أعلام وشخصياتثوار

محمد الأشمر

من قادة الثورة السورية الكبرى

الشيخ محمد الأشمر
الشيخ محمد الأشمر

محمّد بن طه الأشمر (1894 – 3 آذار 1960)، مجاهد سوري من دمشق، شارك في معركة ميسلون سنة 1920 وفي الثورة السورية الكبرى سنة 1925، وأخيراً في ثورة فلسطين الأولى عام 1936. وكان من الشخصيات الدمشقيّة النافذة في زمن الانتداب الفرنسي ومطلع عهد الاستقلال.

البداية

ولِد محمّد الأشمر في حيّ الميدان ودَرَس على يد المحدث الأكبر في بلاد الشّام الشّيخ بدر الدين الحسني، مُتبحراً في الطريقة النقشبندية وعلوم التصوّف.(1) وفي سنة 1909، سيق إلى الخدمة الإلزامية في الجيش العثماني.

معركة ميسلون سنة 1920

عاد بعدها إلى دمشق وتفرّغ للتدريس في مسجد الميدان، ليصبح أحد أعيان الحيّ عشية سقوط الحكم العثماني وإقامة حكومة عربية بقيادة الأمير فيصل بن الحسين سنة 1918. لبّى الشيخ الأشمر نداء وزير الحربية يوسف العظمة وأنضمّ إلى صفوف المجاهدين السوريين للمشاركة في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920. كان هدفهم وقف زحف الجيش الفرنسي تجاه مدينة دمشق، ولكنّ نتيجة المعركة جاءت عكس التوقعات الوطنيّة، فقد استشهاد الوزير العظمة وسقط الحكم الفيصلي. تم احتلال مدينة دمشق عسكرياً صباح يوم 25 تموز 1920، مع فرض الانتداب الفرنسي على جميع الأراضي السوريّة.

الثورة السورية الكبرى

بعد خمس سنوات، أعلن سلطان باشا الأطرش انطلاق ثورة مسلّحة ضد الانتداب الفرنسي، سمّيت بالثورة السورية الكبرى. أنضمّ محمد الأشمر إلى صفوفها وتوجه إلى غوطة دمشق الشرقية لتدريب المُجاهدين على حمل السلاح في وجه الجيش الفرنسي، تمهيداً لنقل المعارك من جبل الدروز إلى العاصمة دمشق.

معركة دمشق

دخلوا دمشق فجر يوم 18 تشرين الأول 1925 وكانت عميتهم العسكرية ترمي إما إلى إغتقال أو تصفية المندوب السامي الفرنسي موريس ساراي، والذي قيل لهم أنه سيكون متواجداً في قصر العظم، وسط سوق البزورية. ولكنّهم تعرضوا لكمين، وتبين لهم أن الجنرال ساراي لم يكن في دمشق يومها. ضُرب طوق عسكري حول سوق البزورية، وبعد محاصرة الثوار في داخله، بدأ القصف الفرنسي على مدينة دمشق، ما أدى إلى تدمير قسم كبير من سوق البزورية، مع إحراق جزء رئيسي من قصر العظم.

نجى الأشمر من الموت يومها، وعاد إلى غوطة الشرقية للمشاركة في معارك يلدا وبستان باكير  وبستان البندقة الميدان وقرية كفرسوسة. كما لعب دوراً في معركة مئذنة الشحم داخل أسوار مدينة دمشق القديمة، وفي معركة جسر تورا على اطريق المؤدي إلى بلدة دوما بريف دمشق.

حُكم على الشيخ محمد الأشمر ورفاقه بالإعدام وظلّ طريداً طوال سنوات الثورة السورية الكبرى، متوارياً عن الأنظار، في قرية داعل جنوب البلاد السورية ثمّ في إمارة شرق الأردن، التي قام حاكمها الأمير عبد الله بن الحسين باستضافته كلاجئ سياسي. أقام في بلدة ناعور قرب العاصمة عمّان حنى سنة 1928، عندما صدر عفو عنه من قبل رئيس الحكومة السورية الشيخ تاج الدين الحسني.

ثورة فلسطين سنة 1936

عاد الأشمر إلى دمشق وعاش فيها حتى سنة 1936، عندما شدّ الرحال إلى فلسطين لحمل السلاح مع صديقه سعيد العاص ومفتي القدس الحاج أمين الحسيني. خدم بمعيّة فوزي القاوقجي وكانت منطقة نشاطه مثلث نابلس، وخاصّة منطقة طولكرم. عُيّن الأشمر قائداً المفرزة الشاميّة، إلى حاربت إلى جانب المفرزة العراقيّة والمفرزة الدرزيّة، ومن أشهر معارك في فلسطين: معركة بلعا، ومعركة جبع، ومعركة بيت إمرين. وعندما أثمرت جهود الملوك العرب على إنهاء الثورة يوم 11 تشرين الأول 1936، سلّم الأشمر سلاحه إلى الحاج أمين الحسيني، وعاد إلى دمشق.(2)

المواجهة مع حكومة الجابري سنة 1944

بعد انتهاء الثورة الفلسطينية عاد محمد الأشمر إلى صدارة المشهد السوري في أيار 1944، إثر صِدام بينه وبين رئيس الحكومة السورية سعد الله الجابري. وجه الأشمر انتقاداً لاذعاً لحكومة الجابري بسبب دعمها لحركات التحرر وسماحها للنساء بالخروج من منازلهن سافرات. وقد صبّ الأشمر غضبه على حفل خيري كانت حكومة الجابري تنوي إقامته في نادي الشرق، تحت رعاية حرم وزير المعارف نصوحي البُخاري. اجتمع الأشمر مع وزير الداخلية لطفي الحفار وطلب منه منع نساء دمشق من دخول الحفل، ولكن الحفار رفض الاستجابة لطلبه، فقرر الأشمر نقل المعركة إلى الشارع في أول مواجهة من نوعها بين المشايخ والكتلة الوطنية الحاكمة منذ سنة 1943. من على منبر مساجد الميدان، نادى الأشمر باسقاط حكومة الجابري لأنها وبحسب تعبيره، كانت تُشجع الناس على الفسق والفجور. قاد مظاهرة حاشدة بعد صلاة الجمعة، شارك فيها آلاف الشبّان، قتل منهم أثنان برصاص قوى الأمن. كما ردت الحكومة السورية باعتقاله ونقله مخفوراً إلى سجن تدمر بتهمة إثارة الفتن وتشجيع الأهالي على العصيان المسلّح.(3) ولكن سرعان ما تم إطلاق سراحه بعد تدخل من رئيس الجمهورية شكري القوتلي.

العلاقة مع المعسكر الشرقي

في خمسينيات القرن العشرين، دُعي الشيخ محمد الأشمر، بصفته ثائراً أُممياً، لزيارة جمهورية الصين الشعبية، وتوجه بعدها إلى موسكو لاستلام جائزة جوزيف ستالين للسلام يوم 17 آذار 1955. كان ذلك في أوج الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وقد كتبت عنه الصحف الأميركية ووصفته بالعميل للنظام الشيوعي العالمي.

الوفاة

توفي الشيخ محمد الأشمر بدمشق يوم 3 آذار 1960 وكرمته الحكومة السورية بإطلاق اسمه على عدّة أماكن، منها ساحة في مسقط رأسه بحيّ الميدان، إضافة إلى مسجد ومدرسة في حيّ الزاهرة.

قالوا في الشّيخ الأشمر

تحدّث قاضي دمشق الشيخ علي الطنطاوي عن جهاد الشيخ محمد الأشمر، وكيف تنكر الساسة السوريون له بعد الاستقلال. وقد جاء في كلمة الطنطاوي يوم تأبين الأشمر:

كان الشّيخ الأشمر من الصالحين الذين ثاروا على الفرنسيين، وأبلوا في قتالهم البلاء المبين، وكانت داره حمى لمن دخلها، لم يجرؤ فرنسي أن يدنو منها، فيدخل عليه فيها، فلما كان عهد الاستقلال، وكان رئيس الوزراء سعد الله الجابري، أمر باقتحام دار الشيخ الأشمر، وبسحبه منها إلى السجن.(4)

وقال مصطفى السباعي، مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين في سورية:

كان الأشمر مثالاً للمجاهد الشجاع الجريء الذي يقتحم غمار الموت ويهزأ بالأخطار تسعى بين يديه ومن خلفه، كما كان مثالاً للرجل المؤمن التقي الذي كان يلقي بالمواعظ على إخوانه المجاهدين متنقلاً من مكان إلى مكان يبث فيهم روحه المؤمنة القويّة كل معاني الثقة بالله وبعدالة الحق الذي خرجوا للدفاع عنه. وأضاف: كان يكفيه من الأمجاد والخلود ما قام به في الثورة السوريّة من بطولات وتضحيات.

 

المصدر
1. عبد الغني العطري. عبقريات وأعلام (دار البشائر، دمشق 1996)، 144-1452. نفس المصدر3. علي الطنطاوي. ذكريات، الجزء الخامس (دار المنارة 1985)، 2414. نفس المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !