
هولو بن عمر العابد (1824 – 1895)، رجل دولة من دمشق، تسلّم عدة مناصب رفيعة في الدولة العثمانية وكان مديراً لمجلس ولاية سورية ثم رئيساً لغرفة زراعة دمشق سنة 1890. وهو والد أحمد عزت باشا العابد، كبير أمناء السلطان عبد الحميد الثاني وجدّ كلّ من نازك العابد وابن عمها محمد علي العابد، أول رئيس جمهورية في سورية.
البداية
ولِد هولو العابد في حيّ الميدان خارج أسوار المدينة القديمة وكان والده عمر آغا العابد من الأعيان. وقد وصل العابد الأب إلى شأن عظيم في إسطنبول بعد مساهمته مع الأمير عبد القادر الجزائري في حماية آلاف العائلات المسيحية خلال فتنة عام 1860. قبلها كانت عائلة العابد تعمل في تجارة المواشي، ولكنها تحوّلت إلى لتصبح إحدى أشهر العائلات السياسية في سورية. شارك هولو العابد في حماية المسيحيين مع أبيه وقد منحه قنصل روسية القيصرية وسام القديس ستانيسلاس، تقديراً لدوره الإنساني خلال أحداث 1860.(1)
العمل السياسي
استفاد هولو العابد من علاقات والده مع المسؤولين الأتراك، وعُيّن مُتصرفاً على مدينة حمص ثم على منطقة البقاع. اعترض أهالي البقاع على أسلوبه الفظّ في جباية الضرائب، وقالوا إنه كان جبّاراً متعسّفاً بحقهم، ورفعوا معروضاً إلى إسطنبول، مطالبين بنقله واتهموه جمع ثروة مقدارها 300 ألف فرنك فرنسي. ولكن السلطان عبد المجيد رفض هذه التهم واعتبرها افتراء بحق العابد، وقد ردّ عليها بتكريمه ومنحه رتبة الباشاوية، معتبراً أن كل ما جاء بحقه في معروض أهالي البقاع هو عبارة عن ظلم وافتراء.(2)
وفي سنة 1870، قام السلطان عبد العزيز بتعيينه متصرفاً على مدينة نابلس، وبعدها بسنوات أصبح هولو العابد مدِيراً لمجلس ولاية سورية ورئيساً لغرفة زراعة دمشق، ثم رئيساً لمحكمة النقد في المدينة.(3) كما عُيّن شقيقه الأول محمد عضواً في مجلس الولاية، والثاني محمود رئيساً لبلدية دمشق.
ثروة العابد
بفضل نفوذ هولو العابد في إسطنبول وهيمنته على المشهد السياسي بدمشق، تضاعفت ثروته بشكل كبير جداً، وقام بشراء أسهم في شركة قناة السويس البحرية (ما جعله صديقاً للخديوي إسماعيل)، وفي قناة بنما الواصلة بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.(4) كانت عائدات هذه الاستثمارات مُذهلة، وقد جعلت من هولو العابد أحد أغنى أغنياء عصره، ليس في دمشق وحدها بل في جميع أراضي السلطنة العثمانية.
تراجع نفوذ العابد
اعترض هولو العابد بشدّة على نظام الحماية الذي كان مفروضاً على الدولة العثمانية من قبل قناصل الدول الأوروبية، معتبراً أن المواطنين المسيحيين في بلاده كانوا بحماية الله ومن بعده السّلطان، وأنهم ليسوا بحاجة لدعم أو حماية من فرنسا وبريطانيا. وفي إحدى تقاريره الدورية إلى باريس قال القنصل الفرنسي المقيم بدمشق أن هولو العابد قد أصبح “مصدر قلق” للمستثمرين الأجانب في ولاية سورية.(5)
وبالمقابل، كانت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني قد بدأت تخاف من تصاعد نفوذ العابد في دمشق وبقية المناطق المحيطة بها، حيث قُدّر أن أصبح بإمكانه تسليح وتأهيل ما لا يقلّ عن ألف شخص من أهالي الميدان، وأنه قد خلق لنفسه زعامة محليّة تهدد مكانة السلطان. حصل صدام بينه وبين الوالي العثماني حمدي باشا، الذي اتهم العابد بالتخابر السرّي مع الحكومة الفرنسية من أجل عصيان مُسلّح ضد السلطان عبد الحميد، وبعث ببرقية إلى إسطنبول مطالباً بعزله ومحاكمته أمام القضاء.(6) تجاوب السلطان عبد الحميد مع هذه النصيحة وأمر بعزل العابد عن كل مناصبه، ولكنه سرعان ما تراجع وطلب منه العودة إلى العمل الحكومي، من أحجل للقضاء على عصابات قاطعي الطريق في مرجعيون والجبال المحيطة بمدينة دمشق.(7)
أولاده
وعلى الرغم من تراجع نفوذ هولو العابد في إسطنبول، إلى أن أولاده الذكور حافظوا على مكانتهم وقربهم من السلطان عبد الحميد، فعيّن أكبرهم أحمد عزت باشا العابد مُستشاراً خاصاً له ولّي شقيقه مصطفى باشا العابد (والد نازك العابد) حاكماً على ولاية الموصل.
الوفاة
توفي هولو باشا العابد في دمشق عن عمر ناهز 71 عاماً سنة 1895.