السنة: 2021

  • جريدة النصر

    النصر، صحيفة يومية أسسها الصحفي وديع صيداوي بمناسبة قرب انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، صدر عددها الأول في 5 تشرين الأول 1943 والأخير في 8 آذار 1963. عطلت إبان انقلاب حسني الزعيم في 1 نيسان 1949 بسبب دعمها لرئيس الجمهورية شكري القوتلي وفي سنة 1952 دمجت مع جريدة الأخبار في عهد العقيد أديب الشيشكلي وصدرت بإسم النصر الجديد لغاية 30 كانون الأول 1953. عادت بعدها إلى استقلالها وهويتها القديمة ليتم إيقافها مجدداً في زمن الوحدة السورية – المصرية سنة 1958 وذلك لمعارضتها لسياسات الرئيس جمال عبد الناصر. عادت في عهد الانفصال سنة 1961 للتوقف بشكل نهائي في مطلع عهد البعث، يوم صدور قرار إيقاف سائر المطبوعات السورية الخاصة وملاحقة وديع صيداوي بتهمة تأييد ما وصف آنذاك بجريمة الانفصال.

  • جريدة الفيحاء

    الفيحاء، جريدة يومية أسسها الصحفي سعيد تلاوي بدمشق وكانت محسوبة على رئيس الجمهورية شكري القوتلي. صدر عددها الأول في 2 تشرين الثاني 1947 والأخير يوم 8 آذار 1963. كانت الفيحاء أول صحيفة دمشقية تطلق بعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية وعرفت بخطها المؤيد للرئيس القوتلي. عطّلت يوم الإطاحة به إبان انقلاب حسني الزعيم العسكري في 29 آذار 1949 لتعود إلى الصدور بعد مقتل الزعيم في 14 آب 1949. ولكنها توقفت مجدداً في زمن الوحدة السورية – المصرية سنة 1958 وعادت في مرحلة الانفصال، ليتم إيقافها بشكل نهائي وملاحقة صاحبها في مطلع عهد البعث سنة 1963.

  • جريدة ألف باء

    ألف باء، صحيفة يومية أسسها الصحفي الفلسطيني المقيم بدمشق يوسف العيسى وصدر عددها الأول في 1 أيلول 1920 والأخير يوم 8 آذار 1963. ظهرت صحيفة “ألف باء” الدمشقية في الأسابيع الأولى من الانتداب الفرنسي في سورية وجاء في تعريف صاحبها لها إنها “جريدة سورية تبحث في السياسة والأخلاق.” كانت ناطقة لسان الكتلة الوطنية في زمن الانتداب ولها يعود الفضل في اكتشاف عدد كبير من الكتّاب السوريين، مثل الصحفي وجيه بيضون والأديب حنا مينه والشاعر بدوي الجبل والشاعرة عزيزة هارون.

    البداية

    بدأت بأربع صفحات من القطع الكبير وتحولت إلى ثماني صفحات، لتصبح من أكبر المطبوعات السورية حجماً وأكثرها رواجاً وتأثيراً في زمن الانتداب. وبعد مشاركة العيسى في تأسيس الكتلة الوطنية سنة 1927، اعتُمدت صحيفته كأحد الأذرع الإعلامية للحركة الوطنية في سورية، ما أدى إلى تعطيلها مراراً وحجبها قصراً من قبل أجهزة الأمن الفرنسية.

    يوسف العيسى
    يوسف العيسى

    بعد وفاة يوسف العيسى

    توفي يوسف العيسى سنة 1948 وذهبت ملكية الصحيفة مع رئاسة تحرير الصحيفة إلى نجله خالد العيسى. وفي سنة 1952 دُمجت مع صحيفة النضال الدمشقية بقرار من العقيد أديب الشيشكلي، وصارت تصدر باسم الأنباء لغاية 30 كانون الأول 1953. وفي زمن الوحدة مع مصر سنة 1958 توقفت ألف باء عن الصدور، لتعود لفترة وجيزة في عهد الرئيس ناظم القدسي قبل إلغاء ترخيصها مع ترخيص كل الصحف السورية الخاصة إبان الانقلاب العسكري الذي قاده مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين في 8 آذار 1963.

    رؤساء التحرير

    تعاقب على رئاسة تحرير صحيفة ألف باء عدد من الصحفيين الكبار، ومنهم:

     

  • جريدة العاصمة

     

    العاصمة، الصحيفة الرسمية الناطقة بلسان حكومة الملك فيصل الأول، صَدرت بدمشق من 1919 ولغاية عام 1929. أُسست العاصمة بعد انهيار الحكم العثماني في سورية، وكانت الجريدة الرسمية الناطقة بلسان حكومة الأمير فيصل بن الحسين قبل تتويجه ملكاً على البلاد يوم 8 آذار 1920. صَدر عددها الأول في 17 شباط 1919 وعُين الصحفي والأديب محب الدين الخطيب رئيساً للتحرير، يعاونه المحامي شاكر الحنبلي.

    غطّت العاصمة كل المراسيم والقوانين الصادرة عن الحكومة السورية، وكانت تصدر مرتين في الأسبوع بثماني صفحات من القطع المتوسط. وبعد سقوط حكم الملك فيصل وفرض الانتداب الفرنسي على سورية، أصبحت الصحيفة الرسمية باسم دولة الانتداب وتحولت سنة 1923 إلى نشرة شهرية ثمّ إلى جريدة رسمية للدولة السورية عام 1929 وهي مستمرة في الصدور حتى عشرينيات القرن الواحد والعشرين.

  • الحزب السوري الوطني

     

    قصر عبد الرحمن باشا اليوسف حيث كانت تعقد اجتماعات الحزب السوري الوطني (من أرشيف موقع التاريخ السوري).
    قصر عبد الرحمن باشا اليوسف حيث كانت تعقد اجتماعات الحزب السوري الوطني (من أرشيف موقع التاريخ السوري).

    الحزب السوري الوطني، حزب سياسي ظهر في مدينة دمشق سنة 1919 وانهار سريعاً مع مقتل رئيسه المؤسسة عبد الرحمن باشا اليوسف في 21 آب 1920. خاض الانتخابات النيابية سنة 1919 ووصل أعضائه إلى المؤتمر السوري العام الذي توج الأمير فيصل ملكاً على البلاد يوم 8 آذار 1920.

    البداية

    بعد تجريده من منصبه أميراً للحج مع نهاية الحرب العالمية الأولى، قرر عبد الرحمن اليوسف دخول معترك السياسية عبر حزب سياسي أطلق عليه اسم “الحزب السوري الوطني.” اتخذ من إحدى قاعات قصره في منطقة سوق ساروجا مقراً للحزب، فعرف شعبياً بحزب الذوات والافندية والبشوات.

    أهداف الحزب

    تألف الحزب من هيئة إدارية من ستة عشر عضواً وهيئة استشارية فيها خمسة وعشرون عضواً، جميعهم من الأعيان. طالبوا باستقلال سورية بحدودها الطبيعية وضمان وحدة أراضيها، دون ذكر تحفظاتهم على الدولة الهاشمية التي أُقيمت في دمشق نهاية عام 1918، ولا على أميرها الشاب فيصل بن الحسين.

    في بيانهم التأسيسي طالب أعضاء الحزب بنظام ملكي دستوري، يقيّد صلاحيات الأمير فيصل ويجعله مسؤولاً أمام مجلس نواب مُنتخب. وطالبوا أيضاً بالتساوي والحقوق بين جميع مكونات الشعب السوري، دون التفريق بين أي عرق أو دين. ولكيلا يبقى الحزب مُرتبطاً بالذوات، دعا أعضاؤه إلى إنشاء صناديق تعاونية اقتصادية لجمع التبرعات ورفع السوية المعيشية لأبناء الشعب السوري. وكان ضمن أهدافهم تنشيط التجارة والصناعة وصون حقوق النقابات والعمال.

    عبد الرحمن باشا اليوسف.
    عبد الرحمن باشا اليوسف.

    أعضاء الحزب

    ضم الحزب السوري الوطني شخصيات بارزة من المجتمع الدمشقي مثل:

    خاض الحزب السوري الوطني انتخابات عام 1919 وفاز بثلاثة مقاعد نيابية في المؤتمر السوري العام، ذهبت لعبد الرحمن باشا اليوسف وتاج الدين الحسني وعبد القادر الخطيب.

    موقف الحزب من إنذار غورو

    عند صدور إنذار الجنرال الفرنسي هنري غورو في 14 تموز 1920، الذي دعا فيه الملك فيصل إلى حل الجيش السوري وجمع السلاح من الأهالي تمهيداً لفرض الانتداب الفرنسي على سورية، هبت الجماهير وطالبت بفتح باب الجهاد لقتال الفرنسيين. ولكن موقف الحزب كان مختلفاً حيث دعا إلى حل سياسي وعدم الدخول في أي مواجهة عسكرية مع الفرنسيين. وقال الحزب إن الجيش السوري الوليد كان صغيراً للغاية وغير قادر على محاربة دولة عظمى مثل فرنسا.

    نهاية الحزب

    انهار الحزب الوطني السوري يوم مقتل عبد الرحمن اليوسف في قرية خربة غزالة في 21 آب 1920، بعد أقل من شهر على سقوط الحكم الملكي وفرض الانتداب الفرنسي على سورية. وفي مطلع عهد الاستقلال ظهر بدمشق حزباً يحمل اسماً مشابهاً وهو الحزب الوطني ولكن لا علاقة له بالحزب السوري الوطني الذي زال كلياً عن الوجود منذ سنة 1920.

  • سعد الله الجابري

    الرئيس سعد الله الجابري
    الرئيس سعد الله الجابري

    سعد الله بن عقدر القادر لطفي الجابري (1893 – 20 حزيران 1947)،  زعيم وطني من مدينة حلب وأحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة، ترأس ثلاث حكومات في عهد الرئيس شكري القوتلي وكان رئيساً لمجلس النواب، وهو  أحد مؤسسي الجمعية العربية الفتاة المناهضة للدولة العثمانية ومن أركان الكتلة الوطنية المعارضة للانتداب الفرنسي.

    شارك في كتابة دستور سورية الملكي سنة 1920 وكان مشرّعاً في الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور سورية الجمهوري الأول سنة 1928ـ  انضمّ إلى وفد سورية المفاوض في باريس وكان أحد الموقعين على معاهدة عام 1936، وتزعّم المفاوضات النهائية مع فرنسا التي أدّت إلى استقلال سورية التام في 17 نيسان 1946. شكل أول حكومة في عهد الاستقلال وانتُخب قبل وفاته في صيف العام 1947 رئيساً للحزب الوطني، وريث الكتلة الوطنية.

    البداية

    ولِد سعد الله الجابري في حيّ السُّوَيقة بحلب وهو سليل عائلة معروفة من الأشراف، تعود زعامتها المحلية في حلب إلى منتصف القرن الثامن عشر. سمّي والده الحاج عبد القادر لطفي الجابري مُفتِياً على المدينة في العهد الحميدي أمّا والدته حسنى مالك فقد كانت ربة منزل من أصول شركسيّة. دَرَس الجابري في المدرسة الرشدية الحكومية وفي الكلية السُلطانيّة في إسطنبول، حيث تخصص بالحقوق قبل سوقه إلى الخدمة الإلزامية في الجيش العثماني في أثناء الحرب العالمية الأولى.

    في العهد الفيصلي

    انتسب الجابري إلى الجمعية العربية الفتاة وكان أحد أبرز أعضاء خليّتها السريّة في حلب الطامحة إلى تحرير البلاد من الحكم التركي. أيد الثورة العربية الكبرى عند انطلاقها سنة 1916 وعند تحرير دمشق من العثمانيين، توجه إليها مع شقيقه إحسان الجابري لمبايعة الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على سورية. عُيّن إحسان الجابري رئيساً لديوان الأمير فيصل وانتُخب سعد الله الجابري نائباً عن حلب في المؤتمر السوري العام، وهو أول مجلس تشريعي عرفته البلاد العربية بعد سقوط الحكم العثماني.

    وفي آذار 1920 وبعد تتويج فيصل ملكاً على سورية، سمّي الجابري عضواً في لجنة صياغة دستور سورية الملكي التي كانت برئاسة رئيس المؤتمر هاشم الأتاسي. تحالف الجابري وزميله في المجلس رياض الصلح وأسسوا كتلة نيابية من الشباب التقدميين المُطالبين بتحرير المرأة  وإعطائها حق الانتخاب وحق الترشح للمناصب السياسية. وقد توطدت صداقة قوية بين الجابري والصلح بعد زواج الأخير من فايزة الجابري سنة 1930، بنت نافع باشا الجابري، الشقيق الأكبر لسعد الله الجابري. أما سعد الله الجابري فلم يتزوج وبقي عَزَباً طوال حياته.

    مع إبراهيم هنانو

    ولكن عهد الملك فيصل لم يستمر طويلاً وسقط بعد مواجهة عسكرية مع الجيش الفرنسي في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، أدّت إلى خلع فيصل عن العرش وفرض الانتداب الفرنسي على سورية. لم يلتحق الجابري بالثورة العسكرية التي اندلعت ضد الفرنسيين في شمال البلاد، ولكنّه قدّم لها المال وعمل مستشاراً لقائدها العام إبراهيم هنانو، زميله في المؤتمر السوري. حُكم عليه بالإعدام فهرب إلى مصر وحصل على لجوء سياسي من الملك فؤاد الأول.  بقي مقيماً في القاهرة حتى سنة 1922، عند السماح له بالعودة إلى سورية بعد صدور عفو فرنسي عن مجموعة من الوطنيين السوريين، كان الجابري في مقدمتهم.

    كانت ثورة الشمال قد أُجهِضت وهرب إبراهيم هنانو إلى إمارة شرق الأردن ثمّ إلى فلسطين، حيث اعتُقِل من قبل السلطات البريطانية وسُلّم إلى السلطات الفرنسية في سورية. شُكّل مجلس عرفي لمحاكمته في حلب، ووجّهت له تهم شتّى، منها السلب والنهب وقيادة عصيان مسلّح ضد الجمهورية الفرنسية.  كان الجابري يحضر جلسات المحكمة بانتظام بعد أن استُدعي مع شقيقه فاخر الجابري شهوداً للدفاع، وفي إحدى الجلسات خاطب رئيس المجلس العسكري هنانو قائلاً: “إنك تزعم أنك قاتلت فرنسا باسم الشعب السوري، فهل يُمكنك أن تأتيني بشخص واحد كلّفك بهذه المُهمّة؟”

    وقف الجابري بشجاعة وقال للقاضي الفرنسي:

    يا سيدي الرئيس، أنا أدعى سعد الله الجابري من أبناء هذا البلد ومثقفيه. أنا والألوف معي كلفنا إبراهيم هنانو مقاتلة فرنسا التي دخلت بلادنا دون حق، ومن حقنا أن نقاوم الاحتلال الأجنبي. وإن المجرم هو من يعتدي على سلامة الناس وحريّة الشعوب، لا ذلك الذي يدافع عن استقلال بلاده ويجابه في سبيل تحرير آبائه وأجداده. لقد أعلن إبراهيم هنانو الحرب عليكم باسم الشعب السوري العربي، والقتل والفتك والتدمير نتيجة طبيعية للحرب التي خضتم غمارها.

    نتيجة تلك المحاكمة كانت براءة إبراهيم هنانو من كل التهم الموجهة إليه، وعودته إلى العمل الوطني ولكن من باب النضال السياسي هذه المرة، لا المُسلح، برفقة سعد الله الجابري.

    الانتساب إلى الكتلة الوطنية

    في هذه المرحلة من حياته أسس سعد الله الجابري تنظيماً سريّاً لمحاربة الانتداب الفرنسي في حلب، أطَلَق عليه اسم “اليد الحمراء.” وقد ضمّ التنظيم عدداً من أعيان المدينة مثل الدكتور عبد الرحمن كيالي وحسن فؤاد إبراهيم باشا وفؤاد المُدرّس وأسعد الكواكبي. عَلِمْت السلطات الفرنسية بنشاطه فاعتقلته ونفته إلى مدينة صافيتا. وفي سنة 1925 أُلقي القبض عليه مرة ثانية لإسهامه في الثورة السورية الكبرى، فسُجِن في حلب ثمّ في جزيرة أرواد. وكان الاعتقال الثالث في سنة 1934 بسبب نشاطه في الكتلة الوطنية. كان إبراهيم هنانو أحد مؤسسي الكتلة الوطنية مع فاخر الجابري سنة 1927، وقد أشرف بنفسه على انتساب سعد الله الجابري وانتخابه عضواً في مجلسها الدائم، ثم نائباً لرئيسها المؤسس هاشم الأتاسي.

    دستور عام 1928

    خاضت الكتلة الوطنية أولى معاركها السياسية سنة 1928 عند ترشّح زعمائها في انتخابات المؤتمر التأسيسي المكّلف بوضع دستور جديد لسورية بدلاً من الدستور الملكي الذي قامت فرنسا بتعطيله بعد احتلال دمشق سنة 1920. فاز الجابري بعضوية المؤتمر التأسيسي، وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً له، وكانت هذه هي ثاني تجربة دستورية له مع الأتاسي عملهما معاً في اللجنة الدستورية سنة 1920. تمكن الجابري ورفاقه من صياغة مسودة دستور ليس فيه أية إشارة إلى الانتداب الفرنسي، ما أغضب المفوضية الفرنسية العليا. اعترضت فرنسا على ست مواد في مسودة الدستور وطلبت من أعضاء المؤتمر التأسيسي تعديلها وإضافة مادة جديدة رقمها 116، فيها ذكر واضح وصريح للانتداب. ولكنّ أعضاء المؤتمر أصرّوا على موقفهم الرافض لهذه التعديلات وقاموا بتبني الدستور كاملاً دون أي تعديل، فردّت فرنسا بتعطيل الدستور وحلّ المؤتمر التأسيسي إلى أجل غير مُسمّى.

    الإضراب الستيني

    وعند وفاة إبراهيم هنانو في تشرين الثاني 1935، نُصّب الجابري خليفة له في زعامة حلب والشمال السوري.  قاد موكب المشيعين رافعاً شعارات مناهضة للانتداب ومطالبة باستقلال سورية، فاعتقله الفرنسيون واقتحموا منزل هنانو لمصادرة كلّ ما فيه من مُستندات ووثائق. وفي 21 كانون الأول 1936، أمرت سلطة الانتداب باعتقال زميله في الكتلة فخري البارودي، ما أشعل الإضراب الستيني في المدن السورية كافّة. وفي شباط 1936 توصل هاشم الأتاسي إلى تفاهم مع الفرنسيين يؤدي إلى إنهاء الإضراب مقابل إطلاق سراح جميع المعتقلين، وفي مقدمتهم الجابري والبارودي، وسفر وفد رفيع من الكتلة الوطنية إلى فرنسا للتفاوض على مستقبل سورية.

    هاشم الأتاسي ورياض الصلح وسعد الله الجابري في باريس.
    هاشم الأتاسي ورياض الصلح وسعد الله الجابري في باريس.

    مفاوضات باريس سنة 1936

    توجه وفد الكتلة الوطنية إلى فرنسا بقيادة الأتاسي وعضوية كلّ من سعد الله الجابري وجميل مردم بك وفارس الخوري ورياض الصلح وغيرهم. مكثوا في العاصمة الفرنسية طيلة ستة أشهر، وفي 9 أيلول 1936 توصلوا إلى معاهدة مع حكومة الرئيس ليون بلوم، أعطيت بموجبها الدولة السورية وعداً مشروطاً بالاستقلال التدريجي مقابل حزمة من الامتيازات السياسية والعسكرية والثقافية في سورية. وقد نصّت معاهدة عام 1936 على إعادة ضم جبل العلويين إلى سورية، ومعه جبل الدروز، وعلى إجراء انتخابات نيابية ورئاسية، مع توسيع صلاحيات السوريين في الإدارة والحكم.

    سمح لهم بإنشاء وزارة للخارجية وأخرى للدفاع، للمرة الأولى منذ سنة 1920، عند تولّي فرنسا شؤون سورية الخارجية والعسكرية وجعلها حكراً على دبلوماسيين وضباط فرنسيين. دافع سعد الله الجابري عن منجز الكتلة الوطنية في فرنسا وعدّه نصراً كبيراً، وقد نقلت الصحف السورية قوله: “لم يبق على فرنسا إلّا أن تُعطينا مارسيليا.”

    الجابري وزيراً للداخلية والخارجية (1936-1939)

    عاد وفد الكتلة الوطنية إلى سورية رافعاً شعار النصر يوم 29 أيلول 1936، وعلى الفور قدم رئيس الجمهورية محمد علي العابد استقالته، داعياً لانتخابات نيابية ورئاسية مبكرة. فازت الكتلة الوطنية بغالبية مقاعد المجلس النيابي وانتخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في 21 كانون الأول 1936. وفي الحكومة الأولى التي شكلها جميل مردم بك، سمّي سعد الله الجابري وزيراً للداخلية والخارجية، وذهبت بقية الحقائب إلى زملائه في الكتلة الوطنية.  أول نشاط كبير قام به الجابري بعد تسلمه المنصب الجديد كان دعوة الدول العربية لعقد مؤتمر حول القضية الفلسطينية في بلدة بلودان القريبة من دمشق يومي 8-9 أيلول 1937، تقرر فيه رفض الهجرة اليهودية وعدم الاعتراف بشرعية الانتداب البريطاني في فلسطين.

    تعرض العهد الجديد إلى تحدّيات كبير بعد عودة الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر من المنفى، وهو أحد أبرز قادة الثورة السورية الكبرى المعارضين لمعاهدة عام 1936. رأى الشهبندر أن المعاهدة فرطت بحقوق سورية وقال إنها جاءت على حساب شهداء الثورة، دون أن تنصفهم أو تُعطي وعداً صريحاً بالاستقلال. لم يهاجم الشهبندر رئيس الجمهورية، احتراماً لماضي هاشم الأتاسي الوطني، بل صوّبت انتقاداته بشكل كامل تجاه جميل مردم بك وسعد الله الجابري، ورأى أنهما وقفا خلف كل التنازلات الواردة في معاهدة عام 1936.

    ضاعف الشهبندر من معارضته للعهد الجديد بعد رفض البرلمان الفرنسي المصادقة على معاهدة عام 1936، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تراجع نفوذ فرنسا في الشرق الأوسط. سافر الجابري إلى باريس مع رئيس الحكومة، في محاولة منهم لإقناع المُشرعين الفرنسيين بالعدول عن موقفهم، وقدموا بعض التنازلات الإضافية، مثل إعطاء فرنسا حق التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية وحماية الأقليات في سورية. ولكن كل ذلك لم يُقنع المجلس الفرنسي بتغيير موقفه، وبقيت المعاهدة حِبراً على ورق، على الرغم من كل محاولات الاستنهاض من قبل الجابري ومردم بك.

    سلخ لواء إسكندرون

    ثم جاءت قضية سلخ منطقة لواء إسكندرون عن سورية عبر استفتاء أجرته عصبة الأمم، والتي أخفق الجابري بمنعه ومنع ضم المنطقة برمتها إلى تركيا. وجهت اتهامات له وإلى جميل مردم بك، بالتنازل عن اللواء بعد لقاء جمع بينهم وبين الرئيس التركي كمال أتاتورك في أنقرة، واتهمهم الشهبندر بالتقصير في حماية الأراضي السورية، مطالباً باستقالتهم ومحاسبتهم أمام القضاء. رد مردم بك على هذه الانتقادات بوضع الشهبندر قيد الإقامة الجبرية في منزله الصيفي في الزبداني وراقب الجابري بصفته وزيراً للداخلية تحرّكاته ومنعه من عقد أي اجتماع سياسي. وعندما تقدم الشهبندر إلى وزارة الداخلية بطلب تأسيس حزب سياسي، جاء جواب الرفض موقعاً من قبل الوزير سعد الله الجابري.

    اغتيال الشهبندر

    استقالت الحكومة المردمية في 23 شباط 1939 وبعدها بأشهر، تبعها الرئيس هاشم الأتاسي باستقالته، منهياً عهد الكتلة الوطنية في الحكم. وفي 6 تموز 1941، اغتيل عبد الرحمن الشهبندر في عيادته الطبية وسط دمشق، ووجّهت أصابع الاتهام فوراً إلى خصومه في الكتلة الوطنية. خضع سعد الله الجابري إلى جلسة تحقيق في حلب، وتمكن من الهروب إلى العراق قبل صدور مذكرة توقيف بحقه وحق جميل مردم بك ولطفي الحفار. حصلوا على لجوء سياسي من حكومة الرئيس جميل المدفعي، وشُكل في دمشق فريق من المحامين للدفاع عنهم بعد أن قال أحد الجناة فور اعتقاله إنه تلقى المال والسلاح لتنفيذ الجريمة من الجابري ورفاقه. بعد محاكمة غيابية بدمشق تبين أنه لا علاقة لهم بمقتل الشهبندر فصدر قرار براءة بحقهم، ليعودوا إلى سورية مطلع العام 1941.

    حكومة الجابري الأولى (19 آب 1943 – 14 تشرين الثاني 1944)

    ترشح الجابري في الانتخابات النيابية وعند انتخاب صديقه شكري القوتلي رئيساً للجمهورية في 17 آب 1943، سمّي أول رئيس حكومة في عهده. واجه الجابري معارضة منظمة، ليس من دمشق هذه المرة بل من حلب، عند ظهور جيل جديد من الوطنيين الشباب المعارضين له وللقوتلي، بقيادة رشدي الكيخيا وناظم القدسي، وهما عضوان سابقان في الكتلة الوطنية انشقّا عنها سنة 1939 بسبب سلخ لواء إسكندرون.

    استمرت حكومة الجابري في الحكم لغاية 14 تشرين الثاني 1944، تاريخ تعيينه رئيساً لمجلس النواب خلفاً لفارس الخوري الذي سمّي رئيساً للحكومة. ومن منجزات الجابري في رئاسة الحكومة كان حضوره اجتماعات تأسيس جامعة الدول العربية في مصر سنة 1944، بدعوة من الملك فاروق، ومشاركته في وضع ميثاقها مع كل من رياض الصلح والأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود.

    سعد الله الجابري مع رياض الصلح سنة 1943.
    سعد الله الجابري مع رياض الصلح سنة 1943.

    دعم الفنون المسرحية

    كان سعد الله الجابري مُنفتحاً من الناحية الثقافية ومُشجّعاً للفنون بأشكالها كافة، على الرغم من تربيته الدينية المحافظة. قدّم دعماً كبيراً للفرق المسرحية السورية وحضر عرض مسرحية قيس وليلى في شباط 1944، لتكون هي المرة الأولى التي يُقدم فيها مسؤول سوري دعماً من هذا النوع للفنانين السوريين. عند خروجهم من المسرح، طلب الجابري إلى بطل المسرحية تيسير السعدي أن يأتيه إلى دار الحكومة وأوصى مدير مكتبه كاظم الداغستاني أن يؤمّن له كل ما يحتاجه هو وفرقته من نفقات ورعاية.

    الصدام مع المشايخ

    اصطدم الجابري بالشارع الديني المحافظ، بعد رفع عدة معروضات له من قبل الأئمة والمشايخ، تطالب بفصل الإناث عن الذكور في المدارس، وتخصيص عربات خاصة لهن في الترامواي مع فرض رقابة على السافرات. قرر تجاهل كل مطالبهم، وفي ربيع العام 1944 نزل المشايخ إلى الشارع مطالبين باستقالة حكومته بعد رفضه الاستجابة لمطلبهم بمنع السيدات من حضور حفل خيري في نادي الشرق، نظمته جمعية نقطة الحليب النسائية. اعترضت الجمعيات الإسلامية على هذا النشاط لأن المُنظمين أرادوا إقامة الحفل في ناد عُرف عنه تقديم الخمر للزبائن. وأُشيع يومها بأن عدداً من زوجات المسؤولين السوريين كانوا ينوون حضور الحفل سافرات الرأس والوجه.

    في 19 أيار 1944 وُحّدت خطب الجمعة في مساجد دمشق كافة، للتحذير من الفلتان والتحرر، وقد حمّل فيها الخطباء حكومة الجابري مسؤولية ما وصفوه بالتراخي الاجتماعي والفجور. في مُذكّراته، يصف الشيخ علي الطنطاوي الرئيس سعد الله الجابري قائلاً إنه “سوّد صفحته” بدعمه لحركة التحرر النسائية، “وأفسد وطنيته.”

    اجتمع 300 شخص بعد صلاة الظهر في جامع تنكز، وخرجوا بمظاهرة حاشدة باتجاه السراي الحكومي في ساحة المرجة، مُطالبين بإلغاء الحفل الخيري أو منع النساء المُسلمات من حضوره، وهتفوا ضد رئيس الحكومة ووزير الداخلية لطفي الحفار. أمر مدير شرطة دمشق أحمد اللحّام بتفريق المُتظاهرين بالقوة، وفي الاشتباكات التي حصلت، قُتل اثنان من الشبّان.

    رفض الجابري معاقبة عناصر الشرطة، قائلاً إنهم كانوا يقومون بواجبهم الوطني والأمني، ورأى أنهم أطلقوا النار دفاعاً عن النفس بعد رفع السلاح في وجههم من قبل المُتظاهرين. وأمر باعتقال زعيم المتظاهرين الشيخ محمد الأشمر، أحد قادة الثورة السورية الكبرى، ونقله مخفوراً إلى سجن تدمر بتهمة التحريض ضد الدولة.

    انتفض أهل الميدان دفاعاً عن محمد الأشمر، وخرجوا بمظاهرات كبيرة أُحرقت فيها المباني الحكومية في باب مصلّى، أغلقت أسواق دمشق تضامناً مع الحراك الشعبي يومي 21-22 أيار 1944. أقيمت حواجز لاعتراض الناس في منطقة الشاغور، وأُطلقت النار على الشرطة وعُطّلت حركة الترامواي في دمشق بعد التهجم بالحجارة على إحدى الحافلات. وهاجم المتظاهرون سينما أمبير في طريق الصالحية، التي كانت تقيم عروضاً مسائية للنساء، وحطموا أبوابها، محاولين الدخول على السيدات المجتمعات في داخلها.

    حاولت جمعية الهداية الإسلامية ومعها جمعية التمدّن الإسلامي طباعة مناشير تُطالب الأهالي باستمرار العصيان حتى إسقاط حكومة الجابري، وفي شمال البلاد، عُثر على منشورات مُرسلة من الإخوان المسلمين في مصر تُطالب أهالي حلب بنصرة أهل الشّام وإقامة حكم شرعي في سورية. وصفت تلك المناشير سعد الله الجابري بالمُلحد، وقالت إنه “عدو الله وعدو الإسلام.”

    غضب سعد الله الجابري من هذا التحدي وخطب في مجلس النواب مُدافعاً عن عناصر الدرك الذين أطلقوا النار: “هل كان من الممكن أن يسمحوا لهؤلاء المُشاغبين قصيري النظر باقتحام دار السينما والتعرض للنساء الموجودات في داخله؟ كلا!” ودافع عن حكومته قائلاً:

    لم تأتِ حكومة من قبل حاربت الفساد والانحلال الأخلاقي كما فعلنا نحن، فنحن نرفض الاعتداء على الحريات الدينية بالشدة نفسها التي نرفض فيها التهجم على مؤسسات الدولة. أملنا أن يقوم كل جامع، وكل كنيسة وكل كنيس بفتح أبوابها بحرية تامة، من دون أي خوف أو ترهيب من أحد.

    وختم خطابه برسالة موجهة إلى رجال الدين: “عليهم أن يعلموا جيداً أن الحكومة منهم، وهي موجودة لأجلهم، ولكنها يجب أن تُطاع.”

    العدوان الفرنسي 29 أيار 1945

    وفي 29 أيار 1945 وقع عدوان فرنسي على مدينة دمشق، كان الهدف منه اعتقال الجابري وجميل مردم بك ورئيس الجمهورية شكري القوتلي. افتعلت فرنسا حادثة على مدخل مجلس النواب، وأنزل عناصرها العلم السوري ورفعوا العلم الفرنسي مكانه، ثم أمروا عناصر حامية الدرك المرابطة على أبواب المجلس النيابي بتحيته. وعند رفضهم تنفيذ تلك الأوامر أطلقوا النار عليهم وقتلوهم. دخلت قوات السنغال مبنى البرلمان بحثاً عن الجابري بنية اعتقاله أو اغتياله. كان الجابري قد غادر المبنى وعندما لم يجدوه أضرموا النار في مكتبه بعد مصادرة جميع الوثائق قصفت فرنسا المجلس.

    وصل الجابري إلى مكان إقامته في فندق الأورينت بالاس في ساحة الحجاز، بعد أن قطعت فرنسا جميع الاتصالات داخل مدينة دمشق وأغلقت حدود سورية البريّة. ثم قُطعت الكهرباء عن مدينة دمشق وبدأ القصف المدفعي على قلعة دمشق ومحيط السراي الحكومي في ساحة المرجة. كان بطريرك موسكو ألكسي الأول نزيلاً في فندق الأورينت بالاس مع الجابري، وقد وصل دمشق صباح يوم 29 أيار. طلبت السفارة السوفيتية إلى الحاكم العسكري الفرنسي الكولونيل أوليفيا روجيه وقف القصف لإجلاء البطريرك وفتح طريق آمن له لكي يتمكن من السفر إلى لبنان.

    عرض على الجابري السفر معه إلى بيروت، وعندما وصلوا إلى حدود المصنع لم يرغب الجابري أن يدخل الأراضي اللبنانية تحت حماية روسية فترجّل من سيارة البطريرك واستقل سيارة نقل سورية، أوصلته إلى مقر السراي الحكومي في بيروت، حيث كان في استقباله رئيس الحكومة اللبنانية عبد الحميد كرامي. وضع كرامي مكتبه تحت تصرف الجابري، الذي عقد مؤتمراً صحفياً وتكلّم عن المجزرة التي حصلت في دمشق، ثم سافر إلى القاهرة لحضور اجتماع عاجل في مقر جامعة الدول العربية، خصص لمناقشة الأوضاع في سورية.

    وقد صدرت إدانات عربية ودولية بحق الفرنسيين، تبعها إنذار بريطاني شهير في 1 حزيران 1945، مُطالباً بوقف العدوان وبدء انسحاب القوات الفرنسية عن سورية. شارك سعد الله الجابري في المفاوضات النهائية مع فرنسا، حول تسلّم المصالح المشتركة مع لبنان، ومنها المطارات والسجون والمرافق الحيوية. وفي عيد الجلاء الأول يوم 17 نيسان 1946، شارك الجابري في رفع علم الاستقلال فوق  السراي الكبير في ساحة المرجة، معلناً جلاء القوات الفرنسية عن سورية.

    سعد الله الجابري مع الرئيس شكري القوتلي والرئيس هاشم الأتاسي في عيد الجلاء سنة 1946.
    سعد الله الجابري مع الرئيس شكري القوتلي والرئيس هاشم الأتاسي في عيد الجلاء سنة 1946.

    مرض الجابري واستقالته

    بعدها بأيام معدودة، شكل الجابري حكومته الثالثة والأخيرة، وهي الأولى في عهد الاستقلال، وقد استمرت لغاية 27 كانون الأول 1946. ويعود سبب الاستقالة المبكرة إلى تدهور صحة الجابري الذي كان يُعاني من تشمّع بالكبد ما أفقده القدرة على مُمارسة أعباء الرئاسة. أُدخل إلى مستشفى المواساة في الإسكندرية وبقي مدة طويلة تحت مراقبة أطباء مصريين وإشراف صفية زغلول، حرم الزعيم المصري الراحل سعد زغلول. ومن على سرير المرض، قدم الجابري استقالة حكومته بنية السفر إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج، ولكنّه توفي قبل موعد السفر بأسابيع. وقد جاء في مذكرات خالد العظم أن الجابري استقال من منصبه بطلب من رئيس الجمهورية بسبب رفضه مقترح تعديل الدستور للسماح للقوتلي بولاية رئاسية ثانية. يقول العظم في مذكراته: “أرسل السيد محسن البرازي (أمين عام القصر الجمهوري) إلى الإسكندرية ليجتمع بالجابري ويأخذ منه كتاب الاستقالة إلى أن المشار إليه قابل الموفد باشمئزاز وحمله رسالة شديدة اللهجة للقوتلي،  تتضمن معاتبة لأنه استعجل في طلب الاستقالة، وعدّ ذلك دليلاً على القنوط من شفائه، مما يؤدي إلى انهيار مقاومته المعنوية للمرض.”

    تأسيس الحزب الوطني

    آخر نشاط سياسي لسعد الله الجابري كان مشاركته في تأسيس الحزب الوطني، الذي أُشهر في دمشق يوم 29 آذار 1947. لم يكن الجابري حاضراً في مؤتمر التأسيس بسبب شدّة مرضه، وناب عنه شقيقه الأكبر فاخر الجابري. دعا الحزب الوطني إلى الحفاظ على وحدة سورية وطالب باحترام نظامها الجمهوري وتقويته، ما جعله في مواجهة مباشرة مع الأسرة الهاشمية الحاكمة في كلّ من بغداد وعمّان، التي كانت تطالب بضمّ سورية إمّا إلى الأردن أو العراق. انتُخب سعد الله الجابري رئيساً للحزب يوم 23 نيسان 1947 وعند وفاته بعد شهرين ذهبت الرئاسة لنبيه العظمة.

    الوفاة

    توفي سعد الله الجابري في حلب عن عمر ناهز 54 عاماً يوم 20 حزيران 1947. أعلن الحداد العام ثلاثة أيام وخرجت له جنازة رئاسية، رُفع فيها نعشه المجلل بالعلم السوري على عربة مدفع، وتقدّم المشيّعين رئيس الجمهورية شكري القوتلي. في مذكراته وصف الأمير عادل أرسلان مراسيم التشييع قائلاً: “كان سعد الله وطنياً، أبياً، صادقاً، مخلصاً، جواداً وفياً. تأبين شكري القوتلي له كان مؤثراً فقد بكى وأبكى السامعين.”

    تكريم الجابري

    أُطلق اسم سعد الله الجابري بعد وفاته على شارع رئيسي في كل المدن السورية، ونُصِب له تمثال نصفي في حلب وسط ساحة عريقة حملت اسمه منذ سنة 1947. وصدر طابع بريد يحمل رسمه مع عدد كبير من الدراسات، منها سعد الله الجابري وحوار مع التاريخ، للكاتبة رياض الجابري (دمشق 2006)، و”سعد الله الجابري: رجل الاستقلال وبناء الدولة” للمؤلف محمّد علي شحادة جمعة (دمشق 2008)، الذي قدّم له وزير الدفاع العماد أول مصطفى طلاس.

    وصف سعد الله الجابري

    في مذكراتها المنشورة سنة 1947، تقول الليدي سبيرز، حرم السفير البريطاني إدوارد سبيرز: “كان سعد الله الجابري أنيقاً رقيقاً، ذا رأس أشيب فضي، ووجه ناعم التكوين، ولكنه يؤذن بأن صاحبه من أولي العزم الشديد.”

    المناصب

    نائب رئيس الكتلة الوطنية (1934-1936)
    وزيراً للداخلية (21 كانون الأول 1936 – 23 شباط 1939)
    وزيراً للخارجية (21 كانون الأول 1936 – 23 شباط 1939)
    رئيساً للحكومة السورية (19 آب 1943 – 14 تشرين الثاني 1944)
    رئيساً لمجلس النواب (14 تشرين الثاني 1944 – 30 أيلول 1945)
    رئيساً للحكومة السورية (30 أيلول 1945 – 27 كانون الأول 1946)
    رئيس الحزب الوطني (23 نيسان – 20 حزيران 1947)
  • نهاد القاسم

    نهاد القاسم
    نهاد القاسم

    نهاد القاسم (1905-1970)، سياسي سوري ورجل دولة، كان أحد مشرعي دستور عام 1949 المؤقت (دستور حسني الزعيم) وقد تسلّم مناصب حكومية في ثلاث مراحل مختلفة من تاريخ سورية الحديث. كان وزيراً للزراعة والمعارف في عهد الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1955 ثم وزيراً للعدل في زمن الوحدة السورية – المصرية عام 1958. وقد عين وزيراً للعدل مرة ثالثة وأخيرة في مطلع عهد البعث عام 1963. ترأس التيار العروبي الموالي للرئيس جمال عبد الناصر في مرحلة الستينيات وشارك في مفاوضات إعادة الوحدة سنة 1963، كما انتُخب أميناً عاماً لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي. وكان رئيساً بالوكالة لجامعة دمشق سنة 1964 ورئيساً لمكتب تفتيش الدولة في سورية.

    البداية

    ولِد نهاد القاسم في مدينة نابلس وكان جدّه الأكبر الشّيخ قاسم الأحمد أحد قادة الثورة ضد حكم إبراهيم باشا في سورية وفلسطين سنة 1840. هاجرت الأسرة إلى دمشق ودَرس نهاد القاسم في معهد النجاح أولاً ثم في مكتب عنبر، قبل أن ينال شهادة بالحقوق من الجامعة السورية سنة 1935.

    المناصب الإدارية

    بدأ نهاد القاسم حياته المهنية موظفاً في عدلية الشّيخ مسكين جنوب سورية ثمّ في عدلية حلب. عُيّن قاضياً في محكمة الاستئناف بدمشق ونُدب غلى مصر لمدة عام سنة 1947 لدراسات النظام العدلي فيها. وفي كانون الثاني 1950، جاء تعينه مديراً عاماً للأوقاف في سورية ثم رئيساً لمكتب تفتيش الدولة في 1 آذار 1951.

    وزيراً في عهد الرئيس الأتاسي

    أما في مجال السياسة، فقد عُيّن القاسم عضواً في اللجنة الدستورية المكلفة بوضع دستور مؤقت ببلاد في عهد حسني الزعيم سنة 1949. وفي 19 حزيران 1954، سمّي وزيراً للمعارف والزراعة في حكومة سعيد الغزي الانتقالية المشرفة على الانتخابات النيابية في نهاية ولاية الرئيس هاشم الأتاسي، حيث تسلم رئاسة جامعة دمشق بالوكالة وفي الفترة ما بين 24 تموز – 6 تشرين الثاني 1954.

    مع الرئيس عبد الناصر

    أعجب نهاد القاسم بشخصية جمال عبد الناصر وبخطه القومي العربي بعد تأميم قناة السويس عام 1956. وعند إعلان الوحدة السورية – المصرية سُمّي وزيراً للعدل في الفترة ما بين تشرين الأول 1958 – أيلول 1960. اعترض بشدة على انقلاب الانفصال يوم 28 أيلول 1961، رافضاً التعاون مع حكّام سورية الجدد. بقي محافظاً على نهجه القومي طوال فترة الانفصال، ما جعل الرئيس عبد الناصر يذكره بالاسم ويُشيد بمواقفه في إحدى خطاباته من مدينة بور سعيد.(5)

    في عهد البعث

    وبعد وصول حزب البعث إلى الحكم يوم 8 آذار 1963، سُمّي نهاد القاسم وزيراً للعدل في حكومة صلاح الدين البيطار ونائباً لرئيس الحكومة. قبل العمل مع البيطار على أساس استعادة الوحدة مع مصر، وشارك في المفاوضات التي أقيمت لأجلها في القاهرة. وعندما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، استقال القاسم من منصبه في نهاية شهر نيسان من العام 1963. تم اعتقاله بعد أيام قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها الضابط الناصري جاسم علوان في 18 تموز 1963. اتُهم القاسم بدعم الانقلاب، وبقي سجيناً حتى نهاية عام 1963.

    الوفاة

    انتخب نهاد القاسم أميناً عاماً لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي سنة 1964، وتوفي بعدها بست سنوات عام 1970.

    المناصب

    وزيراً للمعارف (19 حزيران – 29 تشرين الأول 1954)
    وزيراً للزراعة (19 حزيران – 29 تشرين الأول 1954)
    رئيساً لجامعة دمشق (24 تموز – 6 تشرين الثاني 1954)
    وزيراً للعدل (7 تشرين الأول 1958 – 20 أيلول 1960)
    وزيراً للعدل (8 آذار – نيسان 1963)
  • نعيم أنطاكي

    نعيم أنطاكي
    نعيم أنطاكي

    نعيم أنطاكي (1903-1971)، سياسي سوري ورجل قانون، كان أحد أعيان حلب في النصف الأول من القرن العشرين ومن قادة الكتلة الوطنية في زمن الانتداب الفرنسي. انتُخب نقيباً للمحامين في حلب وتسلّم وزارة الخارجية ثلاث مرات، كانت الأولى في عهد الرئيس عطا الأيوبي سنة 1943، والثانية والثالثة في عهد الرئيس شكري القوتلي. شارك في الإضراب الستيني الذي نظمته الكتلة الوطنية واعتقل على أثره، وكان مشاوراً قانونياً للكتلة خلال مفاوضات باريس التي أدت إلى التوقيع على معاهدة عام 1936. وفي عهد الاستقلال، عُيّن عضواً وفد سورية المؤسس في الأمم المتحدة ونائباً لرئيسه فارس الخوري.

    البداية

    ولِد نعيم أنطاكي في  حلب وهو سليل أسرة مسيحية أرثوذوكسية عريقة. دَرَس القانون في الجامعة الأميركية في بيروت وفي جامعة باريس، وأقام مكتباً للمحاماة في حلب وأصبح وكيلاً لشركة النفط العراقية في سورية.(1) كان مُقرباً من إبراهيم هنانو، الذي أدخله في صفوف الكتلة الوطنية سنة 1932. انتُخب نقيباً لمحامي حلب وساهم في تنظيم الإضراب الستيني الذي أطلقته الكتلة الوطنية بعد وفاة إبراهيم هنانو، فتم اعتقاله في شباط 1936.(2)

    معاهدة عام 1936

    أُطلق سراحه بعد توصل رئيس الكتلة هاشم الأتاسي إلى تفاهم من سلطة الانتداب، كانت نتيجته سفر وفد رفيع من الكتلة الوطنية إلى باريس للتفاوض على استقلال سورية. سمّي نعيم أنطاكي مشاوراً قانونياً في الوفد السوري الذي كان برئاسة الأتاسي، وفي 9 أيلول 1936 أعلن من باريس عن توقيع على المعاهدة السورية – الفرنسية، التي وعدت بتوسيع صلاحيات الحكومة السورية مقابل عدة امتيازات عسكرية وثقافية وسياسية للفرنسيين في سورية. وقد وافق أعضاء وفد الكتلة الوطنية على إعطاء فرنسا حق تدريب الجيش السوري عند إنشائه، وإلحاق مستشارين فرنسيين في كل مفاصل الدولة السورية، مع حق استخدام الأراضي السورية من قبل الجيش الفرنسي في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا.

    وبعد عودة الوفد إلى دمشق، جرت انتخابات نيابية وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في 21 كانون الأول 1936. سمّي سعد الله الجابري وزيراً للخارجية في حكومة جميل مردم بك، وعين نعيم أنطاكي مديراً لشؤون للوزارة.

    شافر أنطاكي إلى باريس مجدداً لإدخال بعض التعديلات على معاهدة عام 1936، بعد رفض البرلمان الفرنسي المصادقة عليها خوفاً من قرب المواجهة العسكرية مع ألمانيا النازية. وافق أنطاكي على إعطاء فرنسا حقق التنقيب عن النفط وحماية الأقليات في سورية، ولكن كل ذلك لم يقنع المُشرّع الفرنسي بالعدول عن موقفهم المتشدد تجاه المعاهدة السورية – الفرنسية. وعندما تبين لقادة الكتلة الوطنية إن فرنسا لن تقدم على المعاهدة، استقال جميل مردم بك من منصبه في شباط 1939، واستقال معه وزير الخارجية سعد الله الجابري.

    وزيراً في عهد الرئيس القوتلي

    وفي 25 آذار 1943 عين وزيراً للخارجية في حكومة الرئيس عطا الأيوبي التي أشرفت على الانتخابات النيابية والرئاسية، وعند انتخاب شكري القوتلي رئيساً عُيّن وزيراً للمالية في حكومة الرئيس فارس الخوري يوم 7 نيسان 1945. أعاد الرئيس سعد الله الجابري تكليفه بحقيبة المالية من 30 أيلول 1945 ولغاية 27 نيسان 1946، حيث استقالت الحكومة بعد أيام من جلاء الفرنسيين عن سورية. وفي حكومة جميل مردم بك الثالثة، سمّي وزيراً للخارجية مجدداً في 28 كانون الأول 1946. كما سمّي عضواً في وفد سورية المؤسس في الأمم المتحدة ونائباً لرئيس الوفد فارس الخوري.

    نعيم أنطاكي عند التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة سنة 1945.
    نعيم أنطاكي عند التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة سنة 1945.

    الوفاة

    استقال نعيم أنطاكي من منصبه في 6 تشرين الأول 1947، احتجاجاً على قرار تقسيم فلسطين الذي صدر بعد أيام معدودة. تفرّغ من بعدها إلى عمله في المحاماة، وفي مرحلة الخمسينيات انتقل للعمل في لبنان، معلناً قراره اعتزاله العمل السياسي بسبب تدخلات الجيش في شؤون الحكم. توفي في بيروت عن عمر ناهز 68 عاماً سنة 1971.

    المناصب

    وزيراً للخارجية (25 آذار – 17 آب 1943)
    وزيراً للمالية (7 نيسان – 24 آب 1945)
    وزيراً للمالية (30 أيلول 1945 – 27 نيسان 1946)
    وزيراً للخارجية (28 كانون الأول 1946 – 6 تشرين الأول 1947)

     

     

  • خالد العظم

    الرئيس خالد العظم
    الرئيس خالد العظم

    خالد بن محمد فوزي باشا العظم (6 تشرين الثاني 1903 – 18 شباط 1965)، سياسي سوري ورجل دولة وآخر حكام دمشق من آل العظم. شكّل خمس حكومات في تاريخ سورية الحديث وكان أحد أقطاب السياسة السورية في خمسينيات القرن العشرين ومن الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة.

    بدأ عمله السياسي وزيراً للخارجية ثمّ رئيساً للحكومة في الحرب العالمية الثانية وترشّح للرئاسة السورية مرتين، كانت الأولى ضد الرئيس شكري القوتلي في منتصف الخمسينيات والثانية في عام 1961، عندما نافس الدكتور ناظم القدسي على رئاسة الجمهورية. تسلّم حقائب وزارية عدة في حياته، منها المالية والعدلية والخارجية والدفاع، هو مؤسس غرفة صناعة دمشق وعرّاب التقارب السوري السوفيتي في مرحلة الخمسينيات.

    البداية

    ولِد خالد العظم في دمشق وهو الابن الوحيد للسياسي والوجيه محمد فوزي باشا العظم، أحد أعيان الشّام في العهد الحميدي. أما والدته فهي إفاكت الأستانلي، حفيدة الوالي العثماني عثمان باشا، وقد سمته “خالد” بعد أن زارت ضريح خالد بن الوليد في حمص ونذرت أن تسمّي مولودها على اسمه. عاش العظم طفولة متنعمة ودَرس على يد مدرسين خصوصيين حضروا من إسطنبول لأجله، وتزوّج باكراً من سنيّة بنت القاضي راشد باشا مردم بك، وحضر الملك فيصل الأول عرسه، يوم كان والده رئيساً للمؤتمر السوري العام.

    العمل الصناعي

    درس خالد العظم بمعهد الحقوق العربي ولكنّه لم يعمل بالحقوق، بل في الزراعة والصناعة، وفي سنة 1930 عينه فارس الخوري مديراً لمعمل الإسمنت الوطني في منطقة دمّر شمال غرب العاصمة دمشق. وعند نجاح هذا المشروع سارع العظم إلى تأسيس غرفة صناعة دمشق وانتُخب رئيساً لها حتى سنة 1943. وفي السنوات 1938-1940 كان مستشاراً لبلدية دمشق. وفي نيسان 1939 سمّي العظم وزيراً للخارجية والعدل في حكومة الرئيس نصوحي البخاري، قبل أشهر من اندلاع الحرب العالمية الثانية.

    الحكومة العظمية الأولى ( 5 نيسان – 12 أيلول 1941)

    وفي نيسان 1941 كُلّف خالد العظم بتشكيل حكومة وطنية في أثناء الحرب العالمية الثانية. كانت فرنسا قد وقعت تحت احتلال الجيش الألماني، وجاء قرار تعينه من قبل الجنرال هنري دانتز، ممثل حكومة فيشي في سورية. وفي مدة حكم الحكومة العظمية الأولى، تحوّلت سورية إلى أرض معركة بين قوات فرنسا الحرة المدعومة من الجيش البريطاني، والممثلة بالجنرال شارل ديغول، وقوات فيشي المحسوبين على هتلر، بقيادة الجنرال دانتز. شَنّت جيوش الحلفاء هجوماً بريّاً وجوياً واسعاً على سورية لطرد فيشي من أراضيها، وفي 19 حزيران 1941، أعلنت عن نجاح عملياتها العسكرية. جاء بعدها ديغول إلى سورية ووعد السوريين بتحقيق الاستقلال فور انتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا. وفي أيلول 1941، عيّن حليف فرنسا القديم، الشّيخ تاج الدين الحسني رئيساً للجمهورية، وشُكّلت حكومة جديدة برئاسة حسن الحكيم، بدلاً من حكومة خالد العظم المستقيلة.

    وزيراً في عهد القوتلي (1944-1946)

    غاب خالد العظم عن المشهد السياسي لمدة عامين، وعاد متحالفاً مع  الكتلة الوطنية  في انتخابات عام 1943، ليفوز بالنيابة عن دمشق. وبعد انتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية في 17 آب 1943 عُيّن العظم وزيراً للمالية في حكومة سعد الله الجابري الأولى، وجُدد تكليفه بالحقيبة نفسها في حكومة فارس الخوري الأولى يوم 14 تشرين الثاني 1944، وسُمّي وزيراً للمالية للمرة الثالثة في حكومة الخوري الثالثة يوم 24 آب 1945.

    وفي 29 أيار 1945 وقع عدوان فرنسي على مدينة دمشق، كان الهدف منه قلب نظام الحكم في سورية والتخلص من القوتلي وأركان حكمه. ضُربت قلعة دمشق وقُصفت أحياء المدينة بالمدافع، فهرب أعضاء الحكومة من مقرهم في ساحة المرجة إلى منزل خالد العظم في سوق ساروجا. استقبل العظم أكثر من 100 شخص في داره، من سياسيين كبار ومواطنين وعناصر من الشرطة والدرك، فردّت فرنسا بقصف الحيّ وتدمير عدد من مبانيه الأثرية. وقد أدى هذا العدوان إلى صدور إنذار بريطاني 1 حزيران 1949، مطالباً بانسحاب الجيش الفرنسي عن سورية.

    معارضة القوتلي

    بعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية في 17 نيسان 1946، طُلب إلى سعد الله الجابري تشكيل حكومة جديدة، ذهبت فيها حقيبتا العدل والاقتصاد إلى خالد العظم. ولكن علاقة العظم برئيس الجمهورية بدأت تتراجع بسبب معارضته تعديل الدستور للسماح للقوتلي بولاية رئاسية ثانية. قاد خالد العظم معارضة منظمة ضد رئيس البلاد من داخل مجلس النواب، أدت إلى خروجه من الوزارة في تشرين الأول 1947 ونقله وزيراً مفوضاً إلى فرنسا، ما عدّه نفيّاً وإبعاداً عن مسرح الأحداث.

    الحكومة العظمية الثانية (16 كانون الأول 1948 – 29 آذار 1949)

    في نهاية عام 1948 استدعي العظم للعودة إلى دمشق وكلف برئاسة الحكومة مجدداً بعد استقالة وزارة جميل مردم بك الخامسة والأخيرة وتعرضها لانتقادات لاذعة بسبب تراجع أداء الجيش السوري في حرب فلسطين. اندلعت المظاهرات في المدن السورية كافة، وفي محاولة منه لإرضاء المعارضة، طلب القوتلي إلى خالد العظم تشكيل حكومة وطنية جامعة ترضي مطالب الشعب والمتظاهرين.

    تألفت حكومة العظم الثانية في 16 كانون الأول 1948 وفي عهدها فك ارتباط العملة السورية بالفرنك الفرنسي الذي كان يُغطي الليرة الورقية السورية منذ عام 1920. اصطدم رئيس الحكومة بقائد الجيش حسني الزعيم وحمّله مسؤولية الهزيمة في فلسطين ووجّه إليه ولعدد من ضباطه اتهامات فساد وسوء أمانة وعمالة لصالح ملك الأردن عبد الله الأول.  وعند تعرض الزعيم لهجوم عنيف داخل المجلس النيابي من قبل النائب فيصل العسلي، وصل إلى حد التخوين، لم يُدافع عنه العظم (بصفته رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع)، وعندما حضر الزعيم إلى دار خالد العظم لتقديم معروض باسم ضباط الجيش، رفض الأخير استقباله وجعله ينتظر طويلاً. كان هذا المعروض قد صيغ في القنيطرة وحمل توقيع حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وسامي الحناوي وفوزي سلو، وجميعهم كانوا من الضباط المرموقين الطامعين بالوصول إلى الحكم والناقمين على الطبقة المدنية الحاكمة. اتصل العظم بالرئيس القوتلي مُحذّراً من حسني الزعيم وقال: “هذا الرجل خطر، وقبل أن يتعشى بنا يجب أن نتغدى به.” ولكنّ القوتلي رفض الاستجابة ورد قائلاً: “هو أفضل من سواه.”

    الانقلاب الأول: 29 آذار 1949

    في منتصف ليل 29 آذار 1949 أمر الزعيم بتحريك قواته ومدرعاته من الحدود السورية – الفلسطينية باتجاه العاصمة دمشق، وأمرهم إلقاء القبض على رئيس الجمهورية ورئيس حكومته. تعامل الجنود مع القوتلي باحترام نسبي ولكنهم أهانوا خالد العظم كثيراً، كما جاء في مذكراته:

    صوب الجندي رشاشه إلى صدري وقال: “إياك والمقاومة! نقتلك إذا قاومت.” وكيف السبيل إلى المقاومة وأنا أعزل من السلاح وهما اثنان، وفي يد كل منهما رشاش ومسدس؟ وقادني بقوة إلى السلم وإذ هرولنا نزولاً. وقعت على الأرض في آخر درجات السلم وسقطت نظارتي ولم يتركاني ألتقطها. بل أمسكا بي وأخرجاني بسرعة من الدار. ولم أكن، حتى ذلك الحين، تمالكت وعيي بعد ولا علمت لشدة الظلام، من هم هؤلاء الضباط والجنود. وهذا كله جرى في دقيقة أو دقيقتين. ثم وجدت نفسي في سيارة النقل، حافي القدمين، ليس عليّ من اللباس سوى بيجاما حريرية رقيقة. وكنت حاسر الرأس وبدون نظارتي.

    نُقل القوتلي والعظم إلى سجن المزة حيث ظلّا سجينين لمدة أسبوع، ومن داخله أجبرا على توقيع استقالتهما بوساطة رئيس مجلس النواب فارس الخوري.  نُفي القوتلي بعدها إلى مصر وغاب العظم عن أي نشاط سياسي في مدة حكم حسني الزعيم التي استمرت من 29 آذار ولغاية سقوطه ومقتله في 14 آب 1949. بارك العظم الانقلاب العسكري الذي أطاح بالزعيم وأثنى على قرار مهندسه سامي الحناوي الدعوة إلى انتخاب مجلس تأسيسي تكون مهمته وضع دستور جديد للبلاد بدلاً من دستور حسني الزعيم المؤقت. أعلن الحناوي أيضاً عن عدم رغبته تسلّم الرئاسة ودعا إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة، حضره خالد العظم مع معظم السياسيين القدامى، تقرر فيه عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم بعد عشر سنوات من استقالته من رئاسة الجمهورية عام 1939.

    شكّل الأتاسي حكومة وطنية جامعة، تسلّم فيها خالد العظم حقيبة المالية لغاية كانون الأول 1949. دخلت سورية يومها في مفاوضات مع العراق لتحقيق وحدة فيدرالية بين البلدين، لم تتحقق بسبب انقلاب أديب الشيشكلي الأول في 19 كانون الأول 1949، الذي أطاح بسامي الحناوي. لم يقترب الشيشكلي من رئيس الجمهورية، مشترطاً على هاشم الأتاسي وعلى كل السياسيين المدنيين تعيين أحد أعوانه العسكريين في وزارة الدفاع، وهو اللواء فوزي سلو، لضمان عدم طرح موضوع الوحدة مجدداً داخل السلطة التنفيذية. وفي 27 كانون الأول 1950 وفي ظلّ هذه الأزمة السياسيّة، طُلب إلى خالد العظم تشكيل حكومة جديدة تكون أولى مهامها التصديق على إقالة سامي الحناوي من قيادة الجيش وتعيين أنور بنّود رئيساً للأركان، نزولاً عند رغبة الشيشكلي.

    مرفأ اللاذقية

    ومن منجزات حكومة العظم الثالثة كان بدء القطيعة الاقتصادية مع حكومة الرئيس رياض الصلح في لبنان عبر إغلاق الحدود البرية يوم 18 آذار 1950 وإنشاء مرفأ حديث في مدينة اللاذقية لتحرير التجار السوريين من سيطرة تجار بيروت في شؤون الاستيراد والتصدير في بلدهم.

    خالد العظم مع رئيس حكومة لبنان رياض الصلح سنة 1950.
    خالد العظم مع رئيس حكومة لبنان رياض الصلح سنة 1950.

    لم تكن ميزانية الدولة السورية قادرة على تحمّل نفقات هذا المشروع الضخم، الذي وصلت تكلفته إلى 25 مليون ليرة سورية، فدعا العظم القطاع الخاص للمشاركة وعرض أن تُساهم الدولة السورية وتضمن للمستثمرين ربحاً سنويّاً لا يقل عن خمسة بالمئة من أموالهم المودعة في المرفأ. حُدد سعر السهم الواحد بمئة ليرة سورية، ووزّع على الشكل الآتي: 80 ألف سهم للدولة، 130 ألف سهم للقطاع الخاص، 40 ألف سهم الحامل. انتُخب مجلس إدارة مشترك للمشروع، برئاسة الدكتور عزت طرابلسي (الذي أصبح وزيراً للاقتصاد في حكومة العظم الخامسة والأخيرة سنة 1962)، صدر مرسوم مرفأ اللاذقية في 12 شباط 1950. وفي خطابه الشهير أمام الحكومة يوم التشدين، قال خالد العظم: “هنيئاً لمن له شبر أرض في اللاذقية.”

    خالد العظم مع الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1951.
    خالد العظم مع الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1951.

    الحكومة العظمية الرابعة (27 آذار – 9 آب 1951)

    سقطت حكومة العظم الثالثة في حزيران 1950 ولكنّه عاد إلى رئاسة الوزارة مرة رابعة بتكليف من الرئيس الأتاسي يوم 27 آذار 1951. اختلف يومها مع حزب الشعب بسبب رفضه إحياء محادثات الوحدة مع العراق، فلم يشارك أحد من قادته في الحكومة وقرروا المقاطعة الجماعية. اعتمد العظم على الجيش يومها، على الرغم من قلّة الود بينه وبين أديب الشيشكلي، وجاء بفوزي سلو وزيراً للدفاع. تسلّم حقيبة الخارجية بنفسه، إضافة لرئاسة الحكومة، ومن هذا الموقع رفض قبول أي مساعدات أميركية قُدّمت إلى سورية بموجب النقطة الرابعة من مشروع الرئيس هاري ترومان. ولكنّ الحكومة العظمية الرابعة سقطت بسرعة عندما أضرب سبعة عشر ألف موظف حكومي يوم 30 حزيران 1951، مطالبين برفع الأجور والرواتب. شلّت الحركة التجارية في البلاد وتعطلت مصالح الناس في الدوائر الحكومية، وقد انضم إلى الإضراب عمّال النظافة ومعهم موظفو البرق والبريد والهاتف، فما كان أمام الرئيس العظم إلّا تقديم استقالته إلى رئيس الجمهورية في 9 آب 1951.

    في زمن الشيشكلي

    عاد حزب الشعب إلى الحكم يومها وغاب العظم عن أي منصب في الحكومات التي شكّلت في عهده وكان آخرها حكومة معروف الدواليبي في 28 تشرين الثاني 1951. حصلت مواجهة يومها بين قادة الحزب وأديب الشيشكلي، أدّت إلى وقوع انقلاب عسكري جديد، أطاح بالحكومة وأدى إلى استقالة هاشم الأتاسي من منصبه في 3 كانون الأول 1951.

    خالد العظم وأديب الشيشكلي.
    خالد العظم وأديب الشيشكلي.

    فرض الشيشكلي صديقه الوفي فوزي سلو رئيساً للدولة وحكم البلاد عن طريقه حتى صيف العام 1953، عند تسلّمه رئاسة الجمهورية بشكل مباشر. لم يُشارك خالد العظم في عهد الشيشكلي، وعدّه نظاماً عسكريّاً غير شرعي وغير دستوري. ولكنّه وبالمقابل لم يعمل على إسقاطه مع المعارضة التي قادها هاشم الأتاسي وفضّل السفر إلى لبنان للعيش في عزلة، صامتاً ومنتظراً تغير الأوضاع في وطنه. وعند سقوط الشيشكلي في شباط 1954، عاد خالد العظم إلى دمشق مُعلناً دعمه لعودة الأتاسي إلى الحكم وفي 13 شباط 1955 سمّي وزيراً للخارجية والدفاع في حكومة الرئيس صبري العسلي.

    سياسة عدم الانحياز

    لعب العظم دوراً محورياً في توازنات سورية الإقليمية والدولية، رافضاً انضمام سورية إلى حلف بغداد المعادي للشيوعية العالمية، وبالمقابل، لم يقبل بانصياع بلاده التام إلى مصر ورئيسها جمال عبد الناصر، المحسوب على الاتحاد السوفيتي. كان خالد العظم، وعلى الرغم من ماله الوفير وفكره الحر وميوله الأرستقراطية، لا يرى نفعاً من مجابهة المعسكر الشرقي ولا ضرر من التحالف معه. قد يعود ذلك إلى موقفه من الولايات المتحدة التي ساندت إسرائيل منذ يومها الأول ودعمت حسني الزعيم في انقلابه على الشرعية السورية سنة 1949. توجه العظم إلى مؤتمر عدم الانحياز المُنعقد في مدينة باندونغ الإندونيسية في 18 نيسان 1955، رافعاً شعار حياد سورية في الحرب الباردة. وفي حزيران 1955 سافر إلى الولايات المتحدة لتمثيل سورية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

    معركة الرئاسة بين خالد العظم وشكري القوتلي سنة 1955.
    معركة الرئاسة بين خالد العظم وشكري القوتلي سنة 1955.

    الانتخابات الرئاسية سنة 1955

    ومع قرب انتهاء ولاية هاشم الأتاسي، قرر خالد العظم الترشح لرئاسة الجمهورية، وهو المنصب الذي طالما حلم به منذ مطلع شبابه. حاول حكّام العراق إقناع زعيم حزب الشعب رشدي الكيخيا بدخول المعركة الانتخابية ضده ولكنه رفض، فقرر لطفي الحفار خوضها، ممثلاً عن الحزب الوطني المدعوم من السعودية. ولكنّه سرعان ما انسحب من المعركة الانتخابية لصالح الرئيس الأسبق شكري القوتلي، عندما قرر الأخير العودة من مصر والترشح لرئاسة الجمهورية مجدداً.

    وقفت المؤسسة العسكرية خلف القوتلي، المدعوم أيضاً من عبد الناصر، وأيّده زعماء حزب الشعب وفي مُذكّراته يقول العظم: “دخلت الانتخابات وحيداً، لا نصير لي سوى سمعتي التي أفتخر بها، ونظافة يدي ومقدرتي على تسيير أمور الحكومة، وموقفي من النهوض بالاقتصاد السوري.” جرت الانتخابات داخل مجلس النواب يوم 18 آب 1955 وكانت نتيجتها الأولى 42 صوتاً لخالد العظم و89 صوتاً لشكري القوتلي. وبما أن أياً منهما لم يحصل على أكثرية الثلثين، أُعيد التصويت مرة ثانية وكانت النتيجة النهائية لصالح القوتلي: 91 صوتاً له مقابل 41 صوتاً لخالد العظم.

    الاتفاق العسكري مع الاتحاد السوفيتي (آب 1957)

    تسلّم القوتلي الحكم في 5 أيلول 1955 في 31 كانون الأول 1956 عُيّن خالد العظم وزيراً للدفاع في حكومة صبري العسلي الرابعة والأخيرة. ومن أبرز منجزاته في هذه المرحلة كان إبرام اتفاقية تعاون اقتصادي وعسكري مع الاتحاد السوفيتي. سافر العظم إلى موسكو واجتمع مطولاً مع نيكيتا خروتشوف في 6 آب 1957، بعد أقل من عام على زيارة القوتلي إلى قصر الكرملين. كان لهذه الزيارة أثر سلبي للغاية على العلاقات السورية – الأميركية، حيث اتُهمت دمشق من قبل إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور بالمضي نحو المعسكر الشرقي. نص اتفاق العظم مع خروتشوف على إعطاء الجيش السوري سلاحاً ثقيلاً بقيمة 700$ مليون دولار أمريكي، تُسدد بالتقسيط المريح من عائدات الزراعة على مدى 12 سنة، وقد لقب العظم بسبب هذا الاتفاق، شعبيّاً وعالميّاً، بالمليونير “الأحمر.”

    خالد العظم مع نيكيتا خروتشوف في موسكو سنة 1957.
    خالد العظم مع نيكيتا خروتشوف في موسكو سنة 1957.

    الوحدة مع مصر سنة 1958

    في 11 كانون الثاني 1958 توجه وفد من ضباط الجيش السوري ليلاً إلى مصر، دون إبلاغ خالد العظم أو أخذ موافقته بصفته وزيراً للدفاع، وكان هدفهم إقامة وحدة مباشرة مع جمال عبد الناصر. كان الوفد برئاسة قائد الجيش اللواء عفيف البزري وضم عدداً من قادة الانقلابات السابقة، منهم من ساهم في وصول حسني الزعيم إلى السلطة ومنهم من شارك في إقصاء أديب الشيشكلي عن الحكم. قابلوا عبد الناصر وطلبوا إليه إقامة وحدة اندماجية فورية مع سورية، دون أي قيد أو شروط.

    خالد العظم وزيراً للدفاع مع قائد الجيش اللواء عفيف البزري
    خالد العظم وزيراً للدفاع مع قائد الجيش اللواء عفيف البزري

    غضب العظم من هذا التصرف وحاول إقناع القوتلي بإقالتهم جميعاً بتهمة الخيانة العظمى، ولكن رئيس الجمهورية فضّل استيعابهم واحتضان موقفهم، أملاً أن يؤدي ذلك إلى قيام وحدة عربية حقيقية، تضع حداً لتجاوزات العسكر في سورية. بدلاً من معاقبة الضباط أو فصلهم عن الخدمة، قرر القوتلي إضفاء شرعية على وفدهم وأرسل وزير الخارجية صلاح البيطار إلى القاهرة لمساندتهم. ثم توّجه بنفسه إلى مصر مع كامل أعضاء الحكومة للتصديق على الوحدة. وفي مذكراته يقول العظم:

    وعندما حلقت الطائرة لاحظت أنها تطير باتجاه الشرق الجنوبي، وليس الغرب حيث الطريق الجوي المألوف. فسألت عن السبب فقال البزري: إننا نخشى أن يتعرض اليهود لطائرتنا فيقضون على الحكومة السورية بأسرها. فقلت في نفسي: ليتهم يفعلون. ثم يُضيف: أبديت اعتراضي على جعل نظام الحكم رئاسياً وأبديت مخاوفي من أن يجر ذلك إلى زوال الحكم الديمقراطي النيابي وأن تتحول سورية إلى دولة يحكمها فرد بطريقة ديكتاتورية. ثم أضفت قولي بأن هذا النوع من الحكم قد جُرّب في بلاد عديدة وفشل فيها كلها وأودى بها إلى الهاوية.

    موقفه من التأميم

    أمضى خالد العظم سنوات الوحدة بعيداً عن وطنه، مُقيماً في بيروت وبعيداً عن أي نشاط سياسي. ولكنه عارض قرارات التأميم التي صدرت عن عبد الناصر في تموز 1961، والتي طالت معظم المصانع والمصارف والعديد من الشركات الخاصة، بما في ذلك العديد من أملاك الأسرة العظمية واستثماراتها. وكتب العظم في مذكّراته قائلاً:

    الكثير من المسؤولين المصريين، إن لم تكن غالبيتهم، يجهلون واقع سورية الاقتصادي والاجتماعي، وهم معذورون بذلك ريثما يكتسبون الخبرة الكاملة، وقد غشّهم من اعتمدوا عليهم من السوريين. لقد وثقت البلاد كلها بالرئيس ولا يزال عند حسن ظنها به، وهي تطلب إليه تحقيق آمالها من حيث إقامة حكم محبب إلى القلوب واستبعاد النظام الإرهابي. فإن القلوب لا تستجيب بالشدة والقسوة وإنما بالرفق وحسن المعاملة.

    وقد أضاف: “فوجئ الناس بصدور قوانين التأميم التي وصِفت بأنها اشتراكية إصلاحية وهي في حقيقتها لم تكن ترميإلا إلى القضاء على الاقتصاد وقتله في مهده ولا تقصد سوى السيطرة ودعم السلطات القائمة عن طريق تركيز الفعاليات الاقتصادية بيد الدولة وإحداث رأسمالية حكومية ديكتاتورية.”

    الترشح للرئاسة في زمن الانفصال

    سارع خالد العظم لتأييد الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة يوم 28 أيلول 1961. عاد إلى دمشق ووضع اسمه على بيان موقع من قبل عدد من السياسيين القدامى، وصفوا فيه عهد عبد الناصر بالبوليسي وباركوا حركة الضباط التي أسقطته. لم يُشارك في حكومات الانفصال ولكنه تشرح للنيابي عن دمشق وفاز بأغلبية أصوات المدينة، ما خوله الترشّح لرئاسة الجمهورية، للمرة الثانية والأخيرة نهاية العام 1961.

    تنافس داخل المجلس مع ناظم القدسي، مرشح حزب الشعب، ومأمون الكزبري، أول رئيس حكومة في عهد الانفصال، ودخل في تحالف مع أكرم الحوراني ومع حزب البعث، ولكنه بقي مشككاً في فرص نجاحه وقال: “وكانت لي تجربة 1955 كدرس لمعرفة أخلاق الناس وشدة تمسكهم بموعدهم وحتى بإيمانهم. فلم يكن يدور بخلدي النجاح المضمون لكنني كنت لا أريد عدم استجابة أصدقائي من النواب.” وقد انسحب العظم من هذه المعركة عند توصل حزب الشعب إلى اتفاق مع الكزبري، يؤدي إلى وصول القدسي إلى الرئاسة مقابل انتخاب الكزبري رئيساً لمجلس النواب. وفي 14 كانون الأول 1961، انتخب ناظم القدسي رئيساً للجمهورية.

    الاعتقال الأخير في 28 آذار 1962

    بعدها بثلاثة أشهر وقع انقلاب جديد في سورية، بقيادة عبد الكريم النحلاوي، الذي أمر باعتقال رئيس الجمهورية ومعه عدد من السياسيين الكبار، منهم خالد العظم. بقوا سجناء لمدة أسبوع، ليطلق سراحهم بعد تمرد قائد الجيش على النحلاوي وإعادة الأمور إلى نصابها في 1 نيسان 1962.

    الحكومة العظمية الخامسة والأخيرة (17 أيلول 1962 – 8 آذار 1963)

    في خريف العام 1962، طلب الرئيس القدسي إلى خالد العظم تشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لحكومة الدكتور بشير العظمة.  وافق العظم على الرغم من التراجع الملحوظ في صحته، حيث كان يُعاني من تفاقم مرض السكري وزيادة كبيرة في وزنه، وشكّل حكومة موسعة كانت الأكبر في تاريخ سورية. وفي أثناء مرض رئيس الحكومة ودخوله المتكرر إلى المستشفى كان ينوب عنه وزير العدل الدكتور أسعد كوراني.

    معظم الوزراء كانوا من الاختصاصيين المستقلين، غير المنتميين إلى أي حزب من الأحزاب السياسية. وقد أضيفت مناصب جديدة على حكومة العظم، مثل منصب نائب رئيس الحكومة وحقائب التموين والإعلام والأوقاف التي كانت قد أوجدت في زمن الوحدة. أهم ما جاء به خالد العظم في حكومته الأخيرة كان الفريق الاقتصادي الذي شكّله للقضاء على المراسيم الاشتراكية التي أوجدت في زمن الوحدة، برئاسة وزير الاقتصاد عزت طرابلسي (مدير مرفأ اللاذقية سابقاً ومؤسس مصرف سورية المركزي). سعى العظم، بالتعاون مع طرابلسي، إلى إلغاء قرارات التأميم وقانون الإصلاح الزراعي الصادر سنة 1958 ولكنه واجه معارضة شديدة من الناصريين، في الجيش والأرياف. أبقى على التأميم مجبراً، ولكنه خاطب التجار والصناعيين ووعد “لا تأميم بعد اليوم.” ومن حلب، عاصمة سورية الصناعية، أعلن العظم عن خطة متكاملة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع الصناعي، ووعد بجلب استثمارات بقيمة 2700 مليون ليرة سورية لإنشاء صناعات جديدة.

    وفي شرحه المفصل للتأميم أضاف العظم:

    أما الاشتراكية فأدين بها وأريدها تطويرية ترافق إمكانيات البلاد وحاجاتها وتستهدف زيادة الدخل العام. أولئك الذين أوصلوا البلاد إلى الاستقلال وأزاحوا الاستعمار، أولئك كلهم كانوا وبدون استثناء من أولاد العائلات ومن أصحاب الأراضي ورؤوس الأموال التجارية والعقارية. أما القول بأن الثروات تمركزت بجيوب قليلة وأن الأغنياء احتكروا الأرض والتجارة واستغلوا عرق العمال والفلاحين الكادحين فهو قول مردود.

    نهاية العهد

    لم ينجح خالد العظم في حماية الاقتصاد السوري ولا حتى في حماية نفسه من القدر، فقد أطيح به وبمشروعه الاقتصادي والسياسي في 8 آذار 1963، عند قيام مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين بانقلاب عسكري على رئيس الجمهورية ناظم القدسي، معلنين نهاية جمهورية الانفصال.

    صادرت الدولة ما تبقى له من أملاك وحولتها إلى مؤسسات حكومية عامة، مثل قصر عائلته الشهير في سوق ساروجا، الذي أصبح متحفاً للتراث والوثائق التاريخية، ومكتبه الخاص مقابل حديقة المدفع، الذي شغله لسنوات طويلة نائب رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام، ومزرعته الصيفية التي تحوّلت إلى مقر معمل تاميكو للأدوية. وقد شمله العزل المدني الصادر عن مجلس قيادة الثورة، بتهمة شرعنة ” جريمة الانفصال” ودعمها. وعند صدور البلاغ رقم واحد، هرب خالد العظم إلى مقر السفارة التركية الذي كان في عمارته نفسها بحيّ الروضة، وحصل على لجوء سياسي، مما منع الجنود من الاقتراب منه. وقد ضمنت الحكومة التركية له ممراً آمناً إلى لبنان، حيث قضى سنواته الأخيرة.

    الوفاة

    عاش خالد العظم في ظروف مادية وصحية صعبة، وتوفي في بيروت عن عمر ناهز 62 عاماً في 18 شباط 1965. ولكيلا تُثير جنازته أية مواجهات دامية في دمشق، أوصى أن يُدفن بجوار الإمام الأوزاعي في بيروت. وكان العظم في أيامه الأخيرة قد عمل على كتابة مُذكّراته ونشرها في جريدة النهار، وقد جُمعت في كتاب بعد سبع سنوات من وفاته، نُشر سنة 1972.

    تكريم خالد العظم

    رفضت السلطات السورية تسمية أي شارع أو مدرسة باسم “خالد العظم،” ولكنها لم تمانع نشر مجموعة مجموعة كتب عنه، ومنها خالد العظم: آخر حكام دمشق من آل العظم لأكرم حسن العلبي سنة 2007 وكتاب خالد العظم 1903-1965: سيرته ودوره في السياسة السورية للمؤلف وائل عدنان الحسيني، الصادر بدمشق سنة 2015.

    العظم على شاشة التلفزيون

    جُسّدت شخصية خالد العظم على شاشة التلفزيون في المسلسل السوري حمام القيشاني، ولعب دوره الفنان مروان الطيب.

    المناصب

    وزيراً للخارجية (5 نيسان – 8 تموز 1939)
    وزيراً للعدلية (5 نيسان – 8 تموز 1939)
    وزيراً للداخلية (5 نيسان – 12 أيلول 1941)
    رئيساً للحكومة السورية (5 نيسان – 12 أيلول 1941)
    وزيراً للمالية (19 آب 1943 – 7 نيسان 1945)
    وزيراً للمالية (24 آب – 30 أيلول 1945)
    وزيراً للعدل (27 نيسان – 27 كانون الأول 1946)
    وزيراً للاقتصاد (27 نيسان – 27 كانون الأول 1946)
    • سبقه في المنصب: حسن جبارة
    • خلفه في المنصب: حكمت الحكيم
    وزيراً للدفاع (16 كانون الأول 1948 – 29 آذار 1949)
    وزيراً للخارجية (16 كانون الأول 1948 – 29 آذار 1949)
    رئيساً للحكومة السورية (16 كانون الأول 1948 – 29 آذار 1949)
    وزيراً للمالية (14 آب – 14 كانون الأول 1949)
    وزيراً للخارجية (27 كانون الأول 1949 – 4 حزيران 1950)
    رئيساً للحكومة السورية (27 كانون الأول 1949 – 4 حزيران 1950)
    رئيساً للحكومة السورية (27 آذار – 9 آب 1951)
    وزيراً للخارجية (27 آذار – 9 آب 1951)
    وزيراً للخارجية (13 شباط – 13 أيلول 1955)
    وزيراً للدفاع بالوكالة (13 شباط – 13 أيلول 1955)
    وزيراً للدفاع (31 كانون الأول 1956 – 6 أذار 1958)
    رئيساً للحكومة السورية (17 أيلول 1962 – 8 آذار 1963)

     

     

     

     

  • جريدة الراوي

    الراوي، صحيفة أسبوعية أسسها  توفيق الحلبي بدمشق قبل الحرب العالمية الأولى وصدر عددها الأول في 4 كانون الأول 1909. عطلت مراراً بسبب انتقاداتها المبطنة للدولة العثمانية وتوقفت نهائياً مطلع عام 1915.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !