الشهر: يناير 2021

  • رضا سعيد

    الأستاذ الدكتور رضا سعيد
    الأستاذ الدكتور رضا سعيد

    رضا سعيد الأيتوني (1876-1946)، طبيب سوري من دمشق كان مؤسساً لمعهد الطب العربي، وأول رئيس للجامعة السورية عام 1923. كما عٌين وزيراً للمعارف ما بين 1924-1925.

    البداية

    ولِد رضا سعيد في دمشق ودرس في مدارسها الحكومية، ثم في الكلية الطبية العسكرية في اسطنبول، حيث تخرّج عام 1902. درّس طب العيون وعَمل جراحاً في إسطنبول ثم في مستشفى أوتيل ديو في باريس، ومع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914، أصبح مديراً للدائرة الطبية في الخط الحديدي الحجازي.

    تعريب معهد الطب في دمشق

    بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وسحب القوات العثمانية من دمشق، شُكلت حكومة عربية برئاسة الأمير فيصل بن الحسين، نجل الشريف حسين بن عليّ، قائد الثورة العربية الكبرى.

    التقى الأمير بوفد من الأطباء السوريين، اللذين طلبوا منه إعادة فتح معهد الطب العثماني في حيّ البرامكة، بعد إقفاله بسبب ظروف الحرب. وافق فيصل على طلبهم، وأمر بإعادة فتح المعهد في 23 كانون الثاني 1919، بعد تغيير اسمه ليصبح معهد الطب العربي.

    وشكلت لجنة مصغرة من الأطباء المرموقين، هدفها تعريب المناهج وتحويلها من اللغة التركية إلى العربية. ترأس رضا سعيد هذه اللجنة، التي ضمّت عبد الرحمن الشهبندر خريج الجامعة الأميركية في بيروت، والدكتور أحمد منيف العائدي، خريج معهد الطب العثماني في اسطنبول، والدكتور مرشد خاطر، خريج الجامعة اليسوعية في بيروت، والدكتور عبد القادر زهرة، أحد أطباء الشريف حسين، والدكتور محمود حمودة، وهو من الأطباء الدمشقيين البارزين في الحجاز.

    عميداً لمعهد الطب العربي

    عيُن رضا سعيد عميداً لمعهد الطب العربي وكلف الحقوقي الفلسطيني عبد اللطيف صلاح بعمادة معهد الحقوق، الذي فتح أبوابه للطلاب السوريين في أيلول 1919، أي بعد سنة من جلاء القوات العثمانية عن دمشق. يوم توليه العمادة بحث الدكتور رضا سعيد عن أطباء محليين لملئ الفراغ في الكادر التعليمي، نظراً لسفر جميع الأطباء الأتراك فجاء بالدكتور مصطفى شوقي (الذي أصبح لاحقاً عميداً لكلية الطب) وعُينه مدرساً للأنسجة والتشريح، وكلّف صديقه الدكتور أحمد منيف العائدي بتدريس مادتي طب الأطفال والفيزيولوجيا، وأوكل إلى مرشد خاطر مادة عِلم الأمراض.

    أمّا الدكتور سامي الساطي (الذي أصبح أيضاً عميداً للكلية بعد سنوات) فقد قام بتدريس الطب الباطني، والدكتور إبراهيم الساطي أصبح مختصاً بالأمراض النسائية، وقام الدكتور جميل الخاني، خريج معهد الطب العثماني، بتدريس الأمراض الجلدية، في الوقت الذي عمل كل من الأستاذة عبد الوهاب القنواتي وشوكت الجراح على النهوض بقسم الكيمياء. ودرّس الدكتور ميشيل شمندي مادة طب الأعشاب، كما درّس الطبيب أحمد حمدي الخياط، خريج معهد لويس باستور الفرنسي، عِلم الأحياء المجهري.

    النظام الأساسي لمعهد الطب العربي

    صدرت التعليمات التنفيذية وقوانين معهد الطب عام 1920، بتوقيع رضا سعيد نصّ القانون على أنّ لأي طالب حامل شهادة ثانوية رسمية من المدارس العثمانية حق الالتحاق بالمعاهد السورية من دون امتحان قبول، ومن لا يملك شهادة عثمانية مُعترف بها، فعليه التقدم لامتحان شفهي وكتابي، وعليه اختيار لغةً أجنبية ليمتحن بها، إمّا الفرنسية أو الإنكليزية.

    ولديه حق اختيار مواده العلمية، إما الجبر أو الكيمياء أو علم المثلثات أو الأحياء، وكذلك الأدبية، بين التاريخ والجغرافيا. ولا يحق لأي طالب لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره التقدم إلى معهد الطب العربي، وعلى جميع الطلاب إبراز شهادة صحية تثبت أنهم لا يعانون من أي مرض مزمن، جسدياً كان أو عقلياً، وعليهم أخذ لقاح ضد مرض الجدري، كما كان عليهم جلب ورقة حسن سلوك من مختار الحي الذي يقيمون فيه.

    منع القانون طلاب المعهد من دراسة فرعين علميين في الوقت ذاته، وكان عليهم الاختيار بين الطب أو الحقوق. ودخل النظام تفاصيل الحياة اليومية للطلاب والمدرسين، فكان التأخير مثلاً ممنوع، ولم يُسمح للطالب بدخول قاعة المحاضرات بعد مرور خمس دقائق على بدء المحاضرة، كما لم يحق للمدرس أن يتأخر أكثر من عشرة دقائق إلاّ في حال وجود عذر رسمي وكانت الأعذار المطلوبة من الطلاب والأساتذة في حال التأخير تقدم خطياً إلى لجنة يترأسها عميد المعهد.(4)

    وأبقت كلية الطب على برنامجها القديم، بخمس سنوات للتخصصات العلمية أمّا عن رسم التسجيل، فقد حدده رضا سعيد بثلاثة دنانير سورية، وقسط الفصل العلمي بتسعة دنانير تدفع على ثلاث مراحل والذي يتغيب عن الامتحان يجب أن يقدم عذراً رسمياً، وعليه دفع ستة دنانير تأخير لخزينة المعهد وعند التخرج، كان على الطالب تسديد عشر دنانير للحصول على الشهادة الجامعية وفي العام الأول بعد خروج الأتراك، سجل 21 طالباً جديداً في كلية الحقوق ووصل عدد طلاب كلية الطب إلى أربعين.

    معركة الاعتراف بشهادة الطب السورية

    في تموز 1920، سقط العهد الفيصلي في سورية، وتم استبداله بنظام الإنتداب الفرنسي الذي دام حتى عام 1946. أولى القرارات الفرنسية كانت محاولة إغلاق معهد الطب العربي، بحجة أن لا داعي له لوجود معاهد مماثلة في بيروت، ولكن رضا سعيد قاد مقاومة شرسة ضد هذا القرار، ومفاوضات شاقة مع المفوض السامي هنري غورو، الذي كان يريد الإستيلاء على المعهد لصالح حكومة الانتداب.

    نجحت مساعيه ولكن تحدياته لم تتنتهي، فبعد معركة الإستمرار كانت معركة الاعتراف بشهادة الطب. الحكومة الفرنسية المنتدبة اعترفت بها على الفور، وقبلت عدداً من طلابها المتفوقين في باريس لإكمال اختصاصاتهم، مثل الدكتور حسني سبح الذي وصل العاصمة الفرنسية عام 1924، وأنسطاس شاهين الذي التحق بجامعة السوربون، وأحمد شوكت الشطي الذي قُبل في جامعة مونبيلييه.

    ولكن السلطة البريطانية الحاكمة في كل من فلسطين والعراق ومصر رفضت الاعتراف بهذه الشهادة، اولاً لتخوف الأطباء العراقيين والفلسطينيين والمصريين من مهارة وسمعة نظرائهم السوريين، الذين شكلو تهديداً حقيقياً لهم في سوق العمل، وثانياً بسبب نشاط الطلاب السوريين المعروفين في مناهضة الإستعمار الأوروبي في بلادهم.

    ففي عهد رضا سعيد، خرجت مظاهرات طلابية ضد زيارة وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور إلى دمشق عام 1925، ومنعته من قضاء ليلة واحدة في سورية، ومظاهرة أخرى خرجت احتفالاً بمقتل أحد المستوطنين الصهاينة في مدينة الخليل، في أيلول 1929، ترأسها طالب الحقوق سهيل فارس الخوري. رفض رضا سعيد معاقبة الطلاب أو فصلهم.

    وفي زمنه أيضاً، أقيم عرض مسرحي في الحرم الجامعي، للأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي، فيه نقد لاذع للإنجليز. جاء ردهم برفض الاعتراف بشهادة دمشق، الذي لم تعترف بها بريطانية إلا بعد خروج رضا سعيد من منصبه عام 1936، وكان ذلك بواسطة قام بها الدكتور عبد الرحمن الشهبندر مع رئيس وزراء مصر في حينها مصطفى النحاس باشا.

    رئيساً للجامعة السورية

    في حزيران 1923، أصدر المندوب السامي الفرنسي ماكسيم ويغان قراراً بدمج كليتي الحقوق والطب في مؤسسة تعليمية جديدة يكون اسمها الجامعة السورية، والتي حافظت على هذا الاسم حتى قيام جمهورية الوحدة مع مصر عام 1958، ليصبح اسمها جامعة دمشق. فقدت الجامعة بموجب القانون الجديد، الاستقلالية الإدارية التي نعمت بها منذ عام 1919، وأصبحت منذ هذا التاريخ تابعة رسمياً لوزارة المعارف السورية.

    نصّ القانون الجديد على أن يتم انتخاب رئيس الجامعة من عمداء كليات الطب والحقوق ومجمع اللغة العربية التابع لوزارة المعارف، وأن تكون مدّة الرئاسة عاماً واحداً فقط يجدَّد بالإجماع. كما نص القانون على أن يصادق رئيس الدولة على هذه الانتخابات وأن يعين رئيس الجامعة بمرسوم.

    جرت الانتخابات الأولى برعاية فرنسية بين عميد كلية الطب رضا سعيد وعميد كلية الحقوق الأستاذ عبد القادر العظم ورئيس المجمع العلاّمة محمد كرد علي. فاز رضا سعيد بالرئاسة، وحافظ على منصبه من عام 1923 وحتى سنة 1936.

    منجزات رضا سعيد

    في الأول من تموز عام 1929، افتتح رضا سعيد المدرج الكبير في الجامعة السورية، وبعد عامين دشن مطبعة الجامعة الرسمية لإصدار المجلة الطبية ومجلات علمية أخرى، كما قام بتوسعة مكتبة الجامعة لتصل إلى 4500 كتاب عالمي باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، وبدأ بتشجيع المواهب الفنية والرياضية لدى الطلاب.

    وعندما بدأ الطلاب لعب كرة المضرب مثلاً، أمر رئيس الجامعة بتخصيص مبلغ 100 ليرة سورية لدعم نشاطهم. في العام الدراسي 1930-1931، تم تسجيل 81 طالباً جديداً في الجامعة السورية، سبعة منهم من الدمشقيات، أبرزهن لويس ماهر، التي تخرجت من كلية الطب وظهرت في صورة تذكارية مع رضا سعيد وأعضاء الهيئة التدريسية وهي بكامل أناقتها من دون أي تمييز عنصري لها عن رفاقها الذكور أو من الأساتذة.

    رضا سعيد وزيراً للمعارف

    نظراً لسمعته الطيبة بين الناس وماضيه العلمي والوطني عُين رضا سعيد وزيراً للمعارف في حكومة صبحي بركات الثانية يوم 10 كانون الأول عام 1924، وتم التجديد له في الحكومة الثالثة والأخيرة حتى 21 كانون الأول 1925. جمع رضا سعيد بين مهامه في وزارة المعارف و رئاسته للجامعة السورية وعمادته لكلية الطب، ولكن فترته الحكومية لم تكن موفقة، بالمقارنة مع عمله الأكاديمي، بسبب اندلاع نيران الثورة السورية الكبرى، في صيف العام 1925.

    موقفه من العدوان الفرنسي على دمشق

    خلال تواجد رضا سعيد في المنصب، قصف الفرنسيون مدينة دمشق يوم 18 تشرين الأول 1925، وأحرقوا أسواقها التاريخية مثل سوق الحميدية والبزورية، ودمّروا قصر العظم.

    أمر رضا سعيد بإغلاق المدارس خلال العدوان الوحشي، ولكنه رفض إغلاق أبواب الجامعة، حتى مع ازدياد مظاهرات الطلاب الرافضين لحكم فرنسا في سورية، قائلاً: “كلما تعلمتم أكثر، خافوا منكم أكثر، اذهبوا إلى دروسكم، وتفوقوا بها، وذلك بحد ذاته تحدياً لفرنسا ومشاريعها في بلادنا.”

    التقاعد والوفاة

    بقي رضا سعيد في منصبه الحكومي حتى تاريخ 21 كانون الأول 1925، أي سنة كاملة، أكمل بعدها عمله في الجامعة حتى بلوغه سن التقاعد عام 1936. ثمّ غاب عن المشهد العام، حتى وافته المنية في دمشق عام 1946، أي قبل خروج المستعمر الفرنسي بأشهر معدودة.

    تخليد ذكرى رضا سعيد

    أطلق اسم رضا سعيد على قاعة رئيسية في جامعة دمشق وعلى شارع وسط المدينة. وقد صدر كتاب عن حياته بعنوان “رضا سعيد مؤسس الجامعة السورية” وضعه الدكتور صباح قباني سنة 2011. وكان شقيق المؤلف الشاعر نزار قباني قد قرأ مسودة الكتاب وكتب عنه قائلاً: “الإطار الروائي الذي أحاط به المؤلف حياة الدكتور رضا سعيد جعل منه بطلاً إغريقيًّا يصارع أقداره واحدًا بعد آخر، ولولا هذا الإطار الدرامي الذي اختاره لما اختلف الكتاب عن أي سيرة ذاتية عادية. كما أن المؤلف خلع على الدكتور سعيد عباءة من قصب الثقافة لم يكن ليخلعها عليه سواه.”

    عائلة رضا سعيد

    بعد وفاته بسنوات طويلة، اشتهر ابنه وفيق رضا سعيد في عالم المصارف والأعمال، وحقق نجاحاً كبيراً في السعودية وبريطانيا، كما موّل ترميم الجامعة السورية وأسس القاعة العلمية التي حملت اسم أبيه. وتسلّم أحد أحفاد رضا سعيد، واسمه رضا سعيد ايضاً، وزارة الصحة السورية عام 2007.

  • علي رضا باشا الركابي

    الرئيس علي رضا باشا الركابي
    الرئيس علي رضا باشا الركابي

    علي رضا باشا الركابي (1868 – 25 أيار 1942)، سياسي سوري من دمشق وضابط عربي في الجيش العثماني، خدم في الحرب العالمية الأولى كان أول حاكم عسكري على سورية بعد تحريرها من الحكم العثماني سنة 1918. عينه الملك فيصل الأول رئيساً للحكومة وعند الإطاحة بالعهد الملكي وفرض الانتداب الفرنسي على سورية، سافر الركابي إلى عمّان وسمّي رئيساً لحكومة إمارة شرق الأردن مرتين خلال السنوات 1922-1926. عاد بعدها إلى دمشق وأسس حزب الأمة الملكي الذي رشحه للانتخابات رئاسة الجمهورية السورية سنة 1932. وعندما لم ينجح، قرر اعتزال العمل السياسي واعتكف في بيته حتى وفاته عام 1942.

    البداية

    ولِد علي رضا الركابي في دمشق وهو سليل أُسرة دمشقية كبيرة عَمل أبناؤها بالتجارة والزراعة. دَرَس في الكلية العسكرية في إسطنبول والتحق فور تخرجه بالجيش العثماني، قائداً عسكرياً في القدس ثم في المدينة المنورة. نُقل بعدها إلى بغداد ثمّ إلى البصرة، وعارض دخول الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا القيصرية، مُطالباً بحياد الجيش العثماني في معارك أوروبا.(2) اعتُبر موقفه “انهزامي” وصدر أمر بتسريحه وإحالته إلى التقاعد المُبكر، عِلماً أنه لم يكن قد تجاوز بعد السادسة والأربعين من عمره. ولكن جمال باشا، قائد الجيش الرابع في سورية، فضّل الاستفادة من خبرته الإدارية وقام بتعيينه رئيساً لبلدية دمشق عام 1915.

    حاكماً عسكرياً على مدينة دمشق

    عشية سقوط دمشق بيد الحلفاء في 26 أيلول 1918، أمر الشريف حسين، قائد الثورة العربية الكبرى، بتسليم المدينة إلى رضا الركابي، مع تكليفه برفع علم الثورة العربية فوق سراي الحكم. ولكنّ الأمير سعيد الجزائري سبقه إلى ذلك، مستغلّاً الفوضى العارمة التي عصفت بدمشق، ونصّب نفسه حاكماً بدلاً من الركابي، دون تفويض من الشريف حسين.

    وعند دخول الضابط البريطاني توماس لورنس إلى دمشق في 1 تشرين الأول 1918، قام بعزل سعيد الجزائري وتعيين الركابي حاكماً عسكرياً مطلق الصلاحيات، مشرفاً على مجلس مدراء مصغّر. قام الركابي باعتقال الأمير سعيد ونصب المشانق وسط ساحة المرجة، لإرهاب اللصوص والمرتزقة الذين قاموا باستباحة الأحياء والأسواق عشية انسحاب الجيش العثماني.(3)

    خلال الفترة حكمه احتل الجيش الفرنسي مدينة اللاذقية وكامل الساحل السوري، وقدّم الركابي دعماً عسكرياً ولوجستياً لكل الثورات المُسلّحة التي انطلقت ضد الفرنسيين، في الشمال والساحل وأنطاكية. كانت ثقة الأمير فيصل بالركابي كبيرة جداً بالركابي، منذ أن قابله للمرة الأولى خلال زيارته دمشق في آذار 1915. وكان القاء قد رُتّب في منزل عطا باشا البكري، يوم انتساب فيصل والركابي إلى الجمعية العربية الفتاة.(4)

    مُنجزات الركابي

    أبرز منجزات رضا الركابي كانت في تعريب مؤسسات الدولة السورية وإعادة فتح معهد الطب في منطقة البرامكة يوم 23 كانون الثاني 1919 بعد تسميته “معهد الطب العربي” وتكليف الطبيب رضا سعيد بعمادته. وفي 25 أيلول 1919، أشرف الركابي على إعادة افتتاح معهد الحقوق وعيّن القانوني الفلسطيني عبد اللطيف صلاح عميداً له. كما أسس صحيفة يومية ناطقة باسم الحكومة السورية سُمّيت جريدة العاصمة وأمر بإلغاء كل الألقاب العُثمانية، ومنها لقب “الباشا” الذي كان يتمتع به منذ سنوات خدمته العسكرية في الجيش العثماني.(6)

    اختار رضا الركابي أحد أساتذة الحقوق المرموقين، شاكر الحنبلي، ليكون مديراً للرسائل في مكتبه (وهو المنصب الذي بات يُعرف لاحقاً بالأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء) وعيّن الوجيه الحمصي علاء الدين الدروبي والياً على مدينة دمشق.(7) كما جاء بالضابط الدمشقي شكري باشا الأيوبي حاكماً عسكرياً على بيروت،  وعند اعتراض الفرنسيين عليه، قام بنقله إلى حلب واختار الوجيه الشاب رؤوف الأيوبي، خريج المعهد الملكي في إسطنبول، ليكون حاكماً على لواء الكرك، الذي ضمّ معظم مناطق شرق الأردن.

    ذات يوم، طلب وفد من أعضاء مجلس الشورى الاطلاع على قرار تعيين الركابي حاكماُ عرفياً من قبل الأمير فيصل، للتأكد من سلامة القرار من الناحية القانونية. صاح الركابي في وجههم: “ألم تر عينكم أني قرّة عيون المُجاهدين وجيوش الحليفة الظافرة؟ قولوا لي أولاً، ما هي صفتكم التي تخولكم هذا الطلب؟” أجاب أحد أعضاء الوفد أنهم أعضاء في مجلس الشورى المعيّن من قبل الأمير سعيد الجزائري، فقاطعه الركابي قائلاً: “أنا الحاكم العسكري بأمر من القائد العام، وسأنظر في مهام مجلس الشورى!”(8) في اليوم التالي، أمر بحلّ المجلس وتشكيل مجلس جديد برئاسة عبد القادر مؤيد العظم وعضوية كلاً من أمين فتوى دمشق عبد المحسن الأسطواني والمحامي فارس الخوري (ممثلين عن دمشق) – صفوة قسطاكي ممثلاً عن حمص  – أسعد حيدر ممثلاً عن بعلبكنسيب الأطرش ممثلاً عن جبل الدروزجورج رزق الله ممثلاً عن بيروت  – أمين حشيمة، ممثلاً عن البقاع.(9)

    علاقة الركابي بالأقليات

    جال الركابي على المدن السورية وأبدى تعاطفاً كبيراً مع الأرمن الهاربين من مجازر الأتراك في الحرب العالمية الأولى. نظراً لظروفهم الاقتصادية الخاصة، أصدر قراراً بإعفائهم من الضرائب وإعادة جدولة ديونهم المستحقة أمام المصارف.(10) نزل بعدها إلى حارة اليهود في دمشق القديمة واجتمع بالحاخام يعقوب الدانون، وسمّى أحد أبناء الطائفة الموسوية عضواً في مجلس بلدية دمشق.

    رئيساً للحكومة السورية (9 آذار – 5 أيار 1920)

    ظلّ الركابي حاكماً عسكرياً على سورية من 3 تشرين الأول 1918 ولغاية تعيينه نائباً للأمير فيصل في حكومة المديرين يوم 22 تشرين الثاني 1919. وفي 8 آذار 1920، أعلن المؤتمر السوري العام استقلال سورية التام بحدودها الطبيعية وتتويج الأمير فيصل ملكاً على البلاد. وفي صباح اليوم التالي، كُلّف الركابي بتشكيل حكومته الثانية، ذهبت فيها وزارة الدفاع إلى الضابط عبد الحميد باشا القلطقجي وعُيّن السياسي الفلسطيني سعيد الحسيني وزيراً للخارجية. تعتبر هذه الحكومة هي الثانية للركابي بعد استقلال سورية عن الأتراك، حتى لو حملت الأولى صفة انتقالية عسكرية فقط، ولكنّها لم تدم طويلاً بسبب تهديدات الفرنسيين وزحفهم تجاه مدينة دمشق، قادمين من سهل البقاع.

    كان موقف الركابي صارماً في رفضه لأي مواجهة عسكرية مع فرنسا، خوفاً على الجيش السوري من الهلاك، وقال مراراً للملك فيصل أن هذا الجيش غير قادر على المواجهة وأنه سيُسحق لو فعل. كما رفض مقترح تسليح الأهالي وتشكيل مقاومة شعبية ضد فرنسا، قائلاً: “إن اتباع هذه الخطة سيؤدي إلى الفشل. ليس لدينا سلاح يزيد عن حاجة الجيش فلا نستطيع التفريط به لتسليح العصابات.”(12) وبناء على هذا الموقف تم استبداله  بهاشم الأتاسي الذي شكل حكومة مواجهة في 3 أيار 1920، غاب فيها الركابي عن أي منصب.

    في مُذكّراته، يصف القاضي يوسف الحكيم مرحلة الركابي في الحكم قائلاً: “كان الحاكم العسكري الفريق رضا الركابي قائماً بكل ما يتطلبه مركزه الخطير وقد أجمعت الكلمة على حزمِه وعِلمه ونزاهته وحسن إدارته وأشادت إلى ذلك الصحف الوطنية والأجنبية على حد سواء.”(13)

    رضا الركابي رئيساً لحكومة شرق الأردن.
    رضا الركابي رئيساً لحكومة شرق الأردن.

    رئيساً لحكومة الأردنية

    ثبتت صحة مخاوف رضا الركابي، وبعد هزيمة الجيش السوري في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، خُلِع الملك فيصل عن العرش وفرِض الانتداب الفرنسي على سورية. رحل الركابي عن دمشق بعد صدور قرار فرنسي باعتقاله، وتوجه أولاً إلى مصر ثم إلى الحجاز، حيث وضع نفسه تحت تصرف الشريف حسين. وقد طلب منه الشريف حسين الذهاب فوراً إلى عمّان ومساعدة ابنه الأمير عبد الله في تأسيس إمارة شرق الأردن.(14) استفاد الأمير عبد الله من خبرة الركابي السياسية والعسكرية وفي 10 آذار 1922، عينه رئيساً للوزراء. من موقعه الجديد، عَمل على وضع قوانين الدولة الأردنية الحديثة، لا سيما في نطاق الأنظمة المالية والجهاز الإداري. وفي 3 تشرين الأول 1922 دعاه الأمير عبد الله إلى مرافقته إلى لندن، لعقد معاهدة بين الأردن وبريطانيا.  وبعد العودة إلى عمّان اصطدم الركابي مع ضابط الاستخبارات البريطاني جون فيلبي، المُقرب جداً من الأمير عبد الله، فقدم استقالته، ليُعاد تكليفه برئاسة الحكومة الأردنية مرة ثانية في 3 أيار 1924 ولغاية 23 حزيران 1926.

    الركابي بزي مدني خلال انتخابات الرئاسة عام 1932
    الركابي بزي مدني خلال إنتخابات الرئاسة عام 1932

    انتخابات الاتحاد السوري الفيدرالي

    وبعد نهاية عمله في الأردن عاد الركابي إلى دمشق وشارك في تأسيس حزب سياسي يُدعى حزب الأمة الملكي، هدفه الوحيد استعادة العرش الهاشمي وإعادة تتويج فيصل بن الحسين ملكاً على سورية. وفي 11 كانون الثاني 1930، وصل دمشق الملك عليّ بن الحسين، أكبر أبناء الشريف حسين واجتمع مطولاً مع رضا الركابي في فندق الأورينت بالاس لمناقشة كيفية استنهاض المشروع الهاشمي في سورية.(16) وبناء عليه قام حزب الأمة الملكي بترشيح الركابي لأول انتخابات رئاسية جرت بدمشق في 11 حزيران 1932. ولكنه انسحب من جولتها الأولى بسبب عدم حصوله على أصوات كافية، وقرر اعتزال العمل السياسي.

    الوفاة

    أصيب رضا الركابي في نهاية حياته بجلطة أدت إلى شلل نصفي مُزمن، فغاب كلياً عن الأنظار وتوفي في دمشق عن عمر ناهز 74 عاماً يوم 25 أيار 1942. وقد أشتهر من بعده نجله أكرم الركابي، الذي تولّى الأمانة العامة لوزارة الزراعة السورية في مطلع عهد الاستقلال.

    المناصب

    رئيس الحكومة السورية المؤقتة (1 تشرين الأول 1918 – 4 آب 1919)
    نائباً لرئيس الحكومة السورية (4 آب 1919 – 26 كانون الثاني 1919)
    رئيساً للحكومة السورية (9 آذار – 5 أيار 1920)
    رئيساً للحكومة الأردنية (10 آذار 1922 – 28 كانون الثاني 1922)
    رئيساً للحكومة الأردنية (3 أيار 1924 – 23 حزيران 1926)

     

     

    ي تولى الأمانة العامة لوزارة الزراعة السورية في مطلع عهد الاستقلال.

  • راشد باشا مردم بك

    راشد باشا مردم بك
    راشد باشا مردم بك

    راشد باشا مردم بك (1870-1947)، قاضي سوري من دمشق، كان عضواً في مجلس الشورى في عهد الملك فيصل الأول وهو والد سنيّة العظم، الزوجة الأولى للرئيس خالد العظم، والتي توفيت سنة 1920.

    البداية

    ولِد راشد مردم بك في دمشق وهو سليل أُسرة ثرية وعريقة، عمل أبناؤها بالتجارة والسّياسة في مراحل مختلفة من الحكم العثماني. دَرَس القانون في معهد الحقوق في إسطنبول وتزوج من ابنة الشيخ محمد المنيني، مفتي دمشق في نهاية القرن التاسع عشر. انتُخب مردم بك عضواً في مجلس دمشق البلدي وقاضياً في محكمة الاستئناف ثمّ في محكمة الصلح.(1)

    الحزب الوطني السوري

    وفي نهاية أيلول 1918، انسحب الجيش العثماني من دمشق، بعد هزيمته في الحرب العالمية الأولى، وشُكّلت أول حكومة عربية في سورية، تحت راية الشريف حسين بن عليّ، قائد الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية. نصّب الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على البلاد وفي 8 آذار 1920 توّج ملكاً على المملكة السورية. عَمِل راشد مردم بك مع عبد الرحمن باشا اليوسف على تأسيس حزب سياسي جديد باسم الحزب الوطني السوري، كان الهدف منه توحيد البلاد السورية وتأسيس نظام حكم ملكي دستوري في دمشق.(2) ولكنّ فترة حكم فيصل الأول لم تدم طويلاً، وفي صيف عام 1920 سقط عهده بعد معركة ميسلون وتم استبداله بنظام الانتداب الفرنسي الذي ظلّ قائماً حتى سنة 1946.

    عضوية مجلس الشورى

    قبل مغادرته دمشق هرباً إلى حيفا ومن ثمّ إلى أوروبا، شكّل الملك فيصل آخر حكومة في عهده برئاسة علاء الدين الدروبي وذهبت رئاسة مجلس الشورى إلى عبد الرحمن باشا اليوسف، الذي عيّن راشد مردم بك عضواً فيه. وفي مطلع عهد الانتداب الفرنسي، تسلّم مردم بك رئاسة مصلحة الأوقاف في دولة دمشق، التابعة لمكتب حاكم الدولة حقي العظم، قبل أن تصبح وزارة مستقلّة في زمن الوحدة السورية – المصرية.

    جمعية الخلافة السورية

    في آذار 1924، شارك راشد مردم بك في تأسيس جمعية الخلافة السورية التي ظهرت في دمشق بعد إلغاء منصب الخلافة الإسلامية في إسطنبول. هدفت الجمعية لإيجاد خليفة صالح للأمة الإسلامية لكي لا يبقى هذا المنصب شاغراً بعد تخلّي الجمهورية التركية عنه. وقد ضمّت جمعية الخلافة، إضافة للقاضي مردم بك، عدداً من أعيان البلاد مثل مُفتي دمشق الشّيخ عطا الله الكسم ورئيس الشورى الجديد بديع مؤيد العظم ونقيب الأشراف الشيخ أحمد الحسيبي، وكانت برئاسة الأمير محمد سعيد الجزائري.(3)

    الوفاة

    في نهاية العشرينيات، اعتزل راشد مردم بك العمل السياسي وتفرغ إدارة أملاك الأسرة، التي كان هو ناظراً عليها، حتى وفاته في دمشق عن عمر ناهز 76 عاماً سنة 1946. وقد وُري الثرى في مدافن الأسرة المردمية في مقبرة الباب الصغير بدمشق.

     

  • حيدر مردم بك

    السفير حيدر مردم بك
    السفير حيدر مردم بك

    حيدر مردم بك (1894-1981)، سياسي سوري من دمشق، كان محافظاً على منطقة الجزيرة ثم في حوران، ووزيراً مفوضاً في كل من السعودية والعراق قبل قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958. وقبلها كان حيدر مردم بك كاتباً في بلاط الملك فيصل الأول خلال السنوات 1918-1920 وهو ابن السياسي والوجيه سامي باشا مردم بك.

    البداية

    ولِد حيدر مردم بك في دمشق وهو سليل أسرة سياسية عريقة، وكان والده نائباً في مجلس المبعوثان العثماني سنة 1914.(1) دَرس حيدر مردم بك في  مكتب عنبر بدمشق ثم في الجامعة السورية، قبل التحاقه بجامعة السوربون في باريس، لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الروماني.

    وفي أيلول 1918 ومع نهايات الحرب العالمية الأولى، انسحب الجيش العثماني عن مدينة دمشق وأُعلن عن تأسيس أول حكومة عربية فيها تحت راية الأمير فيصل بن الحسين، ابن قائد الثورة العربية الكبرى.

    في عهد الملك فيصل

    دخل الأمير فيصل دمشق فاتحاً محرراً يوم 3 تشرين الأول 1918، وكان في استقباله جمع من أعيان المدينة، يتقدمهم سامي مردم بك وابنه حيدر، مع عدد من أفراد الأسرة المردمية. كان حيدر مردم بك يعمل يومها في المكتب الفني للمواصلات العسكرية، وقد اختاره الأمير فيصل ليكون كاتباً في البلاط الملكي.(2)

    لازم حيدر مردم بك الأمير فيصل في قصره المُطل على العاصمة السورية من مطلع 1919 وحتى صيف عام 1920، وكان شاهداً على كل المباحثات السّياسية التي تمت بينه وبين الحكومة الفرنسية، التي كانت تسعى لفرض نظام الانتداب على سورية، تماشياً مع اتفاقية سايكس بيكو.

    شارك حيدر مردم بك بمراسيم تتويج الأمير فيصل ملكاً على سورية في 8 آذار 1920، قبل أشهر من سقوط العهد الفيصلي إثر معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920. هُزم الجيش السوري يومها وخُلع فيصل الأول عن عرش الشّام، فخرج إلى فلسطين ومن ثم إلى بريطانيا، شاكياً سوء تعامل الفرنسيين معه.

    محافظاً في زمن الانتداب الفرنسي

    أمّا حيدر مردم بك فقد فضل البقاء في سورية وعُيّن أميناً للسر في أمانة العاصمة (محافظة دمشق) سنة 1929 وبعدها بأشهر قليلة، قائممقام على معرة النعمان في عهد صديقه، رئيس الحكومة الشّيخ تاج الدين الحسني.

    بعد وصول الكتلة الوطنية إلى الحكم نهاية عام 1936، عُين مردم بك مُحافظاً على الجزيرة السورية، ولكنه استقال من منصبه سنة 1939، احتجاجاً على سلخ منطقة لواء إسكندرون وضمه إلى تركيا. عاد حيدر مردم بك إلى العمل الحكومي مع عودة الكتلة الوطنية إلى الحكم عام 1943، وعُين محافظاً على منطقة حوران من قبل الرئيس شكري القوتلي، وقد ظلّ في هذا المنصب حتى جلاء القوات الفرنسية عن سورية في 17 نيسان 1946.(3)

    وزيراً مفوضاً في السعودية والعراق

    أحب الرئيس القوتلي حيدر مردم بك ووثق به كثيراً، فقام بتعيينه وزيراً مفوضاً إلى المملكة العربية السعودية عام 1947. كانت العلاقات السورية السعودية في أفضل مراحلها يومئذ، بسبب الصداقة الشخصية بين الرئيس القوتلي والملك عبد العزيز آل سعود. وقد لعِب السفير مردم بك دوراً محورياً في تطوير تلك العلاقة، وكان صلة الوصل بين دمشق والرياض خلال حرب فلسطين سنة 1948.

    أُقيل حيدر مردم بك من منصبه في نيسان 1949 بعد وقوع انقلاب عسكري في سورية، أطاح بحكم الرئيس القوتلي. ولكنه عاد إلى وزارة الخارجية بعد سقوط حكم العسكر وعُيّن وزيراً مفوضاً في بغداد يوم 11 حزيران 1951، بتكليف من الرئيس هاشم الأتاسي، وقد حافظ على هذا المنصب حتى قيام جمهورية الوحدة مع مصر في شباط 1958.

    الوفاة

    تقاعد بعدها حيدر مردم بك من الشأن العام وتوفي في دمشق عن عمر ناهز 87 عاماً سنة 1981.

  • حسن الحكيم

    الرئيس حسن الحكيم
    الرئيس حسن الحكيم

    حسن الحكيم (1886 – 30 آذار 1982)، سياسي سوري من دمشق، كان أحد قادة الحركة الوطنية المعارضة للانتداب الفرنسي ومن مؤسسي حزب الشعب مع رفيق دربه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. شارك في الثورة السورية الكبرى وسمّي رئيساً للحكومة في عهد رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني سنة 1941، وفي عهده تم الإعلان عن استقلال سورية من الانتداب الفرنسي مع بقاء قوات عسكرية في الأراضي السورية إلى حين انتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا.

    وفي عهد الاستقلال انتخب مشرعاً في الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور عام 1950 وعُيّن رئيساً للحكومة مرة ثانية في عهد الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1951. يُعد حسن الحكيم أحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة وله يعود الفضل في وضع العديد من القوانين المالية والمصرفية في سورية. وقد عمل الحكيم في المصارف وأسس المصرف الزراعي العراقي وكان أحد مؤسسي البنك العربي في فلسطين، إضافة لإدارة المصرف الزراعي في سورية ما بين 1937-1939.

    البداية

    ولِد حسن الحكيم في حيّ الميدان وهو سليل عائلة دمشقية كبيرة اشتهر أبناؤها بالتجارة والإدارة والعلوم الدينية. دَرس في المدرسة الرشدية أولاً ثم في المكتب الإعدادي الثانوي وعند تخرجه سنة 1905 عمِل في مكتب المحاسبة الحكومي في بلدة دوما ثم في المصرف الزراعي بدمشق.(1) عُيّن مسؤولاً عن محاسبة فرع المصرف في مرجعيون سنة 1906 ثم في حوران وبعدها في حماة لغاية أيلول 1909. عُيّن بعدها مديراً للشعبة الثانية في مكتب اللوازم العسكرية وبقي في منصبه حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وانسحاب الجيش العثماني عن دمشق سنة 1918.

    قضية تأخُر البرقية

    عينه الأمير فيصل مفتشاً مالياً على كافة الأراضي السورية المحررة من الحكم العثماني، مسؤولاً عن حماية مخزون البلاد من الذهب والعملات الأجنبية. وفي سنة 1920، سمّي مديراً عاماً للبرق والبريد وقد أصدر طابعاً شهيراً يُعد الأندر بين مجموعة الطوابع السورية، موشح بماء الذهب بمناسبة تتويج الأمير فيصل ملكاً على البلاد يوم 8 آذار 1920.

    وفي 14 تموز 1920 صدر إنذار شديد اللهجة من الجنرال الفرنسي هنري غورو إلى الملك فصل، مطالباً بحلّ الجيش السوري وتسليم البلاد إلى فرنسا بموجب اتفاقية سايكس بيكو الموقعة خلال الحرب العالمية الأولى بين حكومتي باريس ولندن. قَبِل الملك فيصل الشروط الفرنسية وبعث ببرقية تنص على ذلك إلى الجنرال غورو، الذي ادّعى أنها وصلت متأخرة عن الموعد المحدد لقبول الإنذار. وبناء على هذا التأخير المُفترض، بدأ الزحف الفرنسي تجاه مدينة دمشق لاحتلالها بالكامل وفرض الانتداب الفرنسي على سورية. وقعت المواجهة في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، أدت إلى احتلال سورية وتنحية الملك فيصل عن العرش.

    وُجهت اتهامات إلى حسن الحكيم أنه أخّر إرسال البرقية عن سابق قصد وتعمد، وشُكل مجلس عرفي لمحاكمته في 1 آب 1920، برئاسة القائممقام محمد علي النقشبندي.(2) علّق الحكيم على هذه الحادثة في مذكراته قائلاً:

    تأخير البرقية لو كان بأمر مني لكان ذلك عمل يشرفني ويدل دلالة قاطعة على صدق وطنيتي لخوفي من أن يحتل الإفرنسيون البلاد بإرادتنا ورضانا دون أن ندخل معهم ولو في معركة واحدة تساعدنا على حفظ شرفنا العسكري على الأقل. ولكن وجداني يأبى عليّ أن أدعي ما ليس لي به علم، كما أنه لا يمكنني أساساً أن أتحمل مسؤولية كبرى مثل هذه المسؤولية مهما كنت متطرفاً في وطنيتي.(3)

    سنوات المنفى الأولى

    سافر بعدها حسن الحكيم إلى مصر للعمل مع صديقه الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر على تأسيس المؤتمر السوري الفلسطيني كأول تنظيم سياسي معارض لحكم فرنسا في سورية ولبنان وبريطانيا في فلسطين والعراق. وفي عام 1921، اتجه إلى إمارة شرق الأردن ليكون مستشار للأمير عبد الله بن الحسين، شقيق الملك فيصل.(4) وقد حافظ الحكيم على صداقته المتينة مع الأُسرة الهاشمية الحاكمة في كلّ من بغداد وعمّان، وظلّ طوال حياته يطالب بتوحيد تلك المدن في دولة عربية واحدة، يكون عرشها إما للشريف حسين بن على، قائد الثورة العربية الكبرى، أو لأحد أولاده.

    الاعتقال سنة 1922

    شمل حسن الحكيم العفو الفرنسي الأول سنة 1922 وعاد إلى دمشق مع الشهبندر للمشاركة في ترتيب زيارة الدبلوماسي الأميركي شارل كراين إلى سورية، ما أثار حفيظة الفرنسيين الذين ألقوا القبض عليهم وساقوهم إلى سجن القلعة بتهمة تقاضي أموال من الحكومة الأميركية. حُكم عليه بالسجن عشر سنوات، قضى منها الحكيم تسعة عشر شهراً بين معتقلات جزيرة أرواد ودمشق.

    تأسيس حزب الشعب وسنوات المنفى

    وفي 5 حزيران 1925، تشارك حسن الحكيم مع عبد الرحمن الشهبندر في تأسيس حزب الشعب المعارض لفرنسا والمحسوب على الأُسرة الهاشمية. اُنتُخب أميناً عاماً لحزب الشعب، ولكن نشاطه لم يستمر طويلاً بسبب دعم  الحكيم للثورة السورية الكبرى ومشاركته قائدها العام سلطان باشا الأطرش في نقل معاركها من جبل الدروز إلى غوطة دمشق. حُكم على حسن الحكيم بالإعدام فهرب إلى فلسطين، حيث عمل مديراً للبنك العربي في يافا. انتقل بعدها للعمل مجدداً مع الملك فيصل، الذي كان قد توج ملكاً على العراق سنة 1921. وفي بغداد قام بتأسيس المصرف الزراعي الصناعي العراقي وعمل مديراً له لغاية سنة 1937، عند السمح له بالعودة إلى سورية.

    العودة إلى سورية ومقتل الشهبندر 

    وفي سنة 1938 قام الرئيس هاشم الأتاسي بتعيين حسن الحكيم مديراً لأوقاف دمشق ثم للمصرف الزراعي في سورية. وفي 5 نيسان 1939، سمّي الحكيم وزيراً للمعارف في حكومة نصوحي البخاري، آخر الحكومات في عهد الرئيس الأتاسي التي لم تستمر إلا ثلاثة أشهر فقط.

    وفي صيف عام 1940 اغتيل صديقه عبد الرحمن الشهبندر في عيادته الطبية بدمشق وأشرف حسن الحكيم على تشكيل فريق من المحامين الكبار للمرافعة أمام القضاء. وجهت الاتهامات يومها إلى قادة الكتلة الوطنية المعارضين للشهبندر، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الأسبق جميل مردم بك. ولكن المحكمة الفرنسية المخصصة للنظر في الجريمة أعنت براءتهم، ما أغضب الحكيم كثيراً. اعتبر أن تلاعباً قد حصل في التحقيقات وحاول جاهداً إعادة فتح ملف الشهبندر أمام القضاء ولكنّه لم يفلح بسبب معارضة زعماء الكتلة الوطنية.

    حكومة الحكيم الأولى (1941-1942)

    أثناء الحرب العالمية الثانية وقع الخيار على حسن الحكيم ليكون رئيساً لحكومة وحدة وطنية في عهد رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني. كان الشيخ تاج مُعيناً من قبل الفرنسيين وليس منتخباً، وقد حكم البلاد دون مجلس نواب أو دستور، فقرر التعاون مع الحكيم لإضفاء الشرعية على حُكمه. قبِل حسن الحكيم بهذا التكليف، بناء وعد بالاستقلال التام، جاء على لسان الجنرال شارل ديغول قائد قوات فرنسا الحرة. شُكلت وزارة الحكيم في 20 أيلول 1941، واحتفظ بها لنفسه بحقيبة المالية، مع تعيين فائز الخوري من الكتلة الوطنية في وزارة الخارجية، وتسمية صديقه الشهبندري زكي الخطيب وزيراً للعدل. وكانت حكومة الحكيم هي الأولى في تاريخ البلاد التي يتم فيها إشراك الأقليات غير المسيحية في الحكم، فقد جاء بعبد الغفار باشا الأطرش إلى وزارة الدفاع ممثلاً عن الطائفة الدرزية، وعيّن والوجيه العلوي منير العباس في وزارة الأشغال العامة.

    الرئيس الحكيم مع رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني سنة 1941
    الرئيس الحكيم مع رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني سنة 1941

    وقد شهد عهده إعلان استقلال سورية في 27 أيلول 1941، وتوحيد جبل الدروز وجبل العلويين مع بقية الأراضي السورية. ولكنّ ديغول اشترك بقاء القوات الفرنسية في سورية لحين انتهاء العمليات القتالية في أوروبا.(6) استمرت حكومة الحكيم في العمل لغاية 17 نيسان 1942، وقد استقال الحكيم من منصبه احتجاجاً على تدخلات رئيس الجمهورية في عمله وعدم احترامه لاستقلالية السلطة التشريعية.

    الحكيم ودستور عام 1950

    في مطلع عهد الاستقلال، رفض حسن الحكيم العمل مع حسني الزعيم، مهندس الانقلاب الأول في سورية يوم 29 آذار 1949. وبعد انهيار حكمه وإعدامه يوم 14 آب 1949 عاد الحكيم إلى نشاطه السياسي وحضر اجتماعاً كبيراً في مبنى الأركان العامة، دعا إليه رئيس الأركان سامي الحناوي الذي أطاح بالزعيم وحكمه. انتُخب الحكيم مُشرعاً في المؤتمر التأسيسي المُكلّف بوضع دستور جديد للبلاد، بدلاً من الدستور القديم الذي قام حسني الزعيم بتعطيله قبل أشهر. كما شارك في صياغة القسم الرئاسي الجديد، الذي خلا من أي إشارة إلى نظام سورية الجمهوري، ما اعتبره البعض تمهيداً لضم سورية إلى العراق ووضعها تحت عرش الأُسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد .(7) وبعد الانتهاء من العمل على الدستور الجديد، تحول المجلس الدستوري إلى برلمان مُنتخب، وأصبح حسن الحكيم فيه ممثلاً عن مدينة دمشق.

    الحكومة الثانية سنة 1951

    وبعد عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم، عُيّن الحكيم وزيراً للدولة في حكومة ناظم القدسي في أيلول 1950، قبل تكليفه بتشكيل حكومة جديدة في 9 آب 1951. معظم الوزراء الجدد في حكومته كانوا من المحسوبين على التيار الهاشمي المنادي بوحدة سورية والعراق، ومع ذلك، لم يُشير حسن الحكيم في برنامج حكومته إلى أي مشروع وحدوي لا مع العراق ولا مع الأردن، واكتفى فقط بالمطالبة بعلاقات متينة مع دول الجوار كافة.

    الرئيس حسن الحكيم أمام مجلس النواب سنة 1951
    الرئيس حسن الحكيم أمام مجلس النواب سنة 1951

    واجهت حكومته الثانية تحديات عدة، كان أولها النقص الحاد في الحبوب والمؤن، والذي قام بمعالجته عبر استيراد 50 ألف طن من القمح من تركيا. وشهدت فترة حكمه مظاهرات عارمة لموظفي القطاع العام المطالبين بزيادة في رواتبهم، ولكن حسن الحكيم رفض الاستجابة بسبب عجز كبير في الموازنة العامة قائلاً: “لا يمكن إعطاؤكم ما لا أملكه، فأنا مسؤول أمامكم وأمام المكلفين ضريبياً ولا أستطيع فرض أي ضريبة جديدة على الناس لتأمين كتلة مالية لرفع الرواتب(8).”

    استقال حسن الحكيم على أثر هذه الاضطرابات في 28 تشرين الثاني 1951 وغاب من بعدها عن أي نشاط سياسي، باستثناء ظهوره المفاجئ في منزل وزير الدفاع السابق أحمد الشرباتي لتأييد انقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة مع مصر يوم 28 أيلول 1961. وفي عهد الانفصال، ظلّ ينشر مقالاً أسبوعياً في جريدة الأيام قبل إغلاقها من قبل مجلس قيادة الثورة صبيحة انقلاب 8 آذار 1963.

    مؤلفاته

    تقاعد الحكم عن العمل السياسي بعد سنة 1963 وتفرغ للكتابة. نشرت مذكراته في لبنان سنة 1965 وتبعها كتاب الوثائق التاريخية المتعلقة بالقضية السورية الصادر في بيروت سنة 1974ـ ثم جاء كتاب خبراتي في الحكم  سنة 1978، وكان آخر كتاب للحكيم عن صديق العمر عبد الرحمن الشهبندر، الذي نُشر في لبنان سنة 1985. وقد أهدى مكتبته الخاصة إلى مكتبة المتحف الوطني بدمشق ودار الوثائق التاريخية ومكتبة جامعة دمشق وجمعية المقاصد الخيرية في بيروت.(9) أما القسم الأخير من المكتبة المتعلق بتاريخ سورية فقد بقي مع ابنه هاني قبل أن تنتقل ملكيته إلى حفيده الدكتور الدكتور وسيم الحكيم، عميد كلية الزراعة في جامعة دمشق. وقد عَمل الحكيم الحفيد مع المؤرخ السوري سامي مروان مبيّض على جمع الرسائل المتبادلة بين جده وعبد الرحمن الشهبندر في كتاب بعنوان الرسائل المفقودة، صدر بدمشق سنة 2015.

    الوفاة

    توفي حسن الحكيم بدمشق عن عمر ناهر 96 عاماً يوم 30 آذار 1982.

    المناصب

    أمين عام حزب الشعب (5 حزيران – 15 تموز 1925)
    • سبقه في المنصب: لا يوجد
    • خلفه في المنصب: تم إلغاء المنصب
    وزيراً للمعارف (5 نيسان – 8 تموز 1939)
    • سبقه في المنصب: لطفي الحفار
    • خلفه في المنصب: عبد اللطيف الشطي
    رئيساً للحكومة السورية (20 أيلول 1941 – 17 نيسان 1942)
    وزيراً للدولة (8 أيلول 1950 – 27 آذار 1951)
    • سبقه في المنصب: لا يوجد
    • خلفه في المنصب: لا يوجد
    رئيساً للحكومة السورية (9 آب – 28 تشرين الثاني 1951)
  • تحسين باشا الفقير

    تحسين باشا الفقير
    تحسين باشا الفقير

    تحسين باشا الفقير (1880-1948)، ضابط سوري من دمشق، قاد معركة ميسلون ضد جيش الاحتلال الفرنسي وتسلّم وزارة الحربية في مملكة الحجاز.

    البداية

    ولِد تحسين الفقير في حي الشاغور بدمشق ودَرَس العلوم العسكرية في الكلية الحربية في إسطنبول، وعند تخرجه برتبة ملازم ثانٍ عام 1905، عُين أستاذاً في هيئتها التدريسية. وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 نُقل إلى أوروبا وعُين قائداً للجبهة العثمانية في رومانيا. بعد انتهاء الحرب سنة 1918، عاد إلى دمشق وبايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً على البلاد، والذي كلفه بقيادة لواء المشاة الرابع في عمّان، ثم الفرقة الأولى المخصصة لحماية العاصمة دمشق.(1)

    إنذار غورو

    في 8 آذار 1920، بايع السوريون الأمير فيصل ملكاً عليهم، والذي صار يُعرف من ذلك التاريخ بلقبه الجديد الملك فيصل الأول. بعدها بأربعة أشهر، أرسلت الحكومة الفرنسية إنذاراً شهيراً للملك، تطالبه فيه بحل الجيش السوري وبتسليم سكة حديد رياق حلب، ومصادرة السلاح من الأهالي تمهيداً لفرض الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، تنفيذاً لما جاء في اتفاقية سايكس بيكو الموقّعة خلال الحرب بين حكومتي فرنسا وبريطانيا.

    حَمل الإنذار توقيع الجنرال هنري غورو، مندوب فرنسا في سورية ولبنان. وصلت برقيته إلى العاصمة دمشق يوم 14 تموز 1920 وأُعطي الملك فيصل مهلة محددة للقبول أو الرفض، تنتهي يوم 21 تموز 1920. وافق فيصل على الشروط الفرنسية وبدأ فعلاً بتسريح كامل قطعات الجيش السوري، ولكن الجنرال غورو رفض ذلك مدّعياً أن رسالة الملك وصلت متأخرة. وأعلن زحف قواته البرية باتجاه العاصمة السورية، تمهيداً لاحتلال مدينة دمشق.

    الطريق إلى ميسلون

    طَلَب الملك فيصل من تحسين باشا الفقير جمع القوات المبعثرة بسبب قرار التسريح، الذي لم يكن الفقير مؤيداً له، ثم ترتيب عرض عسكري في شارع النصر وسط مدينة دمشق، تشارك فيه قوات الجيش السوري كافة، هدفه شدّ عزيمة الناس لمواجهة فرنسا. اعترض الفقير قائلاً إن مثل هذا العرض سيكشف للعدو تعداد الجيش وقدراته القتالية، لكن فيصل أصر على موقفه.(2)

    ما كان بوسع الفقير إلا تنفيذ أوامر الملك، وحصل العرض العسكري في التاريخ المطلوب بحضور فيصل ومشاركة لواء المدفعية، بقيادة العقيد محمد علي المدفعي، ولواء الخيّالة الهاشمي، بقيادة المقدم اسماعيل نامق.  كان عدد قوات الجيش السوري يومها، كما أوردها الفقير في مذكراته: 3800 جندي نظامي، ومعه 48 مدفعاً وثماني رشاشات فقط لا غير. بعد العرض، اجتمع وزير الحربية يوسف العظمة مع الفقير في حديقة المشيرية المجاورة وقال له: “هل أنت مستعد للحرب يا تحسين؟” أجابه الفقير بنعم، وبدأت الترتيبات العسكرية لمعركة ميسلون، على طريق دمشق بيروت، الذي عُين الفقير قائداً عاماً لها.

    المجلس الحربي

    شُكّل مجلس حربي مؤلف من العظمة والفقير، ومعهما رئيس أركان الجيش ياسين باشا الهاشمي، والعقيد أحمد اللحام والمقدم مصطفى وصفي والمقدم شريف الحجّار والمقدم حسن يحيى الصبان والعقيد عارف التوّام، مدير تسليح الجيش. عندما طلب الملك من ضباطه إبداء الرأي عن جاهزية الجيش، قالوا إن القوات السورية، وفي حال حصولها على تعزيزات عسكرية وبشرية من الأهالي والبدو، قادرة على الصمود في وجه فرنسا لمدة أسابيع. ولو لم يحصل ذلك، فلا يمكنها الصمود أكثر من “ساعة واحدة فقط.(3)”

    على الفور، تم إرسال اللواء الثاني مشاة إلى قرية مجدل عنجر في سهل البقاع، بقيادة المقدم توفيق عاقل، واللواء الرابع إلى حاصبيا وراشيا، وأُبقي الفوج الثاني من اللواء الأول في محيط العاصمة للدفاع عن دمشق تحسباً لأي طارئ، بقيادة المقدم اسماعيل زهدي. قام الفقير بالإشراف على حفر الخنادق وإقامة المتاريس، وأحضر مدافع جبلية وضعهما بين الأشجار في مكان مستور مشرف على قواعد الفرنسيين. كما أقام مركزاً لقيادته العسكرية في قلعة مجدل عنجر، المطلة على سهل البقاع، وأمر قواته بنسف جسور رياق الواصلة مع بلدة جب جنين على نهر الليطاني، والخط الحديدي في سرغايا. كما قام بتلغيم جسور بر الياس ودير زنون، ولكنه أمر بعدم نسفهما إلا في حالات الضرورة القصوى. عُين رئيس الأركان ياسين الهاشمي قائداً لجبهة دمشق، والزعيم الركن يحيى حياتي بك قائداً لجبهة حمص، والعقيد الركن اسماعيل الطباخ قائداً لجبهة حلب في شمال البلاد.

    عدد القوات الفرنسية

    كان الجيش الفرنسي في ميسلون مؤلفاً من أربعة ألوية مشاة ولواء خيالة واثنتي عشرة بطارية من المدفعية، معها خمس مدافع ميدان سريعة وخمس مدافع جبلية، إضافة لخمس عشرة دبابة وخمس طائرات حربية و100 رشاش.(4)

    عدد القوات السورية

    فُتح باب التطوع في الجيش السوري وتقدم 1700 مدني طالبين الجهاد ضد فرنسا، ولكن وبعد تسلمهم قطع السلاح، فرّ معظمهم ولم يبق من أصل 1700 إلا 300 متطوع فقط، إضافة لـ 115 خيالاً قدموا لمساندة الجيش من حيّ الميدان الدمشقي. وصل عدد القوات السورية يومها إلى 850 شخصاً، بين جندي نظامي ومتطوع، 647 منهم لا يحملون أي سلاح. وشاركت في المعركة سرية الحرس الملكي، بقيادة الرئيس محمد علي العجلوني، وسرية الهجانة، بقيادة المقدم مرزوق التخيمي، و60 خيالاً نظامياً وسرية رشاش بقيادة الرئيس هاشم الزين.(5)

    بعد ميسلون، في الأردن والحجاز

    تحسين الفقير في المرحلة الحجازية
    تحسين الفقير في المرحلة الحجازية

    ولكن وبالرغم من كل هذه التحضيرات العسكرية، هُزم الجيش السوري في ميسلون، يوم 24 تموز 1920، واستشهد وزير الحربية يوسف العظمة. هَرب الملك فيصل من قصره، متوجهاً إلى سهل حوران ثم إلى فلسطين، وبعدها إلى أوروبا، وشُكلت محاكم عسكرية لمحاكمة أعوانه ورجاله في دمشق.

    حاول رئيس الحكومة الجديدة علاء الدين الدروبي إلقاء القبض على تحسين الفقير، الذي توجه إلى إمارة شرق الأردن، وتمت محاكمته غيابياً في سورية وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات عقاباً على دوره في معركة ميسلون.

    في عمّان عمل مستشاراً عسكرياً للأمير عبد الله بن الحسين، شقيق الملك فيصل، وشارك بتأسيس الجيش الأردني. رفّعه الأمير عبد الله إلى رتبة “فريق” وأعطاه لقب “الباشا” عسكرياً، بعد تعيينه قائداً على مدينة معان.

    ولكن وفي عام 1922، حصل صدام بين الفقير والضابط البريطاني غلوب باشا، قائد الجيش الأردني في حينها، سببه موقف الفقير الناقم على الإنكليز والفرنسيين، وعلاقته بالثوار في بلاده. تفادياً لأي قلاقل داخل المؤسسة العسكرية، تم إبعاده عن الأردن وإرساله إلى مملكة الحجاز، ليكون مستشاراً عسكرياً لكل من الشريف حسين بن عليّ ونجله الأكبر، الأمير علي بن الحسين. قام الفقير بتأسيس قوة عسكرية، سُميت بسرايا الملح، لمواجهة القوات الوهابية التابعة للأمير عبد العزيز آل سعود، وتم تعينه وزيراً للحربية في مملكة الحجاز حتى عام 1925.

    في اليمن

    بعد سقوط عرش الشريف حسين في مكة وإنشاء الممكلة العربية السعودية، غادر الفقير مجدداً وتوجه إلى اليمن، ليعمل مستشاراً عسكرياً للأمير يحيى حميد الدين من العام 1930 وحتى 1944.

    العودة إلى دمشق

    عند جلاء القوات الفرنسية عن سورية في نيسان 1946، عاد تحسين الفقير إلى مسقط رأسه بدمشق، بدعوة رسمية من رئيس الجمهورية شكري القوتلي، للمشاركة بعيد الجلاء الأول. وفي 28 أيلول 1946 قدم لوزير الدفاع أحمد الشرباتي راية الجيش السوري التي كان قد أنقذها من يد الفرنسيين في معركة ميسلون، وظلّت محفوطة بين ممتلكاته الشخصية طوال سنوات المنفى وتنقلت معه بين الأردن والحجاز واليمن. أقيم حفل رسمي لاستلام العلم أمام المتحف الوطني بدمشق، ناب فيه وزير الدفاع عن رئيس الجمهورية.

    مستشاراً في جيش الإنقاذ

    وعند صدور قرار تقسيم فلسطين في نهاية شهر تشرين الثاني عام 1947، شُكل جيش الإنقاذ لمحاربة العصابات الصهيونية، بتمويل من جامعة الدول العربية وقيادة فوزي القاوقجي، الذي طَلَب من تحسين الفقير أن يكون مستشاراً عسكرياً له. توفي الفقير قبل أن تضع حرب فلسطين أوزارها، يوم 21 تموز 1948. أقامت له الحكومة السورية جنازة عسكرية، حضرها ممثل عن رئيس الجمهورية، وتمت الصلاة عليه في الجامع الأموي ثمّ دفنه في مقبرة باب الصغير بدمشق.

    مذكرات تحسين باشا الفقير

    نشر تحسين باشا الفقير جزءاً من مذكراته في مجلة الجندي السورية عام 1946، وقام أفراد من أسرته بنشر بقية الأوراق على مراحل في جريدة البعث، يومي 23-24 تموز 1986، وفي 17 نيسان 1996. وفي عام 2004، جمعوا كل ما كَتب الفقير عن معركة ميسلون في كتاب حمل عنوان: “الانتداب الفرنسي الغاشم على سورية: أحداث ما قبل ومجرى وقائع معركة ميسلون وفرض الإنتداب الفرنسي إلى أن تم الجلاء في 17 نيسان 1946.”

  • حزب الشعب (دمشق)

    حزب الشعب، أول حزب سياسي ظهر في سورية بعد خمس سنوات من فرض الانتداب الفرنسي سنة 1920. أسسه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر ولكن فترة نشاطه كانت قصيرة للغاية بسبب تأييد زعمائه للثورة السورية الكبرى التي انطلقت عام 1925. وقد أدى هذا الموقف إلى حظر الحزب وإغلاق مكاتبه كافة بعد مصادرة كلّ أوراقه الرسمية من قبل المخابرات الفرنسية. وقد ظهر حزب جديد حمل نفس الاسم في مدينة حلب سنة 1948، كان برئاسة ناظم القدسي ورشدي الكيخيا، لا علاقة له بحزب الشعب الدمشقي الذي انتهى دوره في منتصف عام 1925.

    ولادة حزب الشعب سنة 1925

    أنشأ حزب الشعب في 9 شباط 1925 وأقيم له حفل إشهار في أوبرا العباسية بدمشق يوم 5 حزيران 1925، بحضور مئتي شخصية سورية، يتقدمهم الرئيس المؤسس عبد الرحمن الشهبندر، وزير خارجية سورية الأسبق.(1)

    انتُخب المحامي فارس الخوري نائباً لرئيس الحزب مع  لجنة إدارية مؤلفة من اثني عشر شخصية سياسية، ضمّت المحامي فوزي الغزي والسياسيين جميل مردم بك وفخري البارودي وحسن الحكيم ولطفي الحفار وإحسان الشريف، الذي أصبح  أميناً للسر.(2) وفي كلمة الافتتاح حطب الشهبندر قائلاً:

    “من دواعي التفاؤل أن يرى المرء هذا الجمع المبارك ليحيي فيه أول كتلة وطنية انتظمت انتظاماً علنياً لخدمة البلاد. إن الليالي حبالى والمستقبل حافل بأنواع الاحتمالات فعلى الأقوام المظلومة التي تطلب الهواء الطلق والنور المشرق والحياة الرفيعة أن تجعل لكيانها قيمة مادية في الميزان الدولي وأن تُبقي قبس القومية مشتعلاً دائماً لتستضيء به في الملحمة القادمة إذ يكون الظلام دامساً والدليل حائراً والغلبة يومئذ للمتقين.” (3)

    مبادئ الحزب

    نادى حزب الشعب بوحدة الأراضي السورية واستقلالها التام وغير المشروط، كما طالب بإنهاء الانتداب الفرنسي وانضمام سورية إلى عصبة الأمم، مع وضع دستور للبلاد وانتخاب مجلس نواب يُمثل طموحات الشعب السوري. وخلال أسابيع قليلة من إشهار الحزب تم افتتاح أفرعاً له في حمص وحماة وحلب واللاذقية.

    نشاط الحزب

    أشهر نشاطات الحزب كانت في المرحلة التي سبقت الإشهار الرسمي، يوم أضربت مدينة دمشق بإيعاز من الشهبندر في 8 نيسان 1925، احتجاجاً على زيارة اللورد جيمس بلفور إلى سورية. وقد نظّم زعماء الحزب مظاهرات حاشدة ضد صاحب وعد بلفور وهددوا بقتله لو مكث ليلة واحدة في دمشق. وبعدها بأسابيع، نظموا مظاهرات كبرى ضد الانتداب الفرنسي، امتدت من مكتب عنبر حتى الجامع الأموي وسط مدينة دمشق القديمة.

    وعند اندلاع الثورة السورية الكبرى انضم عبد الرحمن الشهبندر إلى صفوفها وحمل السلاح مع قائدها العام سلطان باشا الأطرش، فردت فرنسا بإلغاء ترخيص حزب الشعب وأمرت بإغلاق كل مكاتبه.(4) ثم صدر حكم غيابي بالإعدام بحق الشهبندر، مما أجبره على الهروب إلى مصر، حيث ظلّ مقيماً حتى سنة 1937.

    نهاية حزب الشعب

    وقد تفرق أعضاء حزب الشعب في سورية حتى سنة 1927، عندما عاد بعضهم إلى العمل السياسي في صفوف الكتلة الوطنية، التي لم يكن الشهبندر راضياً عن سياستها وظلّ معارضاُ لها حتى مقتله سنة 1940.

    هذا وقد تطرق الشهبندر إلى حزب الشعب في مذكراته بشكل عابر، قائلاً: “ولما تحقق الوطنيون السوريون أن الحالة تسير من سيئ إلى أسوأ، قرروا تأليف حزب باسم حزب الشعب، فغرقت السلطة قصارى جهدها لمنعهم من ذلك ولم يحصلوا إلا بعد جهد جهيد على ترخيص الحكومة لهم بالاجتماع.”(6)

    وقد كتب فارس الخوري عن تجربته في حزب الشعب قائلاً: “سرني وسر غيري من عقلاء النصارى بعض مفكري المسلمين إلى وجوب التفرغ عن النعرة الدينية وإقامة الإسلام وحده مقام الجنسية الوطنية وتحايلهم لتأليف حزب سياسي وطني يأوي إليه المسلم والمسيحي واليهودي من أصحاب العقيدة الوطنية في سورية.”(7)

     

  • حبيب كحّالة

    حبيب كحّالة
    حبيب كحّالة

    حبيب كحّالة (1898-1965)، صحفي سوري من دمشق ومؤسس الصحافة الهزلية في الشرق الأوسط. وهو صاحب ورئيس تحرير مجلة المضحك المبكي التي كانت تصدر في سورية ما بين 1929-1966.

    البداية

    ولِد حبيب كحّالة في أُسرة مسيحية دمشقية معروفة ودَرَس الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت. عَمِل في الصحافة فور تخرجه وأسس جريدة يومية في دمشق تُدعى سورية الجديدة والتي صدر عددها الأول يوم 27 كانون الأول 1918. كان ذلك بعد شهرين فقط من سقوط الحكم العثماني في سورية وكان خط الجريدة داعماً للملك فيصل الأول، الذي نُصّب حاكماً على سورية بعد العثمانيين وخُلع عن عرشه في تموز 1920.

    ظلّت جريدة سورية الجديدة تصدر حتى منتصف العشرينيات إلى أن تم إغلاقها من قبل السلطات الفرنسية بسبب دعمها للثورة السورية الكبرى ومناصرتها لقائدها العام سلطان باشا الأطرش.

    المضحك المبكي

    بعد انتهاء الثورة بنحو عامين، أطلق حبيب كحّالة مجلّة سياسيّة كاريكاتوريّة أسبوعيّة سميت المضحك المبكي، والتي صارت حديث الشارع السوري في زمن الانتداب الفرنسي، وكانت تتناولها أيدي القُرّاء من حُكّام وبسطاء. كان حبيب كحّالة سبّاقاً في ترسيخ فنّ الكاريكاتير في سورية الذي خصص له عدداً من صفحات مجلّته وطلب من الرسام الرائد في هذا المجال توفيق طارق أن يرسم صور الغلاف الأول والأخير. كما تعاون من الفنان خليل درويش الأشقر، الذي كان يوقع رسوماته الساخرة باسم “جوليان” المستعار، قبل أن ينتقل إلى لبنان للعمل في مجلة الدبور وثمّ في مجلّة الصيّاد مع الصحفي سعيد فريحة.

    جاء في العدد الأول من المضحك المبكي تعريف عام عن سياسة المجلّة، كتبه حبيب كحّالة بنفسه: “أما خطتنا فإننا نعاهد القارئ أن تكون المجلة صريحة، صادقة، ولو أغضبت البعض. ولا نجعل موقفنا موقف الأحنف الذي كان يسمع مدح الشعراء ليزيد بن معاوية وهو ساكت. فلما سأله معاوية: مالك ساكت يا أبا بحر؟” قال إنني أخاف الله تعالى إذا كذبت، وأخافك إذا صدقت! فنحن سنسعى إلى أن نخاف الله في صراحتنا، وأما عبيد الله، فإذا غضبوا ونحن نقول الحقيقة، فليشربوا البحر.”

    كانت مقالات المضحك المبكي مزيجاً بين اللغة العامية والفصحى، وفيها أبواب فكاهية متنوعة نالت إعجاب القراء على مدى السنوات الطويلة، ومنها:

    “حديث سياسي حشاش” الذي ينتقل فيه المحرر من موضوع إلى آخر دون أي ارتباط بينهما، ويقدم لسعات ناقدة للوزراء والنواب.

    “على التلفون” حيث يتصل المحرر بوزير ويحاوره سريعاً عن موضوع شائك في البلاد.

    “إعراب المضحك المبكي” حيث يقوم المحرر بإعراب بيت من الشعر قبل أن ينتقل إلى حديث عميق في السّياسة.

    “محكمة المضحك المبكي” حيث يتم وضع مسؤول في قفص الاتهام في موضوع معين وتقوم أسرة المضحك المبكي بالحكم عليه إما بالبراءة أو الإدانة.

    “قالوا وقلنا” وهو باب يعلّق فيه المحرر على أقوال المسؤولين.

    كما ضمّت المضحك المبكي أبواباً أخرى مثل “موال الأسبوع” و”زغلوطة” والزجل القرّادي.” وفي بداية الثلاثينيات، أنشأ حبيب كحّالة مطبعة خاصة بمجلّته كان مقرها في شارع الملك فؤاد الأول وسط دمشق.

    مواجهة الرقابة

    أُغلقت المضحك المبكي مراراً، وتعرض صاحبها للملاحقة القانونية والاعتقال أيام الانتداب الفرنسي. كان الحجب الأول لمدة ثلاثة أشهر عام 1930، عندما نَشر حبيب كحّالة رسماً كاريكاتورياً لوزراء الحكومة السورية في زمن الشّيخ تاج الدين الحسني وهم ينشدون النشيد الوطني الفرنسي. بعد انتهاء مدة الحجب، وضع رسماً كاريكاتورياً لنفسه وهو خارج من القبر، وحوله الوزراء ذاتهم وهم يصرخون: “ولي على هالعمر…رجعنا للمضحك المبكي!”

    وكان الحجب الثاني لمدة ثلاثة أشهر أيضاً في شهر نيسان من عام 1932، بسبب انتقاد المضحك المبكي رئيسَ الحكومة تاج الدين الحسني، ولكن حبيب كحّالة تحدى الرقابة هذه المرة وأصدر مجلّته بتاريخها المحدد ولكن باسم جديد وهو “ماشي الحال،” قائلاً إن الحظر ينطبق على مجلّة المضحك المبكي وليس على مجلّة “ماشي الحال.”  وفي المرة الثالثة أُغلقت المضحك المبكي عند نشرها رسماً كاريكاتورياً للحكم الدستوري في سورية وهو طريح فراش المرض والوزراء يسألونه عن صحته فيجيب: “زفت!”

    أعمال اخرى في الصحافة والسياسة

    كان حبيب كحّالة نشيطاً في حياته السياسية والمهنية فقد شارك بتأسيس نقابة الصحفيين السوريين وفي عام 1936، أصدر مجلة مصورة تدعى “المصور” ولكنها لم تلاقِ نفس نجاح المضحك المبكي. كما حاول إطلاق جريدة يومية سياسية تدعى “دمشق” في مطلع عهد الاستقلال، ولكنها أيضاً لم تنجح ولم تستمر طويلاً. وفي عام 1947، انتخب نائباً عن دمشق في البرلمان السوري، ممثلاً الحزب الوطني في أول انتخابات جرت في البلاد بعد جلاء الفرنسيين عن سورية، وحافظ على مقعده النيابي حتى وقوع الانقلاب الأول سنة 1949. كما تم انتخابه عضواً في المجلس الملّي لطائفة الروم الأورثودوكس.(2)

    الحجب الطوعي عام 1956

    توقف حبيب كحّالة عن إصدار المضحك المبكي سنة 1956، في ظلّ تنامي نفوذ المباحث في عهد العقيد عبد الحميد السراج، ولم يعاود النشر طوال سنوات الوحدة السورية المصرية في زمن الرئيس جمال عبد الناصر. ولكنه عاد إلى جمهوره الواسع في عهد الانفصال سنة 1962، وكتب افتتاحية جاء فيها: “تعود هذه المجلّة إلى الصدور بعد غياب طويل، لا أتهم به أحداً ولا أرجعه لأحد، وإنما قصدته بملء إرادتي ومحض مشيئتي، لأني لم أستطع أن أكتب ما أريد، ولا أقبل أن أحمَل على كتابة ما لا أريد، فكسرت القلم واعتزلت، لأن العبد الحقيقي، كما يقول أوسكار وايلد، هو الذي لا يستطيع أن يعبر عن رأيه بحرية.”

    وفي عهد الانفصال قامت المضحك المبكي بنشر بعض أوراق رئيس الحكومة الأسبق فارس الخوري عند رحيله، الذي قدم لها حبيب كحّالة بالقول: “إذا كانت قيمة المذكرات السياسية تقاس بقيمة أصحابها فإن مذكرات المغفور له أستاذنا الكبير فارس

    الخوري  تعد أثمن مذكرات في البلاد العربية.” [1] يذكر أن شقيقة حبيب كحّالة كانت متزوجة من سهيل الخوري، نجل فارس الخوري.

    حبيب كحّالة مع الرئيس فارس الخوري
    حبيب كحّالة مع الرئيس فارس الخوري

    مؤلفاته

    إضافة لعمله الصحفي وضع حبيب كحّالة عدداً من المؤلفات في حياته، أبرزها “ذكريات نائب” و”قصة خاطئة” و”كشكول المضحك المبكي” الذي جمع فيه نوادر مجلته.

    بعد 8 آذار 1963

    كانت مجلة المضحك المبكي هي وحدها بين كافة الصحف السورية التي لم يطلها المرسوم العسكري رقم 4 الصادر عن مجلس قيادة الثورة، الذي عُلّق بموجبه العمل بالصحافة الحرّة في البلاد بعد وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963. وكان سبب استمرار المضحك المبكي هو موقف حبيب كحّالة الداعم لجريدة البعث في زمن الانفصال، حيث عارض منعها عن الصدور بسبب موقفها الداعم للرئيس جمال عبد الناصر. فردّ صلاح البيطار الجميل عند تسلمه رئاسة الحكومة ولم يُغلق المضحك المبكي ولكنه فرض رقابة صارمة على محتواها، مما اضطرها إلى الحجب مراراً، قبل أن يتم إغلاقها نهائياً بأمر شفوي من وزير الإعلام جميل شيا يوم 29 أيار 1966. وكان ذلك بعد ستة أشهر على رحيل حبيب كحّالة في 22 كانون الأول 1965.

  • جورج فارس

    جورج فارس (1894-1962)، صحفي سوري وأحد مؤسسي جريدة بردى الدمشقية، له عدة مؤلفات منها كتاب “من هم في العالم العربي” الصادر في دمشق نهاية اربعينيات وخمسينيات القرن العشرين.

    الحياة المهنية

    ولد جورج فارس في دمشق ودرس في المدرسة العازارية في منطقة باب توما. عَمل مترجماً في القنصلية الإيرانية وفي عام 1928 قام بتأسيس جريدة سياسية ناطقة باللغة الفرنسية أسمها “لا سيري،” لحقها بجريدة ثانية اسمها “صدى دمشق” سنة 1931 وثالثة بعنوان “أصداء سورية” سنة 1937.(1)

    جميع تلك المطبوعات توقفت مع جلاء الفرنسيين عن سورية سنة 1946 فتعاون جورج فارس مع زميله الصحفي منير الريّس على إصدار صحيفة يومية اسمها بردى، كانت من أشهر الصحف السورية في مطلع عهد الاستقلال.

    كما عَمِل جورج فارس مراسلاً لوكالة رويترز للأنباء حتى عام 1947 وإنتخب وشارك بتأسيس نقابة الصحفيين السوريين مع يوسف العيسى، صاحب جريدة ألف باء ونصوح بابيل، صاحب جريدة الأيام.(2)  كما ترشّح للإنتخابات النيابية في دورة عام 1936 ولكنه لم ينجح.(3)

    انفصل جورج فارس عن جريدة بردى وأسس مكتب الدراسات العربية في دمشق، الذي تولى نشر كتاب “من هم في العالم العربي” وهو يحتوي على تراجم لأبرز الشخصيات السورية الفاعلة في المجالات الوطنية والسياسية والإقتصادية.

  • جميل الألشي

    جميل الألشي (1883-1951)، سياسي سوري من دمشق وعقيد سابق في الجيش العثماني، ترأس الحكومة السورية مرتين في زمن الانتداب الفرنسي، كانت الأولى سنة 1920 والثانية خلال الحرب العالمية الثانية عام 1943. وعندما توفي الرئيس تاج الدين الحسني تسلّم الألشي رئاسة الجمهورية بالوكالة من 17 كانون الثاني 1943 ولغاية 17 آذار 1943. شهدت حكومته الأولى تقسيم سورية إلى دويلات، ما أدى إلى استقالته احتجاجاً، وفي الحكومة الثانية أجبر على الاستقالة بسبب ارتفاع كبير في أسعار الخبز. وكان الألشي قد عُيّن وزيراً للحربية خلفاً ليوسف العظمة إبان معركة ميسلون في 24 تموز 1920، وفي عهده تم حلّ الجيش السوري.

    البداية

    ولِد جميل الألشي في حيّ القيمرية بدمشق ودَرس في الكلية الحربية في إسطنبول. التحق بالجيش العثماني سنة 1906 وخدم في القدس قبل تسميته مديراً لمدرسة الضباط الاحتياط. انشق عن الجيش العثماني وانضم إلى الثورة العربية الكبرى سنة 1916، فحُكم عليه بالإعدام. عاد إلى دمشق مع بداية انسحاب القوات العثمانية في 13 أيلول 1918 وعُيّن عضواً في حكومة الأمير سعيد الجزائري المصغرة التي أشرفت على المرحلة الانتقالية ما بين جلاء العثمانيين ودخول قوات الحلفاء في 1 تشرين الأول 1918.

    في عهد الملك فيصل الأول

    وفي يوم 3 تشرين الأول 1918 دخل الأمير فيصل بن الحسين مدينة دمشق وبايعه السوريون حاكماً عربياً عليهم. عُيّن المُقدم الركن جميل الألشي مُرافقاً عسكرياً للأمير فيصل وضابطاً رفيعاً في بلاطه. كُلفه فيصل بمفاوضة الجنرال هنري غورو في عاليه، قبل أيام من وقوع المواجهة العسكرية بين سورية وفرنسا سنة 1920. وبعد معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920 استشهد وزير الحربية يوسف العظمة وكُلّف الألشي بخلافته، فَظَلَّ في دمشق ولم يُغادرها مع فيصل وبقية أعوانه من السوريين والعراقيين. ولكنّ منصب وزير الحربية كان قد فقد كل معناه بعد أن حلّت حكومة الانتداب الفرنسي بقايا الجيش السوري وأقامت مكانه جيشاً مُنظماً تابعاً لها، عُرف بجيش الشرق.

    رئيساً للحكومة عام 1920

    وفي 21 آب 1921، اغتيل رئيس الحكومة علاء الدين الدروبي وكلف الألشي بتشكيل حكومة جديدة في 6 أيلول 1920، هي الأولى في عهد الانتداب لأن حكومة الدروبي جاءت في الساعات الأخيرة من العهد الفيصلي.  قسّمت فرنسا البلاد السورية إلى دويلات واعترض الألشي على هذا تقسيم، معتبراً إنه يُضر بمستقبل مدينة دمشق بالتحديد لأنه يفصلها عن مُحيطها الجغرافي ويقطع أوصال التجارة بينها وبين فلسطين ولبنان. كما اعترض على إنشاء دولة لبنان الكبير وسلخ أربعة أقضية عن سورية وإلحاقها بلبنان. تفاقم الخلاف بينه وبين الفرنسيين، وتحديداً بعد قرارهم إلغاء وزارة الحربية، فقدم جميل الألشي استقالة حكومته يوم 30 تشرين الثاني 1920.(2)

    رئيساً للجمهورية بالوكالة 1943

    لم يظهر جميل الألشي على الساحة السّياسية في السنوات اللاحقة، ولم يُشارك في الثورة السورية الكبرى أو في أي من الأحزاب التي ظهرت في منتصف العشرينيات وبداية الثلاثينيات. ولكنه عُيّن وزيراً للمالية يوم 15 شباط 1928 في حكومة صديقه الشّيخ تاج الدين الحسني، المكلفة بالإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية ووضع أول دستور جمهوري في سورية. وفي الفترة ما بين 1934-1936، كان وزيراً للأشغال العامة في حكومة الشيخ تاج الرابعة والأخيرة.

    وفي منتصف الحرب العالمية الثانية، جاء الجنرال شارل ديغول إلى سورية وكَلّف الشّيخ تاج برئاسة الجمهورية في أيلول 1941. بعد صدام مع رؤساء الحكومات المتعاقبين في عهده، طلب الشيخ تاج من جميل الألشي تأليف وزارة جديدة في 8 كانون الثاني 1943 ولكنّه توفي بعدها بتسعة أيام، ليصبح الألشي رئيساً للجمهورية بالوكالة، إضافة لمنصبه في رئاسة الحكومة.

    كلفته سلطة الانتداب بالتحضير لانتخابات رئاسية ونيابية مبكرة، وقد واجه عهده مشاكل عدّة، كان أبرزها ارتفاع سعر الخبز من ثماني قروش إلى ثماني قروش وربع، مما فجّر مُظاهرات عارمة قادتها الكتلة الوطنية في دمشق، طالبت بإسقاط حكومة جميل الألشي.(3) كانت هذا الارتفاع بالأسعار قد فُرض للمُساهمة في تمويل المجهود الحربي الفرنسي في الشرق الأوسط ولم يكن باستطاعة الألشي تعديله أو الاعتراض عليه. وفي 22 آذار 1943 استقال وزير المالية مصطفى الشهابي من حكومة الألشي، وهدد وزراء الحركة الوطنية بالانسحاب، فما كان أمامه إلّا الاستقالة يوم 25 آذار 1943.

    الوفاة

    اعتزل جميل الألشي العمل السياسي من بعدها وتوفي في دمشق عن عمر ناهز 68 عاماً سنة 1951. شيعه أهالي القيمرية بموكب مُهيب، وأُقيمت له جنازة رسمية حضرها ممثل عن رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي.

    المناصب

    وزيراً للحربية (25 تموز – 6 أيلول 1920)
    • سبقه في المنصب: يوسف العظمة
    • خلفه في المنصب: تم إلغاء المنصب
    رئيساً للحكومة السورية (6 أيلول – 30 تشرين الثاني 1920)
    وزيراً للمالية (15 شباط 1928 – 14 آب 1930)
    وزيراً للأشغال العامة (17 آذار 1934 – 24 شباط 1936)
    • سبقه في المنصب: فؤاد العادلي
    • خلفه في المنصب: تم إلغاء المنصب
    رئيساً للحكومة السورية (8 كانون الثاني – 25 آذار 1943
    رئيساً للجمهورية بالوكالة (18 كانون الثاني – 25 آذار 1943)

     

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!