أعلام وشخصياترجال دين

عبد المحسن الأسطواني

رئيس مجلس الشورى (1918-1924).

الشيخ عبد المحسن الأسطواني
الشيخ عبد المحسن الأسطواني

عبد المحسن الأسطواني (1853-1961)، عالم دين سوري من دمشق، كان نائباً في مجلس المبعوثان العثماني، وقد تسلّم أمانة الفتوى في دمشق خلال السنوات 1886-1914 وعُيّن رئيساً لمجلس الشورى من سنة 1918 وحتى سنة 1924.

البداية

ولِد عبد المحسن الأسطواني في أُسرة عريقة اشتهر رجالها بالعِلم وتبوَّؤُوا أرفع المناصب الدينية.(1) دَرَس على يد علماء دمشق ومنهم والده الشّيخ عبد القادر الأسطواني والشّيخ سليم العطار، مُدرّس البخاري في جامع سليمان باشا. وكان مقرباً من مفتي دمشق الشّيخ محمود الحمزاوي الذي عينه أميناً على الفتوى سنة 1886.

أمين فتوى دمشق

حافظ الشيخ الأسطواني على منصبه بالرغم من كل التغيرات السياسية التي عصفت من حوله ومنها انقلاب جمعية الاتحاد والترقي سنة 1908 وخلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش في نيسان 1909 وصولاً إلى دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى سنة 1914. وفي ذلك العام انتُخب الأسطواني نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان في إسطنبول.(2)

في العهد الفيصلي

بعد سقوط الحكم العثماني في سورية نهاية شهر أيلول عام 1918، شُكّلت حكومة عربية برئاسة الأمير فيصل، نجل الشريف حسين بن عليّ، ابن قائد الثورة العربية الكبرى الشريف حسين بن عليّ. بايع الأسطواني الأمير فيصل حاكماً عربياً على سورية وبالمقابل قام الأخير بتعيينه نائباً لرئيس مجلس الشورى عبد القادر مؤيد العظم. كان مجلس الشورى حديث العهد في دمشق، مُكلفاً بمراجعة القوانين ودراستها قبل رفعها إلى أمير البلاد لأخذ الموافقة عليها.

في الحزب السوري الوطني

انتسب الشيخ عبد المحسن الأسطواني إلى الحزب السوري الوطني، الذي ظهر بعد الحرب العالمية الأولى وكان بقيادة أمير الحج عبد الرحمن باشا اليوسف. ضم الحزب عدداً من عُلماء دمشق مثل الشيخ عبد القادر الخطيب، خطيب الجامع الأموي والشّيخ تاج الدين الحسني، نجل المحدّث الأكبر في بلاد الشّام، الشّيخ بدر الدين الحسني.(3) وقد نادى الحزب باستقلال سورية وضمان وحدة أراضيها، كما دعا إلى نظام ملكي دستوري، تكون السلطة العليا فيه لمجلس نيابي مُنتخب، يمثل كل الديانات. أيد الشّيخ الأسطواني تتويج الأمير فيصل ملكاً دستورياً على البلاد وحضر حفل التنصيب الذي أقيم في دار البلدية وسط ساحة المرجة في يوم 8 آذار 1920.

رئيساً لمجلس الشورى

ولكن الحكم الفيصلي في سورية لم يستمر طويلاً من بعدها وسقط بعد مواجهة عسكرية مع الجيش الفرنسي في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920. فُرض الانتداب الفرنسي على سورية وهرب الملك فيصل إلى فلسطين ومن ثم إلى أوروبا، ولكنه قبل مغادرته دمشق، أعاد تشكيل مجلس الشورى وعيّن عبد الرحمن باشا اليوسف رئيساً له، وهو صديق قديم للأسطواني، خَدم معه في مجلس المبعوثان وفي الحزب السوري الوطني.

أعاد اليوسف تسمية الأسطواني نائباً له، ولكنه فترة توليه المجلس كانت قصيرة جداً، فقد تم اغتياله في قرية خربة غزالة يوم 21 آب 1920. فذهبت رئاسة المجلس للشيخ الأسطواني، الذي حافظ عليه حتى سنة 1924، عندما ألغت حكومة الانتداب الفرنسي مجلس الشورى في سورية.

موقفه من قانون الأحوال الشخصية

في عام 1928، عُيّن الشّيخ الأسطواني قاضياً شرعياً في دمشق ثم رئيساً لمحكمة التمييز الشرعية. تزامن هذا التكليف مع محاولة فرنسا تمرير قانون جديد للأحوال الشخصية في سورية، ينص على تحويل كافة قضاياه من المحاكم الشرعية إلى المحاكم المدنية، إلّا فيما يتعلق بأمور الزواج والطلاق.(4)

اعترض الشّيخ الأسطواني على هذا القرار وحاربه بشدة، لأنه سُمح لأي مواطن سوري قد بلغ سن الرشد أن يختار دينه وأن يتنقل بحرية من طائفة إلى أخرى، أو من دين إلى دين، دون إعلام مجلس الملّة أو الطائفة أو الكنيسة. وسمح القانون لأي امرأة مسلمة أن تتزوج من مسيحي أو يهودي، مما أثار حفيظة الشّيخ الأسطواني وكل علماء الشّام.

بسبب الغليان الشعبي الذي أثاره الأسطواني، ظلّ هذا الموضوع معلّقاً حتى نهاية عام 1938، عندما قبل به رئيس الحكومة جميل مردم بك. ثار الأسطواني وحشد أعوانه ومريديه لإجهاضه وإسقاط الحكومة المردمية، مهدداً بعصيان مدني في طول البلاد وعرضها لو أصر الرئيس مردم بك على موقفه.(5) شُكّلت لجنة للنظر في القانون، مؤلفة من عبد المحسن الأسطواني والشّيخ كامل القصّاب ورئيس محكمة التمييز مصطفى برمدا والقاضي حنا مالك، وقرروا مجتمعين طيّ القرار إلى أجل غير مسمى.(6)

موقفه من العدوان الفرنسي عام 1945

كان للشّيخ الأسطواني موقف لافت خلال العدوان الفرنسي على مدينة دمشق يوم 29 أيار 1945، عندما دخل إلى الجامع الأموي ووجد المصلين يدعون على فرنسا فصاح بهم غاضباً: “المساجد للمُقعدين فقط، فليحمل كل واحد منكم سلاحه!”

شاعراً في عهد الاستقلال

حافظ عبد المحسن الأسطواني على منصبه في محكمة التمييز حتى نهاية حياته، لأن قانون التقاعد في سورية لم يكن ينطبق لا على علماء الدين أو على أئمة المساجد.(7) وقد ظلّ يخطب في جامع البزورية ويُقيم مجلس عِلم في داره عُرف باسم “مجلس الشيوخ،” وكان بضمّ العديد من السياسيين والعلماء.

وكان يُنظم الشّعر التعليمي في أحكام المساجد وأبواب الوتر والنوافل وقضاء الفوائت وسجود السهو وكافة المسائل الفقهية التي كان يغلب عليها الجانب التحليلي العقلي. التزم في نظمه الأوزان الموروثة، مع ميله إلى التنويع في قوافيه، فقد جعل لكل بيت قافية وله في المطارحات الشعرية والإخوانيات.

الوفاة

توفي الشيخ عبد المحسن الأسطواني بدمشق عن عمر ناهز 108 سنة 1961. وفي عام 2000، جُمعت قصائده بكتاب حمل عنوان زبدة الأقوال: نظم وشرح الفقير الفاني عبد المحسن الأسطواني، صدر عن مطبعة الرازي بدمشق.

المصدر
1. محمد شريف الصّواف. معجم الأسر والأعلام الدمشقية (دمشق 2002)، 50-552. محمّد أديب آل تقي الدين الحصني. مُنتخبات التواريخ لدمشق (دار الآفاق الحديثة، بيروت 1979) 8383. محمّد حرب فرزات. الحياة الحزبية في سورية (دار الرواد، دمشق 1955)، 74-764. بنيامين وايت. ظهور الأقليات في الشرق الأوسط (باللغة الإنكليزية - جامعة إدنبرة 2011)، 1685. نفس المصدر6. يوسف الحكيم. سورية والإنتداب الفرنسي (دار النهار، بيروت 1983)، 2877. أحمد وليد منصور. قصاصات غير قابلة للطعن (دار صفحات، دمشق 2018)، 20

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !