صباح بن توفيق قباني (5 حزيران 1928- 1 كانون الثاني 2015) دبلوماسي وإعلامي سوري من دمشق وأول مدير للتلفزيون السوري عند افتتاحه في زمن الوحدة السورية – المصرية سنة 1960. كان قبلها مديراً لبرامج إذاعة دمشق وعُيّن في سبعينيات القرن العشرين سفيراً في الولايات المتحدة الأميركية. له يعود الفضل في تحسين العلاقات السورية – الأميركية بعد قطيعة طويلة، وفنياً يحسب له اكتشاف عدد كبير من المواهب الشابة، وفي مقدمتها الفنان دريد لحام، ومساعدة فنانين عرب على الانتشار في سورية، مثل عبد الحليم حافظ وفيروز ونجاح سلام.
البداية
ولد صباح قباني في حي مئذنة الشحم وهو سليل عائلة دمشقية معروفة. كان والده توفيق قباني من أشهر صناعيي دمشق وأحد أركان الحركة الوطنية ضد الانتداب الفرنسي، أما وجده لأمه أبى خليل القباني فكان رائد المسرح الغنائي في سبعينيات القرن التاسع عشر. تأثر بهما قباني كثيراً واختصر نشأته معهم بكلمات قالها له أحد الأصدقاء ذات مرة:
إن هاجس التأسيس يتملككم جميعاً جيلا بعد جيل؛ جدك أبو خليل القباني أسس المسرح الغنائي العربي، ووالدك أسس أول معمل للملبّس والشوكولاته في دمشق، وشقيقك نزار قباني أسس مدرسة شعرية حديثة كانت نسيج وحدها بلغتها وتراكيبها وموضوعاتها، وجئت أنت في نهاية المطاف لتؤسس التلفزيون السوري بعد مرور مئة عام تماماً على تأسيس أبي خليل مسرحه.
درس في الكلية العلمية الوطنية في سوق البزورية، القريبة من معمل أبيه، وكانت رغبت والدته في أن يدرس الطب، لكن هذه الدراسة لم تكن تناسب ميوله، فتدخل شقيقه الأكبر رشيد وسجّله في كلية الحقوق، بعد إقناع والدته والحصول على موافقتها. تخرج صباح قباني من الجامعة السورية سنة 1949 والتحق بجامعة السوربون في باريس ونال منها شهادة الدكتوراه في الحقوق الدولية عام 1952.
المسيرة الإذاعية
أثناء دراسته في الجامعة السورية عمل مذيعاً هاوياً في إذاعة دمشق ابتداء من تشرين الأول 1949، يوم كان إرسالها محدوداً لا يتجاوز مشارف العاصمة السورية. أما مسيرته الإذاعية الفعلية فقد بدأت بعد عودته من فرنسا، يوم طلب إليه مدير الإذاعة أحمد عسة العودة إلى العمل ومساعدته في تحويل إذاعة دمشق إلى مؤسسة ثقافية وفنية، ترعى المواهب الشابة وتستقطب البارزين من أهل الفن والفكر. راق هذا الطموح لصباح قباني وعاد إلى الإذاعة وعُيّن فيها مديراً للبرامج في نيسان 1953.
دعم العديد من المواهب التي أصبحت عنواناً للفن العربي مثل عبد الحليم حافظ، وفيروز والأخوين الرحباني، ومن أهم منجزاته الاذاعية أنه أوجد برنامج الأحاديث اليومية التي لا تتجاوز مدتها الخمس دقائق، التي تتحدث عن الفن والفكر والفلسفة والقانون، قدمها نخبة من المثقفين الشباب مثل بشير العظمة الذي كان رئيساً للوزراء في مرحلة الانفصال والدكتور أحمد السمّان الذي كان رئيساً لجامعة في زمن الوحدة، والطبيب صبري قباني صاحب مجلة طبيبك.
أنشأ قباني، بالتعاون مع أحمد عسة، مجلّة الإذاعة السورية، ومعها فرقة الإذاعة، وكان يُشدد على تعلّم العازفين قراءة النوتة الموسيقية، بدلاً من الارتجال. وأخيراً عمل على جعل لغة المذيعين سليمة لا تشوهها الأخطاء النحوية. تعاقد مع الشاعر حسن البحيري ليجلس مع كل مذيع ويُراجع معه النشرة الإخبارية كلمة بكلمة، قبل دخول الأستوديو.
المسيرة التلفزيونية
بعد قيام جمهورية الوحدة مع مصر، طُلب إلى صباح قباني أن يكون أول مدير لتلفزيون الإقليم الشمالي (سورية)، وتقرر أن يبدأ البث في دمشق والقاهرة معاً في يوم 23 تموز 1960. كانت مكاتب التلفزيون الجديدة حينذاك في حي سكني بدمشق، ريثما ينتهي العمل على المقر الدائم في ساحة الأمويين، وكانت الاستوديوهات في محطة بث على قمّة جبل قاسيون. سافر قباني إلى الولايات المتحدة مع مجموعة من زملائه وخضعوا لدورة مكثفة في جامعة بوسطن وفي استوديوهات قناة NBC في نيويورك.كان ذلك قبل موعد افتتاح التلفزيون بشهرين، عادوا بعدها إلى دمشق للتحضير لمشروعهم الريادي الذي عانى من مجموعة من التحديات منها صعوبات في البث المباشر، لأن تلفزيون دمشق لم يكن فيه أشرطة “فيديو تيب” للتسجيل، أما التحدي الأكبر كان في مجاراة الفنانين المصريين، الأكثر خبرة من السوريين، حيث وصف قباني مخاوفه بالقول:
كانت حالتنا أنا وزملائي أشبه بفريق من الصبية الصغار الذين يلعبون كرة القدم في الحارات الشعبية ووجدوا أنفسهم فجأة مدعوين ذات يوم ليباروا فريقاً من اللاعبين المحترفين من أمثال الأهلي والزمالك.
اختار مجموعة من أبناء أرقى عائلات الشّام ليكونوا وجوه التلفزيون عند تأسيسه، تواصل بداية مع المحامية نادية الغزي وهي ابنه رئيس وزراء سورية الأسبق سعيد الغزي. طلب إليها أن تكون مقدمة برنامج “البيت السعيد،” فقبلت شرط أن يقبل والدها. قال لسعيد الغزي إنه سيقدم عبر هذه الوسيلة “كل ما من شأنه أن يفيد المواطنين، ويرفع من مستواهم الثقافي، ويجعلهم على صلة بالتقدم العلمي في العالم.” صمت الغزي قليلاً ثم أجاب: إذا كانت هي موافقة فلما لا، دعها تجرّب.” دخلت معها المخرجة غادة مردم بك على عالم التلفزيون، والمذيعة هيام طبّاع والفنانة هالة البيطار والشاعرة مرح بيرقدار. جميع هؤلاء السيدات قبلن العمل في التلفزيون نظراً لاحترامهن الشديد لصباح قباني، وثقة أهاليهن المطلقة به.
أما أهم انجاز تلفزيوني في رصيد صباح قباني كان اكتشاف الثنائي الفني دريد لحام ونهاد قلعي، حيث قام بجمعهما معاً للمرة الأولى في برنامج “الإجازة السعيدة” سنة 1960. نهاد قلعي كان ممثلاً محترفاً في المسرح وله شهرة واسعة في دمشق، أمّا دريد لحام فكان أستاذاً محاضراً في قسم الكيمياء بالجامعة السورية، شاهده قباني يُمثل ضمن فرقة المسرح الجامعي، فعرض عليه العمل في التلفزيون. وافق دريد بكثير من الحذر، خوفاً من ردة فعل طلابه، وكان ظهوره الأول بشخصية رجل عجوز، له لحية اصطناعية بيضاء تغطي معالم وجهه. وبعدها ظهر بشخصية عازف غيتار مكسيكي يُدعى “كارلوس،” قبل إطلاق شخصية غوار الطوشة الشهيرة، التي ذاع صيتها محلياً وعربياً. بقي صباح قباني في عمله مديراً للتلفزيون لغاية وقوع انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961، حيث قدم استقالته اعتراضاً على الطريقة التي أسقطت فيها جمهورية الوحدة.
المسيرة الدبلوماسية
ابتدأ بعدها مسيرته الدبلوماسية سنة 1962 وانضم لوزارة الخارجية ليُعين قنصل سورية في نيويورك لمدة أربع سنوات حتى 1966. بعدها شغل منصب وزير مفوض في العاصمة الإندونيسية جاكارتا لمدة ثلاث سنوات، ثم عاد ليشغل منصب سفير سورية في الولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 1974. بقي قباني في السلك الدبلوماسي حتى 1984، ليستقيل من بعدها للتفرغ للكتابة وممارسة هوايته في التصوير الضوئي ورسم الكاريكاتير. وأقام الكثير من المعارض التصويرية، منها معرضا نشيد الأرض ولحظات إندونيسية.
حياته الشخصية
تزوج صباح قباني من مها بنت فؤاد نعامني وهي ابنة أخت سعيد الغزي. له منها ابنتان، كرمة ورنا التي عملت كاتبة وتزوجت من الشاعر الفلسطيني محمود درويش أولاً ثم من الصحفي البريطاني باتريك سيل. أما حفيدته ياسمين سيل، فهي كاتبة ومترجمة محترفة وضعت سنة 2022 ترجمة حديثة باللغة الإنجليزية لكتاب ألف ليلة وليلة.
أعماله الأدبية
كان صباح قباني يكتب باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، ومن أهم مؤلفاته:
- من أوراق العمر: مسيرة حياة في الإعلام والفن والدبلوماسية (دمشق 2007)
- من كلام الأيام: كتابات في الفن والتراث والسياسة 1953-2010 (دمشق 2010)
- رضا سعيد: مؤسس الجامعة السورية (بيروت 2011)
ووضع ثلاث كراسات:
- الوجه الآخر للدبلوماسية (محاضرة في النادي العربي بدمشق عام 1986)
- سفير جديد لقرن جديد (محاضرة في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق عام 1996)
- كراس باللغة الإنكليزية عن الصحفي الأمريكي مايك ولاس الذي وقف إلى جانب سورية ودافع عن قضاياها.
وفاته
توفي صباح قباني في الأول من كانون الثاني عام 2015 في منزله بحي المالكي بالعاصمة السورية دمشق، عن عمر ناهز 87، ودفن في مقبرة باب الصغير بدمشق إلى جانب شقيقه نزار قباني.