عبد الله عطفة (1897-1976)، أحد مؤسسي الجيش السوري، كان أول رئيس للأركان في عهد الاستقلال وسمّي بعدها وزيراً للدفاع من حزيران وحتى كانون الأول 1949.
البداية
ولد عبد الله عطفة دمشق ودَرَس في المدرسة العسكرية في إسطنبول. التحق فور تخرجه في تموز 1915 بالجيش العُثماني وتم فرزه إلى الفرقة الثالثة في فلسطين ثم إلى الفرقة السادسة عشر، وكان ذلك خلال الحرب العالمية الأولى.(1)
التحق عبد الله عطفة بجيش الشرق التي كانت فرنسا تُحارب به في الشرق الأوسط، وتم إرساله إلى باريس لحضور دورة عسكرية مُكثفة في مدرسة أركان الحرب العليا. أبحر في دراسات الحروب الأوروبية وأصبح مرجعاً في سياسات نابليون العسكرية. تدرج بعدها في جميع الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة مُقدم سنة 1936، وكان أول ضابط سوري يصل إلى منصب قائد كتيبة في جيش الشرق.(3)
أولى تحديات اللواء عطفة كانت تجهيز الجيش السوري وتدريبه للمشاركة في حرب فلسطين سنة 1948. دخل الجيش السوري ميدان المعركة في 15 أيار 1948 ونحج في احتلال مستعمرة سمخ وما حولها، ولكنه توقف عند مستعمرتي دغانيا آ ودغانيا ب، بانتظار تعزيزات لم تصله أبداً، فاعتبر هذا الموقف تخاذلاً من اللواء عطفة الذي أجبر على تقديم استقالته في 23 أيار 1948، ومعه وزير الدفاع أحمد الشرباتي.
أدت هذه الاتهامات إلى شرخ كبير في علاقة اللواء عطفة مع الطبقة السياسية الحاكمة، وكان على رأسها رئيس الحكومة خالد العظم، الذي لم يُدافع عن عطفة ولم يتدخّل لإنصافه. بذلك أيد الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم القوتلي والعظم في 29 آذار 1949، وكان بقيادة حسني الزعيم الذي خلفه في قيادة الجيش.
أعاده حسني الزعيم إلى الصدارة قام بتعيينه وزيراً للدفاع في حكومة الرئيس محسن البارزي يوم 26 حزيران 1949. ولكن هذه الحكومة شقط سريعاً في 14 آب 1949، عند حدوث انقلاب جديد في سورية، أودى بحكم الزعيم وأدى إلى مقتله هو ومحسن البرازي، رمياً بالرصاص. وقد حاول الزعيم التنصل من مسؤولية تسريح الضباط الذين قاموا بالانقلاب ضده، مُلقياً اللوم بذلك على عبد الله عطفة.(4)
ولكن عصبة العمل القومي عانت من عدة مشاكل منذ التأسيس، نظراً لضيق مواردها المادية ورفضها أخذ تمويل من أي حاكم عربي، فلم تحقق أي من أهدافها المُعلنة، وبدأت تضمحل وتتلاشى في النصف الثاني من الثلاثينيات.
في سنة 1943 عادت الكتلة الوطنية إلى الحكم وانتُخب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية، وهو صديق قديم لفريد زين الدين منذ أيام الدراسة الجامعية. وفي مطلع عهده، عُين زين الدين مديراً للتموين في سورية.
وقد لعب الدكتور زين الدين دوراً هاماً في هذا الوفد، مُدافعاً شرساً عن القضية السورية ومُطالباً بتحقيق استقلال تام وغير مشروط عن الانتداب الفرنسي.(4) وقد شارك الدكتور فريد زين الدين في صياغة الفصليْن الأوليْن من ميثاق الأمم المتحدة المُتعلقين بالمنطق والنظم الأساسية التي تعمل المؤسسة بموجبها.
سفيراً في موسكو 1947-1951
وعند تحقيق الجلاء وانسحاب الفرنسيين عن سورية في 17 نيسان 1946، عاد فريد زين الدين إلى دمشق وسُمّي أميناً عاماً لوزارة الخارجية السورية. وفي سنة 1947 عينه الرئيس القوتلي وزيراً مفوضاً في موسكو، حيث قدم أوراق اعتماده إلى الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين.
بقي زين الدين في موسكو حتى سنة 1951، أي انه كان بعيداً عن بلاده خلال مرحلة الانقلابات العسكرية التي عصفت بسورية منذ عام 1949. بعد عودة الحياة المدنية وانتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية، عُيّن فريد زين الدين مندوباً دائماً في الأمم المتحدة، حيث رفع الصوت عالياً في الدفاع عن القضية الفلسطينية وشبّه الصهيونيةبالنازية، داعياً المجتمع الدولي لمحاربتها بكل الطرق القانونية.(6)
اعتبرت إدارة الرئيس أيزنهاور أن سورية كانت على وشك أن تُصبح جمهورية سوفيتية وبدأت بالتحضير لانقلاب عسكري يُطيح بحكم الرئيس القوتلي بدمشق. ردت الحكومة السورية بإغلاق السفارة الأمريكي وطرد السفير جيمس موس من سورية، مما أدى إلى إنهاء تكليف فريد زين الدين في واشنطن وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
قد قدّم دراسة شاملة إلى قيادة الجيش السوري، عن كيفية العودة إلى الوحدة مع تصحيح الأخطاء التي كانت قد ارتُكبت خلال السنوات 1958-1961، مُلقياً اللوم في كل ما حدث ليس على الرئيس عبد الناصر بل على نائبه وممثله في سورية، المشير عبد الحكيم عامر.
انقلاب 28 آذار 1962
في مُذكراته، يقول مطيع السمّان، مدير قوى الأمن الداخلية في مرحلة الانفصال، أن فريد زين الدين لعب دوراً خفياً في الانقلاب الأول على العهد الجديد يوم في 28 آذار 1962. مهندس هذا الانقلاب كان المقدم عبد الكريم النحلاوي، وهو ذات الضابط الدمشقي الذي أطاح بجمهورية الوحدة سنة 1961. في انقلابه الجديد قام النحلاوي باعتقال رئيس الجمهورية ناظم القدسي ورئيس الحكومة معروف الدواليبي، مُطالباً بتصحيح مسار جمهورية الانفصال. اعتقد الكثيرون يومها أن هذا الأمر تم بتخطيط وتمويل من المُخابرات المصرية، وأن فريد زين الدين كان هو العقل السياسي خلف الانقلاب الجديد.(7)
أحمد عزت الأستاذ (1865-1959)، محامي سوري من دمشق، عَمِل في مكتب السّلطان عبد الحميد الثاني وكان سكرتيراً لشقيقه السّلطان محمّد رشاد الخامس. أسس نادي الموسيقى السوري سنة 1928 وشارك في تأسيس معهد الموسيقى الشرقي عام 1950. كما كان أحد مؤسسي محفل أمية الماسوني، وهو والد المطرب بهجت الأستذ (فتى دمشق) وجدّ المؤرخ السوري سامي مروان مبيّض.
البداية
ولِد أحمد عزّت الأستاذ في دمشق ودَرَس في مدارسها ثمّ في معهد الحقوق في إسطنبول. تعاطف في شبابه من القضية الأرمنية وتزوّج من سيدة أرمنية مجهولة القيد، كانت قد نجت من مجازر الأرمن ووجدت ملجأ لها في إحدى مساجد مدينة حماة. أسلمت الزوجة الأرمنية على يد الأستاذ وأطلق عليها اسم “حسنية،” وعاشت معه حتى وفاتها سنة 1931.
في دمشق عمل الأستاذ قاضياً في محكمة الاستئناف ومستشاراً قانونياً لرئيس الدولة أحمد نامي خلال السنوات 1926-1928. وقد تعاون مع وزير المعارف محمد كرد علي في تأسيس معهداً متخصصاً بتدريس الموسيقى الشرقية بدمشق، سُمّي بنادي الموسيقى الشرقي، وأنتُخب رئيساً له.
في مرحلة الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، تعاون أحمد عزّت الأستاذ مع الزعيم الوطني فخري البارودي، راعي الموسيقى والفنون في سورية، الذي كان قد تبنى بهجت الأستاذ فنياً وأطلق عليه اسم “فتى دمشق.” عمل الأستاذ مع البارودي على تأسيس نادي الموسيقى الشرقي في حيّ سوق ساروجا، وكان أشهر طلابه المطرب الصاعد في حينها، صباح فخري.(2)
أحمد عزت الأستاذ بلباس الماسونية.
في الماسونية
خلال إقامته الطويلة في إسطنبول انتسب أحمد عزّت الأستاذ إلى عشيرة البنائين الأحرار الماسونية سنة 1888، وقد تدرّج في هيكلها التنظيمي حتى وصل إلى رتبة “أستاذ أعظم” سنة 1895، ثم “فارس حكيم،” وصولاً إلى عضوية المجلس السامي الماسوني سنة 1954.(3) كما شارك الأستاذ في تأسيس محفل أميّة الدمشقي وكان أحد مؤسسي محفل سورية ولبنان سنة 1949.(4)
الوفاة
اعتزل أحمد عزت الأستاذ العمل الحقوقي وحوّل مكتبه الكائن في بناء العابد وسط ساحة المرجة إلى منزل قضى فيه سنواته الأخيرة حتى وفاته عن عمر ناهز 94 عاماً يوم 18 آب 1959.
وبعد سقوط الملك فيصل وفرض الانتداب الفرنسي على سورية، التحق الحناوي بالدرك السوري وخدم في سنجق لواء إسكندرون حتى سنة 1928، عندما نُقل بحسب رغبته إلى جيش الشرق، وهو الجيش الفرنسي المُحارب في سورية ولبنان. عمِل الحناوي ضمن صفوف الجيش حتى 29 أيار 1945، عندما حصل عدوان فرنسي على مدينة دمشق، فرفض المشاركة به وانشق عن الفرنسيين، مُعلناً دعمه للثوار.(4)
وقد وقع الحناوي تحت تأثير عديله الدكتور أسعد طلس، الذي كان مُعادياً للزعيم وناقماً عليه بسبب قضية أنطون سعادة ورفضه المُضي في طريق الوحدة مع العراق. جميع المراجع التاريخية تُفيد بأن الحناوي كان رجلاً مُسالماً وبسيطاً، بعيداً كل البعد عن أي طموح سياسي، وأنه قام بانقلابه على حسني الزعيم بتحريض وتخطيط من عديله أسعد طلس.
انقلاب الحناوي (14 آب 1949)
في ساعات الفجر الأولى من 14 آب 1949 توجه سامي الحناوي نحو مدينة دمشق بصفته قائداً للفوج الأول، قادماً من معسكر قطنا، وكان على رأس فوج مدرعات وبعض سرايا المشاة. أرسل الضابط فضل الله أبو منصور لاعتقال الزعيم ورئيس الحكومة محسن البرازي وترأس المحكمة العسكرية التي حَكَمت عليه بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى. نُفذ الأمر وأُعدم كلّ من حسني الزعيم ومحسن البرازي رمياً بالرصاص، وصدر بياناً عن سامي الحناوي جاء فيه: “بحمد الله العلي العظيم، تم الانقلاب الحقيقي ونجت البلاد من طاغيتها المُجرم الباغي.”
فاجأ سامي الحناوي جميع مُناصريه وأعوانه بالإعلان أنه لا يريد تسلّم الحكم وأن هدفه الوحيد من الانقلاب كان لإنقاذ سورية من حكم الزعيم. أمر بعودة الجيش إلى ثكناته واستعادة الحكم الديمقراطي الشرعي.(5) دعا الحناوي إلى اجتماع في مبنى الأركان العامة، حضره لفيف من السياسيين القُدامى، يتقدمهم رؤساء الحكومات السابقين فارس الخوري وحسن الحكيم، ومعهم ممثلين عن حزب الشعب والحزب الوطني وحزب البعثوالحزب السوري القومي الاجتماعي.
اللواء سامي الحناوي مع الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1949.
طلبوا من الرئيس السابق هاشم الأتاسي تولّى رئاسة الحكومة في المرحلة الانتقالية، للإشراف على انتخاب مؤتمر تأسيسي يكون مُكلف بوضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي قام حسني الزعيم بحلّه قبل أشهر.
وعلى الفور أعاد أسعد طلس إلى منصبه في وزارة الخارجية وقام بإلغاء قرار التسريح التعسفي الصادر عن حسني الزعيم بحق بعض الضباط القُدامى، وكان من بينهم العقيد أديب الشيشكلي.
الوحدة مع العراق
بعد بدء العمل على الدستور أصبح هاشم الأتاسي رئيساً للدولة، وتم تكليف ناظم القدسي بتشكيل حكومة جديدة، وهو من قادة حزب الشعب المحسوبين على العراق. بدعم كامل من المؤسسة العسكرية ومن اللواء الحناوي شخصياً دخل الرئيس القدسي في مفاوضات مع نظيره العراقي نوري السعيد، لتحقيق وحدة فيدرالية بين سورية والعراق.
بدأت المفاوضات في أيلول 1949 وفي تاريخ 5 تشرين الأول وصل الملك فيصل الثاني إلى دمشق، برفقة خاله الأمير عبد الإله، الوصي على عرش العراق. اجتمع الملك مع الرئيس الأتاسي واللواء الحناوي ودخلوا في تفاصيل الوحدة الفيدرالية المطروحة، التي كان من المُفترض أن تكون تحت العرش الهاشمي، يتم فيها توحيد الجيشين السوري والعراقي.
سامي الحناوي مع الملك فيصل الأول.
نهاية سامي الحناوي
ولكن هذا الأمر أغضب العقيد أديب الشيشكلي، الذي رفض مبدأ الوحدة بسبب علاقة حُكّام العراق الوطيدة من بريطانيا. فقرر تنفيذ انقلاب داخل المؤسسة العسكرية، يُطيح بسامي الحناوي وحده دون المساس بالرئيس هاشم الأتاسي، وذلك لحرمان السياسيين المؤيدين للوحدة والمحسوبين عليه من أي دعم عسكري.
تمّ الانقلاب بسرعة ونجاح يوم 19 كانون الأول 1949 واستسلم الحناوي دون أي مقاومة، طالباً من الشيشكلي إحالته على التقاعد وعدم المساس به أو بأُسرته.(6) ولكنّ الشيشكلي قام باعتقاله ونقله إلى سجن المزة العسكري، حيث بقي سجيناً حتى إطلاق سراحه ونفيه إلى لبنان يوم 7 أيلول 1950.
مقتل الحناوي
في بيروت، تم اغتيال سامي الحناوي وهو يصعد إلى عربة الترامواي يوم 31 تشرين الأول 1950 على يد حرشو البرازي، وهو شاب ثائر من مدينة حماة أراد الانتقام لابن عمه محسن البرازي، رئيس الوزراء الذي أعدم بأمر من الحناوي في آب 1949. وقد نقل جثمانه إلى حلب ليُدفن فيها يوم 2 تشرين الثاني 1950.
حسني الزعيم (11 أيار 1897 – 14 آب 1949)، ضابط سوري من حلب، كان رئيساً لأركان الجيش في حرب فلسطين ومهندس الانقلاب الأول في سورية يوم 29 آذار 1949. اعتقل رئيس الجمهورية شكري القوتلي وفي 26 حزيران 1949 نصّب نفسه رئيساً للبلاد لغاية الانقلاب عليه ومقتله في 14 آب 1949. لم يستمر عهد حسني الزعيم سوى 137 يوماً فقط لا غير، وقد ألهم نجاحه السريع الكثير من الضباط العرب وشجّعهم على تنفيذ انقلابات مشابهة في بلادهم، ومنهم أديب الشيشكلي في سورية وجمال عبد الناصر في مصر.
بعد وصوله إلى الحكم حاول حسني الزعيم نسج قصة مشرفة عن بداياته العسكرية، قائلاً إنه انشق عن الجيش العُثماني وانضم إلى الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من الحجاز سنة 1916. وزعم أنه شارك بتحرير دمشق مع قوات الحلفاء سنة 1918، ولكن اسمه لم يرد في سجل الثورة العربية الكبرى ولم تصدر أية وثيقة تثبت أنه كان داعماً لها، سواء بالسر أو بالعلن.
ضابطاً في زمن الانتداب (1921-1941)
الثابت الوحيد في مسيرة الزعيم المبكرة هو أنه انضم إلى جيش الشرق الذي أوجدته فرنسا بعد احتلال دمشق وفرض الانتداب الفرنسي على سورية سنة 1920. وصل الزعيم إلى رتبة مُقدم، وكُلف بتشكيل قوات شعبية مسلّحة لمقاومة فرنسا الحرة عند اقتراب جنودها من مدينة دمشق لتحريرها من حكم فيشي سنة 1941. أعطاه المندوب السامي الفرنسي هنري دانتز مبلغاً من المال للقيام بهذه المهمة، ولكنّ الزعيم فرّ من أرض المعركة عند انهيار صفوف فيشي، آخذاً معه الأموال المخصصة للمقاومة.
أصرّ الزعيم على أنه مظلوم وأن تُهمة الفساد قد لفّقت له بسبب مواقفه “الوطنية.” ويبدو أنّ هذا الكلام أقنع الدكتور محسن البرازي، أمين عام القصر الجمهوري، الذي تدخل لأجله مع الرئيس شكري القوتلي وأقنعه بضرورة الاستفادة من خبرة حسني الزعيم العسكرية.
عاد الزعيم إلى الخدمة بفضل محسن البرازي، مع الاحتفاظ بقدم رتبته العسكرية، وعُيّن قائداً للّواء الثالث في مدينة دير الزور. وعندما بدأت المظاهرات المطالبة بتسليح الأهالي ودعوتهم للجهاد في فلسطين، قرر القوتلي تعيينه قائداً للشرطة العسكرية. بعد استقالة وزير الدفاع أحمد الشرباتي في الأسبوع الأول من الحرب، صدر مرسوم جمهوري بتعيين حسني الزعيم قائداً للجيش ورئيساً للأركان العامة في 25 أيار 1948.
أَظهر الزعيم ولاءً مُطلقاً للرئيس القوتلي، الذي أعجب بتفانيه بالعمل وشعبيته بين الجنود والضباط. وقد دخل ذات يوم على سهيل العشي، المرافق العسكري لرئيس الجمهورية وقال له: “يوجد شخص واحد فقط في هذا البلد يجب تقبيل قدميه قبل يديه ورأسه، وهو هذا الرجل العظيم (مُشيراً بيده إلى مكتب شكري القوتلي).”
حسني الزعيم مع الرئيس شكري القوتلي سنة 1948 (المصدر: حركة البناء الوطني)
وفي حوار مع الكاتب والمؤرخ السوري سامي مروان مبيّض، يقول سهيل العشي: “كان الزعيم ماكراً خبيثاً ومُخادعاً، ولكن القوتلي وثق به…بكلِّ أسف…واعتمد عليه كثيراً في ضبط الشارع السوري في حرب فلسطين، خوفاً من عدم قدرة جميل مردم بك (خليفة أحمد الشرباتي في وزارة الدفاع) على القيام بهذه المهمة لكونه لا يملك أية خبرة عسكرية.”
الخلاف مع خالد العظم
قاد حسني الزعيم الجيش السوري في أشدّ معارك حرب فلسطين فتكاً وحقق انتصارات عسكرية كبيرة، قبل أن تُفرض الهدنة الأولى من قبل الأمم المتحدة في11 حزيران 1948. ولكن علاقة حسني الزعيم لم تكن جيدة مع الزعماء السياسيين، وتحديداً خالد العظم، الذي عُيّن رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع في كانون الأول 1948. كان العظم ينظر إلى الزعيم نظرة شك وريبة، وقد حذّر شكري القوتلي منه وقال إنه “خطر على سورية،” مضيفاً: “قبل أن يتعشى بنا يجب أن نتغدى به.”
وصلت هذه الكلمات إلى مسمع حسني الزعيم، مع الانتقادات المتكررة والعلنية التي وجهت إليه من قبل النائب فيصل العسلي، الذي وصفه من تحت قبل المجلس النيابي بالمقامر والمغامر والفاسد، وطالب بتسريحه من الجيش وإحالته إلى القضاء العسكري. وقد انزعج الزعيم من عدم تصدي العظم لهذه الاتهامات، بصفته وزيراً للدفاع ومسؤولاً عن كرامة العسكر. كثر الكلام يومها عن علاقة حسني الزعيم بالعقيد أنطون البستاني، مدير تموين الجيش، الذي أدين بإطعام الجنود سمناً فاسداً. أمر الرئيس القوتلي باعتقاله ولكن الزعيم رفض القيام بذلك واكتفى بوضعه قيد الإقامة الجبرية في مبنى وزارة الدفاع، دون تسريح أو معاقبة.
نظّم حسني الزعيم معرُوضاً ضد النائب فيصل العسلي، مطالباً باعتقاله ومحاسبة المسؤولين عن عدم تسليح الجيش قبل إرساله إلى فلسطين. وضِع هذا المعروض في مدينة القنيطرة من قبل مجموعة من الضباط، ورُفع بعدها إلى مكتب رئيس الجمهورية، ولكنّ القوتلي رفض استلامه وقال إنه يجب أن يأتيه حسب التسلسل، أي عبر وزير الدفاع حصراً وليس عن طريق قائد الجيش مباشرة. وقد عاتب الزعيم قائلاً: “أهكذا أصبح الجيش؟ هل أصبح الضباط مثل المخاتير يحررون المحاضر؟”
جاء في معروض الضباط: “إن الجيش يا صاحب الفخامة في توتر وهياج من جراء ما حدث وسيزداد هياجاً وتوتراً كلما طال التأخير في تحقيق المطالب المذكورة.” وعندما توجه الزعيم إلى منزل خالد العظم لتقديم المعروض، جعله الأخير ينتظر طويلاً، مما أغضب الزعيم كثيراً وضاعف من نقمته على المدنيين وعلى عهد القوتلي برمته.
الزعيم والولايات المتحدة
تواصل حسني الزعيم مع الميجور ستيفان ميد، مساعد الملحق العسكري في السفارة الأمريكية بدمشق، وعقدت بينهما ستة لقاءات سريّة في الفترة ما بين تشرين الثاني 1947 – آذار 1948. لم يُخفِ الزعيم رغبته في القيام بانقلاب عسكري للإطاحة بالقوتلي وفرض نظام عسكري موالِ للولايات المتحدة الأميركية. وكان الزعيم قد لمس توتراً في علاقة القوتليبواشنطن، بسبب رفض الرئيس توقيع اتفاق مع إسرائيل وعدم السماح لشركة التابلاين الأميركية من نقل النفط السعودي عبر الأراضي السورية. عرض الزعيم على ستيفان ميد أن يقوم بضرب الحزب الشيوعي السوري وتمرير اتفاقية التابلاين، مع الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. ووضع نفسه تحت تصرف طاقم السفارة الأميركية وتحدث عن جاهزيته الكاملة للقيام بما يلزم به للإطاحة بالقوتلي وإنهاء الصراع بين سورية وإسرائيل.
أبرق الميجور ستيفان ميد إلى واشنطن قائلاً: “حسني الزعيم يُريد أن يرى تحالفاً عسكرياً بين بلاده والولايات المتحدة، وهو يقول إنّ وجود حكم قوي ومستقر في دمشق، أو ديكتاتورية، سيكون أفضل للجميع وسيُعطي الولايات المتحدة حليفاً موثوقاً ودائماً في سورية. ويقترح أن يكون هو هذا الحليف المؤتمن.”
الانقلاب: 29 آذار 1949
وجهت عدة إنذارات إلى الرئيس شكري القوتلي لتوخي الحذر من حسني الزعيم، كان أولها من السفارة البريطانية في دمشق، جاءت عن طريق مدير البروتوكول في القصر الجمهوري عصام الإنكليزي في 25 آذار 1949، أي قبل وقوع الانقلاب بأربعة أيام. وكان الإنذار الثاني عبر إدمون حمصي، سفير سورية في لندن، يوم 27 آذار 1949، وجاء الثالث على لسان رئيس الحكومة السابق جميل مردم بك الموجود يومها في مصر، والذي أرسل ابنه زهير إلى القوتلي وحذره من نيّة الزعيم القيام بانقلاب عسكري. ومع كل ذلك، بقي القوتلي متمسكاً بالزعيم ولم يتخذ أي إجراء ضده.
وفي ساعةٍ متأخرةٍ من منتصف ليلة 29 آذار 1949 تحركت قطعات عسكرية من ريف دمشق باتجاه العاصمة السورية، بأمر من الزعيم. كانت تعليماته واضحة: اعتقال رئيس الجمهورية وبسط حُكم الجيش في أنحاء البلاد كافة. وُزّعت الدبابات على مداخل دمشق وقُطعت الاتصالات السلكية واللاسلكية، وأُغلقت جميع المعابر الحدودية مع دول الجوار. وجاء في البلاغ رقم واحد: “مدفوعين بغيرتنا الوطنية مُتألمين بما آل إليه وضع البلد من جراء افتراءات وتعسُّف من يدَّعون أنهم حُكامنا المخلصون لجأنا مضطرين إلى تسلُّم زمام الحكم مؤقتاً في البلد التي نحرص على المحافظة على استقلالها كلَّ الحرص.” مُهر البيان بتوقيع “القيادة العامة للجيش والقوات المُسلحة.”
الاعتقالات
اتجهت مجموعة عسكرية إلى منزل رئيس الجمهورية في منطقة بستان الرئيس، وذهبت مجموعة ثانية إلى قصر رئيس الحكومة في سوق ساروجا. ألقي القبض على شكري القوتلي ونُقِل إلى سجن المزة، واعتقل جنود الزعيم خالد العظم والتعاملوا معه بقسوة مُفرطة. فقد ضربوه ورموه من أعلى سلم بيته، وأخرجوه من منزله أمام الناس بشكل مهين، حافي القدمين وهو بلباس النوم.(16)
دبابات حسني الزعيم على مدخل محطة الحجاز يوم 29 آذار 1949.
أَرسل الزعيم مجموعة ثالثة من الجنود للسيطرة على إذاعة دمشق في شارع النصر واعتقال شخصيات بارزة محسوبة على عهد القوتلي، كان من ضمنها مدير الشرطة والأمن العام العقيد محمود الهندي والنائب فيصل العسلي وأمين عام وزارة الدفاع أحمد اللحّام والصحفي وجيه الحفار، صاحب جريدة الإنشاء. وأمَر باعتقال فؤاد شباط مدير الإذاعة لرفضه إذاعة البلاغ العسكري رقم واحد. وأخيراً، قام الزعيم بإغلاق القصر الجمهوري واعتقال سهيل العشي، مرافق رئيس الجمهورية.
من داخل مقر قيادة الشرطة في ساحة المرجة، أشرف الزعيم على أدق تفاصيل الانقلاب، بمُساعدة أكرم الحوراني الذي تولّى كتابة جميع البلاغات العسكرية وبثّها عبر الإذاعة، واصفاً عهد القوتلي بأبشع الأوصاف ومُتهِماً رموزه كافة بالخيانة والفساد والتقصير في واجبهم الوطني تجاه فلسطين. نَصح الحوراني بإعدام شكري القوتلي ليلة 29 آذار، ولكنّ الزعيم رفض القيام بذلك خوفاً من ردة فعل الشارع السوري وتداعيات هذا الأمر على قادة الدول العربية المُقربين من القوتلي، وتحديداً الملك السعودي عبد العزيز آل سعود.
عهد الزعيم
فرض حسني الزعيم القوانين العُرفية على سورية، وأَجاز للسلطات الأمنية مراقبة الاتصالات واعتقال أي مشتبه به دون مذكرة توقيف أو محاكمة. بدأ الزعيم حكمه بإلغاء رتبة “الزعيم” في سورية (وهي توازي رتبة “عميد” اليوم) وتدريج مقولة “لا زعيم إلّا الزعيم.” إعجاباً بحكّام أوروبا الأرستقراطيين، صار يرتدي عدسة المونوكل على عينه اليمنى، ويلبس قفازات بيضاء. وأمر بإحضار عصا المارشالية لحملها في المناسبات الوطنية، مثل قياصرة ألمانياوروسيا.
أمر الزعيم بتعطيل الدستور وإغلاق مكاتب جميع الأحزاب وحلّ المجلس النيابي ابتداء من صباح يوم 1 نيسان 1949. وأوقف مُعظم الصحف اليومية، وأطلق صحيفة سياسية تابعة له اسمها “الانقلاب،” عُيّن الصحفي منير الريّس في رئاسة تحريرها. وفي بادرة حسن نية تجاه الغرب، رفع حسني الزعيم الحظر المفروض على يهود سورية وأعاد لهم رُخص السوق وجوازات السفر، وأعفاهم من ضرورة الحصول على إذن سفر قبل مغادرة البلاد، مع الإبقاء على قانون منع بيع عقاراتهم. وفي 26 نيسان 1949، اعترفت الولايات المتحدة بشرعية انقلاب الزعيم، وتلتها اعترافات مماثلة من فرنساوبريطانياوالاتحاد السوفيتي.
الاعتراف بالعهد الجديد
تسارع النواب إلى منزل رئيس المجلس النيابي فارس الخوري، الذي تمارض يوم الانقلاب لتجنُّب ملاقاة الزعيم، وطلبوا منه المشورة حول كيفية التعامل مع العهد الجديد. وكان جوابه الشهير: “لقد اندلعت النيران في البيت، إنّ الواجب والعقل والضمير يفرض علينا أن نتعاون لإخماد النيران أو حصرها قبل أن يشتد لهيبها فتأتي على الأخضر واليابس.” وفي 6 نيسان 1949 أقنع الخوري زميله شكري القوتلي بالاستقالة من منصبه، موجهاً خطابه لا للزعيم بلّ إلى الشعب السوري: “أُقدم للشعب السوري الكريم استقالتي من رئاسة الجمهورية السورية، راجياً له العز والمجد”. على الفور، قام الزعيم بنسخها وتوزيعها عبر كتاب صدر عن مطبعة الجيش بعنوان الانقلاب السوري، وضعه الصحفي بشير العوف بتكليف من الزعيم.
وقد نشرت مجلّة تايم الأمريكية مقالاً مطولاً عن الوضع في سورية، جاء فيه: “مُعظم السوريين يجلسون في المقاهي والأسواق، يشربون الشاي ويدخنون النراجيل، ولا يعنيهم كثيراً التغيير الذي طرأ على حكومتهم مؤخراً. في تاريخهم الطويل ذاقوا طعم حكم الفرس والرومان والمغول والأتراك والفرنسيين، ويبدو أنهم على استعداد لتقبُّل حسني الزعيم أيضاً.”
الزعيم وإسرائيل
تنفيذاً لوعوده السابقة أمام الأمريكان، سارع حسني الزعيم بإطلاق مفاوضات الهدنة مع إسرائيل يوم 5 نيسان 1949. جرت المباحثات تحت إشراف الأمم المتحدة في خيمة نُصبت في منطقة منزوعة السلاح على الحدود السورية – الفلسطينية. كان ذلك بعد أسبوع واحد فقط من تسلّمه مقاليد الحكم في دمشق، وخوفاً من أنْ يتهمه أعداؤه بالخيانة، وإصراراً منه على أن يُثبت أنه ليس أقل وطنية من شكري القوتلي، قال الزعيم إن هذه المفاوضات هي مُجرد “استراحة محارب،” وهي لا تعني إنهاء الحرب مع إسرائيل أو التخلّي عن الشعب الفلسطيني.
عقدة المفاوضات سابقاً كانت في موقف القوتلي الرافض لأي تنازل في منطقة الجليل والمُصر على استعادة بحيرة طبريّا بالكامل. وقد ورد هذا الموقف في مُذكّرات وزارة الخارجية السورية المثبتة في سجلات الأمم المتحدة منذ عام 1948. صرّح الزعيم أمام الوزير الأمريكي المفوض بدمشق جيمس كيلي أنّ كلام القوتلي لا يعنيه، وأنه على استعداد للتنازل عن الجليل كاملاً ومشاركة الإسرائيليين بمياه بحيرة طبريّا، مع إعطاء نصفها الغربي لإسرائيل نظراً لحاجتها الماسة للماء في تطوير وتأهيل صحراء النّقب. اتفق الطرفان على خطوط وقف إطلاق النار وأن تكون المنطقة بين الحدود السورية – الفلسطينية منزوعة السلاح تحت إشراف رئيس لجنة الهدنة، الأمريكي رالف بنش. وُقّعت اتفاقية الهدنة يوم 20 تموز 1949، وفي كتابه الطريق الذي لم يُسلك عدّ السفير الإسرائيلي إيتامار رابينوفتش أن هذه الاتفاقية كانت “اعترافاً سورياً مبكراً بالدولة العبرية،” قبل أن تعترف بها مصر بثلاثة عقود.
وعند الانتهاء من موضوع الهدنة، عرض الزعيم على الولايات المتحدة مشروعاً متكاملاً لسلام مستدام في الشرق الأوسط، مؤلف من ثلاث نقاط:
علّق نائب دمشق فخري البارودي على هذا المقترح في مذكراته وقال إنّ واشنطن عَرضت على الزعيم 300 مليون دولار لتنفيذ مشروعه ولكنه طلب ما لا يقل عن 400 مليون دولار. وفي ردِّها الأول على عرض الزعيم عدّت وزارة الخارجية الأمريكية أنه كان “إنسانياً في طرحه ورجل دولة في موقفه.” وقد بعث الزعيم برسالة خاصة إلى واشنطن، وطلب إلى إدارة الرئيس هاري ترومان تقديم طلب رسمي إلى الحكومة السورية لإنشاء قواعد عسكرية في الساحل السوري، وقال إنه سيوافق عليه فوراً، بهدف الحدّ من تمادي الشيوعية في الشرق الأوسط. عند سماعه عن كل هذه التنازلات، كَتب وزير خارجية الزعيم، الأمير عادل أرسلان في مُذكّراته اليومية: “صرت أخشى على سورية أن تُباع!”
حسني الزعيم رئيساً للجمهورية.
الزعيم رئيساً للجمهورية
وفي حزيران 1949 أجري استفتاء شعبي في سورية أوصل حسني الزعيم إلى رئاسة الجمهورية بنسبة فاقت 116% من أصوات الناخبين. كُلّف الدكتور محسن البرازي، صديق الزعيم وكاتم أسراره، بتشكيل حكومة جديد ضمّت عدداً من الشخصيات الوطنية، مثل الأمير مصطفى الشهابي الذي عُيّن وزيراً للعدل والشاعر خليل مردم بك الذي سمّي وزيراً للمعارف.
العلاقات مع الدول العربية
جميع الدول العربية تعاملت مع انقلاب الزعيم بحذر شديد، وانتظرت طويلاً قبل الاعتراف به. في 16 نيسان 1949 وصل رئيس الحكومة العراقية نوري السعيد إلى دمشق واجتمع مطوّلاً مع حسني الزعيم في المطار لمعرفة نواياه الإقليمية والدولية. سأله نوري باشا: “هل يقبل عطوفة الزعيم بمشروع الهلال الخصيب الذي كان العراق قد طرحه منذ أشهر؟ وماذا عن تحالف سورية القائم مع الدول العربية المعادية للأسرة الهاشمية (في إشارة إلى مصروالسعودية)؟” عرض نوري السعيد إقامة وحدة مباشرة بين سورية والعراق، ولكن الزعيم رفض الدخول بأي حلف، وعاد السعيد إلى بلاده خالي الوفاض.
اعترفت مصر رسمياً بشرعية الانقلاب وبحسني الزعيم حاكماً على سورية، وتلاها اعتراف مُماثل من السعودية. وحده لبنان رفض الانصياع إلى هذا الموقف وظلّ متمسكاً بشكري القوتلي رئيساً شرعياً لسورية.
وجد أنطون سعادة حليفاً قوياً في شخص حسني الزعيم، الذي كان على خلاف كبير مع قادة لبنان بسبب إصرارهم على عدم الاعتراف به وبشرعية حكمه. أراد الزعيم استخدام أنطون سعادة للنيل من رياض الصلح، فأعطاه اللجوء المطلوب وقدّم له مسدسه الخاص، عربون وفاء وتقدير. وبالتنسيق مع الزعيم، نظّم أنطون سعادة ثورة في لبنان للإطاحة بالصلحوالخوري، تكون ممولة من دمشق ومخطّطاً لها من قبل المخابرات السورية. تواصل رياض الصلح مع نظيره السوري محسن البرازي، وأقنعه بضرورة تسليم سعادة إلى القضاء اللبناني، مقابل الاعتراف بحسني الزعيم رئيساً شرعياً على سورية. في مُذكّراته، يقول نذير فنصة، عديل حسني الزعيم ومدير مكتبه:
ذهبت إلى الزعيم أستفسر عن موضوع سعادة، فقال لي: إن هناك ضغطاً عليه من الشّيخ بشارة الخوريرئيس الجمهورية اللبنانية ومن رياض الصلح. قلت للزعيم: أليس من العار أن تُسلّم شخصاً تعرف أنه سيعدم بعدما منحته الأمان؟ فقال لي: إنهم يطلبون مني أن أدبر قتله هنا في دمشق، وأنا لم أفعل ذلك طبعاً. لذا سأسلمه.
حسني الزعيم وبشارة الخوري بعد تسليم أنطون سعادة إلى لبنان.الصحف البيروتية بعد اعتراف لبنان بشرعية حسني الزعيم.
طلب نذير فنصة من الزعيم عدم تسليم أنطون سعادة إلى لبنان، مهما كانت الظروف والمغريات، واقترح ترحيله إلى الأرجنتين حيث له قاعدة حزبية وعائلية كبيرة. ولكن الزعيم نكث بوعده وسلّم أنطون سعادة إلى السلطات اللبنانية، حيث حُوكم وأعدم في يوم 8 تموز 1949. بعدها بأيام معدودة وصل الرئيس بشارة الخوري إلى دمشق ومعه رياض الصلح، واعترف لبنان رسمياً بحسني الزعيم وشرعية حكمه.
واصلت قرع الباب بشدة، فإذا بالأنوار الكهربائية تُشع، وإذا بحسني الزعيم يُطل من على الشرفة صائحاً: “ما هذا؟ من هنا؟” أجبته بلهجة الأمر الصارم: “استسلم حالاً، فكل شيء قد انتهى، وإلّا دمرت هذا القصر على رأسك.” فانتفض حسني الزعيم وتراجع مذعوراً. عاجلته بوابل من رشاشتي، إلا أنه دخل القصر وتوارى فيه. ثم نزل من الدور الثاني وهو يرتدي بنطلونه فوق ثياب النوم، وزوجته وراءه تصيح: حسني…حسني…إلى أين يا حسني؟ وقبل أن يتمكن حسني من الرد على زوجته، دنوت منه واعتقلته ثم صفعته صفعة كان لها في أرجاء القصر دوي. قال حسني: “لا تضربني يا رجل، احترم كرامتي العسكرية.”
وضِع الزعيم في مُصفحة ونُقل إلى منطقة مهجورة بالقرب من مقبرة الفرنسيين في بساتين المزّة، حيث أُلحق به رئيس الحكومة محسن البرازي ومدير مكتبه نذير فنصة. يُضيف أبو منصور:
كان حسني الزعيم في المُصفحة ساهماً تائه النظرات، كأنه لا يُصدق ما يرى ويسمع…كأنه يحسب نفسه في منام مُخيف. ثم قال الزعيم لفضل الله أبو منصور: “يا فضل، أنا بين يديك، معي ثمانون ألف ليرة، خذ منها ستين ألفاً لك ووزع عشرين ألفاً على جنودك وأطلق سراحي ودعني أهرب إلى خارج البلاد.”
يصف نذير فنصة اللحظات الأخيرة من حياة الزعيم قائلاً: “كان الزعيم هادئاً في شكل مُذهل ومتمالكاً نفسه، بينما كان البرازي مرمياً على الأرض ومغمياً عليه. وكنت أنا أرتعد لاقتراب شبح الموت مني، فقال حسني الزعيم، موجهاً كلامه لي وللبرازي: “لا تخافوا، فالإنسان لا يموت سوى مرة واحدة.”
ولكن هدوءه تلاشى عند رؤيته أفواه البنادق الموجهة صوب صدره ورأسه، وصاح: “أنا حسني الزعيم! أنا الذي جعلت لكم كرامة. تقتلوني بدلاً من قتل هؤلاء الكلاب؟” أطلق بعدها الرصاص صوب الزعيم والبرازي، وقد استمر زهاء خمس دقائق، داس بعدها الجنود جثثهم بأرجلهم.
يُكمل فضل الله أبو منصور حديثه عن أحداث ليلة 14 آب 1949 قائلاً: “أمرت بنقل الجثتين إلى المصفحة ثم سرت إلى المستشفى العسكري لأضعهما في غرفة الموتى. أغلقت عليهما باب الغرفة واحتفظت بالمفتاح وفي الساعة السادسة صباحاً، استوليت على القصر الجمهوري وختمته بالشمع الأحمر ثم توجهت إلى رئاسة الأركان لمقابلة الزعيم سامي الحناوي.”
جثة الزعيم
إمعاناً بالإذلال، أمر سامي الحناوي بدفن حسني الزعيم في قبر مجهول في قرية أم الشراطيط بريف دمشق. وبعد عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم طلب البحث عن الجثة وقال إنه لا يجوز دفن حسني الزعيم بهذه الطريقة، لأنه كان رئيساً لسورية وقائداً لجيشها. عُثر على الجثة في نعش مُكسّر تحت حجارة كبيرة، وتمكنت السلطات من التعرّف عليها من سروال بيجامة الزعيم وآثار رصاصة في خاصرته كان قد أصيب بها في زمن الانتداب. نُقل بعدها جثمان الزعيم إلى مقبرة الدحداح في دمشق وأقيم له قبر أنيق، يليق برئيس جمهورية سابق.
إنجازات الزعيم
على الرغم من قصر فترة حكمه ، إلا أن حسني الزعيم قام بإنجازات عدة، منها استدعاء خبراء من فرنسا لجر مياه نهر الفرات إلى حلب، وتوسيع مطار دمشق وجعله مطاراً دولياً، مع إصدار قانون التجارة والقانون المدني وسنّ دستور عصري يُعطي المرأة السورية حق الانتخاب والترشح للمجلس النيابي. وكان موضوع حقوق المرأة السياسية قد طُرح في سورية منذ عام 1920 ولكن أحداً من السياسيين لم يجرؤ على فرضه بالطريقة التي قام بها حسني الزعيم.
قالوا في الزعيم
اختلفت الأقوال في حسني الزعيم، فبعضهم عدّه أرعن ومتهوّراً، وقال آخرون إنه كان رجل دولة بحق، رائداً ومُجدّداً في أفعاله. أول من أفصح عن رأيه الصريح بالزعيم كان وزير خارجيته الأمير عادل أرسلان، عبر سلسلة مقالات نُشرت في جريدة الحياة في صيف عام 1949. رأى الأمير عادل أن حسني الزعيم كان يُريد عقد الهدنة بأسرع وقت لكي يسحب الجيش السوري من الجبهة لقمع المعارضة الداخلية وبسط حكمه العسكري في دمشق.
أمّا المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم من جامعة أوكسفورد، فقد وصف الزعيم بالقول: ” بِالرَّغْمِ من عيوبه الشخصية، كان رجلاً جدّياً في طرح الإصلاح الاجتماعي والتطور الاقتصادي، وكان يعد السلام مع إسرائيل وحلّ قضية اللاجئين ضرورياً لتحقيق تلك الأهداف.”
وفي كتابه الشهير لعبة الأمم، عدّ موظف الاستخبارات الأمريكي مايلز كوبلاند (المهندس الحقيقي لانقلاب 29 آذار 1949) أنه أخطأ التقدير في اختيار حسني الزعيم لقيادة سورية. وصرح لزميله ستيفان ميد بالقول: “إنَّ هذا الفعل ينمّ على غباء شديد من طرفنا. كان من المفترض عدم تورُّط بعثتنا الدبلوماسية مع هذا الرجل!”
وقد جاء هذا الكلام في كتابه الصادر سنة 1970، أي بعد زوال حكم حسني الزعيم بأكثر من عشرين سنة.
العائلة
تزوج حسني الزعيم من نوران باقي وهي سيدة حلبية من عائلة معروفة، ولهُ منها بنت واحدة فقط ولدت بعد مقتل أبيها بأشهر.
الزعيم على شاشة التلفزيون
وقد ظهرت شخصية حسني الزعيم في المسلسل السوري حمام القيشاني سنة 1994 وجسّد شخصيته الفنّان محمد الطيّب.
المناصب
رئيس أركان الجيش السوري (25 أيار 1948 – 29 آذار 1949)
ولِد كاظم الجزار في حماة وتخرج من كلية الهندسة المدنية في الجامعة اليسوعية في بيروت سنة 1928. عمل بداية في مديرية الأشغال العامة وانتقل بعدها إلى أمانة العاصمة (محافظة دمشق الممتازة). وفي سنة 1945 سمّي مديراً للدائرة الفنية وأشرف على إنشاء شارع أبي رمّانة وتوسيع الطريق المؤدي إلى الزبداني.
في وزارة الأشغال (1948-1958)
وفي شباط 1948 انتقل كاظم الجزّار إلى وزارة الأشغال العامة وعُيّن مديراً للمعادن والمقالع ومشرفاً على الشركات الأجنبية في سورية.
تدرج في المناصب الوزارية من مدير مصلحة إلى مُراقب عام ثم مديراً لهيئة التفتيش، وفي سنة 1951 سمّي أميناً عاماً للوزارة. أشرف الجزّار على عدة مشاريع هامة، منها مشروع مصفاة حمص ومشروع جر مياه الفرات إلى حلب وإنشاء محطة توليد كهرباء في عين الفيجة واستصلاح أراضي سهل الغاب.
الوفاة
بعد تقاعده سنة 1958 تفرغ كاظم الجزّار لمكتبه الهندسي الخاص وتوفي بدمشق عن عمر ناهز 71 عاماً سنة 1983.
ولِد محمد فائق العطار في دمشق وهو حفيد الشّيخ بكري العطار، أحد أشهر عُلماء الشّام في القرن التاسع عشر. توفي والده باكراً فتولّى جدّه الإشراف على تعليمه وأرسله إلى إسطنبول للدراسة الطب في معهد الطب العثماني. عمل طبيباً في المستشفى الحميدي كُلف بمُعالجة وباء الكوليرا المنتشر في سورية سنة 1912.
نور الدين كحالة (1908-1965)، مهندس سوري من حمص، عُيّن أميناً عاماً لوزارة الأشغال في حكومة حسني الزعيم سنة 1949 ثم وزيراً للأشغال العامة في مطلع عهد الوحدة مع مصر. وفي تشرين الأول 1958 سمّي رئيساً للمجلس التنفيذي في سورية، أي ما يعادل رئاسة مجلس الوزراء، قبل تعيينه نائباً للرئيس جمال عبد الناصر من 20 أيلول 1960 ولغاية وقوع انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961.
البداية
ولِد نور الدين كحالة في حمص ودَرَس الهندسة في إسطنبول وفي جامعة إلينوي الأمريكية. عُيّن مُهندساً في شركة كهرباء دمشق وفي سنة 1931 انتُدب إلى معمل الإسمنت في منطقة دمّر، بطلب من مُديره المؤسس خالد العظم.
رئيساً للمجلس التنفيذي (تشرين الأول 1958 – أيلول 1960)
كان نور الدين كحالة من أشد المتحمسين للوحدة ورئيسها جمال عبد الناصر الذي عينه وزيراً للأشغال العامة في 6 آذار 1958. وفي 7 تشرين الأول سمّي رئيساً للمجلس التنفيذي في الإقليم الشمالي، أي بمثابة رئيس مجلس الوزراء، وعُيّن زميله المصري نور الدين طرّاف رئيساً للمجلس التنفيذي في الإقليم الجنوبي. نظراً لحياده التام وابتعاده عن الحياة الحزبية والسياسية، يُعدّ نور الدين كحالة أول رئيس حكومة التكنوقراط في تاريخ سورية الحديث.
نائباً لرئيس الجمهورية (أيلول 1960 – أيلول 1961)
وفي 20 أيلول 1960 نقل نور الدين كحالة إلى القاهرة وسمّي وزيراً مركزياً للتخطيط في القاهرة ونائباً لرئيس الجمهورية العربية المتحدة. وعلى الرغم من قربه الشديد من عبد الناصر إلى أنه عارض قرارات التأميم الصادرة عنه في تموز 1961 ودافع عن القطاع الخاص، مستشهداً بتجربته الناجحة مع معمل الإسمنت قبل سنوات. وضع المهندس كحالة الخطة الخمسية الأولى في سورية، التي كانت تهدف إلى تحسين توزيع دخل المواطنين وتحقيق تنمية دون تضخم أو انكماش. ولكنّ خطته سقطت مع الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961.
الوفاة
رفض نور الدين كحالة تأييد عهد الانفصال وظلّ متمسكاً بالوحدة. عُيّن عضواً في مجلس إدارة مشروع سد الفرات وكان هذا المنصب هو آخر ما شغله قبل وفاته إثر حادث سير بدمشق سنة 1965.
المناصب
مديراً برتبة وزير لوزارة الأشغال العامة (29 آذار – 9 نيسان 1949)
وقد دعمهم أستاذ مادة الرياضيات إبراهيم الدادا الدمشقي، الذي كتب كلمات نشيد الجمعية وكان رئيساً للجنتها الإدارية الأولى. وبعدها بعام واحد، أصبح الدادا مُترجماً للجنة كينغ كراين الأمريكية خلال زيارتها إلى سورية.
ولقد نص قانون جمعية العروة الوثقى على أن غاية الجمعية “ممارسة الخطابة والكتابة باللغة العربية الفصحى.” (غنما 57)
تقيدت الجمعية بهذا النص وظلّت ترعى المناظرات وتعمل على تقوية فنّ الخطابة لدى أعضائها، مع طباعة مجلّة مخصصة لهم ولأنشطتتهم، سُمّيت “العروة الوثقى” وصدر عددها الأول في كانون الثاني 1924.
مجلة العروة الوثقى
في سنة 1934 عاد الدكتور زريق إلى الجامعة الأميركية وانتُخب رئيساً لجمعية العروة الوثقى، وبعدها بسنوات أصبح رئيساً لجامعة دمشق فقام بنقل التجربة الناجحة إلى طلابه في سورية.
العروة الوثقى في دمشق
تنادى عدد من شباب جامعة دمشق، وخاصة من كلية الطب، لتأسيس فرع من العروة الوثقى بعد تولّى الدكتور زريق رئاسة الجامعة، وكان بينهم الدكتور نادر توكل والدكتور بسام الصواف والأستاذة أديبة الصبان والدكتور أحمد الفحام والأستاذة بشرى الكسم والدكتور أنور تيناوي والدكتور مروان محاسن، الذي أصبح بعد سنوات طويلة رئيساً لمجمع اللغة العربية بدمشق. وقد عملوا على تفعيل الشعور القومي فيجامعة دمشق وتنظيم مُحاضرات في المناسبات الوطنية.
وفي العام الدراسي 1950-1951 انتسب عدد من طلاب كلية الحقوق إلى الجمعية مثل جودت البارودي وممدوح رحمون ورشيد البارودي وعمر الرباط ورشاد الجنان ووليد الكزبري. وكان العديد من الطلاب يرغبون بالانتساب إليها لكن إدارة جامعة دمشق كانت حريصة على أن يكون منتسبيها من النخبة. وقد أصدرت الجمعية السورية مجلة تحمل اسمها، تحت إشراف الدكتور زريق، كانت تحتوي على مقالات لكبار الأدباء والمفكرين.
ومن ضمن المواضيع التي طرحت في مناظرات الجمعية في دمشق: “إلغاء التعليم الديني في المدارس السورية أنفع للبلاد من بقائه،” “أي أنفع للبلاد: البقاء فيها أم الهجرة.”
بلغ نشاطها ذروته بالمظاهرة الكبرى التي قام بها الأعضاء في كانون الثاني 1952 ضد حكم العقيد أديب الشيشكلي وحاولوا الخروج من الجامعة إلى شوارع دمشق. وتصدت لهم قوات الشرطة، المدعومة من الشرطة العسكرية، وقام عناصرها باقتحام حرم جامعة دمشق. تصدى الدكتور زريق لهذه القوات وحمى طلابه من الرصاص، ولكنه تعرض للضرب من قبل عناصر الشرطة والجيش، فقدم استقالته وتوجه إلى لبنان، حيث تم انتخابه رئيساً بالوكالة للجامعة الأميركية في بيروت.
النهاية
وقد توقف نشاط جمعية العروة الوثقى في دمشق عند سقوط حكم الشيشكلي في شباط 1954. أمّا في بيروت فقد استمرت حتى سنة 1955 عندما تم حلها بطلب من السلطات بسبب مظاهرة كبرى نُظمت ضد حلف بغداد، مما أحرج حكومة الرئيس كميل شمعون الموالية للغرب وفرض على رئيس الجامعةقسطنطين زريق حلّ الجمعية التي كان قد أسسها قبل أربعة عقود.
أعضاء جمعية العروة الوثقى من الطلبة السوريين في جامعة بيروت الأميركية:
قسطنطين زريق: أحد مؤسسي جمعية العروة الوثقى ورئيسها في بيروت سنة 1934 وفي دمشق (1949-1952).
توفي الدكتور أنسطاش شاهين في دمشق عن عمر ناهز 73 عاماً سنة 1974.
الأُسرة
تزوج أنسطاس شاهين من السيدة أيفون بنت جرجي نحّاس، وأنجب منها أكبر أولاده نقولا شاهين (تولد 1942) الذي أكمل في نفس الاختصاص الطبي من بعده، وتلاهما الطبيب كريم نقولا شاهين، حفيد أنسطاس، في نفس العيادة العائلية عند جسر فيكتوريا وسط دمشق.