أثناء تواجده في فرنسا أبحر في دراسات الحروب الأوروبية وأصبح مرجعاً في سياسات نابليون العسكرية. وتدرج عند عودته في جميع الرتب العسكرية وصولاً إلى ترفيعه إلى رتبة “مقدم” في جيش الشرق سنة 1936. كان أول ضابط سوري يصل إلى منصب قائد كتيبة في زمن الانتداب ومع بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939، عُيّن رئيساً لأركان المنطقة الشرقية ثم قائداً لفوج الدفاع عن شواطئ سورية ولبنان.
أولى تحديات الزعيم عطفة كانت في تجهيز الجيش وتدريبه للمشاركة في حرب فلسطين، مع وضع أساسات وطنية لكلية حمص العسكرية التي ورثتها الدولة السورية عن فرنسا. شهد عهده تأسيس مدرسة الطيران وتسلّم المطارات العسكرية والثكنات من الفرنسيين. بقيادة الزعيم عطفة دخل الجيش السوري ميدان المعركة في 15 أيار 1948، يوم إعلان دافيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل.
كلفته القيادة العربية المشتركة بوضع المخطط الحربي لجبهات القتال كافة، ورفعه إلى ملك الأردن لأخذ الموافقة النهائية عليه باعتباره أكثر الزعماء العرب دراية بالشؤون الحربية منذ مشاركته في معارك الثورة العربية الكبرى مع أبيه سنة 1916. أستهدف مدينة تل أبيب في مخططه وأراد احتلالها، مستغلاً نقاط الضعف في المناطق المؤدية إليها. وبعد بدء الهجوم وتقهقر القوات الصهيونية أمام تقدم الجيوش العربية أبرق الملك عبد الله إلى عطفة بطلب إليه تعديل خطة الهجوم على الجبهة السورية وإلزام الجيش السوري بالهجوم فقط من منطقة سمخ. وحين استلم عطفة البرقية القادمة من عمّان توجه بها على الفور إلى القصر الجمهوري ليضع رئيس الجمهورية ووزير الدفاع بصورتها. كان حوابهم واحد: “الملك عبد الله يتحمل المسؤولية وحده بصفته قائد الجيوش العربية،” فرد وقال إنها تحمل في طيّاتها “ضياع فلسطين.”
نجت القوات السورية في احتلال مستعمرة سمخ وما حولها، ولكنّها توقف عند مستعمرتي دغانيا آ ودغانيا ب، بانتظار تعزيزات عسكرية من الحلفاء. شنّت إسرائيل هجوماً معاكساً أفقد الجيش السوري كل مكتسباته الأولية في المعركة. خرجت مظاهرات حاشدة بدمشق، تطالب باستقالة رئيس الحكومة جميل مردم بك ووزير الدفاع أحمد الشرباتي ورئيس الأركان عبد الله عطفة. رفض مردم بك الاستجابة لمطالب المتظاهرين ولكن الشرباتي وعطفة استقالوا من مناصبهم في 23 أيار 1948. حاول البعض النيل من سمعة قائد الجيش وقالوا إنه كان على تواصل مع عبد الله للإطاحة بنظام سورية الجمهوري. شُكلت لجنة خاصة للتحقيق في كل الاتهامات الموجهة إليه، ومنها شراء سلاح قديم للجيش السوري وإطعام جنوده طعاماً فاسداً. وبعد انتهاء التحقيق قررت اللجنة تبرئته والشرباتي من كل التهم.
وزيراً للدفاع (حزيران – كانون الأول 1949)
أدت هذه الاتهامات إلى شرخ كبير في علاقة عطفة مع الطبقة السياسية الحاكمة، وكان على رأسها رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس حكومته خالد العظم الذي لم يُدافع عن قائد الجيش ولم يتدخّل لإنصافه في ظلّ الحملة الإعلامية والبرلمانية الشرسة التي أطلقت ضده. وبذلك أيد عبد الله عطفة الانقلاب العسكري الذي أطاح بالقوتليوالعظم في 29 أيار 1949 وكان بقيادة حسني الزعيم، خليفته في رئاسة الأركان. أعاده الزعيم إلى الخدمة العسكرية في 13 نيسان 1949 ورفعه إلى رتبة “لواء” قبل تعيينه وزيراً للدفاع في حكومة الدكتور محسن البرازي يوم 26 حزيران 1949. ولكن هذه الحكومة لم تستمر إلا أسابيع معدودة فقط وسقطت مع سقوط حكم الزعيم وإعدامه مع الدكتور البرازي في 14 آب 1949. حاول الزعيم استرضاء الجنود الذين اقتحموا منزله – بحسب ما جاء في مذكرات رئيسهم فضل الله أبو منصور – وتنصّل من تهمة تسريح رفاقهم العسكريين وقال إن هذه القرارات التعسفية كانت تصدر عن عبد الله عطفة.
تحالف عطفة مع مهندس الانقلاب، اللواء سامي الحناوي، وبعد ساعات من إعدام الزعيموالبرازي، سمّي وزيراً للدفاع مرة ثانية، في حكومة الرئيس هاشم الأتاسي. ولكن هذه الحكومة، مثلها مثل حكومة البرازي، لم تستمر طويلاً وسقطت في 19 كانون الأول 1949، عند قيام أديب الشيشكلي بانقلابه الأول داخل المؤسسة العسكرية واعتقال سامي الحناوي والكثير من أعوانه. نظراً لمكانته الرمزية كمؤسس للجيش السوري لم تطله اعتقالات الشيشكلي ولكن الأخير أصدر مرسوماً بتسريحه من الجيش في 31 كانون الأول 1949.
الوفاة
غاب عبد الله عطفة من بعدها عن أي منصب سياسي أو عسكري، ليقضي سنوات تقاعده الطويلة بدمشق وفيها توفي عن عمر ناهز 79 عاماً يوم 25 نيسان 1976.
المناصب
رئيساً لأركان الجيش السوري (5 آب 1945 – 23 أيار 1948)
تلقت سورية دعوة رسمية للمشاركة في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في شهر نيسان من العام 1945، وشُكّل وفد رفيع لهذه المهمة، برئاسة رئيس الحكومة فارس الخوري وعضوية مجموعة من الدبلوماسيين والوزراء والخبراء، يتقدمهم وفريد زين الدين. توجه زين الدين إلى سان فرانسيسكو حيث كانت حيث كان له دور لامعاً ومميزاً جداً ومساهمة فعالة في نقاشات الأمم المتحدة حول مستقبل سورية، كما شارك في صياغة الفصليْن الأوليْن من ميثاق الأمم المتحدة. كما أخد دور مقرر اللجنة الأولى في المؤتمر وتميز ببلاغته واستخدامه الحجة في المفاوضات، مستفيداً من تمكنه من اللغة الإنجليزية. وبعد انتهاء المؤتمر، أرسل وزير الخارجية الأمريكي إدوارد ستيتتينيوس برسالة إلى رئيس الوفد السوري فارس الخوري، عبّر فيها وبشكل خاص عن إعجابه بفريد زين الدين وتقديره للجهود التي بذلها لإنجاح المؤتمر.
عدّت إدارة الرئيس أيزنهاور أن سورية كانت على وشك أن تُصبح جمهورية سوفيتية وبدأت التحضير لانقلاب عسكري للإطاحة بحكم الرئيس القوتلي، الذي كان قد عاد إلى الحكم سنة 1955. ردّت الحكومة السورية بإغلاق السفارة الأمريكية بدمشق وطرد السفير جيمس موس، ما أدى إلى إنهاء تكليف فريد زين الدين في واشنطن وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
في مُذكراته، يقول مطيع السمّان، مدير قوى الأمن الداخلية في مرحلة الانفصال، أن فريد زين الدين لعب دوراً خفياً في الانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع يوم في 28 آذار 1962. مهندس الانقلاب كان المقدم عبد الكريم النحلاوي، وهو الضابط الدمشقي الذي أطاح بجمهورية الوحدة سنة 1961. في انقلابه الجديد قام النحلاوي باعتقال رئيس الجمهورية ناظم القدسي ورئيس الحكومة معروف الدواليبي، مُطالباً بتصحيح مسار الانفصال. عدّ كثيرون أن هذا الانقلاب جاء بتمويل من المُخابرات المصرية، وأن فريد زين الدين كان هو العقل السياسي الذي وقف خلفه.
تولّى الدكتور زين الدين مفاوضة السياسيين المُعتقلين في سجن المزة، نيابة عن النحلاوي، واقترح على الرئيس القدسي العودة إلى الحكم مع تشكيل حكومة وطنية فيها تمثيلاً كاملاً للناصريين الوحدويين، ولكنه اشترط عليه حلّ المجلس النيابي المنتخب في مطلع عهد الانفصال، نظراً لكثرة الشخصيات المعادية للرئيس عبد الناصر فيه. ولكن وساطته لم تنجح بسبب تمرّد الجيش وقائده اللواء عبد الكريم زهر الدين على عبد الكريم النحلاوي في 1 نيسان 1962. أُعيد القدسي إلى القصر الجمهوري ونُفي النحلاوي خارج البلاد، ما أفقد فريد زين الدين كل ما كان له من نفوذه وتأثير داخل المؤسسة العسكرية.
الوفاة
غاب فريد زين الدين من بعدها عن أي نشاط سياسي وانتقل للعيش في لبنان، وفيه توفي عن عمر ناهز 64 عاماً يوم 17 كانون الثاني 1973.
المناصب
وزير سورية المفوض في الاتحاد السوفياتي (1947 – 1951)
أحمد عزت بن سليم الأستاذ (1865 – 18 آب 1959) محام سوري من دمشق، عَمِل في مكتب السّلطان عبد الحميد الثاني وعند تنحية الأخير عن الحكم سنة 1909، سمّي سكرتيراً لشقيقه السلطان محمد رشاد الخامس. أسس نادي الموسيقى السوري سنة 1928 وشارك في تأسيس معهد الموسيقى الشرقي مع نائب دمشق فخري البارودي عام 1950.
البداية
ولِد أحمد عزّت الأستاذ بدمشق ودَرَس في مدارسها وفي معهد الحقوق في إسطنبول. تعاطف مع القضية الأرمنية وفي إحدى جولاته على مراكز إيواء الأرمن في حماة، تعرف على فتاة أرمنية مجهولة القيد وتزوجها. أسلمت على يده وأطلق عليها اسم “حسنية،” وعاشت معه حتى وفاتها سنة 1931.
بعد عودته إلى دمشق عمل الأستاذ قاضياً في محكمة الاستئناف ومستشاراً قانونياً لرئيس الدولة أحمد نامي سنة 1927. كان مولعاً بالموسيقى الشرقية ويُجيد العزف على العود، فتعاون مع محمد كرد علي، رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، على تأسيس نادي الموسيقى السوري وانتُخب مديراً له. دعا الموسيقار الحلبي توفيق صباغ للمشاركة في إدارة النادي، مع عدد من الفنانين الكبار مثل شفيق شبيب، الذي عُيّن مديراً فنياً للنادي، إضافة للباحث الموسيقي ميشيل الله ويردي. وفي هذا النادي نشأ بهجت الأستاذ، نجل أحمد عزّت، وتعلّم أصول الموسيقى الشرقية قبل أن يُصبح فنان مُحترف ومُطرب مشهوراً في إذاعة دمشق بعد تأسيسها سنة 1947.
نادي الموسيقى الشرقي سنة 1950
وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية سنة 1946 تعاون الأستاذ مع نائب دمشق فخري البارودي – ربيب بهجت الأستاذ – وأطلق معه مشروعه الجديد، نادي الموسيقى الشرقي في سوق ساروجا، الذي تخرج فيه المطرب الحلبي الكبير صباح فخري.
الوفاة
في منتصف الخمسينيات اعتزل أحمد عزت الأستاذ العمل الحقوقي وحوّل مكتبه الكائن في بناء العابد إلى منزل قضى فيه سنواته الأخيرة. وفيه توفي عن عمر ناهز 94 عاماً يوم 18 آب 1959.
سامي بن حلمي الحناوي (1898 – 31 تشرين الأول 1950)، ضابط سوري من حلب ومهندس الانقلاب الثاني في سورية الذي أطاح بحكم حسني الزعيم ورئيس حكومته محسن البرازي في 14 آب 1949. كان أحد مؤسسي الجيش السوري وخاض حرب فلسطين سنة 1948 وشارك في انقلاب الزعيم على رئيس الجمهورية شكري القوتلي في 29 آذار 1949. وبعد نجاح انقلابه على الزعيم أعاد الحناوي الجيش السوري إلى ثكناته ورفض تولّي رئيسة الجمهورية كما فعل الزعيم، وطلب إلى السياسيين القدامى العودة إلى الحكم والإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية تتولّى مهمة وضع دستور جديد للبلاد بدلاً من دستور عام 1928 الذي عطّله حسني الزعيم قبل بضعة أشهر. عيّن الحناوي نفسه رئيساً لأركان الجيش وذهب رئاسة الدولة إلى هاشم الأتاسي. شكل مع الأتاسي قادة حزب الشعب تحالفاً لتحقيق وحدة فيدرالية بين سورية والمملكة العراقية، ما أثار حفيظة العقيد أديب الشيشكلي المعارض للعراق والذي انتفض وقام بانقلاب عسكري في 19 كانون الأول 1949. اعتُقل سامي الحناوي في سجن المزة ثم أطلق سراحه ونفي إلى بيروت، وفيها اغتيل يوم 31 تشرين الأول 1950 على يد حرشو البرازي، انتقاماً لا ابن عمّه محسن البرازي.
البداية
ولِد سامي الحناوي في حلب ودَرَس في مدارسها الحكومية ثمّ في دار المُعلمين قبل التحاقه بالجيش العُثماني. خُرّجت دورته بكشل استثنائي وسريع وذلك لدخول عناصرها ميدان القتال مع بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914. عُيّن في جبهة القوقاز وبعدها في فلسطين قبل انشقاقه عن العثمانيين وانضمامه إلى الثورة العربية الكبرى سنة 1917، والتي كانت بقيادة أمير مكة وشريفها الحسين بن عليّ. شارك الحناوي في معارك الحجاز وفي 3 تشرين الأول 1918 دخل دمشق مع طلائع القوات العربية بقيادة الأمير فيصل بن الحسين. وفي العهد الفيصلي عاد إلى المدرسة الحربية بدمشق وتخرج فيها 18 أيلول 1919.
عينته القيادة العسكرية في قيادة الفوج الأول ثم قائداً لإحدى الجبهات في حرب فلسطين سنة 1948، وفيها توطدت صداقته مع قائد الجيش حسني الزعيم، وهو أيضاً من أبناء مدينة حلب ومن الضباط القدامى في جيش الشرق. شارك الحناوي حسني الزعيم نقمته على الطبقة السياسية الحاكمة وانزعج كثيراً من سيل الاتهامات التي وجهت له ولضباط الجبهة، ومنها التقصير في واجبهم تجاه فلسطين وتزويد الجنود بسلاح فاسد. في 13 شباط 1948 حضر اجتماع كبير عقده الزعيم في مقر قيادته في مدينة القنيطرة، ووقع على بيان شديد اللهجة موجه إلى رئيس الجمهورية شكري القوتلي، مطالباً باعتقال النائب فيصل العسلي، المسؤول عن حملة التشهير التي تعرض لها الجيش تحت قبة المجلس النيابي. رفض القوتلي قبول المعروض وحولهم إلى وزير الدفاع خالد العظم الذي تعامل معهم بخفة، فقرر الزعيم القيام بانقلاب عسكري للإطاحة بالقوتلي ونظامه.
شارك سامي الحناوي في الانقلاب على الرئيس القوتلي يوم 29 آذار 1949 وكان من أشد المتحمسين لتولّي الزعيم زمام الحكم في سورية. ولكن فراقاً حل بينهما بعد قطع الزعيم علاقة بلاده مع الأردن وتهجمه على حكام العراق، ثم جاءت حادثة تسليم أنطون سعادة، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى السلطات البنانية وإعدامه في بيروت يوم 8 تموز 1949 بسبب خيانة الزعيم له. عدّ الحناوي قضية سعادة حدثاً فاصلاً في علاقته مع الزعيم، ولم يخف امتعاضه الشديد من الطريقة المهينة التي تعاملت معه السلطات السورية، على الرغم من حصوله على لجوء سياسي من الزعيم شخصياً.
انقلاب الحناوي (14 آب 1949)
دعي الحناوي لمشاركة في انقلاب عسكري ضد الزعيم، خططت له العراق بالتعاون مع عديله الدكتور أسعد طلس. كل المراجع التاريخية تؤكد أن الحناوي كان رجلاً مُسالماً وبسيطاً، بعيداً كل البعد عن أي طموح سياسي، وأن العقل المدبر للانقلاب كان أسعد طلس الذي وضعه في واجهة الحدث. وفي ساعات الفجر الأولى من 14 آب 1949 توجه سامي الحناوي نحو مدينة دمشق على رأس فوج مدرعات وسرايا مشاة من مركز قيادته في فوج الأول بمعسكر قطنا. أرسل الضابط فضل الله أبو منصور لاعتقال الزعيم ورئيس الحكومة محسن البرازي وعند مثولهم أمامه ترأس الحناوي المحكمة الميدانية التي حَكَمت عليهما بالإعدام. نفذت أوامره فوراً وأعدم الزعيموالبرازي رمياً بالرصاص، بحضور الحناوي وصدر بيان عسكري جاء فيه: “بحمد الله العلي العظيم، تم الانقلاب الحقيقي ونجت البلاد من طاغيتها المُجرم الباغي.”
في نفس اليوم، دعا الحناوي إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة، حضره قيادات من الحزب الوطنيوحزب الشعب وبقية الطبقة السياسية التي حيّدت في عهد الزعيم. قال لهم إنه لا يرغب بتسلّم الحكم وسيُعيد الجيش إلى ثكناته، داعياً لإجراء انتخابات فورية لتشكيل جمعية تأسيسها تكون مهمتها وضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي عطله الزعيم قبل بضعة أشهر. اكتفى الحناوي بمنصب رئيس الأركان وانتخب الرئيس السابق هاشم الأتاسي رئيساً للحكومة من 14 آب ولغاية 14 كانون الأول 1949. أجريت الانتخابات في موعدها وفاز حزب الشعب، الموالي للعراق، بغالية مقاعد الجمعية التأسيسية وانتخب رئيسه ناظم القدسي مقراً للجنة الدستورية. أما أسعد طلس – المهندس الحقيقي للانقلاب – فقد اتخذ منصب أمين عام وزارة الخارجية السورية. وقيل يومها إن انقلاب الحناوي جاء بتخطيط وتمويل من العراق وبأن حكومته وضعت طائرة خاصة تحت تصرف أسعد طلس لنقله مع الحناوي إلى بغداد في حال فشلهم في اعتقال الزعيم وإعدامه.
الوحدة مع العراق وانقلاب الشيشكلي
شكل الحناوي وطلس تحالفاً مع الرئيس الأتاسي وقادة حزب الشعب، هدفه تحقيق وحدة فيدرالية مع المملكة العراقية. زار الملك فيصل الثاني دمشق في أيلول 1949 والتقي بالحناوي وسافر وزير الخارجية ناظم القدسي إلى بغداد يوم 5 تشرين الأول لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع الوحدة. أغضبت هذه التطورات السريعة العقيد أديب الشيشكلي، الذي رفض مبدأ الوحدة من أساسها وعد حكام العراق عملاء للإنكليز، مهدداً: “لن تمر هذه الوحدة، حتى ولو على جثتي.”
كان الشيشكلي قد سرح من الجيش في عهد الزعيم وأعيد إلى الخدمة العسكرية من قبل الحناوي الذي عينه في قيادة الفوج الأول. وفي 19 كانون الأول 1949 نفذ الشيشكلي انقلابه وقام باعتقال الحناوي ونقله مخفوراً إلى سجن المزة. كانت انقلاباً محدوداً داخل المؤسسة العسكرية، أطاح بالحناوي وكل الضباط المحسوبين عليه، دون المساس برئيس الدولة هاشم الأتاسي. استسلم الحناوي دون أي مقاومة، طالباً إلى الشيشكلي إحالته على التقاعد وعدم التعرض لأُسرته. سرح من الجيش وظلّ سجيناً لغاية 7 أيلول 1950 عندما أطلق سراحه بالتزامن من إقرار الدستور الجديد ونفي فوراً إلى لبنان.
مقتل الحناوي
وفي بيروت، أطلق حرشو البرازي النار على سامي الحناوي وهو يصعد إلى عربة الترامواي يوم 31 تشرين الأول 1950، ثأراً لابن عمه محسن البرازي. وفي شهادته على تلفزيون الدنيا سنة 2010 قال البرازي أن الحناوي صرخ في وجهه مستغيثاً: “دخيلك…لا تقوصني.” سقط الحناوي قتيلاً على الفور ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه في حلب ليُدفن فيها يوم 2 تشرين الثاني 1950.
المناصب
رئيساً لأركان الجيش السوري (14 آب – 19 كانون الأول 1949)
حسني الزعيم (11 أيار 1897 – 14 آب 1949)، ضابط سوري من حلب، كان رئيساً لأركان الجيش في حرب فلسطين ومهندس الانقلاب الأول في سورية يوم 29 آذار 1949. اعتقل رئيس الجمهورية شكري القوتلي وفي 26 حزيران 1949 نصّب نفسه رئيساً للبلاد لغاية الانقلاب عليه ومقتله في 14 آب 1949. لم يستمر عهد حسني الزعيم سوى 137 يوماً فقط لا غير، وقد ألهم نجاحه السريع الكثير من الضباط العرب وشجّعهم على تنفيذ انقلابات مشابهة في بلادهم، ومنهم أديب الشيشكلي في سورية وجمال عبد الناصر في مصر.
بعد وصوله إلى الحكم حاول حسني الزعيم نسج قصة مشرفة عن بداياته العسكرية، قائلاً إنه انشق عن الجيش العُثماني وانضم إلى الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من الحجاز سنة 1916. وزعم أنه شارك بتحرير دمشق مع قوات الحلفاء سنة 1918، ولكن اسمه لم يرد في سجل الثورة العربية الكبرى ولم تصدر أية وثيقة تثبت أنه كان داعماً لها، سواء بالسر أو بالعلن.
ضابطاً في زمن الانتداب (1921-1941)
الثابت الوحيد في مسيرة الزعيم المبكرة هو أنه انضم إلى جيش الشرق الذي أوجدته فرنسا بعد احتلال دمشق وفرض الانتداب الفرنسي على سورية سنة 1920. وصل الزعيم إلى رتبة مُقدم، وكُلف بتشكيل قوات شعبية مسلّحة لمقاومة فرنسا الحرة عند اقتراب جنودها من مدينة دمشق لتحريرها من حكم فيشي سنة 1941. أعطاه المندوب السامي الفرنسي هنري دانتز مبلغاً من المال للقيام بهذه المهمة، ولكنّ الزعيم فرّ من أرض المعركة عند انهيار صفوف فيشي، آخذاً معه الأموال المخصصة للمقاومة.
أصرّ الزعيم على أنه مظلوم وأن تُهمة الفساد قد لفّقت له بسبب مواقفه “الوطنية.” ويبدو أنّ هذا الكلام أقنع الدكتور محسن البرازي، أمين عام القصر الجمهوري، الذي تدخل لأجله مع الرئيس شكري القوتلي وأقنعه بضرورة الاستفادة من خبرة حسني الزعيم العسكرية.
عاد الزعيم إلى الخدمة بفضل محسن البرازي، مع الاحتفاظ بقدم رتبته العسكرية، وعُيّن قائداً للّواء الثالث في مدينة دير الزور. وعندما بدأت المظاهرات المطالبة بتسليح الأهالي ودعوتهم للجهاد في فلسطين، قرر القوتلي تعيينه قائداً للشرطة العسكرية. بعد استقالة وزير الدفاع أحمد الشرباتي في الأسبوع الأول من الحرب، صدر مرسوم جمهوري بتعيين حسني الزعيم قائداً للجيش ورئيساً للأركان العامة في 25 أيار 1948.
أَظهر الزعيم ولاءً مُطلقاً للرئيس القوتلي، الذي أعجب بتفانيه بالعمل وشعبيته بين الجنود والضباط. وقد دخل ذات يوم على سهيل العشي، المرافق العسكري لرئيس الجمهورية وقال له: “يوجد شخص واحد فقط في هذا البلد يجب تقبيل قدميه قبل يديه ورأسه، وهو هذا الرجل العظيم (مُشيراً بيده إلى مكتب شكري القوتلي).”
وفي حوار مع الكاتب والمؤرخ السوري سامي مروان مبيّض، يقول سهيل العشي: “كان الزعيم ماكراً خبيثاً ومُخادعاً، ولكن القوتلي وثق به…بكلِّ أسف…واعتمد عليه كثيراً في ضبط الشارع السوري في حرب فلسطين، خوفاً من عدم قدرة جميل مردم بك (خليفة أحمد الشرباتي في وزارة الدفاع) على القيام بهذه المهمة لكونه لا يملك أية خبرة عسكرية.”
الخلاف مع خالد العظم
قاد حسني الزعيم الجيش السوري في أشدّ معارك حرب فلسطين فتكاً وحقق انتصارات عسكرية كبيرة، قبل أن تُفرض الهدنة الأولى من قبل الأمم المتحدة في11 حزيران 1948. ولكن علاقة حسني الزعيم لم تكن جيدة مع الزعماء السياسيين، وتحديداً خالد العظم، الذي عُيّن رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع في كانون الأول 1948. كان العظم ينظر إلى الزعيم نظرة شك وريبة، وقد حذّر شكري القوتلي منه وقال إنه “خطر على سورية،” مضيفاً: “قبل أن يتعشى بنا يجب أن نتغدى به.”
وصلت هذه الكلمات إلى مسمع حسني الزعيم، مع الانتقادات المتكررة والعلنية التي وجهت إليه من قبل النائب فيصل العسلي، الذي وصفه من تحت قبل المجلس النيابي بالمقامر والمغامر والفاسد، وطالب بتسريحه من الجيش وإحالته إلى القضاء العسكري. وقد انزعج الزعيم من عدم تصدي العظم لهذه الاتهامات، بصفته وزيراً للدفاع ومسؤولاً عن كرامة العسكر. كثر الكلام يومها عن علاقة حسني الزعيم بالعقيد أنطون البستاني، مدير تموين الجيش، الذي أدين بإطعام الجنود سمناً فاسداً. أمر الرئيس القوتلي باعتقاله ولكن الزعيم رفض القيام بذلك واكتفى بوضعه قيد الإقامة الجبرية في مبنى وزارة الدفاع، دون تسريح أو معاقبة.
نظّم حسني الزعيم معرُوضاً ضد النائب العسلي، مطالباً باعتقاله ومحاسبة المسؤولين عن عدم تسليح الجيش قبل إرساله إلى فلسطين. وضِع هذا المعروض في مدينة القنيطرة من قبل مجموعة من الضباط، ورُفع بعدها إلى مكتب رئيس الجمهورية، ولكنّ القوتلي رفض استلامه وقال إنه يجب أن يأتيه حسب التسلسل، أي عبر وزير الدفاع حصراً وليس عن طريق قائد الجيش مباشرة. وقد عاتب الزعيم قائلاً: “أهكذا أصبح الجيش؟ هل أصبح الضباط مثل المخاتير يحررون المحاضر؟”
جاء في معروض الضباط: “إن الجيش يا صاحب الفخامة في توتر وهياج من جراء ما حدث وسيزداد هياجاً وتوتراً كلما طال التأخير في تحقيق المطالب المذكورة.” وعندما توجه الزعيم إلى منزل خالد العظم لتقديم المعروض، جعله الأخير ينتظر طويلاً، مما أغضب الزعيم كثيراً وضاعف من نقمته على المدنيين وعلى عهد القوتلي برمته.
الزعيم والولايات المتحدة
تواصل حسني الزعيم مع الميجور ستيفان ميد، مساعد الملحق العسكري في السفارة الأمريكية بدمشق، وعقدت بينهما ستة لقاءات سريّة في الفترة ما بين تشرين الثاني 1947 – آذار 1948. لم يُخفِ الزعيم رغبته في القيام بانقلاب عسكري للإطاحة بالقوتلي وفرض نظام عسكري موالِ للولايات المتحدة الأميركية. وكان الزعيم قد لمس توتراً في علاقة القوتليبواشنطن، بسبب رفض الرئيس توقيع اتفاق مع إسرائيل وعدم السماح لشركة التابلاين الأميركية من نقل النفط السعودي عبر الأراضي السورية. عرض الزعيم على ستيفان ميد أن يقوم بضرب الحزب الشيوعي السوري وتمرير اتفاقية التابلاين، مع الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. ووضع نفسه تحت تصرف طاقم السفارة الأميركية وتحدث عن جاهزيته الكاملة للقيام بما يلزم به للإطاحة بالقوتلي وإنهاء الصراع بين سورية وإسرائيل.
أبرق الميجور ستيفان ميد إلى واشنطن قائلاً: “حسني الزعيم يُريد أن يرى تحالفاً عسكرياً بين بلاده والولايات المتحدة، وهو يقول إنّ وجود حكم قوي ومستقر في دمشق، أو ديكتاتورية، سيكون أفضل للجميع وسيُعطي الولايات المتحدة حليفاً موثوقاً ودائماً في سورية. ويقترح أن يكون هو هذا الحليف المؤتمن.”
الانقلاب: 29 آذار 1949
وجهت عدة إنذارات إلى الرئيس شكري القوتلي لتوخي الحذر من حسني الزعيم، كان أولها من السفارة البريطانية في دمشق، جاءت عن طريق مدير البروتوكول في القصر الجمهوري عصام الإنكليزي في 25 آذار 1949، أي قبل وقوع الانقلاب بأربعة أيام. وكان الإنذار الثاني عبر إدمون حمصي، سفير سورية في لندن، يوم 27 آذار 1949، وجاء الثالث على لسان رئيس الحكومة السابق جميل مردم بك الموجود يومها في مصر، والذي أرسل ابنه زهير إلى القوتلي وحذره من نيّة الزعيم القيام بانقلاب عسكري. ومع كل ذلك، بقي القوتلي متمسكاً بالزعيم ولم يتخذ أي إجراء ضده.
وفي ساعةٍ متأخرةٍ من منتصف ليلة 29 آذار 1949 تحركت قطعات عسكرية من ريف دمشق باتجاه العاصمة السورية، بأمر من الزعيم. كانت تعليماته واضحة: اعتقال رئيس الجمهورية وبسط حُكم الجيش في أنحاء البلاد كافة. وُزّعت الدبابات على مداخل دمشق وقُطعت الاتصالات السلكية واللاسلكية، وأُغلقت جميع المعابر الحدودية مع دول الجوار. وجاء في البلاغ رقم واحد: “مدفوعين بغيرتنا الوطنية مُتألمين بما آل إليه وضع البلد من جراء افتراءات وتعسُّف من يدَّعون أنهم حُكامنا المخلصون لجأنا مضطرين إلى تسلُّم زمام الحكم مؤقتاً في البلد التي نحرص على المحافظة على استقلالها كلَّ الحرص.” مُهر البيان بتوقيع “القيادة العامة للجيش والقوات المُسلحة.”
الاعتقالات
اتجهت مجموعة عسكرية إلى منزل رئيس الجمهورية في منطقة بستان الرئيس، وذهبت مجموعة ثانية إلى قصر رئيس الحكومة في سوق ساروجا. ألقي القبض على شكري القوتلي ونُقِل إلى سجن المزة، واعتقل جنود الزعيم خالد العظم والتعاملوا معه بقسوة مُفرطة. فقد ضربوه ورموه من أعلى سلم بيته، وأخرجوه من منزله أمام الناس بشكل مهين، حافي القدمين وهو بلباس النوم.
من داخل مقر قيادة الشرطة في ساحة المرجة، أشرف الزعيم على أدق تفاصيل الانقلاب، بمُساعدة أكرم الحوراني الذي تولّى كتابة جميع البلاغات العسكرية وبثّها عبر الإذاعة، واصفاً عهد القوتلي بأبشع الأوصاف ومُتهِماً رموزه كافة بالخيانة والفساد والتقصير في واجبهم الوطني تجاه فلسطين. نَصح الحوراني بإعدام شكري القوتلي ليلة 29 آذار، ولكنّ الزعيم رفض القيام بذلك خوفاً من ردة فعل الشارع السوري وتداعيات هذا الأمر على قادة الدول العربية المُقربين من القوتلي، وتحديداً الملك السعودي عبد العزيز آل سعود.
عهد الزعيم
فرض حسني الزعيم القوانين العُرفية على سورية، وأَجاز للسلطات الأمنية مراقبة الاتصالات واعتقال أي مشتبه به دون مذكرة توقيف أو محاكمة. بدأ الزعيم حكمه بإلغاء رتبة “الزعيم” في سورية (وهي توازي رتبة “عميد” اليوم) وتدريج مقولة “لا زعيم إلّا الزعيم.” إعجاباً بحكّام أوروبا الأرستقراطيين، صار يرتدي عدسة المونوكل على عينه اليمنى، ويلبس قفازات بيضاء. وأمر بإحضار عصا المارشالية لحملها في المناسبات الوطنية، مثل قياصرة ألمانياوروسيا.
أمر الزعيم بتعطيل الدستور وإغلاق مكاتب جميع الأحزاب وحلّ المجلس النيابي ابتداء من صباح يوم 1 نيسان 1949. وأوقف مُعظم الصحف اليومية، وأطلق صحيفة سياسية تابعة له اسمها الانقلاب، عُيّن الصحفي منير الريّس في رئاسة تحريرها. وفي بادرة حسن نية تجاه الغرب، رفع حسني الزعيم الحظر المفروض على يهود سورية وأعاد لهم رُخص السوق وجوازات السفر، وأعفاهم من ضرورة الحصول على إذن سفر قبل مغادرة البلاد، مع الإبقاء على قانون منع بيع عقاراتهم. وفي 26 نيسان 1949، اعترفت الولايات المتحدة بشرعية انقلاب الزعيم، وتلتها اعترافات مماثلة من فرنساوبريطانياوالاتحاد السوفيتي.
الاعتراف بالعهد الجديد
تسارع النواب إلى منزل رئيس المجلس النيابي فارس الخوري، الذي تمارض يوم الانقلاب لتجنُّب ملاقاة الزعيم، وطلبوا منه المشورة حول كيفية التعامل مع العهد الجديد. وكان جوابه الشهير: “لقد اندلعت النيران في البيت، إنّ الواجب والعقل والضمير يفرض علينا أن نتعاون لإخماد النيران أو حصرها قبل أن يشتد لهيبها فتأتي على الأخضر واليابس.” وفي 6 نيسان 1949 أقنع الخوري زميله شكري القوتلي بالاستقالة من منصبه، موجهاً خطابه لا للزعيم بلّ إلى الشعب السوري: “أُقدم للشعب السوري الكريم استقالتي من رئاسة الجمهورية السورية، راجياً له العز والمجد”. على الفور، قام الزعيم بنسخها وتوزيعها عبر كتاب صدر عن مطبعة الجيش بعنوان الانقلاب السوري، وضعه الصحفي بشير العوف بتكليف من الزعيم.
وقد نشرت مجلّة تايم الأمريكية مقالاً مطولاً عن الوضع في سورية، جاء فيه: “مُعظم السوريين يجلسون في المقاهي والأسواق، يشربون الشاي ويدخنون النراجيل، ولا يعنيهم كثيراً التغيير الذي طرأ على حكومتهم مؤخراً. في تاريخهم الطويل ذاقوا طعم حكم الفرس والرومان والمغول والأتراك والفرنسيين، ويبدو أنهم على استعداد لتقبُّل حسني الزعيم أيضاً.”
الزعيم وإسرائيل
تنفيذاً لوعوده السابقة أمام الأمريكان، سارع حسني الزعيم بإطلاق مفاوضات الهدنة مع إسرائيل يوم 5 نيسان 1949. جرت المباحثات تحت إشراف الأمم المتحدة في خيمة نُصبت في منطقة منزوعة السلاح على الحدود السورية – الفلسطينية. كان ذلك بعد أسبوع واحد فقط من تسلّمه مقاليد الحكم في دمشق، وخوفاً من أنْ يتهمه أعداؤه بالخيانة، وإصراراً منه على أن يُثبت أنه ليس أقل وطنية من شكري القوتلي، قال الزعيم إن هذه المفاوضات هي مُجرد “استراحة محارب،” وهي لا تعني إنهاء الحرب مع إسرائيل أو التخلّي عن الشعب الفلسطيني.
عقدة المفاوضات سابقاً كانت في موقف القوتلي الرافض لأي تنازل في منطقة الجليل والمُصر على استعادة بحيرة طبريّا بالكامل. وقد ورد هذا الموقف في مُذكّرات وزارة الخارجية السورية المثبتة في سجلات الأمم المتحدة منذ عام 1948. صرّح الزعيم أمام الوزير الأمريكي المفوض بدمشق جيمس كيلي أنّ كلام القوتلي لا يعنيه، وأنه على استعداد للتنازل عن الجليل كاملاً ومشاركة الإسرائيليين بمياه بحيرة طبريّا، مع إعطاء نصفها الغربي لإسرائيل نظراً لحاجتها الماسة للماء في تطوير وتأهيل صحراء النّقب. اتفق الطرفان على خطوط وقف إطلاق النار وأن تكون المنطقة بين الحدود السورية – الفلسطينية منزوعة السلاح تحت إشراف رئيس لجنة الهدنة، الأمريكي رالف بنش. وُقّعت اتفاقية الهدنة يوم 20 تموز 1949، وفي كتابه الطريق الذي لم يُسلك عدّ السفير الإسرائيلي إيتامار رابينوفتش أن هذه الاتفاقية كانت “اعترافاً سورياً مبكراً بالدولة العبرية،” قبل أن تعترف بها مصر بثلاثة عقود.
وعند الانتهاء من موضوع الهدنة، عرض الزعيم على الولايات المتحدة مشروعاً متكاملاً لسلام مستدام في الشرق الأوسط، مؤلف من ثلاث نقاط:
علّق نائب دمشق فخري البارودي على هذا المقترح في مذكراته وقال إنّ واشنطن عَرضت على الزعيم 300 مليون دولار لتنفيذ مشروعه ولكنه طلب ما لا يقل عن 400 مليون دولار. وفي ردِّها الأول على عرض الزعيم عدّت وزارة الخارجية الأمريكية أنه كان “إنسانياً في طرحه ورجل دولة في موقفه.” وقد بعث الزعيم برسالة خاصة إلى واشنطن، وطلب إلى إدارة الرئيس هاري ترومان تقديم طلب رسمي إلى الحكومة السورية لإنشاء قواعد عسكرية في الساحل السوري، وقال إنه سيوافق عليه فوراً، بهدف الحدّ من تمادي الشيوعية في الشرق الأوسط. عند سماعه عن كل هذه التنازلات، كَتب وزير خارجية الزعيم، الأمير عادل أرسلان في مُذكّراته اليومية: “صرت أخشى على سورية أن تُباع!”
الزعيم رئيساً للجمهورية
وفي حزيران 1949 أجري استفتاء شعبي في سورية أوصل حسني الزعيم إلى رئاسة الجمهورية بنسبة فاقت 116% من أصوات الناخبين. كُلّف الدكتور محسن البرازي، صديق الزعيم وكاتم أسراره، بتشكيل حكومة جديد ضمّت عدداً من الشخصيات الوطنية، مثل الأمير مصطفى الشهابي الذي عُيّن وزيراً للعدل والشاعر خليل مردم بك الذي سمّي وزيراً للمعارف.
العلاقات مع الدول العربية
جميع الدول العربية تعاملت مع انقلاب الزعيم بحذر شديد، وانتظرت طويلاً قبل الاعتراف به. في 16 نيسان 1949 وصل رئيس الحكومة العراقية نوري السعيد إلى دمشق واجتمع مطوّلاً مع حسني الزعيم في المطار لمعرفة نواياه الإقليمية والدولية. سأله نوري باشا: “هل يقبل عطوفة الزعيم بمشروع الهلال الخصيب الذي كان العراق قد طرحه منذ أشهر؟ وماذا عن تحالف سورية القائم مع الدول العربية المعادية للأسرة الهاشمية (في إشارة إلى مصروالسعودية)؟” عرض نوري السعيد إقامة وحدة مباشرة بين سورية والعراق، ولكن الزعيم رفض الدخول بأي حلف، وعاد السعيد إلى بلاده خالي الوفاض.
اعترفت مصر رسمياً بشرعية الانقلاب وبحسني الزعيم حاكماً على سورية، وتلاها اعتراف مُماثل من السعودية. وحده لبنان رفض الانصياع إلى هذا الموقف وظلّ متمسكاً بشكري القوتلي رئيساً شرعياً لسورية.
وجد أنطون سعادة حليفاً قوياً في شخص حسني الزعيم، الذي كان على خلاف كبير مع قادة لبنان بسبب إصرارهم على عدم الاعتراف به وبشرعية حكمه. أراد الزعيم استخدام أنطون سعادة للنيل من رياض الصلح، فأعطاه اللجوء المطلوب وقدّم له مسدسه الخاص، عربون وفاء وتقدير. وبالتنسيق مع الزعيم، نظّم أنطون سعادة ثورة في لبنان للإطاحة بالصلحوالخوري، تكون ممولة من دمشق ومخطّطاً لها من قبل المخابرات السورية. تواصل رياض الصلح مع نظيره السوري محسن البرازي، وأقنعه بضرورة تسليم سعادة إلى القضاء اللبناني، مقابل الاعتراف بحسني الزعيم رئيساً شرعياً على سورية. في مُذكّراته، يقول نذير فنصة، عديل حسني الزعيم ومدير مكتبه:
ذهبت إلى الزعيم أستفسر عن موضوع سعادة، فقال لي: إن هناك ضغطاً عليه من الشّيخ بشارة الخوريرئيس الجمهورية اللبنانية ومن رياض الصلح. قلت للزعيم: أليس من العار أن تُسلّم شخصاً تعرف أنه سيعدم بعدما منحته الأمان؟ فقال لي: إنهم يطلبون مني أن أدبر قتله هنا في دمشق، وأنا لم أفعل ذلك طبعاً. لذا سأسلمه.
طلب نذير فنصة من الزعيم عدم تسليم أنطون سعادة إلى لبنان، مهما كانت الظروف والمغريات، واقترح ترحيله إلى الأرجنتين حيث له قاعدة حزبية وعائلية كبيرة. ولكن الزعيم نكث بوعده وسلّم أنطون سعادة إلى السلطات اللبنانية، حيث حُوكم وأعدم في يوم 8 تموز 1949. بعدها بأيام معدودة وصل الرئيس بشارة الخوري إلى دمشق ومعه رياض الصلح، واعترف لبنان رسمياً بحسني الزعيم وشرعية حكمه.
واصلت قرع الباب بشدة، فإذا بالأنوار الكهربائية تُشع، وإذا بحسني الزعيم يُطل من على الشرفة صائحاً: “ما هذا؟ من هنا؟” أجبته بلهجة الأمر الصارم: “استسلم حالاً، فكل شيء قد انتهى، وإلّا دمرت هذا القصر على رأسك.” فانتفض حسني الزعيم وتراجع مذعوراً. عاجلته بوابل من رشاشتي، إلا أنه دخل القصر وتوارى فيه. ثم نزل من الدور الثاني وهو يرتدي بنطلونه فوق ثياب النوم، وزوجته وراءه تصيح: حسني…حسني…إلى أين يا حسني؟ وقبل أن يتمكن حسني من الرد على زوجته، دنوت منه واعتقلته ثم صفعته صفعة كان لها في أرجاء القصر دوي. قال حسني: “لا تضربني يا رجل، احترم كرامتي العسكرية.”
وضِع الزعيم في مُصفحة ونُقل إلى منطقة مهجورة بالقرب من مقبرة الفرنسيين في بساتين المزّة، حيث أُلحق به رئيس الحكومة محسن البرازي ومدير مكتبه نذير فنصة. يُضيف أبو منصور:
كان حسني الزعيم في المُصفحة ساهماً تائه النظرات، كأنه لا يُصدق ما يرى ويسمع…كأنه يحسب نفسه في منام مُخيف. ثم قال الزعيم لفضل الله أبو منصور: “يا فضل، أنا بين يديك، معي ثمانون ألف ليرة، خذ منها ستين ألفاً لك ووزع عشرين ألفاً على جنودك وأطلق سراحي ودعني أهرب إلى خارج البلاد.”
يصف نذير فنصة اللحظات الأخيرة من حياة الزعيم قائلاً: “كان الزعيم هادئاً في شكل مُذهل ومتمالكاً نفسه، بينما كان البرازي مرمياً على الأرض ومغمياً عليه. وكنت أنا أرتعد لاقتراب شبح الموت مني، فقال حسني الزعيم، موجهاً كلامه لي وللبرازي: “لا تخافوا، فالإنسان لا يموت سوى مرة واحدة.”
ولكن هدوءه تلاشى عند رؤيته أفواه البنادق الموجهة صوب صدره ورأسه، وصاح: “أنا حسني الزعيم! أنا الذي جعلت لكم كرامة. تقتلوني بدلاً من قتل هؤلاء الكلاب؟” أطلق بعدها الرصاص صوب الزعيم والبرازي، وقد استمر زهاء خمس دقائق، داس بعدها الجنود جثثهم بأرجلهم.
يُكمل فضل الله أبو منصور حديثه عن أحداث ليلة 14 آب 1949 قائلاً: “أمرت بنقل الجثتين إلى المصفحة ثم سرت إلى المستشفى العسكري لأضعهما في غرفة الموتى. أغلقت عليهما باب الغرفة واحتفظت بالمفتاح وفي الساعة السادسة صباحاً، استوليت على القصر الجمهوري وختمته بالشمع الأحمر ثم توجهت إلى رئاسة الأركان لمقابلة الزعيم سامي الحناوي.”
جثة الزعيم
إمعاناً بالإذلال، أمر سامي الحناوي بدفن حسني الزعيم في قبر مجهول في قرية أم الشراطيط بريف دمشق. وبعد عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم طلب البحث عن الجثة وقال إنه لا يجوز دفن حسني الزعيم بهذه الطريقة، لأنه كان رئيساً لسورية وقائداً لجيشها. عُثر على الجثة في نعش مُكسّر تحت حجارة كبيرة، وتمكنت السلطات من التعرّف عليها من سروال بيجامة الزعيم وآثار رصاصة في خاصرته كان قد أصيب بها في زمن الانتداب. نُقل بعدها جثمان الزعيم إلى مقبرة الدحداح في دمشق وأقيم له قبر أنيق، يليق برئيس جمهورية سابق.
إنجازات الزعيم
على الرغم من قصر فترة حكمه ، إلا أن حسني الزعيم قام بإنجازات عدة، منها استدعاء خبراء من فرنسا لجر مياه نهر الفرات إلى حلب، وتوسيع مطار دمشق وجعله مطاراً دولياً، مع إصدار قانون التجارة والقانون المدني وسنّ دستور عصري يُعطي المرأة السورية حق الانتخاب والترشح للمجلس النيابي. وكان موضوع حقوق المرأة السياسية قد طُرح في سورية منذ عام 1920 ولكن أحداً من السياسيين لم يجرؤ على فرضه بالطريقة التي قام بها حسني الزعيم.
قالوا في الزعيم
اختلفت الأقوال في حسني الزعيم، فبعضهم عدّه أرعن ومتهوّراً، وقال آخرون إنه كان رجل دولة بحق، رائداً ومُجدّداً في أفعاله. أول من أفصح عن رأيه الصريح بالزعيم كان وزير خارجيته الأمير عادل أرسلان، عبر سلسلة مقالات نُشرت في جريدة الحياة في صيف عام 1949. رأى الأمير عادل أن حسني الزعيم كان يُريد عقد الهدنة بأسرع وقت لكي يسحب الجيش السوري من الجبهة لقمع المعارضة الداخلية وبسط حكمه العسكري في دمشق.
أمّا المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم من جامعة أوكسفورد، فقد وصف الزعيم بالقول: ” بِالرَّغْمِ من عيوبه الشخصية، كان رجلاً جدّياً في طرح الإصلاح الاجتماعي والتطور الاقتصادي، وكان يعد السلام مع إسرائيل وحلّ قضية اللاجئين ضرورياً لتحقيق تلك الأهداف.”
وفي كتابه الشهير لعبة الأمم، عدّ موظف الاستخبارات الأمريكي مايلز كوبلاند (المهندس الحقيقي لانقلاب 29 آذار 1949) أنه أخطأ التقدير في اختيار حسني الزعيم لقيادة سورية. وصرح لزميله ستيفان ميد بالقول: “إنَّ هذا الفعل ينمّ على غباء شديد من طرفنا. كان من المفترض عدم تورُّط بعثتنا الدبلوماسية مع هذا الرجل!”
وقد جاء هذا الكلام في كتابه الصادر سنة 1970، أي بعد زوال حكم حسني الزعيم بأكثر من عشرين سنة.
العائلة
تزوج حسني الزعيم من نوران باقي وهي سيدة حلبية من عائلة معروفة، ولهُ منها بنت واحدة فقط ولدت بعد مقتل أبيها بأشهر.
الزعيم على شاشة التلفزيون
وقد ظهرت شخصية حسني الزعيم في المسلسل السوري حمام القيشاني سنة 1994 وجسّد شخصيته الفنّان محمد الطيّب.
المناصب
رئيس أركان الجيش السوري (25 أيار 1948 – 29 آذار 1949)
كاظم بن محمد راضي الجزّار (1902-1983)، أمين عام وزارة الأشغال العامة في خمسينيات القرن العشرين وصاحب مشاريع تنموية ضخمة كاستصلاح أراضي سهل الغاب ومشروع مصفاة حمص ومحطة توليد الكهرباء في عين الفيجة.
البداية
ولِد كاظم الجزار في حماة وتخرج من كلية الهندسة المدنية في الجامعة اليسوعية في بيروت سنة 1928. عمل بداية في مديرية الأشغال العامة وانتقل بعدها إلى أمانة العاصمة (محافظة دمشق الممتازة). وفي سنة 1945 سمّي مديراً للدائرة الفنية وأشرف على إنشاء شارع أبي رمّانة وتوسيع الطريق المؤدي إلى الزبداني.
في وزارة الأشغال (1948-1958)
وفي شباط 1948 انتقل كاظم الجزّار إلى وزارة الأشغال العامة وعُيّن مديراً للمعادن والمقالع ومشرفاً على الشركات الأجنبية في سورية.
تدرج في المناصب الوزارية من مدير مصلحة إلى مُراقب عام ثم مديراً لهيئة التفتيش، وفي سنة 1951 سمّي أميناً عاماً للوزارة. أشرف الجزّار على عدة مشاريع هامة، منها مشروع مصفاة حمص ومشروع جر مياه الفرات إلى حلب وإنشاء محطة توليد كهرباء في عين الفيجة واستصلاح أراضي سهل الغاب.
الوفاة
بعد تقاعده سنة 1958 تفرغ كاظم الجزّار لمكتبه الهندسي الخاص وتوفي بدمشق عن عمر ناهز 71 عاماً سنة 1983.
ولِد محمد فائق العطار في دمشق وهو حفيد الشّيخ بكري العطار، أحد أشهر عُلماء الشّام في القرن التاسع عشر. توفي والده باكراً فتولّى جدّه الإشراف على تعليمه وأرسله إلى إسطنبول للدراسة الطب في معهد الطب العثماني. عمل طبيباً في المستشفى الحميدي كُلف بمُعالجة وباء الكوليرا المنتشر في سورية سنة 1912.
نور الدين كحالة (1908-1965)، مهندس سوري من حمص، عُيّن أميناً عاماً لوزارة الأشغال في حكومة حسني الزعيم سنة 1949 ثم وزيراً للأشغال العامة في مطلع عهد الوحدة مع مصر. وفي تشرين الأول 1958 سمّي رئيساً للمجلس التنفيذي في سورية، أي ما يعادل رئاسة مجلس الوزراء، قبل تعيينه نائباً للرئيس جمال عبد الناصر من 20 أيلول 1960 ولغاية وقوع انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961.
البداية
ولِد نور الدين كحالة في حمص ودَرَس الهندسة في إسطنبول وفي جامعة إلينوي الأمريكية. عُيّن مُهندساً في شركة كهرباء دمشق وفي سنة 1931 انتُدب إلى معمل الإسمنت في منطقة دمّر، بطلب من مُديره المؤسس خالد العظم.
رئيساً للمجلس التنفيذي (تشرين الأول 1958 – أيلول 1960)
كان نور الدين كحالة من أشد المتحمسين للوحدة ورئيسها جمال عبد الناصر الذي عينه وزيراً للأشغال العامة في 6 آذار 1958. وفي 7 تشرين الأول سمّي رئيساً للمجلس التنفيذي في الإقليم الشمالي، أي بمثابة رئيس مجلس الوزراء، وعُيّن زميله المصري نور الدين طرّاف رئيساً للمجلس التنفيذي في الإقليم الجنوبي. نظراً لحياده التام وابتعاده عن الحياة الحزبية والسياسية، يُعدّ نور الدين كحالة أول رئيس حكومة التكنوقراط في تاريخ سورية الحديث.
نائباً لرئيس الجمهورية (أيلول 1960 – أيلول 1961)
وفي 20 أيلول 1960 نقل نور الدين كحالة إلى القاهرة وسمّي وزيراً مركزياً للتخطيط في القاهرة ونائباً لرئيس الجمهورية العربية المتحدة. وعلى الرغم من قربه الشديد من عبد الناصر إلى أنه عارض قرارات التأميم الصادرة عنه في تموز 1961 ودافع عن القطاع الخاص، مستشهداً بتجربته الناجحة مع معمل الإسمنت قبل سنوات. وضع المهندس كحالة الخطة الخمسية الأولى في سورية، التي كانت تهدف إلى تحسين توزيع دخل المواطنين وتحقيق تنمية دون تضخم أو انكماش. ولكنّ خطته سقطت مع الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961.
الوفاة
رفض نور الدين كحالة تأييد عهد الانفصال وظلّ متمسكاً بالوحدة. عُيّن عضواً في مجلس إدارة مشروع سد الفرات وكان هذا المنصب هو آخر ما شغله قبل وفاته إثر حادث سير بدمشق سنة 1965.
المناصب
مديراً برتبة وزير لوزارة الأشغال العامة (29 آذار – 9 نيسان 1949)
وقد دعمهم أستاذ مادة الرياضيات إبراهيم الدادا الدمشقي، الذي كتب كلمات نشيد الجمعية وكان رئيساً للجنتها الإدارية الأولى. وبعدها بعام واحد، أصبح الدادا مُترجماً للجنة كينغ كراين الأمريكية خلال زيارتها إلى سورية.
ولقد نص قانون جمعية العروة الوثقى على أن غاية الجمعية “ممارسة الخطابة والكتابة باللغة العربية الفصحى.” (غنما 57)
تقيدت الجمعية بهذا النص وظلّت ترعى المناظرات وتعمل على تقوية فنّ الخطابة لدى أعضائها، مع طباعة مجلّة مخصصة لهم ولأنشطتتهم، سُمّيت “العروة الوثقى” وصدر عددها الأول في كانون الثاني 1924.
تنادى عدد من شباب الجامعة السورية، وخاصة من كلية الطب، لتأسيس فرع من العروة الوثقى بعد تولّى الدكتور زريق رئاسة الجامعة، وكان بينهم الدكتور نادر توكل والدكتور بسام الصواف والأستاذة أديبة الصبان والدكتور أحمد الفحام والأستاذة بشرى الكسم والدكتور أنور تيناوي والدكتور مروان محاسن، الذي أصبح بعد سنوات طويلة رئيساً لمجمع اللغة العربية بدمشق. وقد عملوا على تفعيل الشعور القومي في الجامعة السورية وتنظيم مُحاضرات في المناسبات الوطنية.
وفي العام الدراسي 1950-1951 انتسب عدد من طلاب كلية الحقوق إلى الجمعية مثل جودت البارودي وممدوح رحمون ورشيد البارودي وعمر الرباط ورشاد الجنان ووليد الكزبري. وكان العديد من الطلاب يرغبون بالانتساب إليها لكن إدارةالجامعة السورية كانت حريصة على أن يكون منتسبيها من النخبة. وقد أصدرت الجمعية السورية مجلة تحمل اسمها، تحت إشراف الدكتور زريق، كانت تحتوي على مقالات لكبار الأدباء والمفكرين.
ومن ضمن المواضيع التي طرحت في مناظرات الجمعية في دمشق: “إلغاء التعليم الديني في المدارس السورية أنفع للبلاد من بقائه،” “أي أنفع للبلاد: البقاء فيها أم الهجرة.”
بلغ نشاطها ذروته بالمظاهرة الكبرى التي قام بها الأعضاء في كانون الثاني 1952 ضد حكم العقيد أديب الشيشكلي وحاولوا الخروج من الجامعة إلى شوارع دمشق. وتصدت لهم قوات الشرطة، المدعومة من الشرطة العسكرية، وقام عناصرها باقتحام حرم الجامعة السورية. تصدى الدكتور زريق لهذه القوات وحمى طلابه من الرصاص، ولكنه تعرض للضرب من قبل عناصر الشرطة والجيش، فقدم استقالته وتوجه إلى لبنان، حيث تم انتخابه رئيساً بالوكالة للجامعة الأميركية في بيروت.
النهاية
وقد توقف نشاط جمعية العروة الوثقى في دمشق عند سقوط حكم الشيشكلي في شباط 1954. أمّا في بيروت فقد استمرت حتى سنة 1955 عندما تم حلها بطلب من السلطات بسبب مظاهرة كبرى نُظمت ضد حلف بغداد، مما أحرج حكومة الرئيس كميل شمعون الموالية للغرب وفرض على رئيس الجامعة قسطنطين زريق حلّ الجمعية التي كان قد أسسها قبل أربعة عقود.
أعضاء جمعية العروة الوثقى من الطلبة السوريين في جامعة بيروت الأميركية:
قسطنطين زريق: أحد مؤسسي جمعية العروة الوثقى ورئيسها في بيروت سنة 1934 وفي دمشق (1949-1952).
أنسطاس شاهين (1901-1974)، طبيب سوري من دمشق، كان من أشهر وأنجح الأطباء السوريين في النصف الأول من القرن العشرين وتولّى عمادة كلية الطب في الجامعة السورية من سنة 1949 ولغاية عام 1954.
البداية
ولِد أنسطاس شاهين في حيّ القيمرية الدمشقي، وكان والده نقولا شاهين مديراً لشرطة دمشق سنة 1925. دَرس بداية في معهد الطب العثماني بدمشق قبل انتقاله إلى باريس للتخصص بالطب الشعاعي في جامعة السوربون. ولكنه عدّل على مسيرته ودرس أمراض الأنف والأذن والحنجرة، ثم عاد إلى دمشق وفتح عيادته الطبية في القيمرية سنة 1928 قبل نقلها إلى بناء مرد بك القريب من جسر فكتوريا.
توفي الدكتور أنسطاس شاهين في دمشق عن عمر ناهز 73 عاماً سنة 1974.
الأولاد
تزوج من اللبنانية أيفون بنت جرجي نحّاس، وخلفه في مهنة الطب أكبر أولاده الدكتور نقولا شاهين وحفيده الدكتور كريم شاهين، وكلاهما مثله تخصص بأمراض الأنف والأذن والحنجرة، وعمل من نفس العيادة الطبية في منطقة جسر فيكتوريا.