
مكي الكتاني الإدريسي (1894-1973)، عالم فقيه ومفتي المالكية في سورية (1943-1973). كان أحد مؤسسي رابطة العلماء ورئيساً لها من سنة 1960 وحتى وفاته عام 1973. وهو صاحب الفتوى الشرعية بالقتل التي اتُخذت ذريعة لتصفية الدكتور عبد الرحمن الشهبندر سنة 1940.
البداية
ولِد مكي الكتاني في مدينة فاس المغربية وكان جدّه شيخ الإسلام في المغرب جعفر الكتاني، أما أبيه فهو المحدّث والمؤرخ الإمام محمّد الكتاني.
دَرَس مكي الكتاني على يد علماء المغرب وفي جامعة القرويين، ثم هاجر مع أسرته إلى المدينة المنورة واستوطنوا بعدها مدينة دمشق نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918. كان الشّيخ الكتاني في الرابعة والعشرين من العمر يومها، ودَرَس في دمشق على يد المحدث الأكبر الشّيخ بدر الدين الحسني، كبير فقهاء بلاد الشّام.
وانطلق من بعدها إلى الدعوة، خطيباً في عدة مساجد منها الجامع الأموي وجامع دنكز.(1)
الثورة الفلسطينية سنة 1936
نشط الشّيخ الكتاني في دعم الثورة السورية الكبرى سنة 1925، وقدّم لها المال والسلاح. وعند اندلاع ثورة مماثلة في فلسطين سنة 1936، وضع الكتاني كامل ثقله خلف زعيمها الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس، وشكّل مجموعة من الفدائيين المغاربة والسوريين للمشاركة في الأعمال القتالية، أطلق عليهم اسم “شباب فلسطين.”(2)
حادثة اغتيال الشهبندر
في سنة 1940، دخل أحد مُريدي الشّيخ الكتاني عليه وسأله: “ما جزاء الخائن في الإسلام؟” أجابه الكتاني دون تردد “القتل.”(3) اتُخذت هذه الفتوى كغطاء شرعي لتصفية الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، زعيم الحركة الوطنية في سورية، بعد تزايد الكلام عن توجهاته العلمانية ومطالباته المتكررة بفصل الدين عن الدولة.
وبعد تنفيذ الجريمة واعتقال الجناة، أجريت لهم محاكمة في قاعة المجلس النيابي بدمشق. قالوا زوراً إن أمر القتل جاء من قبل جميل مردم بك ورفاقه في الكتلة الوطنية سعد الله الجابري ولطفي الحفار. طلب رئيس الكتلة هاشم الأتاسي من الشّيخ الكتاني التدخل لإنقاذ زملائه من شهادة الزور، فتوجه الأخير إلى قاعة المحكمة ليقول أنه يتحمل جزء من المسؤولية عما حدث، لأنه أفتى بضرورة قتل الخائن، ولكنه لم يكن يعرف أن المقصود بذلك هو عبد الرحمن الشهبندر، وهو صديقه منذ أيام الثورة السورية الكبرى.(4)
ثم طلب الشيخ الكتاني من زعيم العصابة أحمد عصاصة أن يُعيد شهادته أمام القاضي بعد أن يُقسم على القرآن الكريم بأن لا يقول إلّا الحق، فانفجر عصاصة بالبكاء واعترف بأنه قتل الشهبندر دون أي توجيه من قادة الكتلة الوطنية، طالباً من شيخه السماح والمغفرة.(5)
رابطة العلماء
وفي سنة 1943 عُيّن الشيخ الكتاني مفتياً للمذهب المالكي في سورية، بمرسوم من الرئيس شكري القوتلي، وشارك في تأسيس رابطة العلماء سنة 1954 مع الشّيخ أبو الخير الميداني، أحد أعيان الميدان. انتُخب مكي الكتاني نائباً للشيخ الميداني حتى سنة 1960، عندما خلفه في رئاسة الرابطة.
وقد لعب الكتاني دوراً هاماً في تجنيد الشباب للمشاركة في حرب السويس سنة 1956، وكان أحد قادة أسبوع التسلح الذي أقيم تحت رعاية الرئيس القوتلي لجمع التبرعات المادية لصالح الجيش السوري.
وفي سنة 1965، شارك مكي الكتاني في تأسيس رابطة العالم الإسلامي في مكة.(6)
الكتاني والسياسية
عُرف عن الشّيخ الكتاني ابتعاده عن السياسة واتخاذ موقع وطني وعروبي طوال حياته، بعيداً عن التحزب والصراعات على الحكم. رفض تأييد جميع الانقلابات العسكرية التي عصفت بالبلاد منذ عام 1949 ولكنه بارك الوحدة السورية المصرية التي أقامها الرئيس القوتلي مع الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1958.
وعند وقوع انقلاب الانفصال سنة 1961 عمل على وضع ميثاق وطني جديد لسورية، كان هدفه لمّ الشمل وتوحيد الكلمة وترسيخ مبادئ الديمقراطية. وقد دعا إلى اجتماع كبير في داره للإعلان عن مبادرته الوطنية، حضره رئيس الجمهورية السابق شكري القوتلي ومعه عدد من رؤساء الحكومات مثل حسن الحكيم وخالد العظم وصبري العسلي.
ابتعد بعدها الشّيخ الكتاني عن أي نشاط سياسي ولكنه ظهر من جديد خلال حرب تشرين سنة 1973، مُرشداً لفرقة المغاربة المشاركة في القتال إلى جانب الجيش السوري. وعِمل على زيارة المستشفيات الميدانية والحكومية لرفع عزيمة الجنود المصابين ودعمهم نفسياً ومعنوياً ومادياً.
الوفاة
توفي الشيخ مكي الكتاني في دمشق عن عمر ناهز 79 عاماً سنة 1973.