حركات سياسية

حزب الشعب (حلب)

جزب سياسي (1948-1963)

حزب الشعب، حزب سوري تأسس في مطلع عهد الاستقلال وكان أول من نادى بإقامة وحدة عربية تكون بدايتها بين سورية والعراق. كان من أشهر وأنجح وأشهر الأحزاب السورية في خمسينيات القرن العشرين وأسندت إليه رئاسة الحكومة مرات عدة، وكذلك رئاسة مجلس النواب، ويعود له الفضل في صياغة دستور عام 1950. تناوب ثلاثة من قادته على رئاسة السلطة التشريعية في سورية وهم رشدي الكيخيا سنة 1949، والدكتور ناظم القدسي سنة 1951، والدكتور معروف الدواليبي الذي ترأس البرلمان السوري مرتين. وفي مرحلة الانفصال عن مصر انتُخب القدسي رئيساً للجمهورية من 14 كانون الأول 1961 ولغاية انقلاب 8 آذار 1963، لينتهي من بعدها دور حزب الشعب في الحياة السياسية في سورية.

الرئيس رشدي الكيخيا
الرئيس رشدي الكيخيا

الخلفية السياسية

مؤسس الحزب رشدي الكيخيا وزميله ناظم القدسي كانا أعضاءً في الكتلة الوطنية المعارضة للانتداب الفرنسي، قبل أن ينفصلا عنها سنة 1939، احتجاجاً على ضعف قيادتها في مواجهة المخطط التركي – الفرنسي لسلخ منطقة لواء اسكندرون عن سورية. وفي مرحلة عهد الاستقلال، تحالف الكيخيا مع القدسي في تكتل نيابي سمّي بالكتلة الدستورية، هدف إلى منع تعديل الدستور للسماح بولاية ثانية لرئيس الجمهورية شكري القوتلي المنتخب سنة 1943. ولكن معارضتهم لم تنجح وعدّلت المادة 68 من الدستور لصالح القوتلي، ما أدى إلى انسحاب الكيخيا والقدسي من الجلسة النيابية المنعقدة في 17 آب 1947 أثناء تأدية القوتلي القسم الرئاسي.

ولادة الحزب

وفي شهر آب من العام 1948، دعا رشدي الكيخيا إلى اجتماع في بلدة فالوغا اللبنانية، أعلن فيه عن تأسيس “حزب سياسي اجتماعي” باسم بحزب الشعب، يدعو إلى إقامة اتحاد عربي شامل. انتُخب القدسي رئيساً والكيخيا زعيماً للحزب الشعب استوحوا اسم حزبهم من حزب الشعب القديم الذي ظهر بدمشق منتصف العشرينيات وكان برئاسة الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. حضر المؤتمر التأسيسي عدداً من الشخصيات الحلبية المعروفة، مثل الدكتور معروف الدواليبي، والدكتور عبد الوهاب حومد، ورشاد برمدا، ما أعطى الحزب صبغة حلبية، مع أنه ضم شخصيات مرموقة من مدن أخرى، مثل الدكتور عدنان الأتاسي وفيضي الأتاسي وهاني السباعي من حمص، وعلي بوظو ورشاد جبري ونسيب البكري من دمشق. وأيّد الحزب ضمنياً دون الانتساب إليه رئيس الجمهورية السابق هاشم الأتاسي، والد عدنان الأتاسي، وظهرت مجموعة صحف مؤيده له ومحسوبة على خطه السياسي، مثل جريدة الجلاء (اللاذقية) وجريدة السوري الجديد (حمص) وفي سنة 1949 أطلق الحزب صحيفة خاصة به بعنون الشعب، بقيت تصدر لغاية عام 1958.

زعماء حزب الشعب، يتوسطهم رشدي الكيخيا وناظم القدسي. يجلس حولهم علي بوظو (الثالث من اليمين) وفرحان الجندلي (الثامن من اليمين)، يليه فيضي الأتاسي. وفي الصف الخلفي وقوفاً رشاد جبري ورشاد برمدا ورزق الله أنطاكي وأحمد قنبر.
زعماء حزب الشعب، يتوسطهم رشدي الكيخيا وناظم القدسي. يجلس حولهم علي بوظو (الثالث من اليمين) وفرحان الجندلي (الثامن من اليمين)، يليه فيضي الأتاسي. وفي الصف الخلفي وقوفاً رشاد جبري ورشاد برمدا ورزق الله أنطاكي وأحمد قنبر.

مبادئ الحزب

لم يكن حزب الشعب حزباً عقائدياً مثل حزب البعث أو الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولم يظهر في صفوفه أي منظر ولم تكتب له أدبيات فلسفية. كما إنه لم يكن حزباً شعبوياً وظلّ نشاطه محصوراً بين نخب المدن الكبرى، وفي مقدمتها حلب. أعلن الكيخيا والقدسي عن مبادئ عامة للحزب، كتحقيق الوحدة العربية وإيجاد مشروع دفاع عربي مشترك، ونادوا بوحدة جمركية بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. طالب قادة حزب بتوحيد النقد وإنشاء مصرف إصدار عربي مشترك، إضافة لإلغاء جوازات السفر بين البلدان العربية. وبعد ثلاثة أشهر من ولادة الحزب، أصدر أعضاء مجلسه الدائم بياناً طالبوا فيه بتحقيق وحدة عربية شاملة، تكون بدايتها بين سورية والعراق. وأرسلوا نسخة منه إلى الجامعة العربية.

موقف الحزب من انقلاب الزعيم

بعد نجاح انقلابه على الرئيس شكري القوتلي في 29 آذار 1949، دعا حسني الزعيم قادة الحزب إلى اجتماع في مكتبه بدمشق، باعتبارهم خصوم العهد البائد. رفض الكيخيا والقدسي التعاون مع الزعيم وقالوا له إنهم، وعلى الرغم من تحفظاتهم على القوتلي، يعدونه الرئيس الشرعي للبلاد والمنتخب قانونياً وفق الدستور. ولكنهم لم يمانعوا أعضاء الحزب من العمل مع العهد الجديد، بصفتهم الشخصية لا الحزبية، فانضم علي بوظو إلى فريق الزعيم مستشاراً سياسياً ودخل فيضي الأتاسي في أول حكومة شكلها الزعيم، قبل أن ينسحب بعد أيام معدودة. ولكن الزعيم بطش بحزب الشعب وأمر بحلّه، واعتقل مجموعة من عناصره بعد اعتراضهم على سياساته الإقليمية المعارضة للحور الهاشمي الممثل بالعراق والأردن.

عهد الحناوي (14 آب – 19 كانون الأول 1949)

وفي 14 آب 1949، قام اللواء سامي الحناوي بانقلاب عسكري، أعاد الحياة البرلمانية إلى سورية بعد إعدام حسني الزعيم ورئيس وزرائه الدكتور محسن البرازي. دعا الحناوي قادة حزب الشعب إلى اجتماع في مبنى الأركان العامة بدمشق، حضره الكيخيا والقدسي والدواليبي، وتقرر فيه تشكيل حكومة وطنية برئاسة هاشم الأتاسي للإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية تتولّى صياغة دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي قام الزعيم بحلّه قبل أشهر.

شكّل الأتاسي يومها حكومة موسعة ضمّت ممثلين عن الأحزاب كافة، وكانت حصة حزب الشعب فيها أربع حقائب من أصل 11 حقيبة، وزّعت على الشكل التالي:

أشرفت حكومة الأتاسي على الانتخابات المقررة وفاز حزب الشعب بثلاثة وأربعين مقعداً من مقاعد الجمعية التأسيسية، ما أعطاه أغلبية مطلقة جعلته المقرر الرئيسي لدستور 1950. سمّي القدسي رئيساً للجنة الدستورية، وبعد انتهاء عملها تحولت الجمعية التأسيسية إلى سلطة تشريعية بصلاحيات كاملة، وانتُخب الكيخيا رئيساً لمجلس النواب. وفي نهاية شهر كانون الأول من العام 1949، كُلّف القدسي بتشكيل الوزارة، لكونه رئيس أكبر كتلة نيابية في البرلمان، ولكن حكومته لم تستمر إلا أياماً معدودة فقط، وذهبت رئاسة الحكومة من بعده إلى السياسي المستقل خالد العظم. شارك حزب الشعب في حكومة العظم بأربع حقائب:

من اليمين: ناظم القدسي ورشدي الكيخيا وعلي بوظو.
من اليمين: ناظم القدسي ورشدي الكيخيا وعلي بوظو.

مفاوضات الوحدة مع العراق

بعد سيطرته على المجلس النيابي ومجلس الوزراء، أصبح حزب الشعب بمنزلة الحزب الحاكم في سورية، إضافة لنفوذه الكبير على الرئيس هاشم الأتاسي وعلى رئيس الأركان سامي الحناوي. جميعهم كانوا متحمسين لإقامة وحدة فيدرالية مع العراق، تنتقل عاصمتها مناصفة كل ستة أشهر بين دمشق وبغداد. برعاية الرئيس الأتاسي أطلقت مفاوضات رسمية مع الحكومة العراقية لأجل الوحدة، وجاء الملك فيصل الثاني إلى دمشق لمناقشة تفاصيلها، برفقة الوصي على العرش الأمير عبد الإله.

كان في استقباله الأتاسي والحناوي وكل نواب ووزراء حزب الشعب، وتقرر سفر ناظم القدسي إلى بغداد لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع الوحدة، لكن انقلاباً عسكرية في دمشق منعه من ذلك، قاده العقيد أديب الشيشكلي ضد سامي الحناوي في 19 كانون الأول 1949. أعتقل الحناوي وسرّح من الجيش، ما أفقد قادة حزب الشعب الدعم الكبير الذي كانوا يتمتعون به من المؤسسة العسكرية. أبقى الشيشكلي على هاشم الأتاسي في رئاسة الجمهورية، اشترط عليه وعلى كل رؤساء الحكومات في عهده تعيين صديقه اللواء فوزي سلو في وزارة الدفاع لإجهاض أي مشروع وحدوي مع العراق كان من الممكن طرحه مجدداً داخل السلطة التشريعية من قبل وزراء حزب الشعب.

الرئيس الدكتور ناظم القدسي
الرئيس الدكتور ناظم القدسي

حكومات (1949-1951)

بعد استقالة خالد العظم من منصبه طلب الأتاسي إلى ناظم القدسي تشكيل حكومة جديدة، وفق شروط وإملاءات الشيشكلي، وعيّن فوزي سلو وزيراً للدفاع مقابل إسناد 12 حقيبة وزارية إلى حزب الشعب. تسلّم الحزب رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية، إضافة لحقائب الداخلية والاقتصاد والزراعة والمعارف والصحة والأشغال العامة. وفي 8 أيلول 1950، كلّف القدسي بتشكيل حكومته الثالثة والأخيرة، التي سمّي فيها الدكتور فرحان الجندلي من حزب الشعب وزيراً للاقتصاد، وعُيّن علي بوظو وزيراً للزراعة وأحمد قنبر وزيراً للأشغال العامة وحافظ فوزي سلو على منصبه في وزارة الدفاع. وبعد استقالة القدسي من منصبه رفض حزب الشعب المشاركة في حكومة خالد العظم الجديدة وعاد إلى صفوف المعارضة البرلمانية لغاية سقوط حكومة الأخير في 9 آب 1951 وتكليف حسن الحكيم بتشكيل وزارة جديدة. حصد حزب الشعب غالبية الحقائب السيادية في حكومة الحكيم وكانت لهم وزارة الخارجية التي تولاها فيضي الأتاسي ووزارة الداخلية التي ذهبت لرشاد برمدا، إضافة إلى وزارات الاقتصاد والصحة الزراعة والمعارف.

المواجهة مع الشيشكلي

كان الشيشكلي ومنذ قيامه بانقلابه الأول على سامي الحناوي في كانون الأول 1949 ينتظر الفرصة للانقضاض على قادة حزب الشعب وطالما كان يتهمهم بالسعي للإطاحة بحكم سورية الجمهوري واستبداله بحكم ملكي تابع للعراق ومن خلفه إلى بريطانيا الداعمة للأسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد. جاءت الفرصة لضرب الحزب يوم شكل أحد قادته معروف الدواليبي حكومته الأولى في 28 تشرين الثاني 1951 ورفض إسناد وزارة الدفاع إلى فوزي سلو في تحد واضح للشيشكلي. اعترض الأخير على حكومة الدواليبي وطلب إلى رئيسها العدول عن موقفه وتكليف سلو بوزارة الدفاع، وعندما رفض الدواليبي الاستجابة، قام الشيشكلي بانقلاب جديد واعتقل رئيس الحكومة وجميع الوزراء. اعتراضاً على هذا التدخل في شؤون الحكم، استقال هاشم الأتاسي من منصبه في 3 كانون الأول 1951 وقام الشيشكلي بحلّ مجلس النواب وفرض فوزي سلو رئيساً للدولة ولمجلس الوزراء. وفور دخول سلو رئاسة الحكومة، أصدر قراراً بحلّ جميع الأحزاب السياسية، وفي مقدمتها حزب الشعب.

في صفوف المعارضة (1951-1954)

انتقل قادة حزب الشعب إلى صفوف المعارضة ضد ثنائي فوزي سلو وأديب الشيشكلي، وصدرت مذكرات قضائية بحقهم وسيق الكثير منهم إلى السجون والمعتقلات. وبعد تولّى الشيشكلي رئاسة الجمهورية رسمياً في تموز 1953، توجه رشدي الكيخيا وناظم القدسي إلى حمص لحضور مؤتمر عُقد في منزل هاشم الأتاسي، أعلن فيه عن رفض الجميع لقرارات الشيشكلي واعتبار حكمه غير شرعي ومخالف للدستور. طالب أعضاء المؤتمر بإسقاطه بكل الطرق المتاحة سياسياً وعسكرياً، وشارك حزب الشعب في المظاهرات الحاشدة التي أطلقت ضد الشيشكلي في معظم المدن السورية. أمر الأخير باعتقال القدسي وعدنان الأتاسي، وظلوا مضطهدين لغاية سقوط حكم الشيشكلي وهربه خارج البلاد في 25 شباط 1954.

العودة إلى الحكم

بعد سقوط حكم الشيشكلي عاد هاشم الأتاسي إلى رئاسة الجمهورية في 1 آذار 1954 لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية، محاطاً بقيادة حزب الشعب، وعند تشكيل حكومة صبري العسلي الأولى شاركوا بها بأربع حقائب جاءت على الشكل التالي:

وفي منتصف الخمسينيات عاد حزب الشعب للمطالبة بتحقيق وحدة بين سورية والعراق، وعارض محاولات الرئيس المصري جمال عبد الناصر فرض سياسة خارجية على سورية معادية للغرب ومؤيده للاتحاد السوفيتي. شارك في حكومة الرئيس فارس الخوري الأخيرة سنة 1954 وتولّى فيها حقيبة الخارجية مجدداً، التي ذهب لفيضي الأتاسي، ومعها وزارات الدفاع والمالية والعدل. ولكن حكومة الخوري أسقطت من قبل التيار اليساري المحسوب على عبد الناصر بسبب رفضها اتخاذ موقف معاد لحلف بغداد ولرئيس الوزراء العراقي نوري السعيد.

انتخابات عام 1954

في أيلول 1954، أجريت أول انتخابات نيابية في سورية بعد زوال حكم الشيشكلي، خاضها حزب الشعب بكامل ثقله السياسي وفاز أعضاؤه بثلاثين مقعداً من مقاعد مجلس النواب. انتخب ناظم القدسي رئيساً للبرلمان وعُرض على رشدي الكيخيا الترشح لرئاسة الجمهورية ولكنه رفض، مسوغاً قراره بكثرة تدخلات العسكريين في الحياة السياسية. وقال الكيخيا كلمته الشهيرة:

ليس عندي حل وسط، إما أن أكون رئيساً بكل ما في الكلمة من معنى، وسلطتي لا تخضع لهيمنة أحد وسلطة الدستور مستقلة تماماً، وإما فلا. إنّ تدخل العسكر في شؤون البلاد مرفوض عندي.

قرر حزب الشعب بعدها ترشيح شكري القوتلي، العائد من منفاه في مصر، إلى الرئاسة الأولى وصوت أعضائه لصالحه ضد المرشح المستقل خالد العظم. وعند فوز القوتلي بالرئاسة وتسلمه مهامه الدستورية في 5 أيلول 1955، تولّى ناظم القدسي – بصفته رئيساً لمجلس النواب – انتقال السلطة الدستورية بينه وبين هاشم الأتاسي الذي أنهي حياته السياسية وعاد إلى مسقط رأسه في حمص.

حكومة سعيد الغزي (14 أيلول 1955 – 14 حزيران 1956)

لم يشارك حزب الشعب في حكومة سعيد الغزي الأولى التي أشرفت على انتخابات عام 1954 ولكنه قبل المشاركة في حكومته الثانية بداية عهد القوتلي. أسندت إليه الحقائب التالية:

من اليمين: عدنان الأتاسي، معروف الدواليبي وفيضي الأتاسي.
من اليمين: عدنان الأتاسي، معروف الدواليبي وفيضي الأتاسي.

وزارة العسلي الثالثة (14 حزيران 1956 – 31 كانون الأول 1956)

وفي صيف العام 1956، كُلّف صبري العسلي تشكيل حكومة جديدة، شارك فيها حزب الشعب بثلاث حقائب:

وفي عهد هذه الوزارة، تعرض الحزب لضربة قاسية عند اتهام أحد زعمائه، عدنان الأتاسي، بالضلوع في محاولة انقلاب سمّيت بالمؤامرة العراقية، هدفت لتصفية أنصار عبد الناصر في سورية. اعتقل الأتاسي وشكلت محكمة خاصة له ولرفاقه، برئاسة الضابط اليساري عفيف البزري، المحسوب على الاتحاد السوفيتي. أُدين الأتاسي بالخيانة العظمة وحكم عليه بالإعدام، ما أثر كثيراً على حزب الشعب، ولكن قرار المحكمة عدل إلى السجن المؤبد بوساطة قام بها الرئيس شكري القوتلي. وكانت نتيجة قرارات محكمة البزري تقليص حصة حزب الشعب في حكومة صبري العسلي الجديدة إلى حقيبة واحدة، وهي وزارة المعارف التي أوكلت إلى هاني السباعي.

الوحدة السورية المصرية سنة 1958

على الرغم من قلّة الود بينه وبين الرئيس عبد الناصر، وجد حزب الشعب نفسه مجبراً على تأييد الوحدة السورية المصرية عند قيامها في شباط 1958، باعتباره أول من نادى بالوحدة العربية وأول من قدم مشروعاً متكاملاً لأجلها إلى جامعة الدول العربية، يوم كان ناظم القدسي رئيساً للحكومة. مع ذلك اعترض الكيخيا والقدسي على الطريقة التي أقيمت بها الوحدة، يوم سفر مجموعة من الضباط العسكريين إلى القاهرة، بقيادة عفيف البزري بعد أن أصبح رئيساً لأركان الجيش، دون أخذ موافقة رئيس الجمهورية أو إعلان وزير الدفاع. وعندما طرحت الوحدة على مجلس النواب أيدها حزب الشعب دون أي تحفظ وقبل بشرط عبد الناصر نقل العاصمة إلى القاهرة وحل جميع الأحزاب القائمة في سورية.

قرار حل حزب الشعب سنة 1958.
قرار حل حزب الشعب سنة 1958.

حلّ الكيخيا والقدسي حزبهم طوعياً، نزولاً عند رغبة الرئيس المصري ولكنهم لم يشاركوا بأي منصب في الجمهورية العربية المتحدة. وحده الدكتور عبد الوهاب حومد من حزب الشعب دخل في حكومة الوحدة، وزيراً للعدلية في الإقليم الشمالي، ولكن مشاركته بقيت شخصية. وبعد أشهر من قيام الوحدة تعرض الحزب لثاني أكبر ضربة في تاريخه بعد اعتقال عدنان الأتاسي، عند سقوط الحكم الملكي في العراق إبان الانقلاب العسكري الذي أطاح بالملك فيصل الثاني والأمير عبد الإله ومعهم رئيس الحكومة نوري السعيد يوم 14 تموز 1958. فقد حزب الشعب أبرز داعميه الإقليميين من يومها وأجبر على طيّ مشروع الوحدة السورية – العراقية التي طالما نادا بها تأسيسه.

في مرحلة الانفصال

عاد حزب الشعب إلى الصدارة مع انهيار جمهورية الوحدة وبارك الانقلاب العسكري الذي أطاح بها يوم 28 أيلول 1961. شارك في الانتخابات النيابية التي أجريت نهاية العام نفسه وانتخب الدكتور ناظم القدسي رئيساً للجمهورية يوم 14 كانون الأول 1961، بعد اعتذار رشدي الكيخيا لنفس الأسباب التي منعته عن الرئاسة عام 1954. سمّي القيادة في حزب الشعب معروف الدواليبي أول رئيساً للحكومة في عهد القدسي ونال حزبه حقائب الدفاع والاقتصاد (رشاد برمدا)، الداخلية (أحمد قنبر) والأشغال العامة (محمد الشواف).

ولكن حكومة الدواليبي سقطت سريعاً إبان الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الكريم النحلاوي في 28 آذار 1962 واعتقل كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. اعترضت قيادة الجيش السوري على انقلاب النحلاوي وعقدت مؤتمر عام في مدينة حمص، تقرر فيه عزل النحلاوي وعودة القدسي إلى رئاسة الجمهورية في 1 نيسان 1962.

نهاية حزب الشعب

انهار حزب الشعب مع سائر الأحزاب السورية يوم الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الرئيس ناظم القدسي في 8 آذار 1963 وكان بقيادة مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين. وعدوا باستعادة الوحدة مع مصر ومعاقبة كل من شارك في عهد الانفصال. اعتقل القدسي ومعه معروف الدواليبي وبقية قادة حزب الشعب وصدر مرسوم عن مجلس قيادة الثورة بحل جميع الأحزاب اعتباراً من 11 آذار 1963. وفي الرابع والعشرين من الشهر نفسه صدر قرار العزل المدني عن مجلس قيادة الثورة، الذي طال كل قادة حزب الشعب باستثناء عبد الوهاب حومد الذي عُيّن وزيراً في حكومة صلاح الدين البيطار الأولى، ورشدي الكيخيا باعتباره أحد رموز النضال ضد الانتداب الفرنسي. ولكنه سجن بعد سنوات قليلة بأمر من اللواء صلاح جديد، مهندس انقلاب 23 شباط 1966، وبقي في المعتقل لغاية حرب حزيران سنة 1967. نُفي بعدها إلى جزيرة قبرص، وفيها توفي سنة 1987، أمّا زميله ناظم القدسي فقد نفي إلى لبنان ومات في الأردن سنة 1998.

المصدر
1. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية –جامعة أوكسفورد 1965)، 29-302. هاشم عثمان. الأحزاب السياسية في سورية، السرية منها والعلنية (دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2001)، 3223. المصدر نفسه، 3354. محمد حرب فرزات. الحياة الحزبية في سورية 1908-1955 (دار الرواد، دمشق 1955)، 224-2265. نذير فنصة. أيام حسني الزعيم: 137 يوم هزت سورية (دار الآفاق الجديدة، دمشق 1983)، 33-346. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية –جامعة أوكسفورد 1965)، 78-797. المصدر نفسه، 46-478. المصدر نفسه، 1079. عبد الغني العطري. عبقريات وأعلام (دار البشائر، دمشق 1996)، 8410. مطيع السمان. وطن وعسكر (مكتبة بيسان، بيروت 1995)، 10711. عبد الغني العطري. عبقريات وأعلام (دار البشائر، دمشق 1996)، 85

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !