مدارس

المدرسة الجقمقية

مدرسة إسلامية في حيّ الكلاسة بدمشق

الجقمقية، مدرسة علمية في حيّ الكلّاسة بجوار الجامع الأموي، يعود تاريخها إلى العصر المملوكي، تتميز بطراز معماري فريد، وزخارف غنية، وهي إحد أهم مدارس دمشق ومن معالمها التاريخية.

الموقع والتاريخ

تقع المدرسة الجقمقية على بعد خطوات من الباب الشمالي للجامع الأموي، يحدّها شمالاً رقاق الكلاسة، وشرقاً الشارع المؤدي إلى الأموي، وغرباً ضريح صلاح الدين الأيوبي. وتبين الكتابات على واجهتها بأنها بُنيت سنة 1421 بأمر من الأمير سيف الدين جقمق وقد خصصها مكاناً لدفن والدته، ودُفن بجوارها بعد وفاته.

قبل بنائها على الشكل المتعارف عليه اليوم، مرّت المدرسة الجقمقية بمراحل مختلفة، فكانت تربة للمعلّم سنجر الهلالي الذي بدأ بتشييد أساساتها، وفي عهد السلطان الناصر بدر الدين حسن المملوكي بُني فوقها مكتب للأيتام ومن ثم خانقاه، وهو المكان المخصص للعبادة والتصوّف. وخلال الغزو المغولي لدمشق في عهد تيمورلنك سنة 1400 احترق البناء وتحول إلى أنقاض، حتى جاء الأمير جقمق وأعاد بناءه وقام بتوسيعه. لم يطرأ على البناء أي تعديلات جوهرية منذ ذلك التاريخ، باستثناء فتح باب جديد وإحداث درج وسد بعض النوافذ.

عيّن جقمق عدداً من المشايخ للتدريس في المدرسة التي حملت اسمه، وأول من ألقى دروساً فيها كان قاضي القضاة الشيخ شرف الدين مفلح. وفي أواخر القرن التاسع عشر أسس فيها الشيخ عيد السفرجلاني أول مدرسة على الطريقة الحديثة، أطلق عليها “المدرسة الجقمقية العلمية،” بقسمين ابتدائي وثانوي، تخرج منها عدد من الشخصيات الدمشقية البارزة، مثل المحامي عبد الوهاب الإنكليزي (أحد شهداء 6 أيار 1916) وعارف التوّام (عضو المجلس الحربي خلال معركة ميسلونوعبد القادر العظم، ثاني رؤساء جامعة دمشق.

الطراز المعماري

بُنيت المدرسة على رقعة مربعة، بمساحة تقدر بـ285 متراً مربعاً. فيها صحن صغير يعلوه سقف ارتفاعه قرابة 12.5 متراً وتتوسطه بركة مثمنة، كما تضم أربعة أواوين من مختلفة الأطوال وغير متقابلة أو متناظرة. أغلب الظن أن عدم الانتظام أو التناظر في تصميم المدرسة يعود إلى ضيق المساحة والحاجة عند بنائها لإيجاد مكان يصلح للتدريس والصلاة في آن واحد، فالإيوان الجنوبي يتسع شرقاً وغرباً على طول المدرسة، في حين أن الإيوانين الشرقي والغربي صغيران متقابلان.

ومع أهمية قاعة المدرسة وظيفياً، فهي تضم العديد من العناصر الجمالية، فجدرانها الداخلية مؤزرة حتى منتصفها بالرخام الملون والزخارف المتنوعة، يتخللها المحراب وجرائن الكتب والنوافذ العالية المفتوحة التي تسمح بدخول الضوء بكميات وافرة. ويعد محراب المدرسة الجقمقية من أجمل ما فيها، وقد جمع كل أنواع الزخارف التي عرفتها المحاريب حينها، مع قسم مكسو بألواح من الرخام، وآخر فيه فسيفساء هندسية مطعمة بالصدف، ويحيط بالمحراب من الأعلى شريط من الآيات القرآنية.

ويضم الجناح الشمالي للمدرسة التربة وفيها قبر الأمير جقمق وقبر والدته، وهي غرفة مربعة مسقوفة بقبة عالية وفيها ثلاث نوافذ، وفي زواياها مقرنصات تنقل بين الشكلين الدائري والمربع. وإلى جانب التربة يضم الجناح إيواناً صغيراً وغرفتين عن يمينه وشماله وهي مرتفعة عن أرض الصحن.

تتميز واجهات المدرسة بأنها مبنية بحجارة سوداء وبيضاء، ويعلوها شريط كتبت عليه آيات قرآنية بالخطوط النسخي والكوفي والثلث، ويقع المدخل الرئيسي في واجهتها الشمالية، ويتألف من باب كبير مسقوف بعدد من المقرنصات، يليه ممر منكسر ثم غرفة صغيرة تفضي إلى الصحن.

أما من حيث التزيين، فبناء المدرسة الجقمقية يحفل بأنواع مختلفة من الزينة وفيه سخاء كبير في الزخارف، حيث تم نحت الحجر ونقشه على شكل مقرنصات وتيجان وأشرطة كتابية ومداميك متناوبة الألوان. وتزيين الجدران الداخلية بالرخام والفسيفساء واللوحات، وزخرفة السقوف الخشبية بالدهان والرسوم الملونة.

وتعتبر المدرسة الجقمقية نموذجاً لفن العمارة المملوكية، الذي تخلّت عن طابع التقشف السائد في العصر الأيوبي تميزت بالأناقة والفخامة. ومن خصائص العمارة في عصر المماليك أن الصحن مال إلى الصغر وأصبح مسقوفاً، واتسع الإيوان القبلي، وتعالت قبة الترب، وأصبحت الجدران الداخلية والخارجية تتميز بالحركة والحيوية، ومقاييس الحجارة المستخدمة صارت أصغر. وأصبحت المدرسة بعد بنائها نموذجاً يحتذى به في مبانٍ أخرى منها المدرسة الشابكلية والتربة الدلامية.

الجقمقية في العصر الحديث

حولت المدرسة سنة 1919 إلى مقر لحلقة المولوية، وفي عام 1941 أصيبت بقنبلة من طائرات الحلفاء خلال معارك تحرير سورية من قوات فيشي، هدمت سقفها وبعض الجدران، فتوقف العمل فيها، وتعرضت بعض محتوياتها للسرقة. وفي سنة 1956 صدر مرسوم من رئيس الجمهورية شكري القوتلي يقضي بوضع المدرسة تحت تصرف المديرية العامة للآثار والمتاحف، التي عملت على ترميمها عن طريق فك الأقسام المتضررة بشكل كبير وإعادة بنائها، وتجديد الأقسام المتهدمة والسقف الخشبي، واستكمال نواقص الزخارف الجدارية من فسيفساء ورخام وألواح كتابية، وقد انتهت أعمال الترميم عام 1961. وقد تحولت المدرسة الجقمقية سنة 1974 إلى “متحف الخط العربي،” فيه مخطوطات قرآنية قديمة مع وشواهد قبور وكتابات على المعدن والزجاج والفخار، مع مجموعة من الأقلام والمحابر.

المصادر
  • عبد القادر الريحاوي، بحث بعنوان “المدرسة الجقمقية”، منشور في مجلة الحوليات الأثرية السورية، من منشورات المديرية العامة للآثار والمتاحف في الإقليم السوري، المجلّد العاشر، 1960، صـ69-86.
  • قتيبة الشهابي، دمشق تاريخ وصور، طـ3، مؤسسة النوري للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1994، صـ250، 251.
  • عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي، الدارس في تاريخ المدارس، الجزء الأول، دار الكتب العلمية، بيروت، 927 هـ.
  • النشرة التعريفية للمدرسة الجقمقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !