مباني تاريخية

محطة الحجاز

محطة قطار تاريخية في دمشق

محطة الحجاز للقطارات في دمشق، تعد رمزًا للتاريخ الحديث للبلاد والمنطقة بشكل عام. بنيت المحطة في القرن العشرين كجزء من خط سكة حديدية يربط دمشق بالمدينة المنورة في الحجاز (المملكة العربية السعودية حاليا) زمن الحكم العثماني، والذي قام ضابط الاستخبارات البريطاني الشهير بلقب لورانس العرب بتعطيله عام 1918 زمن الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين لمنعهم من الوصول إلى الجزيرة العربية، وبسبب الأهمية الكبيرة لارتباط بلاد الشام مع المدينة المنورة ومكة المكرمة في الفترة العثمانية، وصعوبة السفر بواسطة الجمال، وطول المسافة؛ كان من الضروري إنشاء خطٍّ حديديٍّ يربط بينهما ويختصر المسافة والوقت ويجنِّب المسافرين عناء السفر، وقد بلغ طوله 1400كم.

تَعود فكرة إنشاء خط الحديد الحِجازي إلى العام 1864م، حيثُ قام المهندس الأميركي زيمبل بتقديم أوَّل مخطّط للمشروع الذي يمتد من مدينة إسطنبول إلى المدينة المُنوّرة، لكنّه لم يتحقّق بسبب التكلفة العالية. لكن واقع الأمر أن محطة الحجاز في دمشق هي نقطة إنطلاق الخط الحجازي، أما تتمة مسار الرحلة إلى اسطنبول فكان يقوم بها قطار الشرق السريع.

عُرِفت محطة الحجاز باسم محطة القنوات، ويقع مبنى المحطة في نهاية محور شارع سعد الله الجابري (شارع الجنرال غواييه سابقًا) في الجزء الجنوبي من ساحة الحجاز، وفي بداية شارع النصر (شارع جمال باشا سابقًا). موقع المحطة الحالي كان عبارة عن مكان لتَجمّع الحجَّاج (المحمل الشامي). وهي متوقِّفة عن العمل حاليَّا، ولكنها تُعَدُّ معلمًا معماريًّا مهمًّا من معالم مدينة دمشق دمج بين عناصر العمارة الغربية والشرقية الأمر الذي كان رائجًا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

لمحة تاريخية

كان سفر الحجَّاج من بلاد الشام إلى المدينة المنورة يستغرق 40 يومًا، و10 أيام من المدينة المنورة إلى مكة المكرَّمة، وقد تخلَّلت هذه الرحلة سابقًا العديد من الصعوبات، ممَّا دفع الحكومة العثمانية إلى تسهيل هذه الرحلة؛ فقرَّر السلطان عبد الحميد الثاني في العام 1900 م مدَّ خطٍّ حديديٍّ يصل بلاد الشام مع الحجاز، ورأى السلطان أن يكون تمويل قطار الحجاز قائمًا على تبرعات المسلمين، وأن لا يتدخل الأجانب في تمويله.

كان الهدف من إنشائه خدمة الحرمين الشريفين وتوفير وسائل نقل حديثة للحجَّاج القادمين من أوروبا وآسيا إلى مكة والمدينة المنورة، إضافةً إلى تعزيز العلاقات في العالم الإسلامي المجزَّأ، بدأ بناء السكة الحديدية في شهر أيلول من العام 1900، وافتُتِح القسم الأول من الخط الحديدي بين دمشق ودرعا في العام 1903 م، ثمَّ افتُتِح قسم درعا – عمَّان بعد شهرٍ واحدٍ فقط.

جلب بناء السكة الحديدية العديد من الفوائد للإمبراطورية العثمانية؛ منها تسهيل نقل المسافرين والبضائع بين الحجاز واليمن، ولكن لا بُدَّ من الذكر أنَّ بناء هذه السكة الحديدية تضمَّن العديد من الصعوبات، وقد عانى العمال من نقص الغذاء وقساوة الطقس، ودُفِن المئات منهم على طول هذا المسار، كما شارك في بنائها جنود سوريون في الجيش العثماني زمن عزّت باشا العابد. كان المُنطلَق الأساسي لسكَّة الحجاز في دمشق هو محطة القدم حتى بناء محطة الحجاز، التي أصبحت محطةً كبيرةً لأعمال الشحن والصيانة وحركة المسافرين. وقد كان يوم 23 آب 1908، تاريخًا لا ينسى، حين وصل أول قطار إلى المدينة المنورة، وبدأ الحجاج من تركيا وبلاد الشام وغيرها، يستخدمون الخط الحديدي في سفرهم إلى المدينة المنورة.

مسار الخط الحديدي الحجازي

خلال أعمال التصميم، قام المهندس التركي “مختار بيه”، وهو مهندس أساسي في المشروع لعب دورًا مهمًا في إختيار المسار، بمسح الطريق، فوجد أنه من الأنسب تتبع خط قوافل الإبل القديمة (حج الشام)، مع إجراء تعديلات بسيطة.

كان مسار خط الحج، ينطلق من مدينة دمشق، ويعبر سهل حوران، ويمر بالمزيريب، بالإضافة إلى عدد من المناطق الواقعة جنوب سوريا وصولًا إلى مدينة درعا السورية، ثم إلى فلسطين، ومن ثم إلى الأردن، حيث يمر بكل من المفرق والزرقاء وعمّان ومعان على التوالي، ويكمل سيره جنوبًا، إلى أن يدخل أراضي الحجاز، حيث ينتهي بالمدينة المنورة.

المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي

في بداية الانتداب الفرنسي على سورية، لم يكن للخط الحديدي الحجازي إدارة مستقلة ذات شخصية اعتبارية، فقد صدر في بيروت قرار المفوض السامي ويغان رقم 2456 تاريخ 22/2/1924 الذي تضمن تنفيذ اتفاق استثمار الخط الحديدي الحجازي من قِبَل شركة سكة حديد شام – حماه وتمديداتها، حيث نصت المادة الأولى منه على ما يلي: “الاتفاق الذي يعين الشروط التي عهد بموجبها إلى شركة شام – حماه وتمديداتها بالوكالة، بإدارة واستثمار الخط الحجازي، سيوضع موضع التنفيذ اعتباراً من أول آذار 1924 “.

بناؤها

انتهى بناء المحطة عام 1917، وبنيت من قبل المهندس الإسباني فرناندو دي أرنادا (Fernando de Aranda) الذي حضر إلى دمشق في الفترة الأخيرة من الحكم العثماني وشيد عددًا من الأبنية كمحطة الحجاز وبناء العابد وفندق أمية. وقد كان المعماري فرناندو دي أرنادا من المعماريين الغربيين الذين حذوا حذو أسلافهم في منتصف القرن التاسع عشر؛ إذ أثَّرت العمارة الغربية في العمارة في العالم العربي، ووقع المعماريون الذين عملوا في المدن العربية أمام خيارين؛ إمَّا النسخ من نماذج العمارة الغربية لتأكيد عصريتها وحداثتها في ذلك الوقت، أو إعادة خلق نماذج تستند إلى العمارة التاريخية للتأكيد على تاريخ المكان وثقافته.

معالمها

خُصِّصت الجهة الجنوبية من البناء لأرصفة المحطة، أمَّا الجهة الشمالية فقد خُصِّصت للمدخل الرئيسي الذي تتقدمه ساحة الحجاز حيث تتوقف عربات المسافرين، وهو بناءٌ متناظر مؤلَّفٌ من طابقين وجناحين متناظرين، ويتقدَّم المدخل الرئيسي في الطابق الأرضي رواق ذو ثلاثة أقواس محمولة على أربعة أعمدة تعلوها شرفة في الطابق الأول مع وجود ساعة في أعلى الواجهة، ولوحة تحت الساعة مباشرةً تحمل اسم المحطة (غير موجودة اليوم). نوافذ الطابق الأرضي مستطيلة ذات سواكف أفقية، أمَّا نوافذ الطابق الأول فهي ذات أقواس مدبَّبة وفق الطراز الأندلسي.

يدخل المسافرون إلى المبنى عن طريق الأبواب الثلاثة الرئيسية في الواجهة الشمالية والتي تفضي إلى البهو المركزي الذي يرتفع بارتفاع طابقين، ووظيفته استقبال واستيعاب حركة المسافرين وقطع التذاكر والانتظار، ويؤدي الدرجان في الزاويتين الشمالية الشرقية والشمالية الغربية إلى الطابق الأول المخصَّص للموظفين عبر ممرٍّ مركزي يؤدي في نهايته إلى الشرفة الداخلية التي تطل على الفراغ الداخلي لبهو المحطة.

غُطِّي بهو المحطة بسقفٍ خشبي مليء بالزخارف (العجمي)، إضافةً إلى العديد من الأعمال الخشبية المستخدمة في إنشاء الشرفة التي تعلو البهو والأطناف التي تحملها وتحمل السقف. الأسطح الأخيرة لبناء المحطة التي تغطي البهو المركزي والجناحين الشرقي والغربي وبيت الدرج المؤدي إلى السطح الأخير هي أسطح جملونية، أمَّا باقي الأسطح فهي مستوية.

متحف خط الحِجاز

يَعرض المتحف الموجود في بهو المحطة، حطاماً وبقايا ما كان ذات يوم خط سكَّة حديد مشهوراً، مثل تذاكر سفر قديمة وصوَر فوتوغرافية، فوانيس. مُجسَّم لقاطع التذاكر، وموجودات ترصد تاريخ النقل السككي من بدايات القرن الماضي وحتى اليوم.

نُقل متحف خط الحِجاز، الذي كان قبل الحرب السورية سنة 2011 موجوداً في محطة القدم، إلى محطة الحِجاز منعاً لسرقته وتخريبه، بينما لا تزال العربات البُخارية قاطرة في متحف القدم خارج الخدمة صامتة، وهي صناعة إنكليزية وسويسرية. كما يضمّ المتحف قسماً للوثائق التاريخيَّة، مثل ملكيَّة خط الحديد الحِجازي لينابيع الحمَّة المحتلَّة منذ عام 1967، حيثُ كان هناك خط يصل إلى تلك المنطقة.

أما القطار الموجود أمام المحطة، فوضع في العام 2000 للدلالة عليها، وهي عربة مناورة كانت تستخدم لترتيب القطارات داخلها وليس للسفر. ويشار إلى أنّ رمز المحطة، دولاب له جناحان وذلك دليل سرعة القطار التي كانت تتجاوز 60كم /ساعة، اختصرت الوقت إلى 50 ساعة بعد أن كان 75 يوماً.

المصدر
Introduction to Urban Growth and Expansionموقع المؤسسة العامة للخط الحجازيالميادينThe Cambridge Companion to Modern Arab CultureBBC

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !