معالم

مغارة الدم (مقام الأربعين)

مغارة ومسجد في جبل قاسيون

مغارة الدم (مقام الأربعين) هي مغارة في جبل قاسيون، يعود عمرها لأكثر من 4000 سنة، كانت معبداً وثنياً للآراميين ثم كنسية في عهد الروم، وفي العهد الإسلامي أنشئ في المغارة مسجد صغير فأصبحت تدعى بمقام الأربعين. للمغارة اسمين، أولهما مغارة الدم” ويرجع أصل التسمية لوجود لون أحمر على إحدى صخور المغارة، ويقال إنها آثار دم هابيل عندما قتله أخاه قابيل.

والبعض يسمونها “مقام الأربعين” ويُقال أن يحيى بن زكريا أقام هو وأمه فيها أربعين عاماً، وأن الحواريين الذين أتوها مع النبي عيسى بن مريم كانوا أربعين. وقيل أيضاً أن أربعين نبياً لجؤوا إلى مغارة الدم هرباً من ظلم أحد الملوك وما أن داهمهم الخطر في المغارة حتى شقَّ الله الجبل ويسّر لهم طريق الخروج فخرجوا تاركين من خلفهم روائح المسك والعنبر التي بقيت في الصخر.

مغارة الدم

كانت المغارة معبداً وثنياً للآراميين، ثم تحولت إلى كنيسة في عهد الرومان، إلى أن دخل الإسلام دمشق فأصبح للمغارة مكانة دينية كبيرة لدى المسلمين مرتبطة بما ورد في القرآن من قصة ابني آدم. ومختصر الرواية أن قابيل وهابيل أرادا أن يقدما لربهما قرباناً ليتقربا منه، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل الذي غاظه تقبل ربه من أخيه، فوسوس الشيطان له قتل أخيه والخلاص منه ففعل ذلك، وبحسب التراث المحلي، يقال إنه عندما وقعت الجريمة، اهتز الجبل من هولها وبدأ يتداعى، ولو لم يتدخل الملك جبريل الذي أمسك الجبل بيديه، لانهار. وثمة دليل على تلك الحادثة يتمثل بطبعة اليد مرسومة على سقف المغارة يُقال إنها طبعة يد جبريل. ثم هام قابيل بجثة أخيه لا يعلم ما يفعل بها حتى أرسل له الله غرابين، قتل أحدهما الآخر ودفنه فقام بدفن أخيه على نفس الشاكلة، وقد وردت هذا القصة في سورة المائدة 27- 31 من القرآن الكريم.

مقام الأربعين

أما عن اسم “مقام الأربعين” فقد جاء نسبة إلى وجود أربعين محراباً داخل المغارة، كانوا لمسجد مكون من طابقين، الطابق السفلي هو “مغارة الدم،” والطابق الثاني منه عن مصلى الأربعين محراباً. للمقام والمغارة طريق وعر يتخلله درج مؤلف مما يقارب 750 درجة، يستغرق صعوده تقريباً ساعة من الزمن ابتداءً من جامع الشيخ عبد الغني النابلسي بمنطقة ركن الدين.

وفي المغارة بقعة من الصخر يختلف لونها عن باقي حجارة الجبل وهي تقريباً بلون وردي يُقال أنها دماء هابيل. كما يوجد فم الجبل الذي فُتح من هول الحادثة (كما قيل) وقد مُثلت فيه تفاصيل الفم بدقة من حيث وجود اللسان والأضراس، وفيها أيضاً قطعة صخر يقال إنها جزء من الحجر الذي استعمله القاتل في جريمته وعليها آثار الدم. وفي داخل المغارة أيضاً يوجد محرابان أحدهما لسيدنا إبراهيم عليه السلام والآخر لسيدنا الخضر عليه السلام.

من سقف المغارة تنزل قطرات من الماء بشكل مستمر، يقال إنها دمع الجبل على مقتل هابيل، وتتجمع القطرات الناتجة عن المياه الجوفية في جرنين صغيرين موضوعين تحتهما، وإلى جانبها في سقف المغارة يوجد آثار كف يقال أنها آثار كف جبريل وقد بقيت في الجبل بعد أن منعه من السقوط، وليس بعيداً منها يتشكل في السقف لفظ الجلالة كلمة الله.

أنشئ على المغارة مسجد صغير الحجم منذ ما يزيد ستة قرون على يد أبو الفرج محمد بن عبد الله بن المُعلَّم عام 370 هـ حيث رأى الملك جبريل في المنام ومعه أمر من اللّٰه تعالى بأن يبني المسجد، وأعيد تجديده وترميمه عدة مرات كما ورد في اللوحات التي تؤرخ ذلك وموجودة ضمن حرم المسجد. ما إن تغادر المغارة تقابلك سلسلة أخرى من الدرجات التي تنقلك إلى الطابق الثاني من المقام، حيث تجد أربعين محراباً عند القبلة. وبحسب ما ورد في التراث المحلي، فإن أربعين ولياً الأبدال كان اسم كل واحد منهم عبد الله، كان يدخل كل ليلة إلى المسجد ليصلي في محرابه. ومنها نتجت مقولــــة ” شام شريف ” حيث أن هؤلاء الأربعين يحمون الشام.

عند مغادرتنا للمسجد وصعودنا سلسلة أخرى من الدرجات ننتقل إلى باحة سماوية فيها شجرة ليمون وحيدة، كما بوجد بجانب المبنى خزان قديم للماء يملأ تلقائياً عند هطول الأمطار.

بعض ما قيل عنها

أبو حامد الغرناطي يصف المكان في زيارته لدمشق عام 1160 قائلاً: “ولما دخلت دمشق رأيت عند باب يعرف بباب الفراديس جبلاً مشرفاً عالياً، وعليه آثار دم هابيل بن آدم عليه السلام ظاهراً، وهو دم كثير لا يخفى على من يراه أنه دم.”

ويُضيف ابن جبير الأندلسي حوالي عام 1183:

وبجبل قاسيون أيضاً لجهة الغرب، على مقدار ميل أو أزيد من المولد المبارك، مغارة تعرف بمغارة الدم، لأن فوقها في الجبل دم هابيل قتيل أخيه قابيل ابني النبي ادم عليه السلام، يتصل من نحو نصفا الجبل إلى المغارة، وقد أبقى الله منه في الجبال آثاراً حمراً في الحجارة تحك فتستحيل، وهي كالطريق في الجبل، وتنقطع عند المغارة، وليس يوجد في النصف الأعلى من المغارة آثار تشبهها، فكان يقال: إنها لون حجارة الجبل، وإنما هي من الموضع الذي جر منه القاتل أخيه حيث قتله حتى انتهى إلى المغارة، وهي من آيات الله تعالى، وعليها مسجد قد أتقن بناؤه، وتصعد إليه على أدراج.

أما الرحالة ابن بطوطة المغربي وخلال زيارته لدمشق عام 1324، فقد وصف المكان قائلاً: “مغارة الدم وفوقها بالجبل دم هابيل ابن آدم عليه السلام، وقد أبقى الله منه في الحجارة أثراً محمراً، وهو الموضع الذي قتله أخوه به واجتره إلى المغارة وعليها مسجد متقن البناء يصعد إليه على درج”. ويقول ابن طولون: “وأما مغارة الدم التي في أعلى الجبل فتشمل على مكان لطيف شريف، عليه الهيبة والوقار، والدعاء عنده مستجاب وتسمى الآن بمغارة الأربعين.”

وعن عروة بن رُويم عن أبيه عن عليّ: “سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله رجل عن الآثارات بدمشق فقال: (لها جبل يقال له قاسيون، فيه قَتَل ابنُ آدم أخاه، وفي شرقيّه وُلد إِبراهيم، وفيه آوى الله عيسى بن مريم وأُمّه من اليهود، وما من عبد أتىٰ معقل روح الله فاغتسل وصلى فيه ودعا، إِلاّ لم يُردَ خائباً.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !