المدرسة القيمرية الكبرى، بناها الأمير ناصر الدين القيمري في العهد المملوكي سنة 1276 وتحوّلت إلى مسجد في العهد العثماني. فيها كانت تُدرّس مبادئ اللغة العربية والنحو والصرف والرياضيات والعلوم الشرعية كافة، وسمّيت بالكبرى بسبب وجود المدرسة القيمرية الصغرى في حيّ العمارة. وبعد تحويلها إلى مسجد وضع على مدخلها ساعة شمسية صممها المهندس بديع الساعاتي، وكان فيها عشر غرف للدراسة مع ساحة وبحرة مصنوعة من حجر. وفي المسجد أيضاً مُصلّى صيفي وآخر شتوي، وبسبب اتجاه المدرسة الجنوبي، كانت الشمس عند الغروب تصل أشعتها إلى المصلّى الشتوي فتنيره وتدفئه في صلاة الظهر والعصر، وهذا نادر في المساجد الإسلامية.
المدرسة اليوم
بقيت المدرسة على حالها حتى ترميمها الأولى في سبعينيات القرن العشرين، وبقي من بنائها القديم الواجهة الجنوبية وبعض الجدر الداخلية وخاصة تلك الموجودة من الناحية الشمالية. أعيد ترميم وتأهيل المدرسة سنة 2004، حيث أزيلت السدّة التي كانت في المصلّى الصيفي، وقُلّص حجم البحرة الرئيسية. ظلّت الدروس تعطى بالمدرسة القيمرية الكبرى لغاية عام 2011، يوم أغلقت مع اندلاع الحرب السورية وبقي مسجدها قائماً.
وفي زمن الانفصال، حاول الأتاسي تنفيذ انقلاب لاستعادة الوحدة مع مصر يوم 2 نيسان 1961، عُرف بعصيان حلب، الذي أجهض من قبل قيادة الجيش وأدى إلى نفيه خارج البلاد وتعيينه ملحقاً عسكرياً في السفارة السورية في واشنطن. ولكنه عاد إلى دمشق وسُجن بأمر من المحكمة العسكرية، ليُطلق سراحه صبيحة يوم 8 آذار 1963 حيث نقل مباشرة من السجن العسكري في المزة إلى القصر الجمهوري.
بعد سقوط حكم أديب الشيشكلي ونفيه خارج البلاد عاد هاشم الأتاسي إلى الحكم لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية، والتي كانت قد قطعت بسبب انقلاب الشيشكلي سنة 1951. عُيّن لؤي الأتاسي مرافقاً عسكرياً لرئيس الجمهورية لغاية 5 أيلول 1955، عندما غادر هاشم الأتاسي دمشق بعد انتهاء ولايته. أمّا لؤي الأتاسي، فقد عُيّن مساعداً للملحق العسكري في السفارة السورية في القاهرة، حيث أصبح من أشد المعجبين والداعمين للرئيس جمال عبد الناصر. أيّد الوحدة السورية المصرية عند قيامها في شباط 1958 وسمّي ملحقاً عسكرياً في سفارة الجمهورية العربية المتحدة في موسكو.
الأتاسي والانفصال
في 28 أيلول 1961، وقع انقلاب عسكري في دمشق، أطاح بجمهورية الوحدة وكان بقيادة المقدم عبد الكريم النحلاوي. رفض الأتاسي تأييد الانقلاب ولكنه لم يُعارضه، فقرر النحلاوي الاحتفاظ به وتعيينه قائداً عسكرياً للمنطقة الشرقية. وفي 28 آذار 1962، نفّد النحلاوي انقلاباً ثانياً ضد رئيس الجمهورية ناظم القدسي، بسبب محاولة المدنيين إبعاده من مركز صناعة القرار. اعترضت قيادة الجيش على انقلاب النحلاوي وعقدت اجتماعاً كبيراً في حمص يوم 1 نيسان 1962، تقرر فيه عزل عبد الكريم النحلاوي وعودة ناظم القدسي إلى الحكم. كان لؤي الأتاسي قد بارك انقلاب النحلاوي في الساعات الأولى من 28 آذار 1962، ولكنه سرعان ما غير موقفه وحضر مؤتمر حمص وأثنى على قراراته.
ردّت القيادة العسكرية بدمشق بإرسال سرب من الطائرات الحربية لقمع العصيان، فقام لؤي الأتاسي بطلب العون من جمال عبد الناصر ودعا إلى تدخل عسكري من قبل الجيش المصري. أُرسلت قوة عسكرية لمحاربته، فما كان أمامه إلا الاستسلام وطلب المغفرة من قائد الجيش اللواء عبد الكريم زهر الدين. اجتمعا في مبنى الأركان العامة وقال الأتاسي إنه بريء من الدماء التي سالت في شوارع حلب، مضيفاً أنه شارك في العصيان بهدف كبح جماح جاسم علوان، الذي وصفه الأتاسي بالأرعن والمتهور. وقد استجاب عبد الكريم زهر الدين لطبله وعيّنه ملحقاً عسكرياً في واشنطن، بدلاً من اعتقاله.
ولكن الأتاسي عاد إلى دمشق بطلب من المحكمة العسكرية التي شُكّلت للنظر في قضية عصيان حلب. كانت بقيادة العميد صبحي الشربجي، الذي أمر باعتقاله وتوجيه ثلاث تهم له: الانقلاب على مقررات مؤتمر حمص التي كان هو أحد الموقعين عليها، ترك مركز قيادته في دير الزور والتوجه إلى حلب دون أخذ موافقة القيادة، والمشاركة في عصيان عسكري ضد الدولة السورية.
رئيساً لمجلس قيادة الثورة
في 8 آذار 1963، وقع انقلاب عسكري في دمشق هدفه استعادة الوحدة مع مصر، قامت به مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين. جميعهم كانوا صغاراً في السن وليس لهم أية خبرة سياسية، فقرروا الاستعانة بـلؤي الأتاسي. أخرجوه من السجن ورفّعوه استثنائياً إلى رتبة فريق، مع تعيينه رئيساً لمجلس قيادة الثورة في يوم 23 آذار 1963. لم يكن للؤي الأتاسي أي دور في انقلاب 8 آذار ولم يكن حتى على علم به، ولكنّه حكم سورية باسمه وباسم الثورة، من دون دستور أو مجلس نيابي، طيلة أربعة أشهر.
وقد بقيت قرارات الأتاسي مرهونة باللجنة العسكريةلحزب البعث التي فرضت نفسها على المشهد السياسي في الأيام الأولى من ثورة 8 آذار. وفي عهده شُكّل الحرس القومي في 30 حزيران 1963، وسافر الأتاسي إلى القاهرة للتفاوض على استعادة الوحدة مع الرئيس جمال عبد الناصر، حيث كان برفقة رئيس الحكومة صلاح البيطار، أحد مؤسسي حزب البعث. هذا وقد صدرت في عهده عدة مراسيم كان من ضمنها قرار تأميم المصارف السورية يوم 3 أيار 1963 وتأسيس جريدة الثورة الحكومية في 1 تموز 1963.
تقاسم البعثيون والناصريون مقاليد الحكم في سورية، وكانت رئاسة مجلس قيادة الثورة، الممثلة بالفريق الأتاسي، من حصة الناصريين، ومعها وزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش، التي تسلمها اللواء زياد الحريري، مهندس انقلاب 8 آذار. وقد عُهد إلى صديقه راشد القطيني منصب نائب رئيس الأركان، وهو أيضاً من الضباط الناصريين. أما عن البعثيين فقد كانت حصتهم رئاسة الحكومة ومناصب حساسة في الجيش، مثل قيادة سلاح الطيران والمخابرات العسكرية.
الخلاف مع البعث وانقلاب جاسم علوان
اختلف البعثيونوالناصريون على المناصب وتوزيع الأدوار، وعلى مفاوضات الوحدة مع عبد الناصر. وقد استغل البعثيون سفر رئيس الأركان زياد الحريري إلى الجزائر وأقالوه مع عدد كبير من الضباط الناصريين في نهاية شهر نيسان، قبل أن يجبروه على التنحي عن الجيش ووزارة الدفاع في 8 تموز 1963.
غضب الناصريون من هذا الإقصاء وفي 18 تموز 1963، قرروا الرد بانقلاب عسكري، يُطيح بالضباط البعثيين وباللجنة العسكرية. كان لؤي الأتاسي موجوداً في الإسكندرية يومها، عندما تحرك صديقه القديم جاسم علوان وأمر قواته بتطويق مدينة دمشق واحتلالها. وقد قيل إن هذا الانقلاب جاء بتخطيط وتمويل من الرئيس عبد الناصر، الذي فقد الثقة بإمكانية التوصل إلى وحدة مع حزب البعث وأراد مساعدة أنصاره في الجيش السوري على التخلص منهم.
رد البعثيون بقوة على جاسم علوان، وحصلت مواجهات دامية بينهم وبين الناصريين عند مدخل مبنى التلفزيون في ساحة الأمويين، سقط فيها الكثير من المدنيين والعسكريين. تمكنت الدولة من اعتقال جاسم علوان، وقاد وزير الداخلية أمين الحافظ عملية التصدي للانقلاب. ثم أرسل قائمة بأسماء شخصيات ناصرية متورطة بالانقلاب إلى مجلس قيادة الثورة، وطُلب إلى الأتاسي التصديق على إعدامهم. وعندما رفض التوقيع، تجاوزته اللجنة العسكرية وأعدمت 21 من المتهمين يوم 18 تموز وسبعة آخرين في 21 تموز. استقال لؤي الأتاسي من منصبه احتجاجاً يوم 27 تموز 1963 وعُيّن أمين الحافظ خلفاً له في رئاسة مجلس قيادة الثورة، قبل أن يصبح رئيساً للدولة.
الوفاة
غاب لؤي الأتاسي من بعدها عن أي منصب سياسي أو عسكري وعاش سنوات تقاعده الطويلة في حمص حتى وفاته عن عمر ناهز 77 عاماً يوم 24 تشرين الثاني 2003. جلل نعشه بالعلم السوري وخرجت له جنازة رسمية، حضرها وزير شؤون رئاسة الجمهورية غسان اللحّام، ممثلاً عن الرئيس بشار الأسد.
المناصب
رئيساً لمجلس قيادة الثورة (27 آذار – 27 تموز 1963)
أحمد نور الدين بن محمد علي الأتاسي (11 حزيران 1930 – 3 كانون الأول 1992)، سياسي سوري من حمص، عُيّن رئيساً للدولة وأميناً عاماً لحزب البعث العربي الاشتراكي، بقيادتيه القومية والقطرية، من 1 آذار 1966 ولغاية استقالته قبل ثلاثة أيام من الانقلاب عليه واعتقاله في 16 تشرين الثاني 1970.
وتسلّم رئاسة الحكومة في تشرين الأول 1968 وكان قبلها وزيراً للداخلية ونائباً لرئيس الحكومة. تحالف مع اللواء صلاح جديد إبان انقلاب 23 شباط 1966، الذي عيّنه رئيساً للدولة بعد الإطاحة بالرئيس السابق أمين الحافظ وسجنه.
ولد نور الدين الأتاسي في مدينة حمص وهو سليل عائلة سياسية كبيرة ومعروفة. كان جده لأبيه فؤاد الأتاسي قاضياً معروفاً، تولّى تربيته بعد وفاة والدة الأتاسي وهو طفل. تلقى علومه الأولية في مدارس حمص ثم في جامعة دمشق حيث درس الطب وتخرج سنة 1952. انتسب الأتاسي في شبابه إلى حزب البعث وشارك في الحراك الشعبي ضد حكم أديب الشيشكلي، ما أدى إلى اعتقاله في سجن تدمر طيلة عام، ابتداء من تشرين الثاني 1952.
رئيساً للدولة (25 شباط 1966 – 16 تشرين الثاني 1970)
وقف نور الدين الأتاسي مع صلاح جديد عندما قرر الأخير التخلص من الرئيس أمين الحافظ والقادة المؤسسين للحزب ميشيل عفلقوصلاح البيطار يوم 23 شباط 1966. وبعد نجاح الانقلاب بأيام، سمّي الأتاسي رئيساً للدولة السورية في 1 آذار 1963، ولكن صلاحياته بقيت مقيدة جداً ومحدودة، وظلّت القوة الحقيقية في يد صلاح جديد، الذي اختار لنفسه منصب نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي مع انتخاب الأتاسي أميناً عاماً للحزب بقيادتيه القومية والقطرية.
وفي أول خطاب له بعد توليه الحكم في الذكرى الثالثة لثورة آذار، شنّ الأتاسي هجوماً عنيفاً على السعوديةولبنان، واصفاً كلتا الدولتين العربيتين بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. ولكنه وبالمقابل، قام باستعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر (المقطوعة منذ سنة 1961). ولكن العلاقة بقيت متوترة جداً بينه وبين الملك حسين، الذي دعا الرئيس الأتاسي إلى إسقاطه، واصفاً عرش الأردن بأنه “عرش الخيانة.”
مؤامرة سليم حاطوم
أقصى العهد الجديد عدداً كبيراً من الضباط والسياسيين الدروز عن مناصبهم، وكان من بينهم وزير الدفاع السابق حمد عبيد، الذي أعتُقل. أزعج هذا الأمر الرائد سليم حاطوم، أحد منفذي انقلاب 23 شباط الذي كان يتوقع مكافأته على نجاح مهمته، إمّا بتعيينه وزيراً للدفاع أو للداخلية، ولكنّ صلاح جديد أبقاه في منصبه، مسؤولاً عن حماية مبنى الإذاعة والتلفزيون، مما لم يُرض طموحه السياسي والعسكري.
بدأ حاطوم بالتخطيط لانقلاب جديد ضد نور الدين الأتاسي وصلاح جديد، كان مقرراً في 3 أيلول 1966. ولكنّ ساعة الصفر أجلت إلى 8 أيلول، بعدما علم حاطوم بنية رئيس الدولة زيارة مدينة السويداء لتهدئة نفوس الدروز، وأنه سيكون برفقة صلاح جديد. دخل سليم حاطوم عليهما في مقر حزب البعث في السويداء، شاهراً سلاحه في وجه نور الدين الأتاسي، وقام باحتجازه. ولكنّ تدخلاً عسكرياً حصل من وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد، ما أجبر سليم حاطوم على الفرار إلى الأردن، تجنباً للاعتقال. عاد إلى سورية بعد هزيمة حرب حزيران، حيث اعتُقل وأُعدِم داخل زنزانته في سجن المزة يوم 26 حزيران 1967، بأمر من صلاح جديد ودون موافقة الرئيس نور الدين الأتاسي.
وبعد الإطاحة بسليم حاطوم، قام صلاح جديد بحملة تصفيات داخل الجيش السوري، طالت 400 ضابط وعسكري، كانت الأوسع في تاريخ البلاد منذ استقلالها عن الفرنسيين سنة 1946. وفي آب 1968، عُزِل رئيس الأركان اللواء أحمد سويداني من منصبه، الذي اتُّهم أيضاً بمحاولة الانقلاب على ثنائي نور الدين الأتاسي – وصلاح جديد. فرّ اللواء سويداني هارباً إلى العراق وعُيّن اللواء مصطفى طلاس رئيساً للأركان العامة بدلاً عنه، وهو المحسوب على وزير الدفاع حافظ الأسد.
بعد هزيمة حزيران، ساد جو من التوتر الشديد بين نور الدين الأتاسي وصلاح جديد من جهة وبين وزير الدفاع حافظ الأسد ورئيس الأركان مصطفى طلاس، من جهة أخرى. وقد زاد من هذا التوتر دخول سورية في معارك أيلول الأسود وإرسال دبابات لمساندة منظمة التحرير الفلسطينية في حربها مع الملك حسين. كان الأسد قد قاد انقلاباً محدوداً على جديد والأتاسي في شباط 1969، عندما أنزل دباباته لتطويق مباني جريدتي الثورةوالبعث، مع إقالة رؤساء تحريرهما المحسوبين على صلاح جديد. استقال الأتاسي من مناصبه الثلاث في الرئاسة والحكومة والحزب، داعياً لعقد مؤتمر استثنائي لحزب البعث في 30 تشرين الأول 1970. تحرك حافظ الأسد يوم 16 تشرين الثاني 1970، واعتقله مع صلاح جديد. نُقل الأتاسي إلى سجن المزة من دون محاكمة وعُيّن أحمد الخطيب رئيساً مؤقتاً للدولة ابتداء من 22 تشرين الثاني 1970، قبل تسلّم الأسد مقاليد الحكم بشكل مباشر في آذار 1971.
الوفاة
ظلّ نور الدين الأتاسي سجيناً في سجن المزة حتى سنة 1980، عند نقله إلى الإقامة الجبرية في حيّ القصور بدمشق. جرت معه مفاوضات لم يكتب لها النجاح، قام بها رئيس المخابرات الجوية اللواء محمد الخولي، أعيد بعدها إلى السجن. أطلق سراحه بسبب مرض عضال وسافر لتلقي العلاج في المستشفى الأميركي في باريس من 22 تشرين الثاني 1992 ولغاية وفاته عن عمر ناهز 62 عاماً يوم 3 كانون الأول 1992. وقد كرمته الجزائر بإطلاق اسمه على مستشفى في عاصمتها يوم 18 أيار 1993.
قامت الدولة السورية بترميم الجامع ولكنها وفي سنة 1951، قررت هدمه وبناء مسجد جديد مكانه، مع الإبقاء على مأذنته المملوكية ومحرابه القديم وعلى قبر الأمير تنكز المجاور له. وقد أقامت مديرية أوقاف دمشق مدرسة شرعية للبنات في جزء من صحن المسجد القديم.
وصف الجامع
لجامع تنكز واجهة حجرية فيها أربعة أبواب، اثنان يؤديان إلى القبلية واثنان إلى الصحن الذي فيه بركة كبيرة تجري بها مياه نهر بانياس، وإلى يمين الداخل من الباب الأول ضريح الواقف وولده. محراب المسجد مصنوع من الحجر كذلك المنبر وفوق موقف الخطيب قبة صغيرة، وفي الجهتين الشرقية والغربية غرف أرضية وعلوية، وفي الجهة الشمالية تقوم المئذنة العالية التي تعد من أروع المآذن اتقاناً وبساطة. وفي الجامع عشرون نافذة وفي وسط صحنه كان يمر نهر بانياس ليتوضأ منه المصليين، وبه ناعورتان يملآن ويفرغان إلى حوضين الأشجار داخل صحن الجامع.
ولد فيصل الأتاسي في حمص وهو سليل عائلة سياسية كبيرة. دَرَس في مدارس حمص الحكومية وانتسب إلى الكلية الحربية وتخرج فيها سنة 1938. التحق بجيش الشرق التابع لسلطة الانتداب الفرنسي في سورية وتدرج في المواقع العسكرية لغاية انشقاقه عن الفرنسيين في أعقاب قصفهم للعاصمة دمشق يوم 29 أيار 1945. حمل السلاح مع ثوار آل الدندشي في معركة تلكلخ وشارك في محاصرة الثكنات الفرنسية ورفع العلم العربي فوق رايتها. حكمت عليه فرنسا بالإعدام، وعند تأسيس الجيش السوري في 1 آب 1945، كان فيصل الأتاسي من أوائل ضباطه.
حكم الشيشكلي البلاد بداية عبر صديقه اللواء فوزي سلو، الذي نُصّب رئيساً للدولة في كانون الأول 1951. وفي تموز 1953، تولى الشيشكلي مقاليد الحكم بشكل مباشر وولدت معارضة منظمة ضده في حمص – مسقط رأس فيصل الأتاسي – خاضها عمّه الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي. أوعز الرئيس الأتاسي إلى “الشرفاء من ضباط الجيش” بالتمرد والعصيان لإسقاط حكم الشيشكلي، وعدّ عهد ديكتاتورياً ومخالفاً للشرعية الدستورية. لبّى العقيد فيصل الأتاسي نداء الرئيس هاشم الأتاسي ومن موقعه في قيادة حامية حلب انتفض ضد حكم الشيشكلي ، بالتعاون من قائد المنطقة الشرقية العقيد أمين أبو عساف وآمر منطقة حوران العقيد عمر قباني والنقيب مصطفى حمدون والعقيد كاظم زيتوني، قائد المنطقة الساحلية. استولى قادة الانقلاب على إذاعة حلب ومنها أذاعوا بياناً طالبو فيه جميع القطعات العسكرية شمال البلاد وغربها بالتمرد والعصيان حتى سقوط الشيشكلي. قام الأتاسي باعتقال رئيسه عمر تمر خان، ومحافظ حلب كمال نور الله، ورئيس بلديتها وغيرهم من الموالين لحكم الشيشكلي، وأخذت المدرعات تحت إمرته مراكزها في الشوارع الرئيسية، كما استولت قواته على مباني الحكومة والبريد والإذاعة.
الاعتزال والوفاة
وبعد نجاح الانقلاب وهرب الشيشكلي إلى لبنان، عاد هاشم الأتاسي إلى دمشق يوم 1 آذار 1954 لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية. استقال فيصل الأتاسي من الجيش وترشح للانتخابات النيابية سنة 1954 ولكنّه لم ينجح. قرر من يومها اعتزال العمل السياسي والعسكري وتوفي في حمص عن عمر ناهز 81 عاماً يوم 15 آذار 1998.
فيضي بن طاهر الأتاسي (1898-1982)، سياسي سوري من حمص، كان عضواً في الكتلة الوطنية أيام الانتداب الفرنسي وأحد مؤسسي حزب الشعب سنة 1948. نادى بالوحدة مع العراق وتولّى أرفع المناصب الحكومية، فكان وزيراً للمعارف والعدل في زمن الانتداب ثم وزيراً للاقتصاد والدفاع وزيراً للخارجية ثلاث مرات في عهد عمّه الرئيس هاشم الأتاسي.
البداية
ولد فيضي الأتاسي في مدينة البصرة العراقية، وهو سليل الأسرة الأتاسية العريقة. دَرَس في مدارس البصرةوإسطنبول، وعاد إلى سورية عند انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918 ليعمل في بلدية حمص، التي أصبح رئيساً لها. وقد شهدت رئاسته تدشين عدة مشاريع ضخمة، منها جرّ المياه من المحلّة الجديدة وفتح شارع ابو عوف. وفي سنة 1923 انتخب عضواً عن مجلس دمشق التثميلي الذي كان يضم ممثلين عن مدينة حمص.
في 29 آذار 1949، وقع انقلاب عسكري في سورية بقيادة حسني الزعيم الذي قام باعتقال رئيس الجمهورية. دعا الزعيم قادة حزب الشعب إلى اجتماع وعرض عليهم التعاون، نظراً لموقفهم المعلن من العهد البائد. اختلف قادة الحزب في موقفهم من انقلاب الزعيم، فقد رفض رشدي الكيخيا التعاون واعتبر الانقلاب محالفاً للدستور والشرعية والأعراف الديمقراطية، ولكن فيضي الأتاسي وافق وتم تعيينه وزيراً للمعارف في حكومة حسني الزعيم. فترة عمله مع الزعيم لم تستمر إلا ساعات محدودة، حيث استقال الأتاسي من منصبه في 18 نيسان 1949، احتجاجاً على تفرّد الزعيم في قراراته المصيرية وعدم دخوله في حلف مع العراق الهاشمي. وعندما اشتدت انتقادات الأتاسي لحسني الزعيم تم اعتقاله في مطلع شهر آب 1949، قبل أيام معدودة سقوط عهد الزعيم وإعدامه في 14 آب 1949. وكان مهندس الانقلاب الجديد سامي الحناوي محسوباً على العراق ومقرّباً من الأتاسي وقادة حزب الشعب.
عودة الحياة النيابية
توجه الأتاسي إلى مبنى الأركان العامة في دمشق لحضور اجتماع كبير كان اللواء الحناوي قد دعا إليه بعد ساعات من تصفية الزعيم، بحضور ومشاركة ممثلين عن كل القوى السياسية. وقد تقرر فيه عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم للإشراف على انتخابات مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي كان الزعيم قد عطله قبل بضعة أشهر. وفي أول حكومة شكّلها هاشم الأتاسي يوم 14 آب 1949، سمّي فيضي الأتاسي وزيراً للاقتصاد. وفي نهاية العام، انتخب هاشم الأتاسي رئيساً للدولة وشُكّلت حكومة جديدة برئاسة الدكتور ناظم القدسي، عُيّن فيها فيضي الأتاسي وزيراً للدفاع والاقتصاد الوطني. وفي مطلع العام 1950، سمّي الأتاسي وزيراً للعدل في حكومة الرئيس خالد العظم، ثم وزيراً للخارجية في حكومة حسن الحكيم الثانية والأخيرة من 9 آب 1951 ولغاية 28 تشرين الثاني 1951.
انتقل فيضي الأتاسي عندها إلى صفوف المعارضة، وحضر اجتماعاً عقد في دار عمّه هاشم الأتاسي في حمص، تقرر فيه عدم الاعتراف بشرعية حكم الشيشكلي وتوحيد الجهود لإسقاطه. وبعد تولّيه الرئاسة رسمياً في تموز 1953، أمر الشيشكلي باعتقال فيضي الأتاسي مع عدد كبير من قادة حزب الشعب، قبل إسقاطه ونفيه خارج البلاد يوم 25 شباط 1954.
نهاية عهد هاشم الأتاسي
أطاح سراح كل المعتقلين السياسيين، وفي 1 آذار 1954 عاد هاشم الأتاسي إلى الحكم ليُكمل ما تبقى من ولايته الدستورية. وقد سمّي فيضي الأتاسي وزيراً للخارجية في حكومة صبري العسلي الأولى من آذار وحتى حزيران 1954، ثم في حكومة فارس الخوري الأخيرة من تشرين الأول 1954 ولغاية شباط 1955.
الأتاسي وعبد الناصر
وفي أول انتخابات أجريت بعد عودة الحياة النيابية إلى سورية سنة 1954، عاد فيضي الأتاسي إلى عضوية مجلس النواب، حيث صوّت لصالح الوحدة السورية – المصرية سنة 1958، على الرغم من تحفظاته على الطريقة التي أقيمت بها من قبل مجموعة من العسكريين، دون التنسيق لا مع وزير الدفاع أو مع شكري القوتلي، الذي كان قد عاد إلى الحكم، خلفاً للرئيس الأتاسي في أيلول 1955. أيّد فيضي الأتاسي الرئيس جمال عبد الناصر في بداية عهد الوحدة، ولكنه سرعان ما انقلب ضده بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي في أيلول 1958، الذي طال الكثير من أملاك آل الأتاسي. كما عارض قرار تأميم المصانع والمصارف الذي صدر في تموز 1961، قبل شهرين من انقلاب الانفصال يوم 28 أيلول 1961، والذي أطاح بجمهورية الوحدة.
السنوات الأخيرة والوفاة
في مرحلة الانفصال، أعيد انتخاب فيضي الأتاسي للمرة الأخيرة نائباً في البرلمان السوري ورئيساً للجنة الشؤون الخارجية. اعتزل العمل السياسي بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في 8 آذار 1963 وصدور قرار نهائي بحلّ حزب الشعب من قبل مجلس قيادة الثورة. عاش بقية حياته متقاعداً ومتنقلاً بين دمشق وحمص حتى وتوفي عن عمر ناهز 84 عاماً سنة 1982.