزيراً ثم رئيساً للحكومة سنة 1961
تسلّم بعدها عزت النص رئاسة قسم الجغرافيا في دار المُعلمين، إضافة إلى عمله في الجامعة، وفي 29 أيلول 1961 سُمّي وزيراً للتربية في حكومة الدكتور مأمون الكزبري. كان ذلك بعد يوم واحد من انقلاب الانفصال الذي أطاح بجمهورية الوحدة مع مصر، وعند استقالة حكومة الكزبري في نهاية تشرين الثاني من العام نفسه، وقع الاختيار على عزت النص ليكون رئيساً للوزراء. جاء قرار تعيينه بدعم وتزكية من مهندس الانقلاب المقدم عبد الكريم النحلاوي الذي أراد المجيء بشخصية مستقلة وغير حزبية للإشراف على الانتخابات النيابية المقبلة.
كان النص ثاني رئيس حكومة تكنوقراط في سورية بعد حكومة سعيد الغزي عام 1954، وقد ألف حكومته من شخصيات مستقلة مثل المصرفي الدكتور عوض بركات، الذي سمّي وزيراً للاقتصاد والصناعة، والمصرفي الدكتور نعمان الأزهري، الذي عُيّن وزيراً للمالية، ورئيس جامعة دمشق الأسبق الدكتور أحمد السمان، الذي اختاره النص ليكون وزيراً للتربية.
أشرفت حكومة النص على الانتخابات النيابية في 1 كانون الأول 1961، كما جرى استفتاء على الدستور الجديد، وكانت آخر مهامها مرافقة ناظم القدسي إلى مجلس النواب لأداء القسم بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في 14 كانون الأول 1961. قدّم عزت النص استقالة حكومته وعاد إلى عمله فيجامعة دمشق، وعلى الرغم من حياده المُطلق وابتعاده عن أي نشاط سياسي بعد خروجه من الحكم، إلا أن قرار العزل المدني شمله إبان انقلاب البعث في 8 آذار 1963.
مؤلفاته
وضع عزت النص مجموعة من الكتب العلمية التي كانت تُدرّس في المدارس والجامعات، منها:
تاريخ العرب والشرق (لطلاب شهادة الدراسة المتوسطة)
جغرافيا بلاد العرب وأفريقيا (لطلاب الشهادة المتوسطة)
وجيه الحفار (1912-1969)، صحفي سوري من دمشق أسس وترأس تحرير جريدة الإنشاء الدمشقية اليومية سنة 1936، والتي أصبحت من أشهر وأنجح الصحف السورية في مرحلة الانتداب الفرنسي ومطلع عهد الاستقلال وكانت محسوبة على ابن عمه وشريكه الرئيس لطفي الحفار.
البداية
ولد وجيه الحفار بدمشق وهو سليل عائلة تجارية معروفة. درس في المدرسة العازارية بمنطقة باب توما وفي كلية الحقوق في الجامعة اليسوعية. بدأ حياته المهنية محرراً في جريدة القبس وصحفياً في جريدة الأيام، حيث تتلمذ على يد رئيس تحريرها الصحفي نصوح بابيل. انضم في شبابه إلى الكتلة الوطنية المناهضة للانتداب الفرنسي، التي كان ابن عمّه لطفي الحفار أحد قادتها الكبار. وبتعاون معه على تأسيس جريدة الإنشاء اليومية سنة 1936، لتكون ذراعاً إعلامياً للكتلة ورئيسها هاشم الأتاسي.
صحيفة الإنشاء
صدر العدد الأول من الإنشاء في 18 تشرين الثاني 1936 وعند تولّي لطفي الحفار رئاسة الحكومة السورية في نيسان 1939، انفصل عن الجريدة وأصبح وجيه الحفار مسؤولاً وحيداً عن الإنشاء. حققت الصحيفة نجاحاً جماهيراً واسعاً بدمشق، وأصبحت من أكثر الصحف اليومية مبيعاً ورواجاً.
وجيه الحفار مع وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود وصديقه الصحفي نصوح بابيل.
نهاية الإنشاء
أُغلقت جريدة الإنشاء أبوابها في زمن الوحدة السورية المصرية بسبب معارضتها لسياسات جمال عبد الناصر الاشتراكية ولكنها عادت إلى الصدور في مطلع مرحلة الانفصال سنة 1961. ثم جاء الإغلاق الثالث والأخير في 8 آذار 1963، بعد وصول مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين إلى الحكم. وعدوا باستعادة الوحدة ومعاقبة كل من أيد عهد الانفصال. صدر قرار العزل المدني عن مجلس قيادة الثورة وطال وجيه الحفار مع عدد من الصحفيين والسياسيين، كان من بينهم الرئيس لطفي الحفار. الكبار. اعتزل وجيه الحفار العمل الصحفي من بعدها وانتقل للعيش في السعودية.
معروف الدواليبي (29 آذار 1909 – 15 كانون الثاني 2004)، سياسي سوري من حلب، كان أحد مؤسسي حزب الشعب وعُين رئيساً للحكومة السورية مرتين: الأولى في عهد الرئيس هاشم الأتاسي عام 1951، والثانية في عهد الرئيس ناظم القدسي عام 1961. في المرتين، أطيح به بانقلاب عسكري، كان الأول بقيادة أديب الشيشكلي يوم 29 تشرين الثاني 1951 والثاني بقيادة عبد الكريم النحلاوي في 28 آذار 1962. انتُخب رئيساً للبرلمان السوري من 23 حزيران ولغاية 30 أيلول 1951، وتولّى حقيبة الاقتصاد الوطني ثم وزارة الدفاع في خمسينيات القرن العشرين، كما شارك في صياغة دستور سنة 1950، وفي تأسيس كلية الشريعة في الجامعة السورية. بعد خروجه من سورية سنة 1963 عُيّن مستشاراً لملوك السعودية حتى وفاته عام 2004.
أثناء دراسته الجامعية، اِقتَرَنَ بفتاة فرنسية كان مقيماً عند أهلها، وقد اعتنقت الإسلام عند زواجها منه. اتصل به مُفتي القدس أمين الحسيني وطلب منه القدوم إلى برلين للعمل مع الرايخ الثالث، المُعادي لليهود وللصهيونية. كان معجباً بالزعيم النازي أدولف هتلر، بعد أن وعد الأخير بإلغاء وعد بلفور وتحرير البلاد العربية من الاستعمار الفرنسيوالبريطاني، مُقابل حصول ألمانيا على دعم من العالم الإسلامي. وضع الدواليبي نفسه تحت تصرف أمين الحسيني، وعند سقوط برلين واحتلالها عام 1945، هرب إلى مدينة الفارشتاين في جبال اليرون النمساوية، حيث كان من المُقرر أن يتم نقل مكتب هتلر، لكن الزعيم النازي لم يتمكّن من مُغادرة برلين وانتَحَرَ في أحد أقبيتها العسكرية يوم 30 نيسان 1945.
قبل وفاته، أوصى هتلر بنقل أمين الحسيني ورفاقه خارج ألمانيا، لكيلا يقعوا أسرى في أيدي الجيوش الأمريكيةوالبريطانيةوالفرنسية. لكنه وقع أسيراً في أيديهم، وأُلْقِي القبض على الدواليبي ورفاقه. تم احتجازهم داخل الأراضي الألمانية، بانتظار نقلهم إلى السجون الأمريكية، إلا أنه تمكن من الفرار مدعياً أن قوات فيشي الموالية لهتلر قد اعتقلته بسبب مناهضته للفاشية والنازية. سُمح له بالخروج من ألمانيا والعودة إلى فرنسا، بعد كتابة العبارة التالية على أوراقه الثبوتية: “يُتابع سفره إلى دمشق، لأنه تحت الحماية وعذرُه أنه اعتُقل.”
بعد وصوله باريس، عَلِم الدواليبي أنه مطلوب من قبل المباحث الفرنسية، فلجأ إلى منزل ناجية ذي الفقار، عمّة الملك فاروق المُقيمة في فرنسا والتي كانت تتمتع بحصانة دبلوماسية. وكان الدواليبي قد هرّب معه من ألمانيا سائق الحاج أمين، وهو مواطن سوري يُدعى خالد رمضان، فطلب إليه تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية، على أمل أن يتم نقله إلى مكان احتجاز المفتي. نفذ السائق هذه المهمة، ومن سجنه، أرسل رسالة سريّة إلى معروف الدواليبي، يعمله بمكان اعتقال الحاج أمين، في فيلّا داخل قرية صغيرة على نهر اللوار جنوب باريس.
تهريب مفتي القدس في فرنسا
طلب الدواليبي 100 ألف فرنك فرنسي من السفير السوري عدنان الأتاسي، خُصّصت لتهريب المفتي من السجن. لكنه لم يتمكن من تنفيذ العملية بسبب الحراسة المُشددة على أمين الحسيني، فانتظر قليلاً حتى نشوب خلاف شديد بين بريطانياوفرنسا، بسبب دعم رئيس الحكومة ونستون تشرشل لقضية استقلال سورية. انزعج شارل ديغول من التدخل البريطاني في شؤون سورية، وفي مذكراته، يقول الدواليبي أنه تمكن من إقناعه بضرورة الإفراج عن أمين الحسيني للضغط على البريطانيين والنيل من سياساتهم في الشرق الأوسط.
وبالفعل، قررت فرنسا إطلاق سراح المفتي ونقله إلى منزل جديد. من هنا بدأت المرحلة الثانية من عملية تهريب المفتي، بعد أن زاره الدواليبي وطلب إليه حلق لحيته، وخلع عمامته، وارتداء بزة وقبعة إفرنجية، ثم أخذ له صورة بحلّته الجديد ووضعها على جواز سفر سوري مزوّر باسم “معروف الدواليبي.” حجز له الدواليبي تذكرة سفر وأرسله إلى مصر، وبعد أن كشف أمره، صدر أمر باعتقاله من قبل السلطات الفرنسية. ولكن الفرنسيين أفرجوا عنه بعد حين، فعاد معروف الدواليبي إلى سورية في 14 تموز 1946. وكان ديغول قد أوصى السفينة الفرنسية التي نقلته إلى مصر ومن ثمّ إلى سورية، بألا تعطي اسمه لأي جهاز أمني، لكي يصل موطنه سالماً.
تأسيس حزب الشعب (1948)
دخل معروف الدواليبي عالم السياسة عبر الانتخابات النيابية عام 1947، وبعدها بعام، شارك رشدي الكيخياوناظم القدسي في تأسيس حزب الشعب المعارض لحكم رئيس الجمهورية شكري القوتلي. طالب الحزب بتحقيق وحدة عربية شاملة، تكون بدايتها بين سورية والعراق، وبتعزيز موقع المدن السورية الكبرى، مثل حلبوحمصوحماة، للوقوف في وجه هيمنة الدمشقيين على المشهد السياسي السوري. اعترض الدواليبي على تعديل الدستور للسماح للقوتلي بولاية رئاسية ثانية، لكنّه عارض الانقلاب العسكري الذي أطاح به في 29 آذار 1949. دعي الدواليبي للاجتماع بحسني الزعيم، مهندس الانقلاب الأول، فعرض عليه التعاون مع العهد الجديد، إلا أنه رفض قائلاً إن معارضته للقوتلي لا تعني أبداً القبول بنظام عسكري.
دستور عام 1950
بعد سقوط حسني الزعيم ومقتله في منتصف شهر آب من العام 1949، عُقد اجتماع في مبنى الأركان العامة بدمشق، دعا له اللواء سامي الحناوي، مهندس الانقلاب الثاني، المحسوب على العراق والمقرب من حزب الشعب. حضر الدواليبي هذا الاجتماع، وتقرر فيه عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم للإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية مكلفة بوضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي عطله الزعيم. فاز الدواليبي بعضوية الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور عام 1950، وقد ذهبت غالبية مقاعدها إلى أعضاء حزب الشعب.
وزيراً للاقتصاد (1949-1950)
في 27 كانون الأول 1949، عُيّن معروف الدواليبي وزيراً للاقتصاد في حكومة خالد العظم الثالثة، إضافة إلى مهامه في الجمعية التأسيسية. توجّه إلى القاهرة للحصول على قرض من الحكومة المصرية بقيمة ستة ملايين دولار أمريكي، وسافر بعدها إلى الرياض لإبرام معاهدة تجارية مع السعودية في كانون الثاني 1950. أثناء توليه وزارة الاقتصاد، صرح أنه مستعد للتحالف مع الاتحاد السوفيتي للوقوف في وجه الصهيونية قائلاً:
إن استمرّ الضغط الأمريكي على العرب، لجعلهم يسيرون بالاتجاه السوفيتي، فأنا أقترح إجراء استفتاء في العالم العربي ليعرف الملأ ما إذا كان العرب يفضلون ألف مرة أن يصبحوا جمهورية سوفيتية على أن يكونوا طعمة لليهود.
من اليمين: عدنان الأتاسي، معروف الدواليبي وفيضي الأتاسي.
حكومة الدواليبي الأولى(1951)
في 23 حزيران 1951، انتخب الدواليبي رئيساً لمجلس النواب، خلفاً لزميله رشدي الكيخيا، لكنه لم يستمر في هذا المنصب إلا أشهر معدودة فقط حتى 30 أيلول من العام نفسه. كان العقيد أديب الشيشكلي معارضاً لحزب الشعب، وقد اشترط على كل الحكومات المتعاقبة على سورية منذ عام 1950 أن تذهب حقيبة الدفاع إلى صديقه اللواء فوزي سلو، وأن يكون له حق الاعتراض على أي مشروع وحدوي مع العراق قد يطرح في أروقة السلطة التنفيذية. جميع رؤساء الحكومات قبلوا بهذا الشرط تجنباً للمواجهة مع الشيشكلي، إلا أن الدواليبي رفض الخضوع عند تعيينه رئيساً للحكومة في 28 تشرين الأول 1951، وأبقى على حقيبة الدفاع لنفسه. هدده الشيشكلي بالتحرك العسكري، وعندما لم يستجب الدواليبي، نفذّ انقلابه في صباح يوم 29 تشرين الثاني 1951، وقام باعتقاله مع جميع وزراء حزب الشعب.
معروف الدواليبي مع الرئيس هاشم الأتاسي في 1 آذار 1954.
معارضاً للشيشكلي (1951-1953)
سيق معروف الدواليبي إلى سجن المزة وفي 3 كانون الأول 1951، استقال الرئيس هاشم الأتاسي من منصبه احتجاجاً على الانقلاب الشيشكلي، الذي استغل الفراغ الدستوري وقام بتعيين فوزي سلو رئيساً للدولة والحكومة معاً. استقال الوزراء من مناصبهم، ليتم الإفراج عنهم تباعاً، وبقي الدواليبي وحده سجيناً حتى كانون الثاني 1952. أُفرِج عنه لمدة قصيرة، لكن الشيشكلي عاد واعتقله ثانية في 29 حزيران 1953 بسبب شدة انتقاداته للحكم الجديد.
بعد خروجه من المُعتقل في المرة الثانية، توجه إلى حمص لحضور اجتماع في منزل الرئيس هاشم الأتاسي، تقرر فيه عدم الاعتراف بشرعية حكم الشيشكلي ورفض الدستور الذي كان قد فرضه على سورية. وعند تولّي الشيشكلي رئاسة الجمهورية بشكل رسمي اعتباراً من 11 تموز 1953، ضاعف الدواليبي من نشاطه المعارض وهرب إلى العراق ومن ثمّ إلى لبنان، حيث أيد الثورة العسكرية التي انطلقت ضده من جبل الدروز. لم يعد إلى سورية إلا بعد استقالة الشيشكلي في 25 شباط 1954.
توجه مجدداً إلى حمص لمرافقة هاشم الأتاسي في عودته إلى دمشق يوم 1 آذار 1954. تقرر عودة الأتاسي إلى رئاسة الجمهورية لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية التي قُطعت بسبب انقلاب الشيشكلي. عدّ الأتاسي أن عهد الشيشكلي لم يمر على سورية، واعتبر أن الدواليبي لا يزال رئيساً للحكومة، ثم طلب إليه أن يستقيل حسب الأصول الدستورية وكلف صبري العسلي بتأليف حكومة وحدة وطنية، سُمّي فيها الدواليبي وزيراً للدفاع.
تأسيس كلية الشريعة (1954)
بعد عودته إلى سورية، عُيّن الدواليبي أستاذاً لمادة الحقوق الرومانية في الجامعة السورية، ثمّ عضواً في اللجنة المُكلّفة بتأسيس كلية الشريعة التي كان يرأسها مصطفى السباعي. وعند افتتاح الكلية عام 1954، صار يُدرس فيها مادتي “أصول الفقه الإسلامي” و”الحديث الشريف.”
ترشّح في الانتخابات النيابية التي جرت في مطلع عهد الانفصال وفاز بغالبية أصوات مدينة حلب، ما جعله مُرشحاً لتولّي رئاسة الحكومة من جديد، بعد انتخاب زميله ناظم القدسي رئيساً للجمهورية في 14 كانون الأول 1961. رفض بداية تأليف الوزارة، وقال للرئيس القدسي إنه لا يجوز أن تكون رئاسة الجمهورية والحكومة في أيدي شخصيات حلبية، محذراً من نقمة الدمشقيين. في مُذكّراته، يقول الدواليبي: “أذاع ناظم القدسي بياناً بتكليفي دون عِلمي، واستدعاني فجئت وقلت له: يا ناظم بك لقد أخطأت، واغرورقت عيناي بالدموع.”
ولكنه قبل بالمنصب، تحت الإصرار والضغط من زملائه في حزب الشعب، وشكّل حكومته الثانية والأخيرة في الأسبوع الأخير من العام 1961. كانت حكومة الدواليبي الثانية هي الأكبر في تاريخ سورية، مؤلفة من 16 وزيراً، لكنه اصطدم مجدداً مع العسكر، تماماً كما حدث معه قبل عشر سنوات. حاول تقليم أظافر العسكريين الذي قاموا بانقلاب الانفصال، وفي مقدمتهم عبد الكريم النحلاوي، فقام الأخير بانقلاب عسكري في 28 آذار 1962، واعتقل كل من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. وقد جاء في مُذكّرات الدواليبي أن انقلاب النحلاوي كان بدعم وتمويل من جمال عبد الناصر، الذي أراد الإطاحة بحكام سورية الجدد. مدة احتجازهم لم تستمر إلا أياماً معدودة، بعد أن تمرّد الجيش ضد النحلاوي في 1 نيسان 1962 وأمر بإطلاق سراح الدواليبي والقدسي. عاد القدسي إلى القصر الجمهوري والدواليبي إلى السراي الحكومي، لكنه أجبر على الاستقالة تفادياً لصدام جديد مع العسكر.
المواجهة مع عفلق
في 8 آذار 1963، وقع انقلاب البعث الذي وعد باستعادة الوحدة مع مصر ومعاقبة كل رموز الانفصال. اعتقلوا القدسي والدواليبي دمجدداً، وطبق عليهم قانون العزل المدني الصادر عن “مجلس قيادة الثورة” بتهمة تأييد الانفصال. أُطلق سراح القدسي أولاً وبقي الدواليبي محتجزاً في سجن المزة حتى منتصف عام 1964، عندما أُفرِج عنه بأمر من رئيس الدولة أمين الحافظ. دُعي لزيارة الحافظ في القصر، وحاول الأخير التوسط بينه وبين ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث. رفض الدواليبي هذه المصالحة وقال للحافظ أن مأمور السجن رفض إعطائه نسخة من القرآن الكريم أثناء فترة الاعتقال، ثم جاءه بكتاب في سبيل البعث وطلب إليه أن يحفظ كلام عفلق كنص “مُقدس.” وعند سماعه هذه القصة قال الحافظ للدواليبي: “من الأفضل يا دكتور أن تترك هذا البلد.”
ولِد واثق مؤيد العظم في دمشق ودَرَس في مدارس إسطنبول، ونال شهادة في العلوم السياسية والإدارية من المعهد الملكي في العاصمة العثمانية. كان والده من الأعيان، وانتُخب نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان عام 1908. التحق بوزارة الخارجية العثمانية وَتَدَرَّجَ في وظائفها حتى وصل إلى مرتبة سفير في إسبانيا عشيّة اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914. بعد إعدام والده عام 1916، استقال من منصبه وبقي مقيماً في أوروبا حتى نهاية عام 1920.
في حكومات أحمد نامي (أيار – كانون الأول 1926)
تزامنت عودته إلى سورية مع بداية الاحتلال الفرنسي، وفي عام 1925، عينه رئيس الدولة أحمد نامي وزيراً للزراعة في حكومته الأولى أثناء الثورة السورية الكبرى. وبعد اعتقال حسني البرازي في حزيران 1926، سمي مؤيد العظم وزيراً للداخلية. تفاوض مع قادة الثورة السورية الكبرى لأجل إنهاء الأعمال القتالية في غوطة دمشق، وطلب إليهم تسليم السلاح والقبول بحلّ سياسي يكون منصفاً بحق الثوار. لكن السلطات الفرنسية لم تقبل بالحل السلمي وقامت بقصف منطقة الميدان في دمشق، ما أحرج مؤيد العظم كثيراً. أُخرج من حكومة الداماد الثالثة والأخيرة نهاية عام 1926، بعد تزايد شكوك أحمد نامي حول طموحاته السياسية ورغبته بتولي الحكم بنفسه، حيث كان دائم القول أنه أحق منه برئاسة الدولة والحكومة، لأنه سوري بينما الداماد كان شركسياً من بيروت لا يحمل الجنسية السورية.
أمين العاصمة ومدير شرطة دمشق
في عام 1928، عُين صديقه الشيخ تاج الدين الحسني رئيساً للحكومة، وأصبح واثق مؤيد العظم مديراً لشرطة دمشق وأميناً للعاصمة (محافظ). دعم الشيخ تاج في الانتخابات النيابية نهاية عام 1931 وبداية العام 1932، واتُهم بالتزوير واستخدام عناصر الشرطة للتلاعب بأصوات الناخبين وضرب قوائم الكتلة الوطنية المعادية لرئيس الحكومة. مع ذلك، وعلى الرغم من كل مساعي واثق مؤيد العظم، هُزمت قائمة الحكومة ولم يفز منها بمقعد نيابي إلّاالشيخ تاج.
السنوات الأخيرة والوفاة
آخر منصب أوكل إلى واثق مؤيد العظم كان إدارة البرق والبريد عام 1936، وأحيل بعدها على التقاعد المبكر وهو لا يزال في منتصف العقد الرابع من العمر. توفي في دمشق يوم 5 أيار 1941، عن عمر ناهز 51 عاماً، في مُذكّراته، وصفه خالد العظم بالقول: “كان عفيف اليد، مات في حالة من البؤس المادي لا يتناسب مع ما خلّفه له والده من ثروة، ومع ما كان يستطيع أن يحصل عليه لولا استقامته وعفته وكرهه الرشوة.”
وُلِد هولو العابد في حيّ الميدان، وكان والده عمر آغا من الأعيان الذين شاركوا الأمير عبد القادر الجزائري في حماية العائلات المسيحية أثناء فتنة عام 1860. شارك هولو العابد في حماية المسيحيين مع أبيه، وقد منحه قنصل روسيا القيصرية وسام القديس ستانيسلاس تقديراً لدوره الإنساني عام 1860.
المناصب الإدارية والسياسية
استفاد هولو العابد من علاقات والده بالمسؤولين الأتراك، وعُيّن مُتصرفاً على مدينة حمص ثم على منطقة البقاع. اعترض أهالي البقاع على أسلوبه الفظّ في جباية الضرائب، وقالوا إنه كان جبّاراً متعسّفاً بحقهم. رفعوا معروضاً إلى إسطنبول مطالبين بنقله، واتهموه بجمع ثروة مقدارها 300 ألف فرنك فرنسي، ولكن السلطان عبد المجيد الأول رفض هذه التهم وعدّها افتراءً على العابد، وقد ردّ عليها بتكريمه ومنحه رتبة الباشاوية. كما رأى السلطان أن كل ما جاء بحقه في معروض أهالي البقاع هو عبارة عن ظلم وافتراء.
وفي سنة 1870، عيّنه السلطان عبد العزيز متصرفاً على نابلس. وبعدها بسنوات أصبح العابد مديراً لمجلس ولاية سورية ورئيساً لغرفة زراعة دمشق، ثم رئيساً لمحكمة النقد في المدينة. وعُيّن شقيقه الأول محمد عضواً في مجلس الولاية، والثاني محمود رئيساً لبلدية دمشق.
تراجع نفوذ العابد
اعترض العابد على نظام الحماية الذي كان مفروضاً على الدولة العثمانية من قبل قناصل الدول الأوروبية، ورأى أن المواطنين المسيحيين في بلاده كانوا بحماية الله ومن بعده السّلطان، وأنهم ليسوا بحاجة لدعم أو حماية من فرنساوبريطانيا. وفي أحد تقاريره الدورية إلى باريس، قال القنصل الفرنسي المقيم بدمشق إن هولو العابد قد أصبح “مصدر قلق” للمستثمرين الأجانب في ولاية سورية.”
وبالمقابل، كانت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني قد بدأت تخاف من تصاعد نفوذ العابد في دمشق وبقية المناطق المحيطة بها، حيث قُدّر أنه أصبح بإمكانه تسليح ما لا يقلّ عن ألف شخص من أهالي الميدان وحده، وأنه قد خلق لنفسه زعامة محليّة تهدد مكانة السلطان. حصل صدام بينه وبين الوالي العثماني حمدي باشا، الذي اتهم العابد بالتخابر السرّي مع الحكومة الفرنسية من أجل عصيان مُسلّح ضد السلطان عبد الحميد الثاني، وبعث ببرقية إلى إسطنبول مطالباً بعزله ومحاكمته.
تجاوب السلطان مع هذه النصيحة وأمر بعزل العابد عن كل مناصبه، ولكنه سرعان ما تراجع وطلب إليه العودة إلى العمل الحكومي، من أجل القضاء على عصابات قاطعي الطريق في مرجعيون والجبال المحيطة بمدينة دمشق.
أولاده
على الرغم من تراجع نفوذ هولو العابد في إسطنبول، إلّا أن أولاده الذكور حافظوا على مكانتهم وقربهم من السلطان عبد الحميد الثاني، فعيّن أكبرهم أحمد عزت باشا مُستشاراً خاصاً له، وعيّن شقيقه مصطفى باشا العابد (والد نازك العابد) حاكماً على ولاية الموصل.
الوفاة
تُوفي هولو باشا العابد في دمشق عن عمر ناهز 71 عاماً سنة 1895.
وديع بن جورج صيداوي (1908- 1 آذار 1989)، صحفي سوري من دمشق عمل رئيساً لتحرير جريدة ألف باء وأسس جريدة النصر اليومية التي استمرت من 1943 وحتى 8 آذار 1963.
ألغي ترخيص النصر بشكل كامل بعد وصول حزب البعث إلى الحكم في 8 آذار 1963 وأُدين وديع صيداوي بدعم الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة. شمله قرار العزل المدني الصادر عن مجلس قيادة الثورة فغادر سورية واستقر في لندن.
الوفاة
توفي وديع صيداوي في بريطانيا عن عمر ناهز 81 عاماً يوم 1 آذار 1986.