الشهر: أبريل 2023

  • نزار قباني

    نزار توفيق قباني (21 آذار 1923 – 30 نيسان 1998)، شاعر سوري وأحد أبرز الشعراء العرب في القرن العشرين، ولد بدمشق لأسرة دمشقية عريقة تهتمّ بالعلم والثقافة، وتشتغل بالتجارة ومنها أبو خليل القباني رائد المسرح الغنائي في سورية ومصر.

    نزار قباني شاعر النصف الثاني من القرن العشرين بلا منازع، فهو أكثر شعراء العربية إنتاجاً وشهرة ومبيعاً وجماهيريةً؛ لأسلوبه السهل الممتنع، وشفافية شعره، وغنائيته الأخّاذة، وقد اشتغل هذا الشاعر على موضوعين رئيسين: المرأة والسياسة.

    لقب بشاعر المرأة في العربية، فقد نحت صورتها وسوّاها إلى أن جعلها وردةً دائمة الأريج من جهة، وهو الذي دعاها إلى أن تثور على وضعها الدوني من جهة أخرى، فكان شعره فيها جمالياً وتحرّريّاً، ففي أعماله الأولى «قالت لي السمراء» و«طفولة نهد» و«سامبا» و«أنت لي» و«قصائد» شيء من الحسية ووصف لمفاتن الجسد وجماليته في الوقت نفسه.

    حياته المبكرة

    ولد نزار في دمشق القديمة في حيّ «مئذنة الشحم» وشبّ وترعرع في بيتٍ دمشقيّ تقليديّ، وبحسب ما يقول في مذكراته، فقد ورث القباني من أبيه، ميله نحو الشعر كما ورث عن جدّه حبه للفن بمختلف أشكاله. يقول في مذكراته أيضًا، أنه خلال طفولته كان يحبّ الرسم ولذلك «وجد نفسه بين الخامسة والثانية عشرة من عمره غارقًا في بحر من الألوان»

    وقد ذكر أن سِرّ مَحبّته للجمال والألوان واللون الأخضر بالذات أنه في منزلهم الدمشقي كان لديهم أغلب أصناف الزروع الشاميّة من زنبق وريحان وياسمين ونعناع ونارنج. وكأي فتىً في سنّ المراهقة، احتار كثيرًا ماذا يفعل، فبدأ بكونه خطّاطًا تتلمذ ثم اتّجه للرسم، ومن ثم شُغف بالموسيقى، وتعلّم على يد أستاذ خاصٍ العزفَ والتلحين على آلة العود، لكنّ الدراسة خاصة خلال المرحلة الثانوية، جعلته يعتكف عنها. ثُمّ رسا بالنهاية على الشعر، وراح يحفظ أشعار عمر بن أبي ربيعة، وجميل بثينة، وطرفة ابن العبد، وقيس بن الملوح، متتلمذًا على يدِ الشاعر خليل مردم بِك وقد علّمه أصول النحو والصرف والبديع.

    دراسته وعمله

    كان والده حريصاً على أن يتعلّم ولده الثقافتين العربية والفرنسية بعيداً عن المدارس التي كانت سائدة في دمشق والتي تهتم بإحدى الثقافتين، ولذلك أدخله الكلية العلمية الوطنية التي كانت تجمع بين الثقافتين العربية والفرنسية، ثم تخرج في كلية الحقوق بالجامعة السورية سنة 1944؛ ليعمل في السلك الدبلوماسي، فألحق بسفارة بلده في القاهرة، ثمّ تنقل في هذه الوظيفة من بلد إلى آخر إلى أن استقال سنة 1966؛ ليؤسس داراً للنشر باسمه في بيروت.

    أتقن نزار قباني، إضافة إلى اللغة العربية، اللغة الفرنسية في بلده وفي أثناء عمله في باريس، كما أتقن اللغة الإنكليزية التي تعلمها في موطنها في أثناء عمله في السفارة السورية في لندن (1952ـــ1955)، وتعلم اللغة الإسبانية في موطنها حين كان يعمل في السفارة السورية في مدريد (1962ـــ1966)، كما عمل في السفارة السورية في بكّين وطوكيو.

    مؤلفاته

    عام 1939 كان نزار في رحلة مدرسية بحريّة إلى روما، حين كتب أول أبياته الشعريّة متغزلًا بالأمواج والأسماك التي تسبح فيها، وله من العمر حينها 16 عامًا، ويعتبر تاريخ 15 أغسطس 1939 تاريخًا لميلاد نزار الشعري، كما يقول متابعوه.

    ونشر خلال دراسته الحقوق أولى دواوينه الشعريّة وهو ديوان «قالت لي السمراء» حيث قام بطبعه على نفقته الخاصة، وقد أثارت قصائد ديوانه الأول، جدلًا في الأوساط التعليمية في الجامعة وقد كتبَ له مُقدّمة الديوان منير العجلاني الذي أحبّ القصائد ووافق عليها. وقد ذاع صيته بعد نشر الديوان كشاعر إباحي. وفي تعليقه حول صدور ديوانه الأوّل كتب:

    قالت لي السمراء حين صدوره أحدث وجعًا عميقًا في جسد المدينة التي ترفض أن تعترف بجسدها أو بأحلامها… لقد هاجموني بشراسة وحش مطعون، وكان لحمي يومئذ طريًا.

    أصدر نزار قباني قصيدة طويلة بعنوان «دنيا الحروب» عام 1941، ثم أصدر بعد ذلك نحو إحدى وأربعين مجموعة شعرية ونثرية، وكانت مجموعته الشعرية الأولى «قالت لي السمراء» سنة 1944، ثم أصدر بعد ذلك مجموعاته الشعرية الآتية: «طفولة نهد» و«سامبا»، و«أنتِ لي» و«قصائد» و«حبيبتي» و«الرسم بالكلمات» و«يوميات امرأة لا مبالية» و«قصائد متوحشة» و«كتاب الحبّ»، وهذه المجموعات العشر هي مجموع ما تضمنه المجلد الأول من الأعمال الشعرية الكاملة، كما تضمن المجلد الثاني سبع مجموعات شعرية أخرى هي: «أشعار خارجة على القانون» و«أحبّكِ.. أحبُّكِ والبقية تأتي» و«إلى بيروت الأنثى مع حبّي» و«100رسالة حب» و«كل عام وأنت حبيبتي» و«أشهد أن لا امرأة إلاّ أنتِ» و«هكذا أكتب تاريخ النساء»

    وتضمن المجلد الثالث بعض أعماله السياسية، وأهمها: «هوامش على دفتر النكسة» و«الممثلون» و«الاستجواب» و«فتح» و«شعراء الأرض المحتلة»، وتضمن المجلّد الرابع من أعماله الكاملة: «قصيدة بلقيس» و«الحبّ لا يقف عند الضوء الأحمر» و«سيبقى الحبّ سيّدي». أما المجلد الخامس فقد تضمن «الأوراق السّرية لعاشق قرمطي» و«لا غالب إلاّ الحبّ» و«هل تسمعين صهيل أحزاني»، في حين يتضمن المجلد السادس بعض أعماله الشعرية السياسية، وهي «قصائد مغضوب عليها» و«تزوجتك أيتها الحرية» و«الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق» و«هوامش على دفتر النكسة».

    أما المجلدان السابع والثامن فهما في نثر نزار، وتضمن المجلد السابع الأعمال النثرية الآتية: «الشعر قنديل أخضر» و«قصتي مع الشعر» و«عن الشعر والجنس والثورة» و«المرأة في شعري وفي حياتي»، في حين يتضمن المجلد الثامن الأعمال الآتية: «ما هو الشعر؟» و«العصافير لا تطلب تأشيرة دخول» و«لعبت بإتقان وها هي مفاتيحي» و«جمهورية جندستان»؛ وهي مسرحية، وهناك أعماله الشعرية التي أصدرها في مجموعات، كـ«أنا رجل واحد… وأنتِ قبيلة من النساء» الصادر في سنة 1993.

    المرآة في شعر نزار

    يتعانق في قصائد نزار في المرأة الوصفان الحسيّان: الخارجي والداخلي، والجمال والرغبة، والصراحة والتلميح؛ ولذلك كان نزار قريباً من المرأة وإحساساتها، وأراد منها أن تكون ندّاً لرفيقها الذكر وشريكاً له في المجتمع الإنساني، ولاتكون هذه الشراكة سليمة إلا إذا كانت مبنية على أساس متين؛ هو الحبّ والتفاهم والصداقة والاحترام، فمن ذلك المقطع الأول من قصيدته «صباحك سكِّر:

    إذا مرّ يوم ٌ. ولم أتذكّرْ

    به أن أقولَ: صباحُكِ سكّرْ..

    ورحتُ أخطٌّ كطفلٍ صغيرٍ

    كلاماً غريباً على وجه دفترْ

    فلا تضْجري مِنْ ذهولي وصمتي

    ولا تحسبي أنّ شيئاً تغيّرْ

    فحين أنا. لا أقولُ : أُحبُّ..

    فمعناهُ أني أُحبّكِ أكثرْ….

    وقد حاول نزار من جانب آخر أن يحرّر جسد المرأة من أن يكون سلعة تُباع وتُشرى إلى غاية إنسانية نبيلة، ومن إرادة مسلوبة إلى سلطة الإرادة، فهي إنسان كامل لها ما للرجل من إرادة وإحساسات وعواطف، وهي صاحبة الحق الكامل في حياتها، ولذلك دعاها إلى الثورة على بعض العادات الدخيلة في المجتمع في كثير من قصائده، كما دعاها إلى رفض الظلم والتمرد على كل ما يقف في طريق تحقيق إنسانيّتها، وقد تجلّى ذلك في عمله الشعري الرائد «يوميات امرأة لا مبالية» الذي استهله بهذا الخطاب النزاري العنيف:

    ثُوري ! أحبّكِ أن تَثُوري..

    ثُوري على شرق ِ السبايا.. والتكايا.. والبخُورِ

    ثُوري على التاريخ ِ، وانتصري على الوهم ِ الكبيرِ

    لا ترهبي أحداً، فإنَّ الشمسَ مقبرةُ النسورِ

    ثوري على شرق ٍ يراكِ وليمة ً فوق السريرِ

    وثمة أمر ينبغي أن يشار إليه في هذا المقام، وهو أن القارئ يجد كثيراً من الأوصاف الحسية في بعض قصائد نزار، وهي في حقيقة الأمر لا تتناقض كل التناقض مع دعوته إلى تحرير المرأة، وقد تجلّت هذه الظاهرة في عمله الطويل «يوميات امرأة لا مبالية»، فالخطان يسيران جنباً إلى جنب، فالاعترافات تكشف عن اعتزاز هذه الأنثى بجسدها الذي أراده خالق الكون على ما هو عليه، وهي في الوقت ذاته تسعى إلى أن تكون إنساناً حرّاً ومسؤولاً.

    نزار والسياسة

    شعره السياسي لا يقلّ عن شعره في المرأة شهرةً وانتشاراً على الرغم من أنّ نزاراً لم ينتم ِ إلى أيّ حزب سياسي يحتضنه، ويشجّع شعره، كما هي الحالة عند معظم الشعراء العرب المعاصرين المشهورين، وعلى الرغم من أنّ صوت نزار كان قبل النكسة سنة 1967 مخصصاً في الجملة لموضوعات المرأة جمالاً وتحريراً إلا أن المجتمع العربي لم يغب عن ذهنه، وقد تبدى ذلك في قصيدته «غرناطة» وهي حوارية بينه وبين صبية إسبانية حسناء:

    سارت معي.. والشعر يلهث خلفها

    كسنابلٍ تُركت بغير حصادِ

    يتألق القُرْط الطويل بجيدهــا

    مثل الشموع بليلةِ الميلادِ

    وكذلك تبدى اهتمامه بالمجتمع في قصيدته الشهيرة «خُبزٌ وحشيشٌ وقمر»، إذ حاول أن يتلمس فيها أسباب التخلف الاجتماعي الذي تعيشه الأمة، فوصف حالات التواكل التي تنتاب المواطنين وهم يتسجدون السماء، ويزورون قبور الأولياء، ويمضغون التبغ والأفيون، ويبحثون عن الخبز ويهتزون طرباً لبطولات القدماء:

    في بلادي.. في بلاد البسطاء

    حيثُ نجترُّ التواشيح الطويله..

    ذلك السُّلُّ الذي يفتك بالشرقِ

    ولكن لما حصلت النكسة بصدمتها التاريخية البالغة أصبح نزار شاعر السياسة الأول في قصيدته التي أحدثت ضجّة حينذاك، وتلقـّـفها الناس كالخبز والماء والدواء «هوامش على دفتر النكسة» ومن مقاطعها:

    يا وطني الحزينْ

    حوَّلتَني بلحظةٍ

    من شاعرٍ يكتبُ شعرَ الحبّ والحنينْ

    لشاعر ٍيكتبُ بالسّكّينْ

    كان نزار ضمير المرأة، فأصبح ضمير الأمة، فغنى كما لم يغنِّ شاعر من قبل لدمشق، فهي في شعره أمّ الدنيا ومدينة الطيب ومركز الفتح العربي، وقلب العروبة في كلّ زمان ومكان، وهو جزء لا يتجزّأ منها، فهي موطنه وأرض أجداده، وفيها ملاعب طفولته وصباه وشبابه، ثم هي مدينة الجمال والتاريخ والبطولات، ولذلك يقول في إحدى قصائده:

    قمرٌ دمشقيّ ٌ يُسافرُ في دمــــي

    وبلابلٌ وسنابِلٌ.. وقبــــــــَابُ

    الفلّ ُ يبدأ من دمشق بياضـــــهُ

    وبعطرها تتطيَّبُ الأطيـــــابُ

    والماءُ يبدأ من دمشق.. فحيثما

    أسندتَ رأسَكَ، جدولٌ ينسابُ

    وغنّى نزار لبيروت كما غنّى لدمشق، وخاصة أنها المدينة التي احتضنته طويلاً، وآلمه ما حلَّ بها من أحداث موجعة في الحرب الأهلية، فنظم لها عدداً من القصائد، ومنها «يا ستّ الدنيا يا بيروت» و«سبع رسائل ضائعة في بريد بيروت» و«بيروت محظيتكم… بيروت حبيبتي» و«إلى بيروت الأنثى مع الاعتذار»، ومن قصيدته الأولى:

    ماذا نتكلَّمُ يا بيروت

    وفي عينيكِ خلاصة ُ حزن البشريَّهْ

    وعلى نهديكِ المحترقين.. رمادُ الحرب الأهليهْ

    من كان يفكّرُ أن نتلاقى – يا بيروتُ- وأنتِ خرابْ؟

    وغنّى نزار للقدس الجريحة غناءً ممزوجاً بالحسرة على واقعها الراهن متفائلاً بمستقبلها العربي:

    يا قدسُ يا حبيبتي/ غداً.. غداً سيزهرُ الليمونْ

    وتفرحُ السنابلُ الخضراءُ والغصونْ

    وتضحكُ العيونْ

    وترجعُ الحمائمُ المهاجرهْ

    إلى السُّقوفِ الطاهرة

    وغنّى للحرية أيضاً وغنّى للوحدة العربية، ورفض أن يكون هذا العالم المجزأ وطنه العربي في قصيدته «قرص الأسبرين»:

    ليس هذا الوطن المصنوعُ من عشرين كانتوناً..

    ومن عشرين دكاناً

    ومن عشرين صرّافاً وحلا ّقاً وشرطيّاً وطبّالاً.. وراقصةً

    يُسَمَّى وطني الكبير

    وانتقد مسار الهرولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني في «المهرولون» و«عرب ما تحت الصفر» وسوى ذلك كثير كثير.

    عائلته

    تنحدرُ عائلة القبّاني من أسرة عربيّة حجازية ترجع بنسبها إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين، ثم انتقلت إلى جهة العراق فأقام أجدادها فيها، وفي عهد الحروب الصليبية أقبل بعضهم إلى سوريا، ثم تشعّبوا في بلاد الشام. والده هو توفيق القبّاني امتلك مصنع لإنتاج الحلويات والمُلبّس، كما شاركَ في المُقاومةِ الوطنيّة ضد الانتداب الفرنسيّ، وكان منزله مكانًا لاجتماع أقطابِ المُعارضة الوطنيّة في العشرينيات من القرن المُنصرم. وجدّه هو أبو خليل القباني الرائد المسرحي الشهير. ولدى نزار شقيقتين هما: وصال وهيفاء قباني. وثلاث أشّقاء هم: معتز ورشيد وصباح قباني الذي ترأس هيئة الإذاعة والتلفزيون السوريّة في ستينيات القرن العشرين، ثُمّ سفيرًا لسوريا في الولايات المتحدة.

    والدته فايزة آقبيق من أصلٍ تُركي، وكان نزار متعلقًا بها كثيرًا، ويُقال أنها ظلت ترضعه من صدرها حتى بلغ السابعة من عمره، وتطعمه الطعام بيدها حتى بلغ الثالثة عشرة من عمره، حتى قالوا عنه إنه يعاني من عقدة أوديب. وكتب لها قصائدًا كثيرة يدمج فيها بين حنينه لدمشق مهده الأول وحنينه لأمه. وقصائده عن أمّه في ديوانه الرسم بالكلمات خير دليل على شغف الطفل بصورة الأم التي ألهمته في نصوصه.

    حياته الشخصية

    تزوج نزار مرتين كانت الأولى من ابنة خاله زهراء آقبيق في سنة 1946، وأنجب منها هدباء وتوفيق، ولكنّ هذا الزواج أخفق؛ ليتزوج مرة ثانية من بلقيس الراوي (عراقية) التي التقى بها في أمسية شعريّة في بغداد، وأنجب منها عمر وزينب.

    عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، ومن أهمّ الأحداث التي أثرت في مسيرة حياته الشعرية انتحار أخته وصال سنة 1938، لأنها لم تستطع أن تتزوج بمن تحبّ، فكان هذا الحدث المؤلم دافعاً قويّاً في اتجاه شعره الغزلي إلى قضية أساسية هي تحرير المرأة. ومنها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق عام 1973 الذي كان طالبًا بكلية طب جامعة القاهرة في السنة الخامسة، والذي رثاه في قصيدته «الأمير الخرافي توفيق قباني».

    وفاته

    نزار وبلقيس

    بعد مقتل زوجته بلقيس، غادر نزار لبنان وكان يتنقل بين باريس وجنيف حتى استقر في النهاية في لندن وعاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا فيها، حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة «متى يعلنون وفاة العرب؟»، وقد وافته المنية هناك في 30 أبريل 1998 إثر نوبة قلبية، ودفن في مسقط رأسه، دمشق، في مقبرة الباب الصغير.

    شيع جثمانه في جنازة رسمية وشعبية مهيبة شارك بها مختلف أطياف المجتمع السوري إلى جانب فنانين ومثقفين سوريين وعرب، وقد أطلق اسمه على أحد شوارع دمشق في حي أبو رمانة.

    ولقد كتبت عن جنازته الدكتورة ناديا خوست ما يلي: «وكانت طائرة خاصة سورية أرسلها الرئيس السوري قد نقلت جثمانه من لندن إلى دمشق. فخطف الدمشقيون تابوته، وحملوه على الأكتاف في موكب شعبي لم تشهد دمشق مثله إلا يوم تشييع رجل الاستقلال فخري البارودي مؤلف الأناشيد التي تناقلتها الشعوب العربية. حمله الناس إلى الجامع الأموي…وصلوا عليه، ثم حملوه على أكتافهم إلى المقبرة. قطعوا دمشق من شمالها إلى جنوبها مشيا.»

     

  • سينما أمبير

    سينما أمبير، كان موضعها عند مدخل بوابة الصالحية، بجوار محل المصور جورج درزي وسينما أمير التي شيّدت إلى الشمال منها. في مرحلة الأربعينيات كان اسمها سينما شهرزاد وأطلق عليها اسم سينما فريال حتى بدايات العام 1958، عندما أصبحت تعرف بسينما القاهرة في زمن الوحدة السورية المصرية. وفي بداية عهد الانفصال عام 1961 تحول الاسم الى سينما الفيحاء، ثم تغير الى اسم سينما أوغاريت، وبقي كذلك حتى إخلاء المكان وإزالة السينما في منتصف السبعينات.

  • المشفى الفرنسي

    المشفى الفرنسي، مستشفى فرنسي في حيّ القصّاع مقابل المستشفى الإنجليزي، أسس في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ولا يزال قائماً إلى اليوم. صدر فرمان التأسيس في 13 أيار 1902 بناء على طلب من راهبات المحبة الفرنسيات، وخصص له قسم من وقف بناء الأسطواني على أن يتحمل الراهبات جميع نفقات الإنشاء والتشغيل.  كان المشفى مخصصاً لمرضى الجذام، وقد تعاون على تأسيسه القديس منصور دي بول الذي كان من عائلة فرنسية ثرية. بعدها تحول إلى مستشفى شامل يضم جميع الاختصاصات الجراحية، وهو مصمم بأسلوب العنابر والمهاجع.

    توقف العمل في المستشفى في أعقاب الحرب العالمية الأولى وعاد العمل به عشيّة دخول القوات الأسترالية والبريطانية دمشق في 1 تشرين الأول 1918. وفي عام 1925 قامت سلطات الانتداب الفرنسي بشق طريق من بوابة الصالحية إلى باب توما لسرعة توصيل الجرحى الفرنسيين أثناء الثورة السورية الكبرى واستخدم مدخل المستشفى يومها كمركز لوقوف المركبات العسكرية خوفاً من هجوم الثوار على المستشفى للتخلص من الجنود الفرنسيين المصابين داخله.

    المستشفى الفرنسي اليوم

    يعمل في المشفى اليوم حوالي 13 راهبة يقدمن خدماتهن للمرضى بشكل تطوعي، إضافة إلى 70 طبيب تقريباً ما بين متعاقد وزائر. أما التمويل، وعلى الرغم من تسمية المشفى، فإنه لا يتلقى تمويلاً من الحكومة الفرنسية، وتمويله ذاتي، يأتي من أجور العمليات والخدمات الطبية، كما أن الإعفاءات الجمركية والضريبية التي يحصل عليها من الدولة السورية تساعده على التوفير والتمويل.

    أقسام المشفى

    • قسم الحواضن.
    • قسم الإسعاف.
    • قسم الأشعة.
    • قسم التنظير.
    • قسم الكلية الاصطناعية.
    • قسم المخبر ونقل الدم.
    • قسم العيادات الخارجية.
    • غرف الإقامة قسم الداخلية ( A و B) .
    • قسم الجراحة ( A و B).
    • قسم الإقامة المؤقتة.
    • قسم التوليد.
    • قسم العناية المشددة .
    • قسم العمليات الجراحية.

    من أبرز مدراء المستشفى

    من أبرز المدراء الذين تولوا إدارة المستشفى الفرنسي كان الدكتور جوزيف شارل الذي رفض مغادرة دمشق عندما قطعت العلاقات بين سورية وفرنسا إبان العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. طلبت السفارة الفرنسية من رعاياها مغادرة سورية ولكنه رفض وببقي على رأس عمله وأوصى بدفنه داخل حديقة المستشفى وعدم نقل جثمانه إلى فرنسا يوم وفاته سنة 1963. ولا يزال قبره موجود في القسم الجنوبي لحديقة المستشفى الخلفية.

  • عيد الجلاء الأول في 17 نيسان 1946

    عيد الجلاء الأول، يوم تحرير سورية من الانتداب الفرنسي في 17 نيسان 1946. اعتبر هذا اليوم عيداً وطنياً في سورية، تُعطل فيه المدارس والدوائر الحكومية كافّة، ويتلقى رئيس الجمهورية برقيات التهنئة من الملوك والرؤساء العرب والأجانب. كانت سورية قبلها تحتفل بعيد الاستقلال عن الدولة العثمانية في 8 آذار 1920، ولكنّه ألغي مع فرض الانتداب واستبدل بعيد الجلاء ابتداء من العام 1946.

    عيد الجلاء الأول

    بدأ العيد الوطني في الساعة الثامنة من صباح يوم الأربعاء في 17 نيسان 1946 بإطلاق واحد وعشرين طلقة مدفع من قلعة دمشق، معلنة جلاء آخر جندي فرنسي عن الأراضي السورية. كان الانسحاب الفرنسي قد بدأ منذ حزيران 1945 وانتهى في 6 نيسان 1946، ولكن العيد أُجّل بطلب من رئيس الجمهورية شكري القوتلي لتعارضه مع أعياد عيد الفصح وثُبّت رسمياً بتاريخ 17 نيسان.

    ترافق إطلاق المدافع مع تكبير الجوامع وقرع أجراس الكنائس، وخرج الناس إلى الشوارع والساحات العامة لمشاهدة الاستعراض العسكري في شارع بيروت، الذي سمّي من يومها بشارع الرئيس شكري القوتلي. خرج الرئيس القوتلي من القصر الجمهوري في منطقة المهاجرين في سيارة سوداء مكشوفة، واقفاً إلى يمينه رئيس الحكومة سعد الله الجابري، وتوجوا معاً إلى مكان الاستعراض حيث نصبت منصة كبيرة لاستقبال الضيوف. خفضت الدولة السورية قيمة التنقلات العامة بدمشق بقيمة %50 يومها وامتلت فنادق العاصمة بشكل كامل حيث قُدّر عدد القادمين من بقية المحافظات السورية والبلدان العربية بما لا يقل عن خمسة وسبعين ألف زائر.

    الضيوف العرب والسوريين

    حضرت من الدول العربية وفود رسمية وشعبية لمشاركة سورية احتفالها الوطني، وفي مقدمتها

    جلس الضيوف العرب في الصف الأول، إلى جانب رئيس الجمهورية السورية الأسبق هاشم الأتاسي ومعه وزير الخارجية جميل مردم بك ورؤساء الحكومات السابقون لطفي الحفار ونصوحي البخاري وحسني البرازي وحسن الحكيم، وغاب عن العرض رؤساء الدولة السورية السابقون صبحي بركات، المقيم يومها في أنطاكيا، والداماد أحمد نامي المقيم في بيروت.  كما غاب عن العرض سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى بسبب خلافه سياسي مع الرئيس القوتلي وأقام عرض منفصل في جبل الدروز.

    الرئيس القوتلي مستقبلاً الأمير فيصل بن عبد العزيز أمام السراي الحكومة في ساحة المرجة.
    الرئيس القوتلي مستقبلاً الأمير فيصل بن عبد العزيز أمام السراي الحكومة في ساحة المرجة.

    العرض العسكري

    استُقبل الرئيس القوتلي على المنصة من قبل رئيس مجلس النواب فارس الخوري وبدأ العرض العسكري بقطعات من الجيش السوري الوليد، ومعهم سبعة جنود يحملون سبعة أعلام الدول العربية المشاركة بالعيد (سورية – مصر – الأردن – السعودية – العراق – لبنانفلسطين). تلاهم قطعات من الجيوش العربية وفرسان الجيش السوري على خيولهم البيضاء، مع استعراض سلاح الجو العراقي في سماء دمشق بمشاركة الطيار السوري وديع مقعبري (الذي أصبح قائداً لسلاح الجو السوري في مرحلة الخمسينيات).

    جاءت بعدها فرقة من الدرك، تلتها فرق من الكشّاف السوري يحملون صورة كبير للشهيد يوسف العظمة، بطل معركة ميسلون الذي استشهد في مقاومة الفرنسيين يوم 24 تموز 1920. وحمل شباب الكشّاف لوحة كبيرة كُتب عليها “يا ظلام السجن خيّم” من شعر الصحفي السوري نجيب الريّس. ردد الجماهير بصوت واحد: “إننا نهوى الظلام ليس بعد الظُلم إلا فجرُ مجدٍ يتسامى.” ثم تقدمت بنات المدارس من السرادق بلباسهم الأبيض، يحملون أكياساً فيها حفنة تراب من كل المدن السورية، قدموها للرئيس القوتلي، وبعدهم كان عرضاً خاصاً لمجاهدي الثورة السورية الكبرى، يحملون بنادقهم القديمة التي رفعت في وجه فرنسا سنة 1925.

    خطاب الرئيس القوتلي

    خطب القوتلي بالجماهير بعدها من على شرفة السراي الكبير في ساحة المرجة قائلاً:

    خطاب الرئيس القوتلي سنة 1946.
    خطاب الرئيس القوتلي سنة 1946.

    بني وطني…

    أهنئ اليوم هذه الأمة، شباباً وشيباً، هلالاً وصليباً. أهنئ ذلك الفلاح، دعاه داعي الوطن فلباه، هجر مزرعته وتنكب بندقيته، وراح يذود عن أمته ويثأر لكرامته. أهنئ العامل الكادح، يجعل من نفسه لوطنه الفداء، وهو فيما يصيبه لمن السعداء. أهنئ ذلك الطالب، تتأجج روحه حماسة، ويغلي مرجله إباء. 

    أهنئ الأستاذ يبث العزة القومية، والشاعر يهز الروح الوطنية، والكاتب ينافح عن الحق ويشدد العزائم. أهنئ ذلك التاجر طالما غادر متجره احتجاجاً على ظلم صارخ، ودفعاً لعدوان نازل. أهنئ رجل الأحياء تثيره النخوة ويستجيب للحمية. وأبارك للسيدة تؤدي واجبها جهداً وثباتاً وصبراً.

    وفي المساء، أقيمت مأدبة عشاء للضيوف العرب في القصر الجمهورية، وخرجت مسيرة مشاعل في شارع النصر، نظمها الزعيم الوطني فخري البارودي.

    عيد الجلاء في سنوات لاحقة

    بقي الاستعراض العسكري جزءاً من الاحتفال السنوي بعيد الجلاء وفي احتفالات العيد العاشر سنة 1956 شاركت وحدات من الجيش المصري بالعرض، بطلب من الرئيس جمال عبد الناصر. ألغي الاحتفال في سنوات الوحدة السورية المصرية (1958-1961) واعتمد تاريخ 23 تموز عيداً وطنياً للجمهورية العربية المتحدة، وهي ذكرى ثورة يوليو التي قاده عبد الناصر ورفاقه الضباط الأحرار على الملك فاروق سنة 1952. عاد الاحتفال بعيد الجلاء في زمن الانفصال وفي السنة الأولى من حكم حزب البعث، ليتم إلغاء الاستعراض العسكري في 17 نيسان 1964 والاكتفاء بتعطيل دوائر الحكومة، وذلك بسبب القلاقل الأمنية الدائرة يومها بين رئيس الدولة أمين الحافظ وجماعة الإخوان المسلمين.

  • الصالحية

    الصالحية، أحد أشهر أحياء مدينة دمشق على سفح جبل قاسيون إلى الشمال من المدينة القديمة، اشتهر ببيوته ومدارسه والزوايا الدينية المنتشرة فيه. توسع الحيّ القديم في النصف الأول من القرن العشرين من المنطقة الكائنة بين المهاجرين وركن الدين إلى بوابة الصالحية جنوباً وجامع الأربعين شمالاً، ومن مسجد أبو النور شرقاً إلى العفيف غرباً. تشكل الحيّ الأصلي بشكل تدريجي خلال الفترات الزنكية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، وفيه اليوم العديد من الفعاليات الثقافية ودور السينما والمطاعم والمباني الحكومية، إضافة لعدد من المباني التاريخية الهامة.

    البداية مع آل قدامة

    تعود بدايات الصالحية إلى سنة 1156، عندما هاجر إليها الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي من قريته جمّاعين القريبة من نابلس بسبب ملاحقة الصليبيين له. وصل دمشق ومعه ثلاثة من أقربائه وقرر المقام فيها، ثم طلب من أولاده وأصهاره أن يلحقوا به. حطت قافلة الأقرباء رحالها عند جامع أبي صالح الحنبلي في باب شرقي وتتابعت الهجرة بعد ذلك إلى هذا المسجد، وعرفوا بآل قدامة. انتقلوا بعدها إلى الصالحية على ضفة نهر يزيد عند سفح جبل قاسيون، وأعجب الشيخ أحمد بن قدامه بجمال الموقع المطل على مدينة دمشق. نزل إلى النهر فتوضأ منه وجعل على ضفته حجراً وضعه جهة القبلة وصلى هناك وقال: “ما هذا إلا موضع مبارك”.

    بنا الشيخ وأولاده داراً على أنقاض دير مهجور سمي “دير الحنابلة”، لا يزال قائماً إلى الآن ويُسمى بحارة الدير، وهي أول ما أنشئ من حيّ الصالحية. ثم أخذت الدور تتكاثر وازداد نشاطهم في تشييد الحوانيت بعد توالي الهجرات من بيت المقدس وأكناف بيت المقدس. ذاع صيت الشيخ أحمد فأخذ أهل دمشق يفدون إليه ويزورونه، وفي مقدمتهم السلطان نور الدين زنكي.

    التسمية

    تشير معظم الروايات التاريخية أن سبب تسمية الصالحية بهذا الاسم يرجع إلى بنو قدامة الذين سكنوا المنطقة وكانوا أهل صلاح فسُمّيت المنطقة بالصالحية. وهذا ما يؤكده المؤرخ الدمشقي، المقدسي الأصل، أبا شامة عبد الرحمن بن إسماعيل إذ يقول: “بهم سمّيت الصالحية لصلاحهم،” وهو ما أثبته الشيخ الشيخ محمد أحمد دهمان في كتابه المحقق “تاريخ الصالحية.”

    أحياء الصالحية

    ينقسم حي الصالحية إلى منطقتين رئيسيتين:

    حي الصالحية القديم: وهو الحي الذي أنشأه بنو قدامة على سفح جبل قاسيون ممتداً لقمّة الجبل، ينقسم إلى منطقتين أساسيتين هما أبو جرش، وحيّ الأكراد (ركن الدين). اشتهر الحي القديم من الصالحية بكثرة آثار الأولين إذ يحتوي على كهوف ومغارات مثل:

    وفي الحي القديم عدة مدارس دينية منها سبعة مازالت قائمة: الضيائية، الصاحبة، الأتابكية، الجهاركسية (الجركسية)، الشبلية، القاهرية، اليغمورية. ومنها ما قد اندثر وهي مدارس: البهنسية، المقدمية، المعظمية، الغلمية، الميطورية، العزيزية، القلانسية.

    وفيه مساجد وزوايا صوفية ودور للقرآن الكريم:

    مدافن الصالحية القديمة

    وقد بلغ عدد مدافن الصالحية أربعين تربةً ملأت المنطقة قباباً وقبوراً للأمراء والكبراء، إلى جانب قبور العامة. بعضها اندثر، وبعضها ما يزال قائماً حتى اليوم وأهمها:

    كما يوجد في الحيّ التكية السليمية والبيمارستان القميري وسوق شعبي مكتظ يعرف باسم سوق الجمعة ممتد من ركن الدين شرقاً إلى منطقة العفيف غرباً.

    حي الصالحية الحديث

    بدأ سنة 1903 توسع العمار في الصالحية القديمة باتجاه الأحياء الحديثة من مدينة دمشق، وظهرت بوابة الصالحية وجادة البرلمان والشهداء وعرنوس. تحوّلت المنطقة إلى حي سكني سنة 1921 حينما بدأت تسكنها العائلات الفرنسية وصار يمر بها الترامواي القادم من ساحة المرجة. ويحتوي حيّ الصالحية الحديث على العديد من المعالم العمرانية المهمة:

    • المستشفى العسكري العثماني الذي شيد عام 1865 وهدم عام 1949.
    • مبنى المحاربين القدماء الذي شيد عام 1897، وهدم في منتصف ثمانينات القرن العشرين وشيد مكانه وزارة الاقتصاد.
    • مبنى رئاسة الأركان الفرنسية الذي هدم في بداية الخمسينيات وشيد مكانه مبنى جديد هو بناية الصناعي عبد الحميد دياب.
    • نادي الضباط الفرنسي (أصبح اليوم نادي ضباط الجيش العربي السوري).
    • سينما الأمبير في شارع 29 أيار.
    • محل المصور جورج درزي.
    • صالة مفروشات مبيّض التي أنشأت في طريق الصالحية سنة 1920.
    • سينما جناق قلعة، التي أحرقت وشُيّد مكانها مبنى البرلمان.
    • مبنى المعهد العربي الاسلامي، الذي شيده آل القباني في أوائل الثمانينات من القرن التاسع عشر ويرتفع مكانه حالياً برج الصالحية الشهير.
    • المدرسة الماردانية التي أنشأتها خاتون زوجة الملك الأيوبي.

    أشهر معالم الحي التي مازالت قائمة حتى يومنا الحالي:

    أما عن السوق الذي نشأ فيها فقد جاء لينافس سوق الحميدية القديم بإحضار بضائع أغلى وأحدث تتناسب مع الطبقة البرجوازية التي كانت تسكن في جواره، أما في يومنا الحالي فإن ذات السوق تحول لسوق شعبي بعد أن ظهرت أسواق أكثر حداثة.

    ومن أشهر أهالي الصالحية

  • نقولا شاهين

    المفوض نقولا شاهين
    المفوض نقولا شاهين

    نقولا شاهين (1859-1932)، ضابط أمن سوري من دمشق، خدم في سلك الشرطة العثماني وعُيّن مديراً لشرطة دمشق بالوكالة إبان الثورة السورية الكبرى سنة 1925.

    البداية

    ولد نقولا شاهين في حيّ القيمرية بدمشق وهو سليل عائلة مسيحية أرثوذوكسية. درس اللغات الأجنبية في الكنيسة وعلى يد مدرسيين خصوصيين وعمل في شبابه ممثلاً هاوياً في فرقة أبى خليل القباني المسرحية، قبل تعيينه في مديرية الترجمة التابعة لمجلس ولاية سورية. انتقل سنة 1875 إلى مديرية الشرطة العثمانية وتدرج في مناصبها ليصبح مديراً إدارياً للشرطة القضائية بدمشق سنة 1915.

    الاعتقال

    تعاطف نقولا شاهين من القوميين العرب وأدان قرار إعدام مجموعة كبيرة منهم في بيروت ودمشق يوم 6 أيار 1916. أدى تعاطفه مع القوميين العرب إلى تسريحه من الخدمة واعتقاله بأمر من جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية. وبعد خروجه من السجن غاب حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عن أي وظيفة حكومية وأعيد إلى الخدمة في عهد الملك فيصل الأول سنة 1919.

    العودة إلى الخدمة

    وفي نهاية العام 1920 عُيّن شاهين نائباً ومعاوناً لقائد شرطة دمشق أحمد حمدي الجلّاد في مطلع عهد الانتداب الفرنسي. وعند اعتقال الجلّاد وتسريحه من العمل سنة 1925، سمّي شاهين مديراً بالوكالة لشرطة دمشق، ثم مديراً إدارية للشرطة حتى تقاعده عام 1928.

    الوفاة

    توفي المفوض الممتاز نقولا شاهين عن عمر ناهز 73 عاماً سنة 1932.

    عائلة نقولا شاهين

    اشتهر أبناء نقولا شاهين من بعده وأصبح أكبرهم الدكتور أنسطاس شاهين عميداً لكلية الطب في جامعة دمشق سنة 1949 وعُيّن الأصغر جورج شاهين وزيراً للمالية في حكومة الرئيس أديب الشيشكلي سنة 1953. وفي سبعينيات القرن العشرين ظهر حفيده الدكتور نقولا شاهين كأشهر طبيب أنف وأذن وحنجرة في سورية وكان أحد الشركاء المؤسسين في مستشفى الطبي الجراحي في شارع بغداد.

    المناصب

    مدير شرطة دمشق (1925)

     

     

  • نادية الغزّي

    نادية الغزّي (1936-)، كاتبة ومحامية وإعلامية سورية من دمشق، شاركت في تأسيس التلفزيون السوري سنة 1960 وكانت أول سيدة تظهر على الشاشة في برنامج “البيت السعيد.” شغلت عضوية مجس إدارة جمعية أصدقاء دمشق ومجلس حكماء مؤسسة تاريخ دمشق وهي كريمة سعيد الغزي، رئيس وزراء سورية في خمسينيات القرن العشرين.

    البداية

    ولدت نادية الغزي في حيّ الحلبوني دمشق سنة 1936، كان والدها سعيد الغزي سياسي ومحامي لامع تولّى رئيساً الحكومة السورية في مرحلة الخمسينيات. أما والدتها بلقيس المور فهي ألبانيّة من شبه جزيرة مورة. درست في الكلية العلميّة الوطنيّة ونالت شهادة بالحقوق من جامعة دمشق، قبل تزوجها من المحامي نزار بقدونس.

    برنامج البيت السعيد

    بطلب من الدكتور صاح قباني، المدير المؤسس للتلفزيون السوري، انضمت إلى أسرة التلفزيون عند إطلاقه في زمن الوحدة السورية المصرية وكانت أول سيدة تظهر على الشاشة في برنامجها العائلي “البيت السعيد،” الذي أخرجته غادة مردم بك (زوجة شقيقها المحامي غازي الغزي). حقق البرنامج نجاحاً كبيراً وكتبت عنه جريدة الأهرام المصرية في عددها الصادر يوم 5 كانون الأول 1960: “نادية الغزي: صاحبة البرنامج الذي أحبته القاهرة.”

     

    نادية الغزي في بدايات التلفزيون سنة 1960.
    نادية الغزي في بدايات التلفزيون سنة 1960.

    العمل بالمحاماة

    توقف عملها التلفزيوني في زمن الانفصال بعد استقالة صباح قباني من منصبه، وتفرغت للعمل بالمحاماة مع والدها والكتابة في مجلّة طبيبك ومجلة المرأة العربية. وفي حديثها عن المحاماة قالت: “انخرطت بالعمل في المحاماة حتى التّقاعد، عملت مع الوالد وهو المعروف بمحامي الشّعب وقتئذٍ، فكانت لي حصة من خبرته، فتعرفت إلى البلد والناس بكل مستوياتهم.”

    الحياة الأدبية

    تنوعت موضوعات نادية الغزي الأدبية منذ سنة 1980، من الطب والتغذية إلى الزينة والمجوهرات، وعملت على توثيق التّراث الشّعبي في العادات والتّقاليد والتداوي بالأعشاب. وقد تحدث عن هذا التنوع قائلة:

    كان لي التّوجه نحو التّراث الحقيقي سواء كان على الحجر، أو في كتاب، أو مروياً، أو عادات وتقاليد، أو تراثاً طبياً. أما الفكرة الرّئيسة التي دفعت بي إلى التفكير بحضارة الطعام، فله حكاية خاصة؛ فعندما كنت في بلاد الغربة دُعيت لتناول سندويشة الفلافل، فرحبت بالعرض وتوجهنا إلى المقصد، وبعد الاستفسار اتضح لي أن المحل يقدم “الفلافل” على أنها تراث له، فاندفعت وأردت تثبيت تراثنا، فكتبت في موسوعة الطعام؛ فالطعام حضارة وفن، ونظمتها بقصصي وحكاياتي.

    انتُخبت عضوًا في مجلس إدارة جمعية أصدقاء دمشق وفي اللجنة العليا للاحتفالات دمشق عاصمة للثقافة العربية لعام 2008. وفي نهاية عام 2017 أصبحت عضو مجلس حكماء في مؤسسة تاريخ دمشق.

    مؤلفاتها

  • خلدون المالح

    خلدون المالح (17 تموز 1938 – 25 نيسان 2016) مخرج ومنتج تلفزيوني وإعلامي سوري من الرواد، شارك في تأسيس التلفزيون العربي السوري سنة 1960 ونقابة الفنانين السوريين سنة 1969. شكّل ثنائي فني مع الفنان دريد لحام وأخرج له العديد من المسلسلات التي صدّرت اللهجة الشامية إلى العالم العربي. انتقل بعدها للإنتاج التلفزيوني مع دريد وأسسا معاً شركة شمرا التي أنتجت مسلسل صح النوم بجزءيه الأول والثاني، إضافة لمسلسل وين الغلط ومسلسل وادي المسك.

    البداية

    ولد خلدون المالح بدمشق وهو سليل عائلة دمشقية معروفة، أنجبت العديد من المخرجين والموسيقيين والفنانين. درس في جامعة دمشق وكانت محطته الأولى مع الظهور الإعلامي أثناء فعاليات معرض دمشق الدولي سنة 1955. حيث في الجناح الأميركي وظهر في تجربة بصرية جديدة على شاشة جهاز التلفزيون الذي جاء من أمريكا لعرضه على الجمهور السوري واسترعي انتباه زوار المعرض كافّة، وكان ذلك قبل خمس سنوات من افتتاح التلفزيون السوري.

    عمل مذيعاً في إذاعة دمشق مطلع عهد الوحدة مع مصر سنة 1958 وأوفد إلى القاهرة لأجل دورة في التقديم الإذاعي. قدم برنامج “فكر تربح” الناجح عبر إذاعة دمشق وفي سنة 1960 دعاه المدير المؤسس للتلفزيون صباح قباني ليكون أحد مؤسسي التلفزيون وأرسله إلى روما لإتباع دورة تلفزيونية في مؤسسة التلفزيون الإيطالي “الراي.”

    خلدون المالح كخرجاً سنة 1960.
    خلدون المالح كخرجاً سنة 1960.

    افتتاح التلفزيون السوري سنة 1960

    في 23 تموز 1960 افتُتح التلفزيون العربي السوري من أستوديو على قمّة جبل قاسيون وقدم خلدون المالح أولى أعماله كمخرج (برنامج الإجازة السعيدة) الذي جمعه مع دريد لحام ونهاد قلعي. سقط البرنامج جماهيرياً بسبب شخصية “كارلوس” التي قدمها دريد، هو عازف جيتار إسباني لم يتقبله الجمهور السوري. أوقف البرنامج بعد أربع حلقات وعاد الثلاثي دريد ونهاد وخلدون المالح في برنامج جديد بعنوان “سهرة دمشق” نهاية العام 1960.

    كانت سهرة دمشق أنجح بكثير من الإجازة السعيدة وفيها بدأت تظهر ملامح شخصية “غوار الطوشة” التي عُرف بها دريد طيلة مسيرته الفنية. وفي سنة 1968 تعاون المالح مع الثنائي مجدداً وأخرج الحلقة الأخيرة من مسلسلهم الشهير حمام الهنا، أما بقية الحلقات فكانت من إخراج المخرج العراقي فيصل الياسري. وبالإضافة لعمله كمخرج، قدم المالح في بدايات التلفيون برنامج مسابقات 7X7، على غرار برنامجه الإذاعي القديم “فكر تربح.”

    شركة شمرا

    وفي سنة 1969 أسس المالح ولحام شركة لإنتاج الإعلانات التلفزيونية ومنها إعلان سينالكو كولا الألمانية الذي صور في غوطة دمشق وفاز بالجائزة الذهبية في الكليو أوردز الأميركية عام 1972، وهي ما تعادل جائزة الأوسكار في عالم الإعلانات. نجاح الشركة من الناحية المالية مهّد لدخولهم في عالم الإنتاج التلفزيوني عبر مسلسل صح النوم سنة 1971، الذي كتب قصته نهاد قلعي وقام ببطولته مع دريد لحام، وتولى المالح إخراجه وتوزيعه في الوطن العربي. حقق مسلسل صح النوم نجاحاً منقطع النظير في سورية الدول العربية كافة وجاء بعده تمثيلية متممة بعنوان ملح وسكر ثم صح النوم – الجزء الثاني  وفيلم صح النوم سنة 1975. جميع هذه الأعمال كانت من بطولة دريد ونهاد وإخراج خلدون المالح.

    الأعمال المسرحية

    وفي سنة 1974 أخرج المالح العرض التلفزيوني لمسرحية ضيعة تشرين، بطولة دريد ونهاد أيضاً، ثم مسرحية غربة عام 1976 فمسرحية كاسك يا وطن التي صوّرت في عرضها أبو ظبي عام 1979.

    العودة إلى التلفزيون

    في مطلع الثمانينيات، تعاون للمرة الأخيرة مع دريد لحام في مسلسل وادي المسك ومسلسل وين الغلط، وكلاهما كان من تأليف الشاعر محمد الماغوط ومن إنتاج شركة شمرا. على الرغم من نصه الرصين والأداء العالي لكل أبطاله إلا أن وادي المسك لم يحقق النجاح المطلوب جماهيراً لظهور دريد في شخصية بعيدة عن شخصية “غوار” المطلوبة عربياً. ومن بعده هنا تقرر فك الشراكة الفنية والتجارية بينه وبين المالح والبقاء على الصداقة الشخصية المتينة. سافر المالح يومها إلى جزيرة في اليونان وفيها قضى حقبة الثمانينيات بعيداً عن أي نشاط فني.

    وفي سنة 1990 ظهر المالح بشخصيته في برنامج مشوار دريد ونهاد، وهو من إنتاج تحسين قوادري وكان من المفترض أن يوثق تاريخ الثنائي ولكنه توقف بسبب وفاة نهاد قلعي عام 1993. بعدها بتسع سنوات عاد المالح إلى الإخراج عبر مسلسل الجمل الذي فاز بجائزة الدراما الأولى في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، وكان من بطولة سلوم حداد وسلمى المصري. كما عاد أيضاً إلى تقديم البرامج عبر (برنامج على عيني) على شاشة الفضائية السورية، وكانت له عدّة محاولات في الوصول إلى مقعد نيابي في مجلس الشعب السوري.

    وفاته

    أصيب خلدون المالح بمرض عضال أبعده عن أي نشاط فني في سنواته الأخيرة وتوفي في أحد مستشفيات مدينة لوس أنجلوس الأمريكية يوم الثلاثاء 25 نيسان 2016 عن عمر ناهز 78 سنة. نقل جثمانه إلى سورية حسب وصيته ودُفن بدمشق.

    أولاد خلدون المالح

    ظهر خالد بن خلدون المالح كممثل في السنوات 2000-2010 وعمل شقيقه مختار المالح منتجاً على خطى والده وحاول إنتاج نسخة كرتونية من مسلسل صح النوم، لم تر النور بعد.

  • الميدان

     

    الميدان، حيّ كبير يقع إلى الجنوب الغربي من دمشق القديمة، هو الأقدم بين الأحياء خارج سور دمشق الأثري، إذ تعود بداياته إلى العصر الأموي. كانت أرضه قديماً ميداناً لسباقات الخيل ومكاناً لتخييم زوار المدينة من قوافل تجارية وأصبحت اليوم مركزاً تجارياً وتجمعاً سكنياً. يُعد الميدان، بأقسامه الثلاث الفوقاني والوسطاني والتحتاني، مركزاً لتجارة الحبوب مع سهل حوران وفيه قصور فاخرة أحرق الكثير منها إبان العدوان الفرنسي على مدينة دمشق أيام الثورة السورية الكبرى سنة 1926.

    التأسيس والتطور

    بدايات الميدان تعود إلى العصر الأموي ولكنه أخذ طابعه السكني في عصر المماليك عندما ظهرت فيه ثلاث تجمعات سكنية: السويقة وباب مصلّى والقبيبات. توسّع الحيّ في العهد العثماني واتخذ شكله النهائي كما شهد ازدهاراً اقتصادياً كبيراً مع كونه الطريق الرئيسي لمرور قوافل الحج ذهاباً وإياباً وما يرافقها من أنشطة اقتصادية متنوعة، إضافة لكونه المنفذ الوحيد على المناطق والبلدان الواقعة جنوبها. وتعرض الحيّ لقصف شديد استمر أياماً بلياليها أثناء الثورة السورية الكبرى، بعد مشاركة أحد وجهاء الميدان، الشيخ محمد الأشمر، في معركة دمشق يوم 18 تشرين الثاني 1925.

    وعبر الحقب الزمنية المتتالية، تمتع الشارع الرئيسي في الميدان، الممتد بشكل مستقيم تقريباً من ساحة باب مصلّى حتى ساحة البوابة، بأهمية كبيرة لمرور قوافل الحج والمسافرين فيه، وكان يطلق عليه اسم “الطريق السلطاني” إذ شهد مرور العديد من الأمراء والولاة. وكانت بوابة الميدان تحمل تسميات عدة منها بوابة الله لأن الحجاج كانوا ينطلقون منها إلى الحج، وبوابة مصر لأن المسافرين إلى مصر كانوا أيضاً ينطلقون منها وباتت تعرف اليوم بساحة محمد الأشمر. ونظراً لأهمية الحي فقد دشن فيه خط ترام كهربائي عام 1907 وكان يسير من ساحة المرجة إلى السويقة وصولاً للبوابة.

    الميدان في العصر العثماني
    الميدان في العصر العثماني

    أقسام الميدان

    يُقسم الحي إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: الميدان التحتاني ويضم أزقة منها باب مصلّى والحبالة والحوارنة والزين والقبّة الحمراء، والميدان الوسطاني ويضم أزقة منها الموصلّية والقرشي والطالع والحطّاب والبرج والبصل، والميدان الفوقاني ويضم أزقة منها أبو حبل والدقاق والحقلة والجمّالة وجنينة الدوس والغلاييني والقاعة والغوّاص.

    وكان الميدان يوصف بأنه ضاحية لا نهاية لها حيث كانت الخيل تنزلق على شارعها المرصوف بالحجارة، وتوجد على أطرافه أكوام قمح وغزّال قطن ودبّاغون ومساجد ونوافير ماء وأشجار دانية قطوفها، وعدة مواكب جميلة للحرس التركي ومقبرة كبيرة ذات غصون خضراء، عند كل قبر يمر منها الطريق.

    أهم المعالم

    يضم الحيّ العديد من المعالم الأثرية المتنوعة كالمساجد والمدارس والزوايا والأسواق والأضرحة، ومنها جوامع مراد باشا والتينبية والدقاق وباب مصلّى والخانقية ومنجك والرفاعي والقاعة والغوّاص، وحمامات فتحي والدرب والرفاعي وعقيل، والزوايا السعدية والرشيدية والقادرية، كما يضم ثلاث كنائس هي القديس جاورجيوس وحنانيا وسيدة النياح. وقد هدمت بعض هذه المعالم وعلى رأسها بيوت قديمة مثل دار البيطار ودار الموصلّي في أواخر السبعينيات عند شق طريق المتحلق الجنوبي. كما يضم أحد أشهر أسواق المأكولات التقليدية والحلويات الشرقية في دمشق وهو شارع الجزماتية.

    وتنحدر من الحي شخصيات عدة ذات مكانة فكرية وسياسية واجتماعية، ومنها:

  • الغسّاني

    الغسّاني، حيّ سكني في منطقة القصّاع، سمّي نسبة لنادي الغسّاني المعروف هناك وكان من أهم الأندية الاجتماعية العائلية. واسم “الغسّاني” يعود إلى الغساسنة، ملوك الشّام في العصر البيزنطي.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !