ميشيل عفلق، (10 كانون الأول 1910 – 23 حزيران 1989) مفكر قومي عروبي سوري ومؤسس حزب البعث مع صديقه صلاح الدين البيطار. منذ التأسيس في نيسان 1947 كان عفلق هو منظر الحرب الأول وواضع نظرياته الفلسفية والعقائدية، بينما تولّى البيطار إدارة الشؤون الحزبية اليومية. في مطلع الخمسينيات اندمج حزب عفلق مع الحزب الاشتراكي العربي وبات يُعرف من يومها بحزب البعث العربي الاشتراكي. بقي ميشيل عفلق أميناً عاماً للحزب في سورية من يوم التأسيس ولغاية عام 1966، عندما تم نفيه بأمر من اللواء صلاح جديد، مهندس انقلاب 23 شباط. عاش مدة في لبنان ثم انتقل إلى العراق حيث حلّ ضيفاً مكرماً على الرئيس صدام حسين حتى وفاته سنة 1989.
البداية
ولد ميشيل عفلق في حيّ الميدان الدمشقي لعائلة مسيحية أرثوذوكسية من الطبقة الوسطى. أصول أبيه يوسف عفلق كانت من راشيا الوادي (لبنان حالياً)، أما والدته سمية زيدان فهي من مدينة حمص. درس في مدارس دمشق الفرنسية الحكومية وقرأ كثيراً في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة، إضافة لأشعار المتنبي والمعري التي تأثر بها كثيراً. أوفدته الحكومة السورية سنة 1929 إلى فرنسا للدراسة في جامعة السوربون، وفي باريس تعرف على صديقه صلاح الدين البيطار، وهو مسلم من الميدان أيضاً. كلاهما تأثر بالحضارة الغربية وبالحزب الشيوعي الفرنسي. خلال سنوات دراسته الجامعية اعتنق الفكر الاشتراكي الماركسي، وكان يدعو لتحرير العرب من القوى التقليدية الأرستقراطية، ومن الهيمنة الأوروبية.
النشاط السياسي في زمن الانتداب
بعد رجوعه إلى سورية 1934، عمل عفلق مدرساً لمادة التاريخ في ثانوية التجهيز الأولى بدمشق، وبدأ يبشر بأفكاره في أوساط الطلاب والشباب. كما نشط في محاربة الانتداب الفرنسي وأسس جماعة سياسية خاصة به، أطلق عليها اسم “الإحياء العربي.” أصدرت بيانها الأول في شباط 1941. وما لبثت هذه الجماعة أن وضعت مبادئها القومية موضع التنفيذ عندما أعلنت تأييدها لانتفاضة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد الاحتلال البريطاني، عن طريق “حركة نصرة العراق.”
تأسيس البعث
اتخذ عفلق اسماً جديداً لجماعته وهو “البعث” مستوحى من مجموعة فكرية قومية كانت نشطة في أوساط المثقفين في زمن الانتداب بقيادة المفكر زكي الأرسوزي. وقد فجر هذا الأمر خلافاً عقائدياً مع الأرسوزي، الذي طالما اتهم عفلق بسرقة فكرة “البعث” منه، وعدم دعوته للمشاركة في مؤتمر تأسيس الحزب، الذي عُقد في دمشق يوم 7 نيسان 1947. ضمّ الحزب الجديد عدداً من المدرسين والمفكرين والكتاب، مثل الدكتور مدحت البيطار والدكتور جمال الأتاسي والشاعر سليمان العيسى، وفي جلستهم الأولى قاموا بانتخاب ميشيل عفلق عميدا للحزب، ووضعوا شعاره المعروف: “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.” وقد انتخب صلاح البيطار أميناً عاماً للحزب وفي 17 حزيران 1947، وضع دستور للحزب شارك عفلق بكتابته، تلاه صحيفة يومية سياسية بعنوان البعث، تولّى عفلق رئاسة تحريرها.
مع حسني الزعيم (29 آذار – 14 آب 1949)
اشترك حزب البعث في المظاهرات المؤيدة لفلسطين، وتطوع عفلق للقتال في جيش الإنقاذ مع فوزي القاوقجي في تشرين الثاني 1947. وعندما اشتدت انتقاداته لحكومة الرئيس جميل مردم بك، صدر أمر باعتقاله في ربيع العام 1948 كما تم تعطيل صحيفة البعث لمدة ثلاثة أسابيع. وقد أيد عفلق الانقلاب العسكري الأول الذي أطاح بحكم رئيس الجمهورية شكري القوتلي في 29 آذار 1949، وحاول التعاون مع حسني الزعيم، ولكن خلافاً عقائدياً حلّ بينهما فأمر الزعيم باعتقاله مجدداً ونقله إلى سجن المزة، مع حظر الحزب وتعطيل جريدة البعث. وفي المعتقل تعرض عفلق لتعذيب شديد، أجبره على توقيع بيان تنصّل من أفكاره الحزبية.
وزيراً سنة 1949
بعد سقوط حسني الزعيم وإعدامه في 14 آب 1949، شُكلت حكومة وحدة وطنية برئاسة هاشم الأتاسي، ضمّت جميع الأحزاب العاملة في البلاد، سمّي فيها ميشيل عفلق وزيراً للمعارف. كانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي يتولّى فيها عفلق منصباً حكومياً في حياته، وقد استمرت حتى 14 كانون الأول 1949.
معارضاً للشيشكلي
سارع عفلق لتأيد الانقلاب العسكري الذي قام به العقيد أديب الشيشكلي في 29 تشرين الثاني 1951، ظنّاً منه أن الأخير، ونظراً لتوجهاته القومية السابقة، كان سيعمل مع البعث نحو وحدة عربية شاملة. ولكنّ الشيشكلي أصدر قراراً بحلّ جميع الأحزاب، تماماً كما فعل حسني الزعيم من قبله، وأمر باعتقال كل من ميشيل عفلق وصلاح البيطار. هرب عفلق إلى لبنان ولحق به البيطار، حبث تعاونا مع أكرم الحوراني، المنفي أيضاً بسبب مواقفه المعارضة لحكم الشيشكلي. وفي المنفى تم دمج حزب البعث مع الحزب العربي الاشتراكي الذي كان الحوراني قد أسسه سنة 1950، ليُصبح اسم الحزب الرسمي من يومها حزب البعث العربي الاشتراكي.
عاد ثلاثتهم إلى سورية بعد سقوط الشيشكلي في شباط 1954، وخاض حزبهم الانتخابات النيابية وفاز بسبعة عشر مقعداً من أصل مقاعد مجلس النواب، وكان عددها 147 مقعداً. فاق هذا النجاح الباهر كل تطلعات وتوقعات عفلق، وكان سببه شعبية أكرم الحوراني في الأرياف ولدى المؤسسة العسكرية. أصبح عفلق رئيساً لأكبر كتلة نيابية في سورية، ما أدى إلى انتخاب الحوراني رئيساً لمجلس النواب وتسلّم صلاح البيطار حقيبة الخارجية في حكومة صبري العسلي سنة 1956.
عهد الوحدة مع مصر 1958-1961
أجمع قادة حزب البعث على تأيد الرئيس جمال عبد الناصر عند تأميم قناة السويس ورد العدوان الثلاثي سنة 1956 وكانوا أول المطالبين بتحقيق وحدة اندماجية مع مصر عام 1958. فاوض صلاح البيطار على تلك الوحدة بصفته وزيراً للخارجية، ولم يُمانع، لا هو ولا ميشيل عفلق، اشتراط عبد الناصر حلّ جميع الأحزاب السياسية في سورية قبل قيام الجمهورية العربية المتحدة.
خمد البعث سياسياً خلال سنوات الوحدة احتراماً لرغبة عبد الناصر، وعُيّن صلاح البيطار وزيراً للثقافة، وأصبح أكرم الحوراني نائباً للرئيس الجمهورية. ولكنّ علاقة البعث مع عبد الناصر لم تبق على حالها وتعرضت لعدة أزمات ما أدى إلى استقالة الوزراء البعثيين من مناصبهم، وتأييد صلاح البيطار وأكرم الحوراني للانقلاب العسكري الذي أسقط جمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961.
انقلاب 8 آذار 1963
هذا التأييد لم يسري على كل البعثيين، بل فقط على مجموعة من السياسيين المدنيين، لا على العسكر. وكانت لجنة عسكرية سريّة قد أشأت في القاهرة لحماية الوحدة سنة 1959، ضمت حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران وغيرهم (جميعهم لم يكونوا على علاقة جيدة مع ميشيل عفلق). وفي 8 آذار 1963 نفذ أعضاء اللجنة العسكرية، دون علم مسبق من عفلق، انقلاباً عسكرياً على رئيس الجمهورية ناظم القدسي، بالتعاون مع مجموعة من الضباط الناصريين بقيادة اللواء زياد الحريري. وكان ذلك بعد شهر واحد فقط من نجاح رفاقهم في العراق، الذين استولوا على الحكم بعد مقتل عبد الكريم قاسم في 8 شباط 1963. وكان الهدف من الانقلاب السوري استعادة الوحدة مع مصر ونسف كل ما جاء في مرحلة الانفصال.
خلال السنوات 1963-1966، حكم عفلق سورية بشكل غير مباشر عن طريق صلاح البيطار الذي أصبح رئيساً للحكومة، والفريق أمين الحافظ، حليفهم الذي بات رئيساً للدولة في تموز 1963. في عهدهم صدرت قرارات عزل مدني بحق معظم السياسيين القدامى، بتهمة شرعنة “جريمة الانفصال” وتم إلغاء تراخيص سبعة وأربعين مطبوعة، ما بين مجلّة أسبوعية وصحيفة يومية، باستثناء جريدة البعث.
أسس مجلس قيادة للثورة على غرار المجلس الذي ظهر في مصر أعقاب ثورة 23 يوليو 1952، وصدر عنه قرار بحلّ كل الأحزاب السياسية، باستثناء البعث الذي أصبح حزباً حاكماً للدولة، دون أن يذكر ذلك جهارة في الدستور المؤقت. كما شهد عهد الثلاثي ميشيل عفلق – صلاح البيطار – أمين الحافظ صدور قرارات تأميم بحق أكثر من 200 مؤسسة اقتصادية من مصارف ومصانع وشركات خاصة، كان أوسع وأشمل من قرارات التأميم الصادرة في عهد عبد الناصر سنة 1961.
انقلاب 23 شباط 1966
في 23 شباط 1966 حصل انقلاب جديد في سورية بقيادة اللواء صلاح جديد، تم فيه اعتقال رئيس الدولة أمين الحافظ ونفي ميشيل عفلق وصلاح البيطار خارج سورية، مع أمر صريح بأن لا يعودا إليها أبداً. توجهوا بداية إلى بيروت، قبل أن يفترقا إثر إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975، حيث انتقل عفلق إلى العراق وذهب صلاح البيطار إلى فرنسا. وقد حلّ عفلق ضيفاً مكرماً على الرئيس صدام حسين عند توليه الحكم سنة 1979، الذي أعاد له الاعتبار بصفته رئيساً مؤسساً لحزب البعث في وقت كان رفاقه في سورية قد نزعوا عنه هذا اللقب وأصدروا قراراً غيابياً بحقه بالإعدام بتهمة “الخيانة العظمى.”
الوفاة
كان دور عفلق في العراق دوراً تشريفياً ليس له وزن في رسم سياسات البلاد الخارجية والداخلية. وقد توفي ميشيل عفلق في إحدى مستشفيات باريس عن عمر ناهز 79 عاماً في 23 حزيران 1989 ونقل جثمانه إلى بغداد حيث أجريت له جنازة رسمية، حضرها صدام حسين وأمر بتشيد تمثال لعفلق بصفته “الأب المؤسس” للبعث. تم إزالة التمثال والقبر معاً بعد الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003.
رأي ابن ميشيل عفلق
وفي سياق الحديث عن شخصية ميشيل عفلق وتفكيره، قال نجله إنه لم يكن مولعاً بالفكر الشيوعي على عكس ما اتهمه به بعض المفكرين والمراقبين، لافتا إلى أن إطلاقه فكرة “البعث” جاءت بعد اطلاعه على العلاقة بين العروبة والاسلام. ولفت إلى الخطاب الذي ألقاه عفلق على مدرج الجامعة السورية بمناسبة عيد المولد النبوي يوم 5 نيسان 1943، حيث أشاد بالرسول رسالة الإسلام الحضارية.
مسألة إسلامه
في عام 1989 ادّعت الحكومة العراقية أن ميشيل عفلق كان قد اعتنق الإسلام ديناً قبل مماته، ولم يصدر أي تأكيد أو نفي لا من عائلته أو من أصدقائه المقربين. أعلن في بغداد يومها أنه تم العثور على رسالة في مصحف شريف قيل إن ميشيل عفلق كان يحمله ويقرأ به، وقد أعلن فيها اسلامه وأطلق على نفسه اسم: أحمد ميشيل عفلق.
أكدت عائلة ميشيل عفلق – في وقت لاحق- هذه الرواية وقالت أنه كتب الرسالة وهو على متن طائرة تعرضت لخلل فني في أجواء بغداد عام 1980. وقد شكك بعض المقربين منه في هذه الرواية وقالوا إن صدام حسين اخترعها بالكامل للتخلص من الانتقادات اللاذعة التي كانت تطاله من قبل آية الله الخميني، يوم كان كان الإعلام الإيراني يتهمه بالخنوع لرجل “مسيحي ملحد”.
مؤلفاته
بدأ عفلق الكتابة في تشرين الأول عام 1935 وكان آخر ما كتبه هو “الديمقراطية والوحدة عنوان المرحلة الجديدة” عام 1989، في ذكرى إنشاء الحزب وانتهاء الحرب العراقية الإيرانية. ومن كتبه:
- معركة المصير الواحد (بيروت 1958)
- في سبيل البعث (بيروت 1959)
- البعث والوحدة (بيروت 1972)
- البعث والاشتراكية (بيروت 1973)
- الشعب العربي في معركة التحرير (بيروت 1975)
المناصب
أمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية (7 نيسان 1947 – 23 شباط 1966)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: نور الدين الأتاسي
وزيراً للمعارف (14 آب – 14 كانون الأول 1949)
- سبقه في المنصب: خليل مردم بك
- خلفه في المنصب: هاني السباعي