غادة بنت أحمد السمّان (1942)، أديبة وشاعرة سورية من دمشق ومن أشهر الأديبات العربيات في النصف الثاني من القرن العشرين. كسرت القواعد الأدبية في كتاباتها وتمردت على عادات وتقاليد المجتمع الدمشقي وأنتجت أدباً أكثر عمقاً وجرأة من أدب الحركات النسوية في عصرها. ومن أشهر روايتها كانت كوابس بيروت وبيروت 75، وكلاهما صدر في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
البداية
ولدت غادة السمّان في دمشق وهي بنت أسرة دمشقية معروفة. وكان والدها الدكتور أحمد السمّان رئيساً لجامعة دمشق في مطلع الستينيات ووالدتها الأديبة سلمى رويحة التي توفيت عندما كانت غادة طفلة صغيرة. وهذا ما عزز علاقتها بوالدها الذي تأثرت به كثيراً وكان له الدور الأكبر في تشكل شخصيتها وانطلاق مسيرتها الأدبية. وقد تحدثت عن هذه العلاقة بالقول:
دمغني حنان أبي وتعلمت عبره أي كنز عطاء دافئ بالمحبة يختزنه الرجل العربي، وذلك حماني في دعوتي لتحرير المرأة من معاداة الرجل، فقد تعامل بإيجابية حنان الأم مع أخطائي الفادحة في مراهقتي ومع أبجديتي، ولأن أبي كان يصطحبني منذ رحيل أمي وتعلمي المشي إلى أي مكان يرتاده بهرتني مجالسة الكبار المفكرين والأدباء والعلماء من أصدقائه أساتذة الجامعات مثله وأرغمني على النضج مبكراً لمجاراتهم.
درست في المدرسة الفرنسية (الليسيه) ثم في المدارس الحكومية، وعندما أنهت المرحلة الثانوية خالفت رغبة والدها بدراسة الطب البشري ودرست الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق. وعند تخرجها سنة 1962 انتقلت إلى لبنان لنيل شهادة الماجستير من الجامعة الأمريكية في بيروت – تخصص مسرح اللامعقول – وتوجهت بعدها إلى مصر وحصلت شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة.
مغادرة دمشق
عملت غادة السمّان مدرّسة لغة إنجليزية بدمشق وتعرضت للاعتقال سنة 1966، بسبب مغادرتها البلاد دون تصريح من السلطات الرسمية وهي على رأس عملها، وقد كان ذلك محظوراً على جملة الشهادات العليا. بقيت في سجنها مدة ثلاثة أشهر، وتحدثت لاحقاً عن هذه الحادثة بالقول:
لأمعن اعترافاً لم أغادر دمشق وأرحل لمجرد أنني ولدت وفي فمي بطاقة سفر، أو لمجرد رغبتي في متابعة دراسة الماجستير في الجامعة الأمريكية في بيروت، قبلها تشاجرت مع دمشق شجاراً كبيراً كما هي الحال في شجار العشاق، وكانت المحصلة الحكم عليّ بالسجن لثلاثة أشهر بقانون رجعي المفعول ولذنب أفخر به وهو عشق الرحيل، وباللغة الرسمية: لأنني من حملة الشهادات العالية وغادرت بلدي دونما إذن مسبق.
كما وصفت علاقتها بدمشق قائلة:
لن أضجر من الاعتراف منذ ربع قرن وأكثر: دمشق مسقط قلبي. مدينة دمغتني بكل ذكرى عشتها فيها، وعلمتني دروساً وأنا طفلة حتى مطلع العشرينيات من عمري حين ودعتها وغادرتها بعد شجار مجنون من شجارات العشاق ولم أعد بعدها أبداً، افترقنا وبقيت تقيم في قلبي بأزقتها القديمة وطقوسها اللامنسية وأحن إلى بيت جدي في زقاق الياسمين خلف الجامع الأموي، ولعل بابه العتيق لن يتعرف عليّ إذا عدت اليوم وقرعته.
ووصفت علاقتها بمنزل أسرتها في ساحة النجمة بالقول: “منذ ألف عام كنت أروح جيةً وذهاباً على شرفة بيتي في ساحة النجمة الدمشقية واليوم بعدما هدموا المبنى مازال شبحي يروج ويجيء على شرفة معلقة في الفضاء وسأظل دائما عاشقة في دمشق لا تفلح قيمة في التخلص منه.”
صدر عفو رئاسي عام 1970، شمل غادة السمّان إلا أنها في حينها كانت قد تزوجت من الناشر بشير الداعوق واستقرت معه في بيروت.
علاقتها ببيروت
تكونت علاقة خاصة بينها وبين مدينة بيروت التي كانت مركزاً لانطلاقتها الأدبية نحو العالمية. وقد وصفت هذه العلاقة قائلة: “أعترف بلا حرج أن مدينتين تسبحان في دورتي الدموية هما دمشق وبيروت … ولن أنسى يوماً كيف احتضنني لبنان بكل كرم الحنان والعطاء في الشدة… ودلل حرفي وأطلقه للقارئ العربي” كان لبنان هو البلد الأول الذي احتفى بغادة السمّان وفيه نالت أولى جوائزها الأدبية، وهي جائزة الإبداع من رئيس الجمهورية اللبنانية إلياس سركيس سنة 1978، وذلك عن مجموعتها القصصية رحيل المرافئ القديمة.
نكسة حزيران
كتبت نقداً واضحاً وصارخاً في الحكام العرب إثر هزيمة عام 1967 التي كانت بمثابة صدمة كبيرة لغادة السمّان وكل مثقفي جيلها. كتبت يومها مقالها الشهير “أحمل عاري إلى لندن،” وكانت من القلائل الذين حذروا من استخدام مصطلح “النكسة” الذي ورد في خطاب الرئيس جمال عبد الناصر معتبرة أن ما حدث لم يكن “انتكاسة” بل “هزيمة شنيعة لطخت جبين العرب كلهم.”
حياتها العاطفية
عرفت غادة السمان بعلاقتها العاطفية المتشعبة، وكانت أولها مع الأديب والشاعر اللبناني أُنسي الحاج الذي وقع في حبها وتبادل معها الرسائل. لكن قصة حبهما لم تدم طويلاً، خاصة بعد انتقالها إلى القاهرة حيث تعرفت على الكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني وأحبته. وعندما سئل أنسي الحاج عن غادة، أجاب بكلمات موجزة: “غادة السمّان زهرة أكثر غرابة. هي تمثل يد التكوين أحياناً.” وفي سنة 2016 قامت غادة بنشر رسائل أُنسي الحاج إليها، وهو ما أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية، ولكنها لم تُرفق الكتاب بالرسائل التي كانت قد أرسلتها له، وقالت إنها لم تعثر على رسائلها وربما تكون احترقت.
العلاقة مع غسان كنفاني
تعرفت غادة على غسان كنفاني ونشأت بينهما علاقة حب سرية تبادلا خلالها الرسائل الغرامية التي قامت بنشرها أيضاً سنة 1992، بعد عشرين سنة من مقتل كنفاني على يد الموساد الإسرائيلي. وعندما وجهت لها انتقادات بسبب نشر تلك الرسائل التي لا تخلو من الخصوصية، قالت إنهما كانا متفقين على نشر الرسائل بعد موت أحدهما.
اعتبر البعض أن نشر غادة لهذه الرسائل هي انتهاك لخصوصية غسان كنفاني وإهانة له كرمز للنضال الفلسطيني، فجاء ردها: “غسان كان ينشر رسائله لي على صفحات الصحف ويقوم بقراءتها على الأصدقاء معلناً حبه، وبالتالي أنا لم أبح بسر، ثم إنني توهمت أن خطوتي هذه ستشجع سواي على سد النقص العربي في حق أدب المراسلات والاعتراف. سأتابع نشر رسائل المبدعين الراحلين ليّ، وليكن ما يكون، ثمة حروف جميلة في الأدب العربي لا يحق لأحد إحراقها أو حذف كلمة منها.”
موقف بشير الداعوق
وكان زوجها الناشر بشير الداعوق قد أيد نشرها للرسائل المتبادلة مع غسان كنفاني، وتحدثت عن موقفه الشجاع قائلة: “دعم زوجي الحبيب لن أنساه، فحين قررت إصدار رسائل غسان كنفاني أصدرها عن دار نشره العريقة وطنياً، دار الطليعة. قام بخطوة استثنائية تشهد تأييده لولادة أدب الاعتراف العربي والمراسلات كأمر عادي، واحترامه للمرأة الكاتبة وعملها. فالراحل بشير الداعوق اسم كبير لا يمكن الحديث عن أدبي دون ذكر فضله عليه.” وفي المقابل، وقفت غادة السمّان مع زوجها وهو يصارع مرض السرطان، لتبرهن أن المرأة الكاتبة المبدعة يمكن أيضاً أن تكون زوجة وفية.
مع بليغ حمدي
وفي أحد مطاعم العاصمة البريطانية لندن تعرفت غادة على الملحن المصري الكبير بليغ حمدي، وكانت يومها في قمّة شبابها وأنوثتها، إضافة إلى شخصيتها الجذابة وطبيعتها البسيطة المتحررة من عُقد المرأة الشرقية. ولدت قصّة حب بينهما، بدأت تظهر للعلن عندما كشف عنها بليغ في حوار أجرته معه مجلّة الحسناء اللبنانية: “أحبها من سنتين. بنتخانق دايماً واحنا الاثنين مجانين وهي أديبة عربية ذكية وحساسة فنانة سمراء قصيرة عمرها 25 سنة.” ثم أضاف: “تمر بنا الساعات ونحن نتحدث فأشعر بأن الزمن قد ألغى وجوده، حديثها عسل وسكر.” وجاء في مجلّة الموعد اللبنانية خبراً مفاده: “غادة السمّان تهدى الملحن المصري بليغ حمدي أحدث ديوان للشاعر الكبير نزار قباني بعنوان قصائد متوحشة وبليغ يختار منه قصيدة “أحبك جداً ليلحنها.”
بدأت غادة السمّان تخطط للزواج من بليغ حمدي، بعد أن فقد الأمل من ارتباطه بالمطربة وردة الجزائرية. يروي الإعلامي المصري مفيد فوزي كيف اتصلت به غادة وأعلمته أنها في طريقها إلى القاهرة كي تتزوج، ولم تفصح عن اسم العريس. ولما التقاها بالقاهرة أعلمته أنها ستتزوج بليغ حمدي، حيث كتبت مجلّة الشبكة اللبنانية خبراً بعنوان “غادة السمّان تتزوج بليغ حمدي.”
كما قال المخرج المصري جميل المغازي، أحد أصدقاء بليغ حمدي المقربين: “غادة السمّان كانت متحمسة للزواج من بليغ وجاءت إلى القاهرة لتتعرف بأسرته أقامت في بيته لأيام بصحبة شقيقته صفيّة، ثم فوجئت أن بليغ تركها في شقته وسافر فجأة إلى باريس دون أن يخبرها.” اختفى بليغ من حياة غادة السمّان فجأة، تماماً كما كان قد ظهر فجأة، لكن الحقيقة كانت أن بليغ حمدي علِم بطلاق حبه الأول وردة وعودتها إلى القاهرة فعاد لها ولكنّه لم ينس غادة السمّان، وقد غادر القاهرة في ليلة عرسه إلى لبنان للقائها وتبرير موقفه.
منشورات غادة السمّان
بالتعاون مع زوجها بشير الداعوق أسست في بيروت داراً للنشر باسم منشورات غادة السمّان سنة 1977 الذي أعاد نشر معظم كتبها السابقة وجمع مقالاتها الصحفية في سلسة أطلقت عليها عنوان “الأعمال غير الكاملة.”
مؤلفاتها
- لا بحر في بيروت (قصص، بيروت 1963)
- ليل الغرباء (قصص، بيروت 1966)
- زمن الحب الآخر (مجموعة نصوص، بيروت 1966)
- حب (مجموعة شعرية، بيروت 1973)
- بيروت 75 (رواية، بيروت 1975)
- عيناك قدري (بيروت 1975)
- أعلنت عليك الحب (مجموعة شعرية، بيروت 1977)
- مواطنة متلبسة بالقراءة (مقالات، بيروت 1979)
- رحيل المرافئ القديمة (قصص، بيروت 1978)
- ختم الذاكرة بالشمع الأحمر (مجموعة نصوص، بيروت 1979)
- السباحة في بحيرة الشيطان (بيروت 1979)
- الجسد حقيبة سفر (مجموعة نصوص، بيروت 1979)
- اعتقال لحظة هاربة (مجموعة نصوص، بيروت 1979)
- كوابس بيروت (رواية، بيروت 1979)
- كتابات غير ملتزمة (مقالات، بيروت 1980)
- صفارة إنذار داخل رأسي (مجموعة نصوص، بيروت 1980)
- ع غ تتفترس (مجموعة نصوص، بيروت 1980)
- الرغيف ينبض كالقلب (مقالات، بيروت 1980)
- الحب من الوريد إلى الوريد (مجموعة نصوص، بيروت 1980)
- القبيلة تستجوب القتيلة (مجموعة نصوص، بيروت 1981)
- ليلة المليار (رواية، بيروت 1986)
- غربة تحت الصفر (مجموعة نصوص، بيروت 1986)
- البحر يحاكم سمكه (مجموعة نصوص، بيروت 1986)
- أشهد عكس الريح (بيروت 1987)
- الأعماق المحتلة (مجموعة نصوص، بيروت 1987)
- تسكع داخل جرح (مجموعة نصوص، بيروت 1988)
- رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمّان (بيروت 1992)
- رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان (بيروت 1992)
- القمر المربع: قصص غرائبية (بيروت 1994)
- شهوة الأجنحة (مجموعة نصوص، بيروت 1995)
- عاشقة في محبرة (مجموعة شعرية، بيروت 1995)
- رسائل الحنين إلى الياسمين (مجموعة شعرية، بيروت 1996)
- الرواية المستحيلة: فسيفساء دمشقية (بيروت 1997)
- القلب نورس وحيد (مجموعة نصوص، بيروت 1998)
- الأبدية لحظة حب (مجموعة شعرية، بيروت 1999)
- رعشة الحرية (مجموعة نصوص، بيروت 2003)
- سهرة تنكرية للموتى (رواية، بيروت 2003)
- الرقص مع البوم (مجموعة شعرية، بيروت 2003)
- محكمة حب (مجموعة نصوص، بيروت 2004)
- الحبيب الافتراضي (مجموعة شعرية، بيروت 2005)
- امرأة عربية وحرة (مقالات، بيروت 2006)
- ستأتي الصبية لتعاتبك (مجموعة نصوص، بيروت 2009)
- القلب العاري…عاشقاً (مجموعة شعرية، بيروت 2009)
- عاشقة الحرية (مجموعة شعرية، بيروت 2011)
- حكايات حب عابرة (مجموعة نصوص، بيروت 2011)
- استجواب متمردة (مجموعة نصوص، بيروت 2011)
- يا دمشق وداعاً (رواية، بيروت 2015)
- امرأة على قوس قزح (بيروت 2015)
- تعرية كانت تحت المجهر (بيروت 2019)
الجوائز
- جائزة الإبداع من رئيس الجمهورية اللبنانية إلياس سركيس سنة 1978.
- جائزة جامعة تكساس للكتاب المترجم، عن ترجمة رواية بيروت 75.
- جائزة “أندلوسيا” لأفضل كتاب مترجم.