مكي بن محمد الكتاني الإدريسي الحسني (1894- 10 كانون الأول 1973)، عالم فقيه من أصول مغربية، عاش بدمشق وسمّي مفتياً للمذهب المالكي سنة 1943، قبل مشاركته في تأسيس رابطة العلماء وانتخابه رئيساً لها سنة 1960. وفي حرب تشرين سنة 1973 نُصّب مفتياً للقوات المغربية المشاركة مع الجيش السوري.
البداية
ولِد مكي الكتاني في مدينة فاس المغربية وتعود أصول عائلته إلى الحسن بن علي، سبط رسول الله (ص). جدّه جعفر الكتاني كان شيخ الإسلام في المغرب، ووالده المحدّث والمؤرخ المغربي الإمام محمد الكتاني. دَرَس على يد علماء المغرب وفي جامع القرويين، ثم هاجر إلى المدينة المنورة مع عائلته حيث قرأ على يد محدِّث الحرمين عمر حمدان المحرسي والمفتي أحمد إسماعيل البرزنجي.
الانتقال إلى دمشق
انتقلوا بعدها إلى دمشق مع نهاية الحرب العالمية الأولى، يوم كان الكتاني في الرابعة والعشرين من عمره. وفي دمشق تلقى العلوم الشرعية على يد المُحدّث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني، كبير فقهاء بلاد الشّام. سافر إلى بغداد والهند، وعاد مدة إلى المغرب قبل أن يستقر بشكل نهائي بدمشق. انطلق من يومها إلى الدعوة، خطيباً في عدة مساجد منها الجامع الأموي وجامع تنكز. ركز في دروسه على عنصر الشباب المسلم وتوجيههم نحو الإسلام الصحيح، وأسَّس لهم عدد من الجمعيات والمنتديات الفكرية بهدف الإصلاح الديني، مثل رابطة شباب دمشق.
الثورة الفلسطينية سنة 1936
نشط الكتاني في دعم الثورة السورية الكبرى بالسلاح والمال سنة 1925، وعدّ مناصرتها واجباً شرعياً على المسلمين. وعند اطلاع ثورة عام 1936 في القدس، وضع الكتاني كامل ثقله خلف زعيمها الحاج أمين الحسيني، وشكّل مجموعة من الفدائيين المغاربة والسوريين للمشاركة في أعمالها القتالية، أطلق عليهم اسم “شباب فلسطين.”
حادثة اغتيال الشهبندر
في سنة 1940، دخل أحد مُريدي الكتاني على مجلسه وسأله: “ما جزاء الخائن في الإسلام؟” أجابه الكتاني دون تردد “القتل.” اتخذت هذه الفتوى كغطاء شرعي لتصفية الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، زعيم الحركة الوطنية في سورية، بعد تزايد الكلام عن توجهاته العلمانية ومطالباته المتكررة بفصل الدين عن الدولة. وبعد تنفيذ الجريمة واعتقال الجناة، أجريت لهم محاكمة في قاعة المجلس النيابي بدمشق، قالوا فيها زوراً إن أمر القتل جاء من رئيس الحكومة الأسبق جميل مردم بك ورفاقه في الكتلة الوطنية. طلب رئيس الكتلة هاشم الأتاسي إلى الشيخ الكتاني التدخل لإنقاذ زملائه من شهادة الزور، فتوجه الأخير إلى قاعة المحكمة ليقول إنه يتحمل جزءاً من مسؤولية ما حدث، لأنه أفتى بضرورة قتل الخائن، ولكنه لم يكن يقصد عبد الرحمن الشهبندر، صديقه منذ أيام الثورة السورية الكبرى. ثم طلب الشيخ الكتاني إلى زعيم الجناة أحمد عصاصة أن يُعيد شهادته أمام القاضي بعد أن يُقسم على القرآن الكريم بألا يقول إلّا الحق، فانفجر عصاصة بالبكاء واعترف بأنه قتل الشهبندر دون أي توجيه من قادة الكتلة الوطنية، طالباً من شيخه السماح والمغفرة.
رابطة العلماء
في سنة 1943 عُيّن الشيخ الكتاني مفتياً للمذهب المالكي في سورية وشارك في تأسيس رابطة العلماء عام 1954، مع الشّيخ أبي الخير الميداني. انتُخب الميداني رئيساً والكتاني نائباً للرئيس حتى سنة 1960، عندما خلفه في رئاسة. لعب دوراً هاماً في تجنيد الشباب للمشاركة في حرب السويس سنة 1956، وكان أحد قادة أسبوع التسلّح الذي أقيم تحت رعاية رئيس الجمهورية شكري القوتلي لجمع التبرعات المادية لصالح الجيش السوري. وعندما دعا القوتلي إلى إقامة معسكرات تدريب في ضواحي دمشق شارك بها الكتاني بصفته نائباً لرئيس رابطة العلماء، وفي سنة 1965، كان أحد مؤسسي رابطة العالم الإسلامي في مكة.
الكتاني والسياسية
رفض مكي الكتاني تأييد أي من الانقلابات العسكرية التي تعاقبت على سورية منذ عام 1949 ولكنه بارك الوحدة مع مصر عند قيامها سنة 1958. وعند انهيارها في 28 أيلول 1961 دعا إلى وضع ميثاق وطني جديد لسورية، هدفه “لمّ الشمل وتوحيد الكلمة وترسيخ مبادئ الديمقراطية.” دعا لاجتماع كبير في داره للإعلان عن مبادرته الوطنية، بحضور رئيس الجمهورية السابق شكري القوتلي.
ابتعد الشيخ الكتاني عن أي نشاط سياسي من يعدها ولكنه عاد وظهر في حرب تشرين سنة 1973، مُرشداً لفرقة المغاربة المشاركة في القتال مع الجيش السوري، حيث زار المستشفيات الميدانية والحكومية لرفع عزيمة الجنود ودعمهم معنوياً ومادياً.
الوفاة
توفي الشيخ مكي الكتاني في دمشق عن عمر ناهز 79 عاماً بعد عملية جراحية في مستشفى دار الشفاء يوم 10 كانون الأول 1973. صُلي عليه في الجامع الأموي في اليوم التالي، ودفن في مقبرة أسرته بالباب الصغير. وقد وصفه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وقال إن مكي الكتاني كان “مجمع الفضائل، وملتقى الأكابر والأماثل، وموئل العلماء في النوائب، ومقصد الفضلاء في درء المصائب، وريحانة الشام وعلمائها، ومرجع الناس في بلائها وضرَّائها، ولما غاب بدره لم يبزغ بعده هلال.”