أدباء وكتاب

محمد الماغوط

أديب وشاعر سوري

محمد بن أحمد عيسى الماغوط (19 شباط 1934 – 3 نيسان 2006)، أديب وشاعر سوري من مدينة السلمية، احترف الأدب السياسي الساخر ويُعد من أشهر الكتّاب العرب في النصف الثاني من القرن العشرين. ساهم مساهمة كبيرة في صناعة المسرح السياسي المعاصر في الوطن العربي من خلال تعاونه مع الفنان دريد لحام، وكتب معه مسرحية ضيعة تشرين سنة 1974 وغربة 1976 سنة وكاسك يا وطن عام 1979 وصولاً لمسرحية شقائق النعمان، آخر أعمالهما المشتركة سنة 1987.

البداية

ولد محمد الماغوط بريف مدينة السلمية التابعة لمحافظة حماة، وكان والده فلاحاً بسيطاً يعمل بالأجرة لدى الآخرين. عاش مع عائلته حالة من الفقر الشديد ودرس في الكتّاب ثم في المدرسة الزراعية في السلمية. انتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في ثانوية خرابو بالغوطة، وقام والده بإرسال كتاب إلى الثانوية يطلب منهم الرأفة بابنه لضيق حالهم، فقامت الإدارة بتعليق الرسالة على أحد جدران المدرسة، مما دفعه إلى للهروب من المدرسة في دمشق والعودة إلى السلمية.

يتحدث الماغوط عن هذه المرحلة من حياته قائلاً: “أنا كنت حبّ القرآن كتير. أخذت الشهادة الابتدائية وبعدين دخلت بدّي كَفِّي أدرس زراعة، الحقيقة أنا دخلت زراعة لأنو داخلي، وبالداخلي بكون الأكل مجاني، نحن كنّا فقراء. بعدين اكتشفت إنو ما هدفي مكافحة الحشرات الزراعية فلجأت إلى مكافحة الحشرات البشرية.”

انتسابه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي

بعد عودته إلى السلمية، عمل الماغوط في الزراعة وبدأت بوادر موهبته الشعرية تتفتح ونشر أولى قصائده في مجلّة الآداب  البيروتية تحت اسم “الدكتور محمد الماغوط.” انتسب في هذه المرحلة من حياته إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي دون أن يقرأ أدبيات أنطون سعادة، وعندما سألوه عن السبب أجاب: “في ذلك الوقت كان هناك حزبان كبيران في سورية، حزب البعث الحزب القومي السوري الاجتماعي. كان مقر حزب البعث بعيداً عن بيتنا وطريقه مليء بالوحل والكلاب التي تعوي، بينما الحزب القومي السوري الاجتماعي كان الأقرب إلينا وفيه مدفأة لذلك انتسبت إليه، بالإضافة أن مسؤول حزب البعث حينها كان سامي الجندي وهو ملاكم وأنا أكره العضلات وأخافها.”

تبقى قضية انتساب الماغوط للحزب السوري القومي الاجتماعي مثار جدل بين القوميين وخصومهم، حتى أن الكاتب القومي جان داية ألف كتاباً أسماه محمد الماغوط وصوبيا الحزب القومي نشرت فيه صور الماغوط مؤدياً التحية الحزبية. وقال داية لو كانت “نهفة” المدفأة صحيحة لما كان من مبرر للماغوط لنشر مقال كامل عن حياته الحزبية، مشيراً إلى عشرات القصائد النثرية والمقالات العقائدية والسياسية الممهورة بتوقيع الماغوط، معتبراً أن “نهفة المدفأة” جاءت من منطلق أدبه الخيالي الساخر.

سنوات لاعتقال 1955-1963

اعتقل الماغوط عدة مرات في حياته وكان الأولى في نيسان 1955 يوم اتهام القوميين السوريين باغتيال العقيد عدنان المالكي. شنت أجهزة المخابرات السورية حملة اعتقالات واسعة في سورية، شملت كل أعضاء الحزب، وفي سجن المزة تعرف الماغوط على الشاعر أدونيس، المعتقل في المهجع الخامس، وقاما بإبداع مسرحيات معاً حتى أنهم شاركوا السجانين وجعلوا منهم ممثلين.

وكان الاعتقال الثاني أيام الوحدة مع مصر بسبب مقالاته المناهضة للرئيس جمال عبد الناصر في جريدة صدى العام. تعرف يومها على الكاتب والصحفي إلياس مسوح، ثم خرجا معاً من السجن في ذات اليوم وقصدا دمشق، ولم تمضِ على خروجهم إلا أياماً حتى طُلبا مجدداً فهربا معاً إلى لبنان.

اختبأ الماغوط في غرفة صغيرة، لا يعرف مكانها إلا زوجته سنية وصديقه الأديب زكريا تامر، وقد كتب عنها لاحقاً ووصفها في مسرحية العصفور الأحدب. تتحدث سنية صالح عن مرحلة الملاحقة الأمنية لزوجها قائلة:

كان هذا الشاعر يرتعد هلعاً إثر كل انقلاب مرّ على الوطن، وفي إحدى هذه الانقلابات خرجت أبحث عنه وكان في ضائقة وقد تجره تلك الضائقة إلى السجن أو إلى ما هو أمرّ منه. ساعدني انتقاله إلى غرفة جديدة في إخفائه عن الأنظار. غرفة صغيرة ذات سقف واطئ حشرت حشراً في إحدى المباني بحيث كان على من يعبر عتبتها أن ينحني.. ينحني وكأنه يعبر بوابة ذلك الزمان.

اعتقل في بيروت مطلع العام 1962، إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة التي نفذها الحزب السوري القومي على الرئيس اللبناني فؤاد شهاب. وعند إطلاق سراحه عاد إلى سورية ليتم اعتقاله من قبل يوم وصول حزب البعث إلى السلطة في 8 آذار 1963.

أنتجت فترات سجنه المتعددة عن مذكرات كتبها متأثراً بما قرأه لجبران و المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي. وقد هربت هذه المذكرات خارج السجن من خلال إخفائها بثيابه الداخلية بعد أن كتبها على لفائف سجائر بافرا. عندما سألوه عن تجربته السجن أجاب الماغوط:

عندما دخلت السجن أحسست أن شيئاً ما داخلي قد تحطم، وأن كل ما كتبته من مسرح وسينما وشعر بعدها هي ترميم لما كسره السجن في داخلي، السجن كالشجرة له جذور. يروي أحد ذكرياته قي السجن، عندما أحضروا مذياعاً إلى السجن، فكانت المفارقة أن أول أغنية صدحت منه وهم يجربوه (يا ظالم الك يوم).

وعلى الرغم من الشرخ الذي خلفه السجن في نفسه إلا أنه استطاع أن يميز جيداً بين السجن والسجّان، وعى أن السجن كنظام متكامل يختلف عن السجّان الذي ما هو إلا موظف في هذا المكان، لذلك يذكر أنه عندما خرج من السجن التقى بسجانه الذي افتتح محلاً للحلويات قريباً من بيته، عندما شاهده سأله: “هل كنت سجاناً في سجن المزة؟” أجابه: “نعم، وأنه عبد مأمور ومجرد موظف فيه،” فلم يشعر بحاجته للانتقام من سجانه، بل أصبح صديقاً له واستمر يشتري الحلويات منه.

كان الماغوط يركز دوماً على فكرة الخوف الذي انتباه كلّما دخل السجن يقول: “الخوف لا يشرح، لا يفسر، كما الله.” وكان يعد أن الخوف هو أساس إبداعه، وعنده احتياطي منه لا ينضب: “ولدت مذعوراً وسأموت مذعوراً.”

المرحلة الصحفية

بعد حرب تشرين سنة 1973 ساهم محمد الماغوط في تأسيس جريدة تشرين الحكومية وعمل فيها لسنوات طويلة، كما عُيّن رئيساً لتحرير مجلّة الشرطة الحكومية. وعن تجربته في مجلّة الشرطة، قال: “من كثرة خوفي من الشرطة، تم تعيني رئيس تحرير مجلّة الشرطة، ومع ذلك عندما كان يدخل الشرطي محضراً لي فنان قهوتي، أضرب له تحية.”

الماغوط ودمشق

عرف محمد الماغوط بتردده اليومي على مقهى الهافانا في زقاق الصخر ومقهى الروضة في شارع العابد. اعتبرت هذه الأماكن منزلاً ثانياً للماغوط، وفيه كتب معظم أدبه في السبعينيات والثمانينيات. وكانت علاقته بمدينة دمشق علاقة فيها من التناقض الكثير، فبقدر ما أحبها حتى أنه أسمى ابنته “شام،” بقدر ما قست عليه هذه المدينة، فقال عنها: “الشّام أحببتها كثيراً، أسميت ابنتي شام، إلا أن الشّام تأخذ ولا تعطي، لا تعطي أبداً. إحساسي بدمشق منذ أن شاهدتها لأول مرة، وعشت فيها، اخترقتني كما رمح، لكن في مكان غير مميت.”

الماغوط في دمشق
محمد الماغوط

الماغوط وبيروت

وكانت بيروت ملاذاً أمناً للماغوط كلما اشتدت به المصائب بدمشق، وفيها تعرف على الشاعر يوسف الخال بواسطة أدونيس، وصار ينشر قصائده في مجلّة شعر حتى سنة 1961 عندما تم ملاحقة أعضائها وسجنهم. وفي حديثه عن بيروت يقول الماغوط:” بيروت أحبتني حباً غير طبيعي، وأعطتني عطاء غير طبيعي” وتروي زوجته حادثة لقائه بأسرة مجلة شعر:

قبل ذلك كان محمد الماغوط غريباً ووحيداً في بيروت، وعندما قدمه أدونيس في إحدى اجتماعات مجلة شعر المكتظة بالوافدين، وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب بصوت رخيم، دون أن يُعلن عن اسمه، ترك المستمعين يتخبطون من هذا؟ هل هذا الشعر لبودلير، أم لرامبو ولكن أدونيس لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول غير أنيق أشعث الشعر، وقال: هو الشاعر. لا شك إن تلك المفاجأة قد أدهشتهم، وانقلب فضولهم إلى تمتمات خفيفة. أما هو وكنت أراقبه بصمت فقد ارتبك واشتد لمعان عينيه.

يتحدث أدونيس عن هذا اللقاء قائلاً:

عادةً الناس لا تقرأ نص الشاعر، بل تقرأ الشاعر بحد ذاته، يقرأون انتمائه وأديولوجيته وسياسته، لذلك بداية هم يقرأون اسم الشاعر قبل أن يقروأ شعره، ولذلك بالمرحلة الأولى حبيت أن أجرب، لذلك لم أقل اسم الكاتب، لأعرف الانطباع العفوي والبريء بصرف النظر عن أي خلفية لدى القارئين والمستعمين، وطبعاً كان جميع الذين استعموا للنصوص التي قرأتها مندهشين ومعجبين جداً، وأعتقد لو أنني قلت اسم الكاتب وأنه شاب أتٍ من سوريا، وفي بداية حياته الشعرية، كانت ردة الفعل ستتغير.

الماغوط وقصيدة النثر

شخصية محمد الماغوط كانت دوماً متمردة، ترفض التنميط، وقد ظهر ذلك جليّاً خلال تمرده على الوزن والقافية في القصيدة التقليدية. أثار ما كتبه الماغوط من شعر لغطاً كبيراً في عصره، فمنهم من صنفه بأنه شعر ومنه من أنكره لأنه خرج عن قواعد الوزن والقافية. أجاب هو عن هذا اللغط: “أنا لا أرتكز فيما أكتب إلى شيء…إلا على الكرسي والطاولة…لا أرتكز على طراز أو مدرسة شعرية، ولا أرتكز على أي ناقد.”

يقول الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد عن محمد الماغوط: ” لا أنكر أن يكون ما كتبه محمد الماغوط شعراً، وشعراً حياً تماماً، كيف ننكر على الماغوط ما كتبه، وقد اتهم أهل الشعر وواضعي أسسه بأن القرآن شعر، وأعترف مندهشاً بمحمد الماغوط وأن ما يكتبه شعر وشعر عالي.”

تعاونه مع دريد لحام

في سنة 1974 انطلقت مرحلة جديدة في حياة محمد الماغوط عند تعاونه مع الثنائي الشهير دريد لحام ونهاد قلعي في مسرحية ضيعة تشرين. كتب الماغوط نص المسرحية وحضر الرئيس حافظ الأسد افتتاحها بدمشق، وكانت أحداثها تدور حول أوضاع سورية في زمن الانقلابات العسكرية، مروراً بهزيمة عام 1967 وحرب تشرين عام 1973.

حققت مسرحية ضيعة تشرين نجاحاً باهراً وعرضت في عدة مدن عربية، وتلاها سنة 1976 مسرحية غربة التي حضرها الرئيس الأسد مجدداً بصحبة الملك حسين بن طلال. وفي سنة 1979 كانت مسرحية “على نخبك يا وطني،” من تأليف محمد الماغوط ودريد لحام التي كان افتتاحها في مهرجان قرطاج الدولي في تونس. وعند انتقال المسرحية إلى سورية عدّل عنوانها إلى كاسك يا وطن.

انتقل تعاون الماغوط ودريد لحام من خشية المسرح إلى التلفزيون في مسلسلات وين الغلط ووادي المسك، ثم إلى السينما من خلال فيلمي الحدود (1984) والتقرير (1986). حقق فيلم الحدود نجاحاً جماهيرياً كاسحاً وكان عرضه في القاهرة بداية كسر الحصار العربي المفروض على مصر منذ اتفاقية كامب ديفيد، كما حاز على جائزة مهرجان فالينسيا السينمائي في إسبانيا عام 1984. وفي سنة 1987 كان آخر تعاون بينهما في مسرحية شقائق النعمان، بطولة دريد لحام ويوسف حنا، والتي لم تحقق نفس نجاح المسرحيات السابقة، علماً أنها كانت عبارة عن تتمة لمسرحية ضيعة تشرين.

حصل خلاف كبير بين دريد لحام والماغوط، بعد تنصّل الأخير من نص مسرحية شقائق النعمان، ولكن سرعان ما أجريت مصالحة بينهما وتحدث دريد عن الماغوط قائلاً:

محمد الماغوط أنا أعتبره خزان فرح، وخزان وجع، خزان ألم وأمل بنفس الوقت، وبسبب شاعرية كلمته بخليك غصباً عنك تكون شريكه بكل هدول، بقولوا إنه بالمحبة بتُوْسَع المطارح، بتصير المطارح أوسع، مشان هيك قلب الماغوط واسع الوطن كله بكل فرحه وبكل حزنه. تجربتي معه كانت تجربه كتير غنيّة، طبعاً جاءت فترة اختلفنا أنا وإياه بس حتى لما اختلفنا بالرأي ظل حبيبي، وظل صديقي، وظلّ بالنسبة إلي الشاعر الأهم، والكاتب الأهم.

وقد حاول الماغوط كتابة مسرحية جديدة سنة 1999، بعد فك شراكته من دريد لحام، جاءت بعنوان خارج السرب وكانت من بطولة الفنان جهاد سعد ولكنها لم تحقق النجاح المطلوب.

وفاته

توفي الماغوط إثر جلطة دماغية يوم الاثنين 3 نيسان 2006، وقد أُطلق اسمه على مدرسة حكومية في مدينة حمص، وعلى قاعة محاضرات في جمعية العاديات في السلمية، تكريماً له ولمسيرته الأدبية.

أعماله

الجوائز

حياته الشخصية

تزوج من الشاعرة سنية صالح له منها ابنتان، الدكتورة شام وسلافة الماغوط المتخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق. وقد قال في بناته: “بحبهم كتير، هدول أظافري يلي بواجه فيهم العالم”. توفيت سنية عام 1985 بعد صراع طويل مع مرض السرطان، كانت وفاتها الضربة الأصعب في حياة الماغوط، حيث تدهورت صحته ودخل بحالة اكتئاب شديد، حتى أنه كان يتحدى تعليمات الأطباء الذين نصحوه بالابتعاد عن التدخين وشرب الكحول. يقول عن هذه المرحلة: ” عاملت جسدي طيلة سنوات كخصم، تواطأت عليه، ومارست بحقه شتى أنواع القمع والإرهاب، والآن صار ينتقم مني، تحولت إلى كائن كحولي نتيجة حالة كآبة طويلة، عالمي ويسكي ودخان وحزن.”

الدراسات عن حياته

صدرت عدة دراسات عن حياة محمد الماغوط وأدبه، ومنها:

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !