المدرسة العمرية، مدرسة دينية قديمة في حيّ الصالحية بجانب جامع الحنابلة، سمّيت نسبة إلى الذي بناها عام 1306. تقع بين مسجدي الشيخ محييّ الدين بن عربي والشيخ عبد الغني النابلسي، في منعطف ضيِّق يسمَّى دخلة العمرية، وتُعد أول جامعة إسلامية في بلاد الشّام بسبب موقعها العلمي ونظامها المدرسي والعلماء الذين تخرجوا منها.
بناءها
باشر الشيخ أبو عمر قدامة المقدسي ببناء المدرسة على ضفة نهر يزيد، مع عشر حجرات لسكن عائلته. كان موقعها الأصلي أصغر مما هو عليه اليوم ووسعت من قبل الشيخ المرادي قاضي القضاة وأصبحت تتكون من 360 حجرة. وبهذا أصبحت المدرسة العمرية من أكبر المدراس في دمشق وكثرت أوقافها وتوفرت لها الواردات الكبيرة.
وصف المدرسة
المدرسة قديماً كانت مؤلفة من طابقين، الطابق العلوي للخلاوي من الفقراء بجهته الغربية، وفيها مقبرة بجهتها الشمالية، أما الطابق السفلي فكان يحوي الميضأة التي بنيت جهة القبلة، وحرماً للصلاة ومقصورة كبيرة لقراءة القرآن، إضافة لمكتبة عامرة ضمّت أهم الكتب في شتى العلوم ونوادر المخطوطات الثمينة، وفيها كانت تُنسخ المصاحف يدوياً. للمدرسة أبواب مطلّة على الشرق والغرب، وباب كبير من جهة الغرب. بنيت في المدرسة خزائن جدارية لوضع المصاحف والكتب وكان صحن المدرسة مبلّط بحجر أسود ومزي فيه بئر ماء وسقاية. وقبالة الزاوية الغربية للصحن هناك صفة لتفريق اللحم والخبز، وبالطريق الغربي يوجد المطبخ والميضأة الكبرى.
خدمات المدرسة
بدايةً كانت المدرسة وقفاً للعلوم الشرعية للمذهب الحنبلي، وافتتحت فيها أقسام مستقلة للمذاهب الأربعة بعد مدّة أوجد فيها قسماً للمكفوفين وقسماً للأطفال، وكانت الدروس والتلاوات مستمرة في لليل والنهار. كما يوجد بها سكن داخلي للطلاب، حيث يقدم لهم الطعام واللباس، ويجدون فيها جميع المرافق اللازمة مما لا يوجد كثير منه في أهم المدارس والمعاهد العلمية اليوم، حتى قيل إنه لم يكن شيء من أنواع البر إلا وهو موضوع في العمرية. ويذكر المؤرخون أن طلابها كانت لهم حرمة تامة في البلد بحيث أن من دخل المدرسة آمن ولو كان طالبه نائب الشّام.
لم يقتصر دور المدرسة على التدريس بل لعبت دوراً اجتماعياً يشبه دور المؤسسات والجمعيات الخيرية المعاصرة، فاستفاد من خدماتها النازلون فيها من المدرسون والملقنون والمعيدون والمكفوفون وأفراد من المجتمع الصالحاني. فكان يوزع فيها كل يوم ألف رغيف، وبطيخ للجميع، وتقدم الفواكه والحلوى.
نظامها الداخلي
كانت بمثابة جامعة لها نظام دقيق لإدارة شؤونها ابتداءَ من شؤون موظفيها الذين لهم رواتب وسجلّات للطلاب الذين لديهم أيضاً سجلّات وتفقد وكان لا يقبل فيها إلا من تمتع بالسلوك الحسن والأدب والتقوى، وكان لشيخها رتبة عالية تعادل رتبة مدير الجامعة هذه الأيام، وكان مدرسوها وشيوخها من أعاظم الشيوخ، وما من حنبلي في دمشق أو فلسطين إلا وأخذ منها علماً وافراً، حتى كانت الرحلة إليها من الأقطار الإسلامية شرقاً وغرباً مما يتنافس فيه المتنافسون.
أما عند تمويلها فقد أوقف المحسنون الأوقاف اللازمة لها، لكي تفي بمتطلبات مناهجها في التعليم، وكانت من الكثرة بحيث لا يمكن حصرها ولا طرائق صرفها، ولم تكن تخلو سنة إلا ويحدث فيها وقفٌ جديد لتحقيق غايةٍ علمية معينة.
المدرسة اليوم
لا تزال المدرسة حالياً تحتفظ بهيئتها في الطابق الأرضي، أما بقية طوابقها فقد تهدمت. لا يزال جدار المدرسة القبلي الحجري قائماً، ولها بابان أحدهما في غربها وفيه الباب الرئيسي، والثاني في شرقها وفيه بابُ صغير كان يوصل إلى أقسامها الشرقية. وفي عام 1945 جمع نائب دمشق فخري البارودي مبلغ 6500 ليرة سورية من أهل الخير، ورمم اثنتين وعشرين غرفة جعلها صالحةً للسكن، ولكنَّ تراجعها لم يتوقَّف حتى وصلت إلى الحال المرير الذي هي عليه اليوم.