ولِد يوسف الحكيم في مدينة اللاذقية وهو ابن الطبيب يعقوب الحكيم، والدته حنّة بنت جرجس حبيش. بدأ الحكيم دراسته عند المعلّم جرجس الخوري، فتعلّم منه مبادئ اللغة العربية والحساب ثم انتقل إلى المدرسة الإنجيلية الأمريكية في اللاذقية. دَرَس بعدها في المكتب الإعدادي الحكومي وتخرّج فيه سنة 1899.
في القضاء العثماني
في تموز 1904 عُيّن يوسف الحكيم موظفاً في ديوان العدلية قبل نقله إلى وظيفة مُلازم في المحكمة. وفي 22 كانون الأول 1909 عُيّن عضواً في محكمة القدس ومن ثمّ في محكمة يافا يوم 9 كانون الثاني 1910. انتقل للعمل القضائي في طرابلس الشّام ومنها إلى بيروت، حيث قضى ست سنوات من عمره. عُيّن مديراً للرسائل الحكومية في جبل لبنان، مسؤولاً عن مراسلة جميع الولايات العُثمانية وإبداء الرأي في أحوال المنطقة، ورفع تقرير دوري عنها إلى الصدر الأعظم في إسطنبول. وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 عُيّن يوسف الحكيم رئيساً للجنة ترجمة القوانين من اللغة التركية إلى العربية، بتكليف من جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية. وفي العام 1916 تم تعيينه قائمقام على قضاء الكورة ثم على قضاء البترون، وهو القضاء اللبناني الشمالي المُنتهي عند حدود متصرفيّة طرابلس.
رفض يوسف الحكيم مغادرة سورية وعاد إلى عمله في القضاء، نائباً عاماً في مدينة اللاذقية ثم رئيساً لمحكمة التمييز في دولة الاتحاد السوري في كانون الأول 1924. وفي 2 أيار 1926، سمّي وزيراً للعدل في حكومة الرئيس أحمد نامي الثانية، وكان ذلك في زمن الثورة السورية الكبرى. وقد استمر الحكيم في عمله الحكومي حتى استقالة حكومة الداماد في شباط 1928، ليعود بعدها إلى محكمة التمييز. وقد حافظ على هذا المنصب القضائي طيلة سنوات الانتداب الفرنسي ولحين إحالته على المعاش.
توفي يوسف الحكيم في دمشق عن عمر ناهز 100 عام سنة 1979. وقد خلفه في مهنة المحاماة ابنه جاك يوسف حكيم، وأكمل مسيرة العائلة حفيده المحامي يوسف جاك الحكيم.
عزّت النص (1912-1976)، مُدرس وأستاد جامعي من دمشق، عُيّن رئيساً للحكومة السورية في زمن الانفصال من 21 تشرين الثاني ولغاية 23 كانون الأول 1961 وأشرفت حكومته على الانتخابات التي أوصلت الدكتور ناظم القدسي إلى رئاسة الجمهورية في 14 كانون الأول 1961.
البداية
ولِد عزّت النص بدمشق وحصل على إجازة في الأدب من جامعة السوربون في باريس. التحق بوزارة المعارف وعُين مديراً لمدرسة التجهيز سنة 1931 ثم مديراً للتعليم الابتدائي في سورية. وفي عهد الاستقلال، أصبح مدير البعثات الأوروبية في وزارة المعارف ومديراً للتعليم الثانوي عام 1952. بعدها بأشهر انضم إلى الهيئة التدريسية في جامعة دمشق لغاية تعيينه سكرتيراً خاصاً لرئيس الجمهورية هاشم الأتاسي في آذار 1954. انتدب من وزارة المعارف إلى رئاسة الجمهورية حيث عمل لغاية انتهاء ولاية الأتاسي في أيلول 1955.
وزيراً ثم رئيساً للحكومة سنة 1961
في السنوات 1955-1961 تسلّم عزّت النص رئاسة قسم الجغرافيا في دار المُعلمين، إضافة إلى علمه في جامعة دمشق. انتُخِب عضواً في مجلس الآثار وفي 29 أيلول 1961 سمّي وزيراً للتربية في حكومة الدكتور مأمون الكزبري.
كان ذلك في مطلع عهد الانفصال، وبعد استقالة حكومة الكزبري في نهاية تشرين الثاني من العام 1961، وقع الاختيار على عزّت النص ليكون رئيساً للوزراء، بدعم وتزكية من مهندس الانقلاب المقدم عبد الكريم النحلاوي الذي أراد المجيء بشخصية مستقلة وغير حزبية للإشراف على الانتخابات النيابية المقبلة. كان النص أول رئيس حكومة تكنوقراط في سورية، وقد شكّل حكومة من شخصيات مستقلة مثله، ضمّت المصرفي الدكتور عوض بركات، الذي سمّي وزيراً للاقتصاد والصناعة، والمصرفي الدكتور نعمان الأزهري، الذي عُيّن وزيراً للمالية، ورئيس جامعة دمشق الأسبق الدكتور أحمد السمّان، الذي اختاره النص ليكون وزيراً للتربية. وتولى النص حقائب الخارجية والدفاع بنفسه، مع رئاسة الحكومة.
أشرفت حكومة النص على الانتخابات النيابية في 1 كانون الأول 1961، وفي عهدها استفتي على دستور سورية الجديد. وكانت آخر مهامها مرافقة الدكتور ناظم القدسي إلى مجلس النواب لإلقاء القسم الرئاسي بعد انتخابه رئيساً في 14 كانون الأول 1961. بعدها بأيام قدّم عزتّ النص استقالة حكومته يوم 23 كانون الأول 1961 وعاد إلى عمله في جامعة دمشق. وعلى الرغم من حياده المُطلق وابتعاده عن أي نشاط سياسي بعد خروجه من الحكم، إلا أن قرار العزل المدني شمله إبان انقلاب البعث في 8 آذار 1963.
مؤلفاته
وضع عزّت النص مجموعة من الكتب العلمية في حياته، كان من ضمنها:
تاريخ العرب والشرق – لطلاب شهادة الدراسة المتوسطة
جغرافيا بلاد العرب وأفريقيا – لطلاب الشهادة المتوسطة
وجيه الحفار (1912-1969)، صحفي سوري من دمشق أسس وترأس تحرير جريدة الإنشاء الدمشقية اليومية سنة 1936، والتي أصبحت من أشهر وأنجح الصحف السورية في مرحلة الانتداب الفرنسي ومطلع عهد الاستقلال وكانت محسوبة على ابن عمه وشريكه الرئيس لطفي الحفار.
البداية
ولد وجيه الحفار بدمشق وهو سليل عائلة تجارية معروفة. درس في المدرسة العازارية بمنطقة باب توما وفي كلية الحقوق في الجامعة اليسوعية. بدأ حياته المهنية محرراً في جريدة القبس وصحفياً في جريدة الأيام، حيث تتلمذ على يد رئيس تحريرها الصحفي نصوح بابيل. انضم في شبابه إلى الكتلة الوطنية المناهضة للانتداب الفرنسي، التي كان ابن عمّه لطفي الحفار أحد قادتها الكبار. وبتعاون معه على تأسيس جريدة الإنشاء اليومية سنة 1936، لتكون ذراعاً إعلامياً للكتلة ورئيسها هاشم الأتاسي.
صحيفة الإنشاء
صدر العدد الأول من الإنشاء في 18 تشرين الثاني 1936 وعند تولّي لطفي الحفار رئاسة الحكومة السورية في نيسان 1939، انفصل عن الجريدة وأصبح وجيه الحفار مسؤولاً وحيداً عن الإنشاء. حققت الصحيفة نجاحاً جماهيراً واسعاً بدمشق، وأصبحت من أكثر الصحف اليومية مبيعاً ورواجاً.
أُغلقت جريدة الإنشاء أبوابها في زمن الوحدة السورية المصرية بسبب معارضتها لسياسات جمال عبد الناصر الاشتراكية ولكنها عادت إلى الصدور في مطلع مرحلة الانفصال سنة 1961. ثم جاء الإغلاق الثالث والأخير في 8 آذار 1963، بعد وصول مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين إلى الحكم. وعدوا باستعادة الوحدة ومعاقبة كل من أيد عهد الانفصال. صدر قرار العزل المدني عن مجلس قيادة الثورة وطال وجيه الحفار مع عدد من الصحفيين والسياسيين، كان من بينهم الرئيس لطفي الحفار. الكبار. اعتزل وجيه الحفار العمل الصحفي من بعدها وانتقل للعيش في السعودية.
معروف الدواليبي (29 آذار 1909 – 15 كانون الثاني 2004)، سياسي سوري من حلب، كان أحد أقطاب حزب الشعب ومن قادته التاريخيين. شكّل حكومتين في تاريخ سورية الحديث، كانت الأولى في عهد الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1951 والثانية في عهد الرئيس ناظم القدسي سنة 1961، وانتُخب رئيساً للبرلمان السوري من 23 حزيران ولغاية 30 أيلول 1951. في المرتين، أطيح به بانقلاب عسكري، كان الأول بقيادة أديب الشيشكلي يوم 29 تشرين الثاني 1951 والثاني بقيادة عبد الكريم النحلاوي في 28 آذار 1962.
اِقتَرَنَ معروف الدواليبي بفتاة فرنسية كان مقيماً عند أهلها في أثناء دراسته الجامعية. اعتنقت الإسلام عند زواجها منه وشاركته في مراحل نضاله المُختلفة ضد الفرنسيين والبريطانيين. وكانت أولى مساهماتها السفر مع زوجها إلى ألمانيا في أثناء الحرب العالمية الثانية، للعمل معه ومع الرايخ الثالث، المُعادي لليهود وللصهيونية.
العمل مع هتلر
قرار سفر الدواليبي إلى ألمانيا جاء بعد توجّه مُفتي القدس الحاج أمين الحُسيني إلى برلين، طالباً العون المادي والعسكري من أدولف هتلر. جمعته بهتلر مصالح مشتركة ضد الإنكليز والصهاينة بعد أن وعد الزعيم الألماني بإلغاء وعد بلفور وتحرير البلاد العربية من الاستعمار الفرنسيوالبريطاني، مُقابل حصول بلاده على دعم من العالم الإسلامي. كان هذا الأمر يروق جداً معروف الدواليبي ورفاقه الطلاب العرب الكارهين للصهيونية، وقد أحبّوا أمين الحسيني ووثقوا به منذ أن كان قائداً لثورة مُسلّحة ضد البريطانيين في فلسطين سنة 1936.
في برلين، وضع الدواليبي نفسه تحت تصرف المفتي وعمل معه على الترويج للقضية العربية داخل المجتمع الألماني. وعند سقوط العاصمة الألمانية واحتلالها عسكريّاً سنة 1945 هرب الدواليبي إلى مدينة الفاشتاين في جبال اليرون النمساوية، حيث كان من المُقرر أن يُنقَل مكتب هتلر ومكتب السفير الياباني. ولكن هتلر لم يتمكّن من مُغادرة برلين وانتَحَرَ في أحد أقبيتها العسكرية يوم 30 نيسان 1945.
قبل وفاته، كان هتلر قد أوصى القيادة النازية بنقل معروف الدواليبي ورفاقه إلى السعودية، لكيلا يقعوا أسرى في أيدي الجيوش الأمريكيةوالبريطانيةوالفرنسية. وعدت القيادة الألمانية بتنفيذ أوامر الفوهرر، غير أن المطارات قصفت كلها وقرر الألمان عندئذ نقل أمين الحسيني في طائرة خاصة من أعالي الجبال، ولكن الحكومة السويسرية قامت باعتراضها وألقت القبض عليه وسلّمته إلى الفرنسيين. ثم أُلْقِي القبض على أنصاره وجُمِعوا بمكان واحد داخل الأراضي الألمانية، بانتظار نقلهم إلى السجون الأمريكية.
قال لأحد الحرّاس إنه من رعايا المُستعمرات الفرنسية، افتعل قصة كاذبة للخروج من المُعتقل، مدعياً أن قوات فيشي الموالية لهتلر قد اعتقلته بسبب مناهضته للفاشية والنازية. سُمح له بالخروج من ألمانيا والعودة إلى فرنسا، بعد كتابة العبارة التالية على أوراقه الثبوتية: “يُتابع سفره إلى دمشق، لأنه تحت الحماية وعذرُه أنه اعتُقل.”
بعد وصوله باريس مع زوجته عَلِم الدواليبي أنه مطلوب من قبل المباحث الفرنسية، فلجأ إلى منزل ناجية ذي الفقار، عمّة الملك فاروق المُقيمة في فرنسا والتي كانت تتمتع بحصانة دبلوماسية. وكان الدواليبي قد هرّب معه من ألمانيا سائق الحاج أمين الحسيني، وهو مواطن سوري يُدعى خالد رمضان، الذي طُلب إليه تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية ليُنقَل إلى مكان احتجاز المفتي. تجاوب السائق مع هذه المهمة وأرسل رسالة سريّة إلى معروف الدواليبي عن مكان اعتقال الحاج أمين، في فيلّا داخل قرية صغيرة على نهر اللوار جنوب باريس.
تهريب مفتي القدس في فرنسا
قرر الدواليبي تهريب المفتي من معتقله وحصل على مبلغ 100 ألف فرنك فرنسي من السفير السوري عدنان الأتاسي، خُصّصت لهذه العملية. ولكنّه لم يتمكن من فعل ذلك بسبب الحراسة المُشددة على أمين الحسيني، فانتظر الدواليبي قليلاً حتى تغيّر الأوضاع الدولية ونشوب خلاف بين بريطانياوفرنسا، بسبب دعم رئيس الحكومة ونستون تشرشل لقضية استقلال سورية ودعوة وفد من دمشق إلى الولايات المتحدة للمشاركة في تأسيس الأمم المتحدة في نيسان 1945. انزعج شارل ديغول من التدخل البريطاني في شؤون سورية ولعِب الدواليبي على هذا الخلاف وأقنع الفرنسيين بضرورة الإفراج عن أمين الحُسيني للضغط على البريطانيين والنيل من سياساتهم في الشرق الأوسط.
وبالفعل، قررت فرنسا إطلاق سراح المفتي ونقله إلى منزل جديد لا يعرف مكانه إلا قائد الشرطة العسكرية الفرنسية. من هنا بدأت المرحلة الثانية من عملية تهريب المفتي، بتخطيط وتنفيذ من معروف الدواليبي. زاره في مكان إقامته الجبرية وطلب إليه حلق لحيته وخلع عمامته وارتداء بزة وقبعة إفرنجية، ثم أخذ له صورة بحلّاسه الجديد ووضعها على جواز سفر سوري مزوّر باسم “معروف الدواليبي.” ثم حجز الدواليبي تذكرة وأرسله إلى مصر، على أساس أنه المواطن السوري معروف الدواليبي وليس مفتي القدس أمين الحُسيني، المطلوب والملاحق دولياً.
وصل المفتي إلى مصر واعتُقل الدواليبي فوراً بتهمة تهريب “مجرم حرب” من فرنسا. ولكن السلطات الفرنسية أفرجت عنه بعد حين، لأنها لم تكن مُنزعجة كثيراً من تخلّصها من أمين الحسيني، لما في ذلك من إحراج وتحدّ للإنكليز، فعاد معروف الدواليبي إلى سورية في 14 تموز 1946. وكان ديغول قد أوصى السفينة الفرنسية التي نقلته إلى مصر ومن ثمّ إلى سورية، بألا تعطي اسمه لأي جهاز أمني، لكي يصل موطنه سالماً.
دخل معروف الدواليبي عالم السياسة عبر الانتخابات النيابية التي أجريت سنة 1947، وفاز بالنيابة عن حلب. وفي سنة 1948 شارك في تأسيس حزب الشعب المعارض لرئيس الجمهورية شكري القوتلي والمطالب بتحقيق وحدة مع العراق. وعد حزب الشعب بتعزيز موقع المدن السورية الكبرى، مثل حلبوحمصوحماة، للوقوف في وجه هيمنة الدمشقيين على المشهد السياسي السوري منذ انتخاب القوتلي رئيساً سنة 1943. اعترض الدواليبي على تعديل الدستور للسماح للقوتلي بولاية رئاسية ثانية ولكنّه عارض الانقلاب العسكري الذي أطاح به وبحكمه يوم 29 آذار 1949، ورأى أنه يتنافى مع روح الديمقراطية. دعي الدواليبي للاجتماع بحسني الزعيم، مهندس الانقلاب الأول، وعرض عليه التعاون مع العهد الجديد، ولكنه رفض قائلاً إن معارضته للقوتلي لا تعني أبداً القبول بنظام عسكري، مُسجلاً اعتراضه على نزول الدبابات إلى الشوارع واعتقال رئيس الجمهورية.
دستور عام 1950
وبعد سقوط حسني الزعيم ومقتله في منتصف شهر آب من العام 1949، عُقد اجتماع في مبنى الأركان العامة بدمشق، دعا له اللواء سامي الحناوي، مهندس الانقلاب الثاني، المحسوب على العراق والمقرب من حزب الشعب. حضر الدواليبي هذا الاجتماع وتقرر فيه عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم للإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية مكلفة بوضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي قام الزعيم بحلّه قبل أشهر. فاز الدواليبي بعضوية الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور عام 1950، وذهبت غالبية مقاعدها إلى أعضاء حزب الشعب.
الدواليبي وزيراً للاقتصاد
وفي 27 كانون الأول 1949، عُيّن الدواليبي وزيراً للاقتصاد في حكومة خالد العظم الثالثة، إضافة إلى مهامه في اللجنة الدستورية. توجّه يومها إلى القاهرة وحصل على قرض من الحكومة المصرية بقيمة ستة ملايين دولار أمريكي للنهوض بالاقتصاد السوري، وسافر بعدها إلى الرياض لإبرام معاهدة صداقة وتجارة مع السعودية في كانون الثاني 1950. وقد أثار الدواليبي اهتمام الصحف العالمية عندما صرّح من تحت قبة المجلس النيابي أنه مستعد للتحالف مع الاتحاد السوفيتي للوقوف في وجه الصهيونية قائلاً:
إن استمرّ الضغط الأمريكي على العرب، لجعلهم يسيرون بالاتجاه السوفيتي، فأنا أقترح إجراء استفتاء في العالم العربي ليعرف الملأ ما إذا كان العرب يفضلون ألف مرة أن يصبحوا جمهورية سوفيتيةعلى أن يكونوا طعمة لليهود.
ساد جو من التوتر الرهيب بين معروف الدواليبي والعقيد أديب الشيشكلي، المعارض لحزب الشعب ولمشروع الوحدة مع العراق. وكان الشيشكلي قد نفّذ انقلابه الأول في 19 كانون الأول 1949 وتخلّص من سامي الحناوي لحرمان قادة حزب الشعب من الدعم العسكري الذي كانوا يتمتعون به في سعيهم نحو الوحدة مع العراق. لم يقترب الشيشكلي من رئيس الجمهورية، ولكنه وضع شرطاً على جميع الحكومات المتعاقبة من يومها، أن تذهب حقيبة الدفاع إلى صديقه اللواء فوزي سلو، وأن يكون له حق الاعتراض على أي مشروع وحدوي مع العراق قد يُطرح مستقبلاً داخل السلطة التنفيذية.
جميع رؤساء الحكومات في الفترة ما بين 1949-1951 قبلوا بهذا الشرط تجنباً لمواجهة جديدة مع الشيشكلي. ولكن الدواليبي رفض الخضوع له عند تعيينه رئيساً للحكومة في 28 تشرين الأول 1951. أبقى على حقيبة الدفاع لنفسه، متجاهلاُ كل التهديدات التي وصلته من الشيشكلي. وعندما لم يستجب الدواليبي، نفذّ الشيشكلي انقلابه الثاني صباح يوم في 29 تشرين الثاني 1949 واعتقل رئيس الحكومة مع جميع الوزراء، ومعظمهم كان من حزب الشعب. وكان الدواليبي وقبل تكليفه برئاسة الحكومة قد شغل رئاسة مجلس النواب لمدة وجيزة، من 23 حزيران ولغاية 30 أيلول 1951، خلفاً لزميله رشدي الكيخيا، زعيم حزب الشعب.
في عهد الشيشكلي
وكان الدواليبي قبل اعتقاله قد نال ثقة مجلس النواب عند تلاوة بيان حكومته التي وعد بأن تحافظ على نظام سورية الجمهوري وتُراعي توازنات الحرب الباردة، رافعاً شعار: “المزيد من الأصدقاء لسورية.” مع ذلك وصفته الصحف الأمريكية بأنه أحد أشرس أعداء الولايات المتحدة في العالم العربي، وأكثرهم هجوماً على الغرب بسبب مواقفه السابقة المؤيدة للنازية أولاً ثم للاتحاد السوفيتي.
سيق معروف الدواليبي إلى سجن المزة وفي 2 كانون الأول 1951، استقال الرئيس هاشم الأتاسي من منصبه احتجاجاً على الانقلاب الجديد. في اليوم نفسه عيّن الشيشكلي فوزي سلو رئيساً للدولة والحكومة معاً، واستقال وزراء الدواليبي من مناصبهم ليُفرَج عنهم تباعاً. بقي الدواليبي سجيناً وحده حتى كانون الثاني 1952، حيث أُفرِج عنه لمدة قصيرة، ليُعاد سجنه في 29 حزيران 1953 بسبب شدة انتقاداته لأديب الشيشكلي.
بعد خروجه من المُعتقل في المرة الثانية، توجه إلى حمص لحضور اجتماع في منزل الرئيس المُستقيل هاشم الأتاسي، تقرر فيه عدم الاعتراف بشرعية حكم الشيشكلي ورفض الدستور الذي كان قد فرضه على سورية. وعند تولّي الشيشكلي رئاسة الجمهورية رسمياً في 11 تموز 1953، ضاعف الدواليبي من نشاطه المعارض وهرب إلى العراق ومن ثمّ إلى لبنان، تفادياً للاعتقال مرة ثالثة. ومن منفاه، راقب الثورة العسكرية التي انطلقت ضد الشيشكلي من جبل الدروز والتي تمكّنت من إسقاطه في 25 شباط 1954.
عند سماعه نبأ استقالة الشيشكلي وهروبه إلى السعودية، عاد الدواليبي إلى سورية وتوجه مجدداً إلى حمص لمرافقة هاشم الأتاسي في عودته إلى دمشق يوم 1 آذار 1954. تقرر يومها عودة الأتاسي إلى رئاسة الجمهورية لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية التي قُطعت بسبب انقلاب الشيشكلي الأخير وعدّت الطبقة السياسية أن عهد الشيشكلي لم يمر على سورية. حاول الأتاسي إعادة عقارب الساعة إلى عشيّة وقوع الانقلاب في 29 تشرين الثاني 1951، عندما كان معروف الدواليبي رئيساً للحكومة. طلب إلى الدواليبي تقديم استقالة حكومته حسب الأصول الدستورية، وبعد موافقة رئيس الجمهورية عليها، كلف صبري العسلي بتشكيل حكومة جديدة سُمّي فيها معروف الدواليبي وزيراً للدفاع من 1 آذار ولغاية 29 حزيران 1954.
بعدها بأشهر تعرض حزب الشعب إلى ضربة قاسية عند الإطاحة بالحكم الملكي في العراق يوم 14 تموز 1958، منهياً حلم الدواليبي بإقامة وحدة مع الأسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد منذ سنة 1921. تسلّم الحكم من بعدهم مجموعة من الضباط العراقيين المحسوبين على جمال عبد الناصر، وجميعهم كانوا من الناقمين على العهد الملكي وكل حلفائه في الوطن العربي.
حكومة الدواليبي الثانية والأخيرة سنة 1961
كان معروف الدواليبي موجوداً في القاهرة يوم انقلاب الانفصال على جمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961. عاد مُسرعاً إلى دمشق وترشّح في الانتخابات النيابية التي جرت في مطلع عهد الانفصال. فاز بغالبية أصوات مدينة حلب، ما جعله مُرشحاً طبيعياً لتولّي رئاسة الحكومة من جديد، بعد انتخاب زميله ناظم القدسي رئيساً للجمهورية يوم 14 كانون الأول 1961. رفض الدواليبي التكليف بداية، وقال للرئيس القدسي إنه لا يجوز أن تكون رئاسة الجمهورية والحكومة في في أيدي شخصيات حلبية، محذراً من نقمة الدمشقيين. وفي مُذكّراته، يقول الدواليبي: “أذاع ناظم القدسي بياناً بتكليفي دون عِلمي، واستدعاني فجئت وقلت له: يا ناظم بك لقد أخطأت، واغرورقت عيناي بالدموع.”
ولكنه وتحت الإصرار والضغط من زملائه في حزب الشعب، قبل بالمنصب الجديد وشكّل حكومته الثانية والأخيرة في الأسبوع الأخير من العام 1961. كانت حكومة الدواليبي الثانية هي الأكبر في تاريخ سورية، مؤلفة من 16 وزيراً، ولكنها لم تستمر طويلاً وسقطت بموجب انقلاب عسكري في 28 آذار 1962، قام به المقدم عبد الكريم النحلاوي.
كان الدواليبي قد اصطدم مجدداً بالعسكر، تماماً كما فعل في زمن هاشم الأتاسي قبل عشر سنوات، وفي هذه المرة، كانت خصومته مع النحلاوي الذي حاول الدواليبي تقليم أظافره وإبعاده عن الحياة السياسية. اعتقل يومها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، مع عدد كبير من قادة حزب الشعب. وقد جاء في مُذكّرات الدواليبي أن انقلاب النحلاوي كان بدعم وتمويل من جمال عبد الناصر، الذي أراد الإطاحة بحكام سورية الجدد عبر النحلاوي بعد أن وجد الأخير نفسه خارج دائرة صنع القرار منذ عودة القدسي والدواليبي إلى الحكم.
في 8 آذار 1963، وقع انقلاب جديد في سورية، قامت به مجموعة من الضُبّاط الناصريين والبعثيين الموالين للرئيس عبد الناصر والطامعين باستعادة الوحدة مع مصر. اعتقلوا القدسي والدواليبي مُجدداً، وطبقوا عليهم قانون العزل المدني الصادر عن مجلس قيادة الثورة بتهمة تأييد “جريمة الانفصال” وشرعنتها. أُطلق سراح القدسي بعد أسابيع وبقي الدواليبي محتجزاً في سجن المزة حتى منتصف عام 1964، عندما أُفرِج عنه بأمر من رئيس الدولة أمين الحافظ. دُعي الدواليبي لزيارة الحافظ في القصر الجمهوري، وحاول الأخير إقامة صلح بينه وبين ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث. رفض الدواليبي هذا الأمر وقال لأمين الحافظ إنه عند اعتقاله، طلب أن يأتيه مأمور السجن بنسخة من القرآن الكريم لكي يُصلي، فجاءه بنسخة من كتاب في سبيل البعث وطلب إليه أن يحفظ كلام عفلق كنص “مُقدس.” وعند سماعه هذه القصة قال الحافظ للدواليبي: “من الأفضل يا دكتور أن تترك هذا البلد.”
ظلّ واثق مؤيد العظم مقيماً في أوروبا طيلة سنوات الحرب العالمية الأولى، وعاد إلى دمشق بعد فرض الانتداب الفرنسي سنة 1920، ليُعيَّن مديراً للشرطة في دولة دمشق، ثم وزيراً للزراعة في حكومة الداماد أحمد نامي الأولى في أيار 1926. استقالت الحكومة بعد اعتقال ثلاثة وزراء وشُكّلت وزارة جديدة في حزيران، تولى فيها واثق المؤيد حقيبة الداخلية، خلفاً للوزير المعتقل حسني البرازي. تفاوض واثق مؤيد العظم مع قادة الثورة السورية الكبرى لأجل إنهاء الأعمال القتالية في غوطة دمشق، واجتمع بوفد من قبل سلطان باشا الأطرش. طلب إليه تسليم السلاح والقبول بحلّ سياسي يكون منصفاً بحق الثوار، ولكن هذا الاتفاق لم يُنفذ بسبب إصرار سلطات الانتداب على الحلّ العسكري، وقيامهم بقصف منطقة الميدان. وقد أُخرج واثق المؤيد العظم من حكومة الداماد الثالثة والأخيرة نهاية عام 1926، بعد تزايد شكوك أحمد نامي حول طموحاته السياسية ورغبته بتولى الحكم بنفسه.
محافظ دمشق وقائد الشرطة السورية (1928-1932)
عندما وصل الشيخ تاج الدين الحسني إلى رئاسة الحكومة في شباط 1928، عيّن واثق المؤيد محافظاً على مدينة دمشق (أميناً للعاصمة) وقائداً للشرطة السورية، مُشرفاً على الأمن والإعمار والأعمال الإدارية كافة. دعم الشّخ تاج في الانتخابات النيابية سنة 1932 اتُهم بالتزوير واستخدام عناصر الشرطة للتلاعب بأصوات الناخبين وضرب قوائم الكتلة الوطنية المعادية لرئيس الحكومة. مع ذلك وعلى الرغم من كل مساعي واثق مؤيد العظم، فقد هُزمت قائمة الحكومة ولم يفز منها بمقعد نيابي إلّا الشيخ تاج.
السنوات الأخيرة والوفاة
كان آخر منصب أوكل إلى واثق مؤيد العظم هو إدارة البرق والبريد سنة 1936، في نهاية عهد الرئيس محمد علي العابد. أحيل بعدها على تقاعد مبكر وهو لا يزال في منتصف العقد الرابع من العمر وتوفي في دمشق عن عمر ناهز 51 عاماً يوم 5 أيار 1941. في مُذكّراته، وصف خالد العظم صديقه واثق مؤيد العظم قائلاً: “كان عفيف اليد، مات في حالة من البؤس المادي لا يتناسب مع ما خلّفه له والده من ثروة، ومع ما كان يستطيع أن يحصل عليه لولا استقامته وعفته وكرهه الرشوة.”
ولِد هولو العابد في حيّ الميدان خارج أسوار المدينة القديمة وكان والده عمر آغا العابد من الأعيان. وقد وصل العابد الأب إلى شأن عظيم في إسطنبول بعد مساهمته مع الأمير عبد القادر الجزائري في حماية آلاف العائلات المسيحية في فتنة عام 1860. قبلها كانت عائلة العابد تعمل في تجارة المواشي، ولكنها تحوّلت لتصبح إحدى أشهر العائلات السياسية في سورية. شارك هولو العابد في حماية المسيحيين مع أبيه وقد منحه قنصل روسيا القيصريةوسام القديس ستانيسلاس، تقديراً لدوره الإنساني في أحداث 1860.
العمل السياسي
استفاد هولو العابد من علاقات والده بالمسؤولين الأتراك، وعُيّن مُتصرفاً على مدينة حمص ثم على منطقة البقاع. اعترض أهالي البقاع على أسلوبه الفظّ في جباية الضرائب، وقالوا إنه كان جبّاراً متعسّفاً بحقهم، ورفعوا معروضاً إلى إسطنبول، مطالبين بنقله واتهموه بجمع ثروة مقدارها 300 ألف فرنك فرنسي. ولكن السلطان عبد المجيد رفض هذه التهم وعدّها افتراء على العابد، وقد ردّ عليها بتكريمه ومنحه رتبة الباشاوية، ورأى أن كل ما جاء بحقه في معروض أهالي البقاع هو عبارة عن ظلم وافتراء.
وفي سنة 1870، عيّنه السلطان عبد العزيز متصرفاً على مدينة نابلس، وبعدها بسنوات أصبح هولو العابد مدِيراً لمجلس ولاية سورية ورئيساً لغرفة زراعة دمشق، ثم رئيساً لمحكمة النقد في المدينة. وعُيّن شقيقه الأول محمد عضواً في مجلس الولاية، والثاني محمود رئيساً لبلدية دمشق.
اعترض هولو العابد بشدّة على نظام الحماية الذي كان مفروضاً على الدولة العثمانية من قبل قناصل الدول الأوروبية، ورأى أن المواطنين المسيحيين في بلاده كانوا بحماية الله ومن بعده السّلطان، وأنهم ليسوا بحاجة لدعم أو حماية من فرنساوبريطانيا. وفي أحد تقاريره الدورية إلى باريس قال القنصل الفرنسي المقيم بدمشق أن هولو العابد قد أصبح “مصدر قلق” للمستثمرين الأجانب في ولاية سورية.
وبالمقابل، كانت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني قد بدأت تخاف من تصاعد نفوذ العابد في دمشق وبقية المناطق المحيطة بها، حيث قُدّر أنه أصبح بإمكانه تسليح ما لا يقل عن ألف شخص من أهالي الميدان وتأهيلهم، وأنه قد خلق لنفسه زعامة محليّة تهدد مكانة السلطان. حصل صدام بينه وبين الوالي العثماني حمدي باشا، الذي اتهم العابد بالتخابر السرّي مع الحكومة الفرنسية من أجل عصيان مُسلّح ضد السلطان عبد الحميد، وبعث ببرقية إلى إسطنبول مطالباً بعزله ومحاكمته أمام القضاء. تجاوب السلطان عبد الحميد مع هذه النصيحة وأمر بعزل العابد عن كل مناصبه، ولكنه سرعان ما تراجع وطلب إليه العودة إلى العمل الحكومي، من أجل القضاء على عصابات قاطعي الطريق في مرجعيون والجبال المحيطة بمدينة دمشق.
وديع بن جورج صيداوي (1908- 1 آذار 1989)، صحفي سوري من دمشق عمل رئيساً لتحرير جريدة ألف باء وأسس جريدة النصر اليومية التي استمرت من 1943 وحتى 8 آذار 1963.
ألغي ترخيص النصر بشكل كامل بعد وصول حزب البعث إلى الحكم في 8 آذار 1963 وأُدين وديع صيداوي بدعم الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة. شمله قرار العزل المدني الصادر عن مجلس قيادة الثورة فغادر سورية واستقر في لندن.
الوفاة
توفي وديع صيداوي في بريطانيا عن عمر ناهز 81 عاماً يوم 1 آذار 1986.