أحمد رفيق بن سليم الشمعة (1844-1915)، رجل دولة من دمشق، تولّى عدة مناصب رفيعة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، الذي عينه مُشيراً على مدينة دمشق ورئيساً لمجلس ولايتها. وكان الشمعة أميناً على الأموال السلطانيّة بدمشق ورئيس اللجنة المُشرفة على إعادة إعمار الجامع الأموي بعد الحريق الذي لحق به سنة 1893. وهو والد الأديب والنائب رشدي الشمعة، أحد أبرز شهداء 6 أيار 1916.
البداية
ولِد أحمد رفيق الشمعة في دمشق وكان والده سليم أفندي الشمعة من الأعيان. دَرَس في مدارس دمشق الحكومية وعمل في مجلس ولاية سورية في مطلع سبعينيات القرن التاسع عشر. وعند تولّي السلطان عبد الحميد الثاني العرش سنة 1876، ارتفع شأنه في دوائر الحكم العثماني في إسطنبول نظراً لقربه من السلطان الذي عيّنه عضواً في مجلس الأعيان ومنحه الباشوية من رتبة “بكلربكي و”بالا” (كبير الباشاوات).
المناصب في عهد السلطان عبد الحميد
في سنة 1878 عُين الشمعة رئيساً لمجلس ولاية دمشق، وانتخب عضواً في مجلسي الأوقاف والتعليم بدمشق، وكُلّف برئاسة دار الإصلاح لرعية الأيتام وتعليمهم، فصار يُعرف بلقب “كهف الأرامل واليتامى والفقراء” وذهبت إليه أيضاً رئاسة دار الصنائع المتخصصة بتعليم الصناعات اليدوية، ورئاسة دائرة الأموال السلطانية في دمشق.
قصر أحمد باشا
تحول قصره الكبير إلى سرايا حكم يقصدها الناس لقضاء حاجاتهم الحكومية. وكان منزل العائلة يمتد من حيّ القنوات إلى باب سريجة وباب الجابية، وله حديقة واسعة تُفتح يومياً للعوام. كان لهذا القصر أبواب عدّة وقد أحاطت به من كل الجهات بيوت لإخوة أحمد باشا، بحيث يقابل كل باب للقصر باباً لبيت فرد من أفراد العائلة. وعند زيارة إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني إلى دمشق سنة 1898، أقيمت له مأدبة غداء في قصر الشمعة، وفُرش السجّاد الأحمر في المنطقة الممتدة من سوق الحميدية حتى باب سريجة. وإلى جانب القصر كان هناك نُزل سمّي “خان أحمد باشا” وحديقة أطلق عليها اسم “حديقة الشمعة”.
ترميم الجامع الأموي
عندما شبّ حريق كبير في الجامع الأموي سنة 1893، شُكلت هيئة عليا لترميمه، ذهبت رئاستها إلى أحمد الشمعة، وكانت تضمّ أمير محمل الحج الشامي عبد الرحمن باشا اليوسف. وقد انبثق عنها لجنتان، الأولى للشراء برئاسة مفتي المدينة الشيخ محمود المنيني، والثانية للإنشاء برئاسة محمّد فوزي باشا العظم رئيس بلدية دمشق.
عزله واعتقاله
في عام 1900، حصل خلاف شديد بينه وبين السلطان عبد الحميد الثاني، كان سببه كثرة الوشايات بحق الشمعة، وقول بعضهم إنه وصل إلى سمعة وشعبية في دمشق كادت تهدد شعبية السلطان نفسه. وقد زاد من تخوف السلطان عبد الحميد أن بعض العوام أطلقوا على الباشا لقب “سلطان الشّام” وأنه لم يُمانعهم ولم يعترض على هذه التسمية.
غَضِب السلطان عبد الحميد من كل هذا الكلام وأمر بعزل الشمعة عن مناصبه السياسية والإدارية كافة، قبل أن يصدر فرماناً باعتقاله ونقله إلى إسطنبول للمحاكمة. في مذكّراته، كتب السياسي السوري فخري البارودي عن هذه الحادثة قائلاً: “رأيت المارة يضطربون من دار الشمعة، فيثبتون أنظارهم إلى الأمام حتى لا يلتفتوا لفتة واحدة نحو باب الباشا، خوفاً من أن يحاسبوا على النظرات”.
خرج بعض الأعيان لوداع الباشا قبل مغادرته دمشق، وكان في مقدمتهم صديقه الحميم الشيخ محمود أبو الشامات، شيخ الطريقة الشاذلية في بلاد الشّام، الذي نظَم قصيدة موجهة لأعداء الشمعة جاء فيها:
والشام أمست خلوة الفساق —- من طفؤوا بزعمهم الشموع لِيفعلوا صبراً فسوف يرون سوء فعالهم —- ويفوز بالنصر الرفيق الأفضل يا أحمد الأفعال لاتخشى الردى —- من يعتصم بالله ليس يَخْجَل أنت الغني عن المناصب كلها —- بل منصب العلياء فيك يبجلُ |
وبعد وصول الشمعة إلى إسطنبول، جهّز أفراد الأسرة منزله بدمشق لمجلس العزاء، ظنّاً أن السلطان سوف يأمر بإعدامه. ولكن أحمد الشمعة عاد إلى دمشق سالماً ومنتصراً بعد أن نجح في إقناع السلطان عبد الحميد بأن كل ما نُقل عن لسانه من أقاويل كانت باطلة وعبارة عن كذب وافتراء ناتج عن حسد رهيب. احتفل أهله بعودته وانقلب مجلس العزاء إلى فرح، وخطب فيه الشيخ أبو الشامات قائلاً:
نهنئ بك الأعياد يا روح جسمنا —- ويا أحمد الدنيا ويا شمعة الحمد |
الشمعة في زمن الاتحاد والترقي
في صيف العام 1908، وقع انقلاب عسكري في إسطنبول، نفّذه ضبّاط من جمعية الاتحاد والترقي. فرضوا سلسلة من الإصلاحات المؤلمة على السلطان عبد الحميد قبل عزله نهائياً عن العرش في نيسان 1909. ومن ضحايا هذا الانقلاب كان معظم رجال العهد الحميدي المخلصين أمثال أمين سر السلطان أحمد عزت باشا العابد ومستشاره الشيخ أبو الهدي الصيّادي وأحمد رفيق باشا الشمعة الذي أُبعد عن الحياة السياسية بشكل تام ونهائي.
الوفاة
توفي أحمد رفيق باشا الشمعة بدمشق سنة 1915، بعد أشهر من اندلاع الحرب العالمية الأولى، وشيعته دمشق بموكب مهيب إلى مدافن الأُسرة في تربة الباب الصغير. وقد كُتب على قبره رثاء صديقه الشيخ محمود أبو الشامات، جاء فيه:
“يمّمْ ضريحاً جلَّهُ بدرُ الجهابذة ِ اَلْعِظَام، إنسان عينِ الشّام تاجُ سُراتها السامي المقامْ، من كان شمعةَ عصره فضلاً وأحمدَه الهُمامْ، كهفَ الأرامِل واليتامى والفقير المستضامْ، لبى نداء مهيمنٍ يدعو إلى دار السلامْ، يا من يلوذ بعفوه يوم اللقا كلُّ الأنامْ، ما خاب راج، أرِّخوا لباك في حسن الختام.”