سعيد مراد (1937-1988) صحافي وناقد سينمائي سوري، من مواليد دمشق. تجلت في كتاباته قضايا العدالة والمساواة وحقوق الفقراء وغيرها من الهموم التي تعني رجل الشارع السوري.
تميزت كتابات سعيد مراد، في النقد والدراسة السينمائية، بصفتها الجادة، والشمولية الصادرة عن معرفة أكاديمية حية، وموقف تقدمي في الفن والفكر معاً. وفيها يتوازن الحديث بين تبيان الفنية التشكيلية والبنائية للعمل السينمائي، وبين الذهاب إلى أبعد، إلى الفكر السينمائي لصاحب الأثر الفني، المرتبط بالموقف الفكري الاجتماعي لهذا المبدع، والمرتبط بنبض الزمن، وطابع المرحلة في الفن والفكر والسياسة على السواء.
نشأته
ولد سعيد مراد في حي ركن الدين في دمشق لأسرة متواضعة الحال، وبعد إتمامه الدراسة الثانوية درس في قسم الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق، وبدأ مشواره مع الكتابة من وقتها، حيث نشر في عدة صحف سورية منها “النقاد” و”الطليعة” و”الموقف العربي” و”الطليعة الفلسطينية” وكتب في شتى فروع الأدب والفن، وكان البعد السياسي اليساري واضحاً في مقالاته.
مسيرته
كان سعيد مراد من المؤمنين بضرورة وجدوى التجمعات الثقافية، فساهم في تأسيس رابطة “وحي القلم” التي كانت تجسيداً حياً لطموحات مجموعة من أصحاب المواهب الشابة في تعزيز الجو الثقافي السوري في دمشق على الأخص. غير أنها طموحات لم يكتب لها أن تعمّر طويلاً، إذ سرعان ما اعترضتها في مطلع عام 1959 الحملة التي شنتها السلطات آنذاك على الحزب الشيوعي، فزجّت بأعضائه وأصدقائه في السجن وكان سعيد واحداً من ضحايا تلك الحملة التي أورثته الأمراض وأدمت روحه المرحة. ولم يبرأ من هذه الصدمة إلا حين استطاع في عام 1969 السفر إلى موسكو.
في أواخر الستينات دخل مجال الفن الدرامي من خلال مسلسلات كتبها للإذاعة والتلفزيون، ما ساعده على زيادة خبرته ودرايته بأصول وأسس العملية الفنية.
قضى سعيد مراد إحدى عشر سنة في الاتحاد السوفييتي (1969-1980) حيث حصل على دبلوم في العلوم السينمائية من “معهد السينما لعموم الاتحاد السوفييتي” وطوال هذه الفترة لم يتوقف عن الكتابة كمراسل للعديد من الصحف والمجلات العربية خاصة مجلة “الطريق” اللبنانية، والتي نشر فيها أكثر دراساته اكتمالاً عن كبار المخرجين السوفييت والعالميين، والأحداث الفنية المهمة كمهرجان موسكو.
عقب عودته إلى سورية، أسندت إليه إدارة تحرير مجلة “الحياة السينمائية” التي تصدرها وزارة الثقافة السورية، كما ترأس “النادي السينمائي” بدمشق و”المكتب الصحفي” لـ مهرجان دمشق السينمائي الدولي. وحاول، بحماسه المعروف أن يكون “جمعية النقاد السينمائيين العرب” لكن فتور العلاقات بين حكومات بعض الدول العربية، في نهاية السبعينات، أدت إلى خنق الفكرة.
مؤلفاته
صدر كتابه الأول “حوار مع السينما” عام 1977 والذي يحدد في مقدمته مفهومه للنقد… تناول كتاب “حوار مع السينما” في فصله الأول ملاحظات حول بعض الأفلام العربية، وتناول الجوانب الفكرية للقالب الفني المسمى “الميلودراما”، وحدد دور مفردات اللغة السينمائية، أما الفصل الثاني فتابع فيه كيفية مشاهدة سعيد مراد الخصبة والثرية لفيلمي المخرج الروسي سيرجي آيزنشتاين “الإضراب” و”المدرعة بوتمكين “. أما في الفصل الثالث فتعرض لثلاثة أفلام “التفاحة الحمراء” لـ جنكيز أيتماتوف، و”وكم كنا متحابين” لـ يوتوريو سكولا، و” درسو أوزالا” لـ أكيرا كيروساوا. أما الفصل الرابع فيتضمن ” أفكار، خواطر، لقاءات” يناقش فيها سعيد مراد بطريقة على قدر كبير من الحيوية مواضيع هامة مثل: السينما الشعرية، والفيلم السياسي، والسينما الكوبية.
النقد في جوهره ومرماه حوار معرفي لا يستهدف تقرير حقائق مهنية نهائية، بل يسعى إلى الإسهام في تناول وتفهم فن السينما بوسيلة الاقتراح والحوار لا بسلاح التقرير…
ترجم سعيد مراد عن الروسية كتابين يعبران تماماً عن ميوله الفكرية: الأول “من الثورة إلى الفن ومن الفن إلى الثورة” للمخرج السوفييتي سيرغي آيزنشتين، وقد صدر عام 1979. والكتاب الثاني بعنوان “سيرغي آيزنشتين” صدر عام 1983.
صدر كتابه الثاني عام 1985 بعنوان ” أفلام وقضايا: في السينما السورية والدراما التلفزيونية” حيث تعرض بعمق وشمولية لأعمال المخرجين السوريين اللامعين في تلك الفترة.
عام 1988 صدر لسعيد مراد كتابه الثالث “جولات في عوالم سينمائية” والذي تتسم سطوره بدفء الأحاسيس التي يكنها لكوكبة من السينمائيين الذين يلتقي وعيه مع وعيهم ويقف معهم في خط فكري واحد، فتلمس مناطق القوة ومعالم الجمال في أفلام ميجيل ليتين، بيرغمان، تشوخراي، هوزاريك، كوشا، شاندور وآخرين.
بعد رحيل سعيد مراد بثلاثة سنوات عام 1991 صدر عن دار الفكر الجديد كتابه “مقالات في السينما العربية” واشتمل على مقالات تتعلق بـ “قضايا وأفلام وأحاديث” جمعها وصنفها الكاتب اللبناني محمد دكروب. حيث اختار مقالات سعيد مراد الاستشرافية “إشارات إلى مصائر القطاع العام السينمائية في ثلاثة بلدان عربية” والتي كتبها الراحل عام 1986، إلا أنه بفضل صدق منهجه وصحة حدسه تبدو كما لو أنه يتنبأ بما سيحدث في صناعة السينما الجزائرية والمصرية والسورية.
ثم أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة “آفاق السينما” له كتاب “الواقعية في السينما العربية” عام 1999 هو مجموعة من المقالات والدراسات والنقد التطبيقي في السينما العربية.
قيل عنه
يتحدث أحد الأصدقاء عن سعيد مراد فيقول: ” لم يتغير سعيد مراد بعد عودته بوصفه شخصاً مفطوراً على المرح وحب الحياة واكتساب المعرفة والأصدقاء. حتى لقد غدا في سنوات قلائل رمزاً جذاباً لعدد لا يحصى من المثقفين والمختصين العرب والأجانب، إذ كان يتواصل معهم باستمرار، فإذا حضروا إلى دمشق كان في طليعة مستقبليهم. والطريف في الأمر أن سعيداً كان ينجح معهم جميعاً في تقديم الجانب الشعبي المضياف لشخصيته، إلى جوار إشباع فضولهم الثقافي كأستاذ في اختصاصه. حتى لقد تولع به جميع من عرفوه، فصار اسمه متداولاً في الشارع الثقافي العربي وكأنه واحد من أهل البلد هناك”.
وفاته
توفي سعيد مراد في 30 تموز 1988 إثر أزمة قلبية قبل أن يتم الثانية والخمسين عاما، تاركا زوجته المخرجة السينمائية والتلفزيونية هند ميداني وثلاثة أولاد شيرين وشاهين ونورا مراد.