دستور الجمعية التأسيسية عام 1928، هو الدستور الجمهوري الأول في سورية بعد تعطيل دستور المملكة السورية العربية في تموز من عام 1920. جاء تلبية لمطالب الشعب السوري في أعقاب القضاء على الثورة السورية الكبرى، حيث دعت سلطة الانتداب الفرنسي الحاكمة لانتخاب مؤتمر تأسيسي وصياغة دستور جمهوري للبلاد، ذهبت غالبية مقاعده إلى الكتلة الوطنية وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمعية التأسيسية.
انتخابات الجمعية التأسيسية
خاضت الكتلة الوطنية انتخابات الجمعية التـأسيسية التي جرت على مرحلتين: في 10 نيسان 1928 للدرجة الأولى و24 نيسان للدرجة الثانية. فاز أعضاء الكتلة باثنين وعشرين مقعداً من أصل 70، وتم انتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للمؤتمر الدستوري لكونه أكثر الوطنيين خبرة ودراية ومقدرة على صياغة دستور جديد للدولة السورية.
كان الأتاسي رجل دولة منذ العهد العثماني، انتخب رئيساً للمؤتمر السوري الذي توّج الأمير فيصل ملكاً على سورية في 8 آذار 1920 وكان رئيساً للجنة التي وضعت دستور سورية الملكي سنة 1920. تحالف الأتاسي مع رئيس الحكومة تاج الدين الحسني – خصم الكتلة الوطنية – في انتخابات الجمعية التأسيسية سنة 1928، في محاولة منه لإبعاد الأخير عن الفرنسيين وحث أجهزة الدولة السورية، ومنها وزارة الداخلية المشرفة على هذه الانتخابات، على عدم التدخل في عملية التصويت لصالح المشرحين المعارضين للكتلة. ترأس الشيخ تاج قوائم العاصمة دمشق، وفاز بعضوية الجمعية التأسيسية ولكن حليفه وزير الداخلية سعيد محاسني هزم في هذه الانتخابات. وقد اعترضت الكتلة الوطنية على عمليات التصويت والفرز في بعض أحياء مدينة دمشق وقالت إن تزويراً قد حصل لصالح الشيخ تاج من قبل عناصر الشرطة والدرك.
مواد الدستور
وبعد فوز الأتاسي، انتخاب معاونين له من أعضاء الكتلة الحقوقيين، وهما فوزي الغزي وفائز الخوري وكان كلاهما كان يدرّس القانون في الجامعة السورية. وافتتحت أعمال الجمعية التأسيسية في 9 حزيران 1928 واختتمته في 11 آب بعد 1928، أي أنها عقدت خمسة عشر جلسة صاغت خلالها مواد الدستور الجديد، وكان دستوراً عصرياً مُستلهماً من الدساتير الأوروبية، مؤلف من 155 مادة، أهم ما نصّ عليه:
- سورية جمهورية نيابية عاصمتها دمشق ودين رئيسها الإسلام، لها نظام برلماني ديمقراطي، تكون ولاية مجلس النواب فيه أربع سنوات وولاية رئيس الجمهورية خمسة، غير قابلة للتمديد بشكل متواصل.
- لم يحدد الدستور عدد أعضاء المجلس النيابي غير أنهم عموماً كانوا 60 عضواً عام 1932 ثم زيد العدد إلى 90 بعد انضمام دولة الدروز ودولة جبل العلويين إلى سوريا عام 1936. ورفع العدد مجدداً إلى 124 عام 1943، وأخيراً رفع إلى 140 عضواً في انتخابات العام 1947 وهي آخر انتخابات تجري في ظل هذا الدستور.
- البلاد السوريّة المنفصلة عن الدولة العثمانية هي وحدة سياسيّة لا تتجزأ، ولا عبرة بكل تجزئة طرأت عليها بعد الحرب العالمية الأولى.
- استقلال القضاء وحرية المواطنين ومساواتهم أمام القانون وفي الدولة، وكفل الدستور حرية التعبير وغيرها من الحريات العامة، كما نص على احترام حقوق الطوائف السورية وكفل قوانين أحوالها الشخصية ومدارسها الخاصة. ونصّ أيضاً على تمثيل الأقليات الدينية والعرقية بشكل عادل في البرلمان وسائر مؤسسات الدولة.
- صيانة الملكية الفردية.
- جعل التعليم الابتدائي إلزامياً لكل مواطن سوري.
الصراع على الدستور بين الجمعية التأسيسية والانتداب الفرنسي
في 11 أب من العام 1928 تمّ التصويت على مسودة الدستور داخل المؤتمر التأسيسي وتبناه النواب بالإجماع. غير أن المفوض السامي هنري بونسو رفض إصداره بحجة مخالفته صك الانتداب وحقوق الدولة المنتدبة. اعترضت سلطة الانتداب على ست مواد، منها المادة الثانية من الدستور التي لم تعترف بحدود اتفاقية سايكس بيكو، ونصّت على اعتبار سورية الطبيعية هي المساحة القانونية للدولة السورية الوليدة، والمادة 74 التي أعطت رئيس الجمهورية المُنتخب، بدلاً من المندوب السامي الفرنسي، حق إعلان الحرب والسلم وتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والمادة 110 التي أعطت حق إنشاء جيش وطني في سورية بدلاً من الجيش الذي تم سحقه ثم حلّه إبان معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920.
طالبت سلطة الانتداب بإضافة المادة 116 والتي نصّت على ذكر الانتداب ولكن الأتاسي رفض ذلك، مُشيراً لدستور مصر لسنة 1922 ودستور العراق لسنة 1925، وكلاهما خالٍ من أي إشارة لوجود الإنكليز أو شرعيتهم في تلك الدول العربية. وعندما أصرّ الوطنيون على موقفهم الرافض للمادة 116، جاء الرد الفرنسي بتعطيل المؤتمر التأسيسي لمدة ثلاثة أشهر. وفي 5 شباط 1929، أُعلن عن حل المؤتمر كلياً وتعطيل الدستور إلى أجل غير مسمّى.
شهدت البلاد في إثر ذلك مظاهرات واضطرابات أمنيّة كان أكبرها مظاهرات 11 شباط 1929 في حلب والتي شارك بها طلبة المدارس حيث دامت حتى 14 أيار 1930، حين أقر بونسو الدستور بعد أن أضاف إليه المادة 116 التي تنصّ على “طي المواد التي تتعارض مع صك الانتداب حتى زواله.” لم يهدأ الشارع، واعتبرت المادة مقيدة لحقوق الدولة السوريّة.
التعديلات التي خضع لها دستور عام 1928
أُنهي في 16 تشرين الثاني عام 1931 حكم رئيس الوزراء الشيخ تاج الدين الحسني وتشكلت حكومة مؤقتة برئاسة سالومياك نائب بونسو بدمشق، كانت مهمتها الإشراف على الانتخابات النيابية التي أعلنت نتائجها الرسميّة في 9 نيسان 1932. انعقد أول مجلس نيابي في ظل النظام الجمهوري في 7 حزيران 1932 وانتخب صبحي بركات رئيساً للمجلس النيابي ومحمد عليّ العابد رئيساً للجمهورية. وفي عام 1936 نظّمت الانتخابات النيابية الثانية في ظلّ الدستور وأوصلت هاشم الأتاسي إلى سدّة الرئاسة في شهر كانون الأول.
استقال الأتاسي من الحكم في تموز 1939 وعطّل العمل بالدستور نتيجة اندلاع الحرب العالمية الثانية حتى عام 1943، حين أعيد العمل به وجرت انتخابات جديدة بموجبه فازت فيها الكتلة الوطنية بغالبية مقاعد المجلس النيابي، ما أوصل شكري القوتلي إلى رئاسة الجمهورية. في عام 1947 وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية، عدّل الدستور بتحويل النظام الانتخابي من درجتين إلى درجة واحدة، وعدل مرة ثانية عام 1948 للسماح بانتخاب شكري القوتلي لولاية رئاسية ثانية. وفي 30 آذار 1949 انقلب حسني الزعيم عسكرياً على الحكم المدني وقام باعتقال القوتلي وتعليق العمل بدستور عام 1928. وسرعان ما انقلب عليه اللواء سامي الحناوي في 14 آب 1949 ونظّمت انتخابات جمعية تأسيسيّة لوضع دستور جديد للبلاد، وهو دستور عام 1950.