السنة: 2021

  • سعيد الحسيني

     

    سعيد الحسيني
    سعيد الحسيني

    سعيد الحسيني (1878-1945)، سياسي فلسطيني من القدس ومؤسس وزارة الخارجية في سورية، سمّي وزيراً للخارجية في عهد الملك فيصل الأول من 9 آذار ولغاية 3 أيار 1920.

    البداية

    ولد سعيد الحسيني في القدس، وهو سليل عائلة فلسطينية عريقة وكان جدّه الأكبر حسن أفندي الحسيني مفتياً على القدس في مطلع القرن التاسع عشر. أما والده أحمد راسم، فقد عمل في التجارة وتوفي عام 1899.

    دَرَس الحسيني في مدرسة الأليانس اليهودية وعُيّن رئيساً لقسم مراجعة الصحف اليهودية في فلسطين حيث تعرف على كل أبعاد المشروع الصهيوني. وفي سنة 1905، عُيّن رئيساً لبلدية القدس ونشط في محاربة الهجرة اليهودية ومنع بيع الأراضي الزراعية إلى الوكالة اليهودية.

    نائباً في مجلس المبعوثان

    انتُخب سعيد الحسيني نائباً في مجلس المبعوثان للمرة الأولى سنة 1908، والثانية عام 1914. تعاطف مع الثورة العربية الكبرى عند اندلاعها سنة 1916، ولكنّه لم ينضم إلى صفوفها إلّا في مرحلة متقدمة، قبل أسابيع قليلة فقط من سقوط دمشق في يد الحلفاء يوم 1 تشرين الأول 1918.

    وزيراً للخارجية في سورية

    توجه سعيد الحسيني إلى دمشق مع  الأمير فيصل بن الحسين وشارك في تتويجه ملكاً على سورية يوم 8 آذار 1920. وانتُخب نائباً عن القدس في المؤتمر السوري العام وسمّي وزيراً مؤسساً لوزارة الخارجية في حكومة رضا باشا الركابي. اعترضت فرنسا على استقلال سورية ولم تعترف بشرعية حكم الملك فيصل بدمشق، ورفضت استقبال أي مندوب يأتي من قبل الوزير الحسيني. وقد ظلّ الحسيني في منصبه لغاية تعيين هاشم الأتاسي خلفاً للرئيس الركابي في 3 أيار 1920، حيث أسندت حقيبة الخارجية إلى الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. بعد سقوط الحكم الفيصلي في سورية وفرض الانتداب الفرنسي، عاد سعيد الحسيني إلى القدس واعتزل العمل السياسي بشكل نهائي.

    الوفاة

    توفي سعيد الحسيني في القدس عن عمر ناهز 67 عاماً سنة 1945.

    الأسرة

    كان سعيد الحسيني عديلاً لأبناء مرعي باشا الملّاح، زعيم حلب وممثلها في المؤتمر السوري العام، وكانت ابنته علويّة الحسيني متزوجة من الأديب والمترجم الفلسطيني إسحاق موسى الحسيني.

    المناصب

    وزيراً للخارجية (9 آذار – 3 أيار 1920)

     

  • صبحي بركات الخالدي

     

    صبحي بركات الخالدي (1882 – 28 تموز 1949)، سياسي سوري من مدينة أنطاكية، عُيّن رئيساً للحكومة في حزيران 1922 ثم رئيساً لدولة الاتحاد السوري في شهر كانون الأول، ورئيساً للدولة السورية في الفترة ما بين 1 كانون الثاني – 21 كانون الأول 1925. شهد عهده توحيد دويلات دمشق وحلب وجبال العلويين في نظام حكم فيدرالي، واندلاع الثورة السورية الكبرى سنة 1925.  ترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية سنة 1932 وكان رئيساً للبرلمان السوري في عهد رئيس الجمهورية محمد علي العابد حتى سنة 1933.

    البداية

    ولِد صبحي بركات في مدينة أنطاكية وهو سليل عائلة سياسية عريقة يعود نسبها إلى الصحابي خالد بن الوليد. كان والده رفعت آغا عضواً في مجلس المبعوثان العثماني، وقد درس بركات في مدارس أنطاكية وفي المدرسة الملكية الشاهانية في إسطنبول. انتُخب نائباً في المؤتمر السوري العام سنة 1919، وانضم إلى الثورة المسلّحة التي اندلعت في شمال سورية ضد القوات الفرنسية، بقيادة زميله النائب إبراهيم هنانو.

    رئيساً لدولة الاتحاد السوري (1922-1924)

    حمل صبحي بركات السلاح في وجه فرنسا في أيار 1919 قبل أن يَعدل عن المسار المسلّح ويعلن عودته إلى الحياة السياسية بعد فرض الانتداب الفرنسي على سورية في تموز 1920. قسّمت فرنسا البلاد السورية إلى دويلات صغيرة (دولة دمشقدولة حلب – جبل العلويين  – دولة جبل الدروز)، وأعطت منطقة لواء إسكندرون نظاماً إدارياً خاصاً بها. بدعم من صديقه الجنرال هنري غورو، مندوب فرنسا الدائم في سورية ولبنان، انتُخب صبحي بركات عضواً في مجلس دولة حلب النيابي، وفي سنة 1922 فاز بعضوبة البرلمان المركزي بدمشق.

    في صيف العام 1922، قررت سلطة الانتداب تعديل نظام الدويلات ودمج ثلاثة منها في كيان سياسي جديد، أُطلق عليه اسم اتحاد الدول السورية، وقد ضمّ كلاً من دولة دمشق ودولة حلب ودولة جبل العلويين. وفي 11 كانون الأول 1922، انتُخب صبحي بركات رئيساً لدولة الاتحاد، ما أغضب الدمشقيين كثيراً لأنه من أنطاكية وليس من دمشق ولأن عاصمة دولته كانت في حلب وليس بدمشق.

    إرضاءً لأهالي دمشق، قام الرئيس بركات بنقل عاصمة دولة الاتحاد إلى دمشق، وعيّن عدداً من أعيان المدينة في مناصب رفيعة، مثل عطا الأيوبي الذي سمّي مديراً للداخلية، ومحمد علي العابد الذي عُيّن مديراً للمالية. وقد جاء بالوجيه الدمشقي سامي باشا مردم بك نائباً لرئيس دولة الاتحاد. ودُمِجت كلّيّتا الطب والحقوق في مؤسسة تعليمية واحدة سنة 1923، سمّيت الجامعة السورية، قبل أن يتحوّل اسمها إلى جامعة دمشق في زمن الوحدة السورية – المصرية سنة 1958. وقد عيّن رئيسها المؤسس الدكتور رضا سعيد وزيراً للمعارف في حكومته الثانية.

    ألغى صبحي بركات جميع الامتيازات الممنوحة للدول الأجنبية على الأراضي السورية، وفي 1 آب 1924، وقّع اتفاقاً مع الحكومة اللبنانية لإنشاء مصرف سورية ولبنان، الذي صدرت عنه أول عملة ورقية سورية. واستثمر الرئيس بركات في التعليم وأقر أول قانون سير في سورية، حيث وضعت بموجبه إشارات المرور اليدوية في معظم شوارع المدن الرئيسية.

    رئيساً للدولة السورية (1925)

    في نهاية عام 1924 تم استُبدل الاتحاد الفيدرالي بنظام جديد حمل اسم “دولة سورية،” دُمِجت فيه دولتا دمشق وحلب، مع الإبقاء على استقلالية دولة العلويين ودولة الدروز. أصبح صبحي بركات رئيساً للدولة السورية ابتداء من 1 كانون الثاني 1925، ليحكم البلاد من دون دستور أو أي انتخابات، متخذاً شرعيته من سلطة الانتداب الفرنسي. بعد أشهر قليلة من توليه المنصب، اندلعت الثورة السورية الكبرى وقُصفت العاصمة دمشق في 18 تشرين الثاني 1925. احتجاجاً على العدوان الفرنسي استقال صبحي بركات من منصبه مساء يوم 21 كانون الأول 1925. كانت استقالته سابقة في حياة سورية السياسية، وقد تكررت مع كل من الرئيس أحمد نامي عام 1928 والرئيس محمد علي العابد عام 1936 والرئيس هاشم الأتاسي عام 1939.

    انتخابات 1932

    عاد صبحي بركات إلى الحياة السياسية بعد مدّة قصيرة من استقالته، عند انتخابه مشرّعاً في الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور سورية الجمهوري الأول سنة 1928. أسس جريدة “الزمان” الناطقة باسمه وفي عام 1932 خاض الانتخابات النيابية مجدداً على رأس قائمة  “الدستوريين الأحرار،” التي فازت بثمانية وعشرين مقعداً من مقاعد البرلمان السوري، ما جعله رئيس أكبر كتلة نيابية في سورية. انتُخب بعدها رئيساً للبرلمان وترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية في 11 تموز 1932، ضد هاشم الأتاسي (ممثل الكتلة الوطنية) والمرشح المستقل محمد علي العابد. خسر بركات هذه الجولة، وذهبت رئاسة الجمهورية إلى محمد علي العابد، وهو وزير سابق في دولة الاتحاد السوري، وكان صبحي بركات قد تزوج من ابنته ليلى لفترة وجيزة سنة 1924.

    معاهدة الصداقة السورية – الفرنسية سنة 1933

    كانت انتخابات عام 1932 فاصلة في حياة صبحي بركات السياسية وقد نتج عنها فراق نهائي بينه وبين الفرنسيين. وعندما طرحت فرنسا اتفاقية صداقة مع الجمهورية السورية في 21 تشرين الثاني 1932، تحالف بركات مع خصومه في الكتلة الوطنية وقام بإجهاضها. ردّت سلطة الانتداب بحلّ المجلس النيابي وإعفاء الرئيس بركات من منصبه، ولكنه عاد وأصدر بياناً مؤيداً للإضراب الستيني الذي أطلقته الكتلة الوطنية في كانون الثاني 1936، بصفته “رئيساً لمجلس نواب سورية.” وقد فكّر جميل مردم بك جدياً في دعوته للانضمام إلى الكتلة الوطنية، ولكنّه قرر العودة إلى مسقط رأسه في أنطاكية، معلناً اعتزاله العمل السياسي.

    صبحي بركات رئيساً لمجلس النواب سنة 1932.
    صبحي بركات رئيساً لمجلس النواب سنة 1932.

    الوفاة

    توفي صبحي بركات الخالدي في إسطنبول عن عمر ناهز 67 عاماً في 28 تموز 1949، بعد إصابته بسرطان الدم.

    الزواج والعائلة

    تزوج الرئيس بركات سنة 1924 من ليلى العابد، كريمة وزيره محمد علي العابد وحفيدة الوجيه والسياسي الدمشقي عزت باشا العابد، كبير أمناء السلطان عبد الحميد الثاني. عُقد قرانهما في قصر جدّ العروس، بحضور عدد من رجالات الدولة السورية وضيوف كبار من تركيا ومصر. ولكنّ هذا الزواج لم يستمر طويلاً، وتزوج بركات مرة ثانية من كريمة الوجيه التركي رشدي بك، وكانت إحدى شقيقات زوجته متزوجة من وجيه من عائلة الصلح اللبنانية، ولها أخت ثانية متزوجة من آل مؤيد العظم. وقد رزق صبحي بركات منها بابنتين، تزوجت الكبرى، سهيلة، من نجل السياسي التركي رفيق كورالتان، الذي أصبح رئيساً للبرلمان التركي سنة 1950. أمّا ابنته الثانية زهراء فقد تزوجت من السفير وحيد خلف أوغلو، الذي كان وزيراً للخارجية في بلاده سنة 1980.

    المناصب

    رئيساً للحكومة (28 حزيران 1922 – 21 كانون الأول 1925)
    رئيساً لدولة الاتحاد السوري (11 كانون الأول 1922 – 31 كانون الأول 1924)
    • سبقه في المنصب: لا يوجد
    • خلفه في المنصب: أُلغي المنصب
    رئيساً للدولة السورية (1 كانون الثاني – 21 كانون الاول 1925)
    • سبقه في المنصب: لا يوجد
    • خلفه في المنصب: أحمد نامي
    رئيساً للبرلمان السوري (11 حزيران 1932 – 22 تشرين الثاني 1933)
    • سبقه في المنصب: لا يوجد
    • خلفه في المنصب: فارس الخوري (سنة 1936)

     

  • محسن البرازي

     

    الرئيس الدكتور محسن البرازي
    الرئيس الدكتور محسن البرازي

    محسن البرازي (1904 – 14 آب 1949)، سياسي سوري من حماة تولّى رئاسة الحكومة السورية في عهد حسني الزعيم وقُتِل معه في منتصف شهر آب من العام 1949. كان رئيساً للجنة التي وضعت دستور الزعيم المؤقت ومشرفاً على انتخابه رئيساً للجمهورية يوم 26 حزيران 1949. وقبلها كان البرازي وزيراً للداخلية والخارجية والمعارف ومديراً لمكتب رئيس الجمهورية شكري القوتلي. هو عرّاب صفقة تسليم أنطون سعادة، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، إلى السلطات اللبنانية والتي أودت بحياته وعجّلت من سقوط حسني الزعيم ومحسن البرازي معاً ليلة 14 آب 1949.

    البداية

    ولِدَ محسن البرازي في مدينة حماة وهو سليل عائلة كردية كبيرة. دَرَس في جامعة ليون الفرنسية ونال منها شهادة دكتوراة في القانون الدولي سنة 1930. انتسب البرازي في شبابه إلى عصبة العمل القومي، ولكن نشاطه لم يطل بسبب ملاحقة سلطات الانتداب الفرنسي له ولرفاقه. عَمِل أستاذاً في كلية الحقوق بالجامعة السورية وفي 5 نيسان 1941 سُمّي وزيراً للمعارف في حكومة خالد العظم الأولى.

    مع الرئيس القوتلي

    وفي سنة 1944 اختير البرازي ليكون مديراً لمكتب رئيس الجمهورية شكري القوتلي، بدلاً من الدكتور نجيب البرازي الذي نُقل إلى ملاك وزارة الخارجية. أحبه القوتلي ووثق به كثيراً وعيّنه أميناً عاماً للقصر الجمهوري وعضواً في وفد سورية المؤسس في جامعة الدول العربية سنة 1944. وفي عهد الاستقلال وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية سمّي وزيراً للداخلية والصحة في حكومة جميل مردم بك الرابعة في تشرين الأول 1947.

    وفي 22 آب 1948 عُيّن وزيراً للخارجية في حكومة مردم بك الخامسة والأخيرة، وكان ذلك في الأشهر الأولى من حرب فلسطين. قام البرازي بجولات على عواصم الدول العربية، مستثمراً في علاقته المتينة مع الملك عبد العزيز آل سعود وصلة القربى بينه وبين نسيبه رياض الصلح، رئيس الحكومة اللبنانية المتزوج مثله من سيدة من آل الجابري. وفي 16 كانون الأول 1948، عُيّن وزيراً للمعارف في حكومة خالد العظم الثانية، وهي التي كانت في سدّة الحكم عشيّة وقوع الانقلاب الأول يوم 29 آذار 1949.

    مع حسني الزعيم

    تفاجأ البرازي بالانقلاب لكونه على صلة وثيقة بحسني الزعيم، قائد الانقلاب الذي كان قد توسط لأجله لدى الرئيس القوتلي وسعى لعودته إلى الخدمة العسكرية بعد جلاء الفرنسيين سنة 1946. جاءه الزعيم شاكياً القلّة المادية وطلب إليه التوسط لدى رئيس الجمهورية للعودة إلى الجيش بعد تسريحه واعتقاله في أثناء الحرب العالمية الثانية بسبب قضية سوء أمانة مالية. عطف البرازي على الزعيم وأقنع القوتلي بتعيينه قائداً عسكرياً في مدينة دير الزور ثم رئيساً للشرطة العسكرية وبعدها قائداً للجيش السوري في أيار 1948، أي قبل وقوع الانقلاب بأشهر.

    محسن البرازي مع الرئيس حسني الزعيم في القصر الجمهوري سنة 1949.
    محسن البرازي مع الرئيس حسني الزعيم في القصر الجمهوري سنة 1949.

    وبعد سماعه خبر اعتقال القوتلي ورئيس الحكومة خالد العظم صبيحة يوم الانقلاب، توجه محسن البرازي إلى مكتب الزعيم في قيادة الشرطة وطالب بإخلاء سبيلهما، مُحذّراً من خطورة الانقلاب وعدم شرعيته، لا من الناحية الأخلاقية ولا الدستورية. قال لحسني الزعيم: “الأفضل لك ولمصلحة البلاد أن تبادر وتُعيد كل شيء إلى ماكان عليه قبل شروق الشمس، فالتوقيت لا يزال فيه متسع.” وعندما رفض الزعيم الأخذ بنصيحته، أصر البرازي على الذهاب إلى سجن المزة ليكون برفقة القوتلي والعظم. ولكنّ مدة احتجازه لم تستمر إلا أياماً معدودة، فقد أخلي سبيله بأمر من الزعيم وعُيّن مستشاراً له ومبعوثاً خاصاً لدى ملوك مصر والسعودية.

    رئيساً للجنة الدستور

    طُلب إلى محسن البرازي إضفاء شرعية قانونية على عهد حسني الزعيم العسكري وكانت الخطوة الأولى في هذا المجال وضع دستور جديد للبلاد،  ينتخب عن طريقه الزعيم رئيساً للجمهورية. شُكّلت لجنة دستورية برئاسة البرازي، ضمّت أسعد كوراني وشاكر الحنبلي ونهاد القاسم، ومعهم صبري العسلي، أمين عام الحزب الوطني. وقد طلب البرازي مساعدة الملك فاروق الذي أرسل رئيس مجلس الدولة المصرية عبد الرزاق السنهوري إلى دمشق للمشاركة في صياغة دستور سورية الجديد.

    وبعد الانتهاء من الدستور أشرف البرازي على الاستفتاء الشعبي الذي أوصل حسني الزعيم إلى سدّة الرئاسة في 26 حزيران 1949. اعترافاً بدوره وتكريماً له، عينه الزعيم رئيساً للحكومة ليكون ثاني رئيس وزراء من عائلة البرازي، بعد حسني البرازي الذي تولى الحكم لفترة وجيزة سنة 1942.

    محسن البرازي مع رياض الصلح.
    محسن البرازي مع رياض الصلح.

    قضية أنطون سعادة

    تعرضت حكومة البرازي إلى انتقادات لاذعة بسبب قضية أنطون سعادة، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي جاء إلى دمشق طالباً اللجوء السياسي في صيف العام 1949. استقبله حسني الزعيم وأعطاه الأمان، ثم بدأ بالتخطيط معه لقلب نظام الحكم في لبنان بسبب رفض زعمائه الاعتراف بشرعية الانقلاب السوري. لم يكن البرازي على وفاق مع سعادة وكان معارضاً لاستقباله في سورية، وقد أقنع الزعيم بتسليمه إلى لبنان، نزولاً عند رغبة رئيس الجمهورية اللبنانية بشارة الخوري ورئيس وزرائه رياض الصلح.

    أقنع البرازي السلطات اللبنانية بضرورة الاعتراف بشرعية حسني الزعيم مقابل تسليم سعادة، وقد تمّت الصفقة بنجاح وسلّم الأخير إلى أجهزة الأمن اللبنانية وأعدم في بيروت يوم 8 تموز 1949. فُتِحت فوراً صفحة جديدة في العلاقات السورية – اللبنانية ووصول رياض الصلح إلى دمشق، برفقة رئيس الجمهورية بشارة الخوري للاجتماع بالزعيم والاعتراف رسمياً بشرعية حكمه.

    انقلاب سامي الحناوي في 14 آب 1949

    في الساعات الأولى من فجر يوم 14 آب 1949 وقع انقلاب عسكري جديد في سورية، قاده اللواء سامي الحناوي بالتعاون مع ضباط قوميين من أنصار أنطون سعادة. اعتقل الزعيم والبرازي معاً وأعدما رمياً بالرصاص بتهمة “الخيانة العظمى.” وقد حاول البرازي التوسّل لدى ضباط الانقلاب ولكنه صُفع على وجهه ورُمي أرضاً قبل إفراغ ذخيرة البنادق في جسده. واعتقل يومها نجله خالد وكان من المفترض أن يقتل مع أبيه، ولكن الحناوي أطلق سراحه بسبب صغر سنه. توفي محسن البرازي في الساعة الثالثة والربع فجراً من يوم 14 آب 1949، عن عمر ناهز 45 عاماً.

    مذكرات البرازي

    وفي سنة 1953 نُشرت مذكرات محسن البرازي في جريدة الحياة ضمن سلسلة بعنوان “صوت من وراء القبر.” جاءت في واحد وثلاثين حلقة وتحدث فيها البرازي عن مفاوضاته المكوكية مع الزعماء العرب في أثناء حرب فلسطين. وفي سنة 1994 جُمِعت هذه الأوراق في كتاب صغير حمل اسم مُذكّرات محسن البرازي، حقّقته المؤرّخة الفلسطينية خيرية قاسمية. وبعدها بسنوات طويلة عثر المؤرخ محمد الأرناؤوط على المزيد من أوراق البرازي وجمعها  كتاب بعنوان مُذكّرات محسن البرازي رئيس وزراء سورية الأسبق الذي صدر في العاصمة الأردنية عمّان سنة 2022.

    عائلة محسن البرازي

    اشتهرت حفيدة محسن البرازي بعد سنوات طويلة من رحيله، وهي الإعلامية الأمريكية أروى دامون، مراسلة شبكة السي أن أن في الشرق الأوسط أثناء الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003.

    المناصب

    وزيراً للمعارف (5 نيسان – 12 أيلول 1941)
    أمين عام القصر الجمهوري (1944-1946)
    وزيراً للصحة (6 تشرين الأول 1947 – 22 آب 1948)
    وزيراً للداخلية (6 تشرين الأول 1947 – 22 آب 1948)
    وزيراً للخارجية (22 آب – 16 كانون الأول 1948)
    رئيس لجنة الدستور (آيار – حزيران 1949)
    رئيس الحكومة السورية (26 حزيران – 14 آب 1949)

     

     

     

     

  • جريدة العصر الجديد

    العصر الجديد، ثالث صحيفة مستقلة خاصة بدمشق في العهد العثماني، صدر عددها الأول في 1 تشرين الأول 1908 والأخير عام 1912. أسسها الصحفي ناصيف أبو زيد وكانت موالية للانقلاب العثماني على السلطان عبد الحميد الثاني، وجاء في عددها الافتتاحي إنها “جريدة سياسية تجارية علمية صناعية أدبية زراعية أسبوعية.” صدرت بثماني صفحات من القطع الصغير ولكنها تحولت إلى يومية وصارت تصدر بأربع صفحات من القطع المتوسط> وتولّى رئاسة تحريرها الشاعر سليم عنحوري ثم الأديب عيسى إسكندر معلوف حتى توقفها عام 1912.

  • جريدة الشام

    الشّام، ثانية صحيفة خاصة بدمشق، أسسها الصحفي مصطفى واصف وصدر عددها الأول يوم 22 تموز 1896. وصفها رئيس التحرير بأنها صحيفة “إخبارية، علمية، سياسية، أدبية” تصدر صباح كل يوم ثلاثاء بأربع صفحات من القطع المتوسط ولكنها أوقفت إبان الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1908. ومن أبرز من كتب بها: الصحفي مصطفى واصف، الصحفي أديب نظمي، الشاعر سليم عنحوري والسياسي أحمد عزت باشا العابد. 

  • جريدة دمشق

    دمشق، صحيفة أسبوعية خاصة أسسها الوجيه أحمد عزت باشا العابد يوم كان رئيساً لقلم المراسلات في ولاية سورية سنة 1878. كانت أول صحيفة خاصة بدمشق، تصدر بأربع صفحات من القطع المتوسط باللغتين العربية والتركية. توقفت مدة ثلاثة أشهر وعادت في 10 آب 1879. تعاقب على رئاسة التحرير الشاعر سليم عنحوري والصحفي أديب نظمي، وظلت الصحيفة تصدر دون انتظام حتى سنة 1887.

  • جريدة الكائنات

     

    الكائنات، صحيفة أسبوعية أسسها أديب نظمي سنة 1911 واستمرت لغاية الحرب العالمية الأولى عام 1914. كان نظمي معروفاً في عالم الصحافة، من خلال ترير قسم اللغة العربية في جريدة سورية الرسمية وعمله مراسلاً لصحيفة ثمرات الفنون. صدرت الكائنات صباح كل يوم ثلاثاء بأربع صفحات من القطع المتوسط وكانت، بحسب تعبير رئيس تحريرها “قومية عثمانية حرة” تنطق باللغتين العربية والتركية. توقفت الصحيفة بسبب مرض صاحبها سنة 1914 ما منعه من اممارسة العمل الصحفي.

     

  • أديب نظمي

    أديب نظمي (1840 – 26 أيلول 1918)، صحفي سوري من دمشق، تعود أصوله إلى مصر وكان يُعرف بأديب نظمي الطناحي المصري. أسس جريدة الكائنات الأسبوعية سنة 1911 وظل يصدرها حتى سنة 1914، وتزوج من الأديبة اللبنانية زينب فواز، التي كانت قد حققت شهرة كبيرة في مصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

    البداية

    ولِد أديب نظمي في دمشق وبدأ حياته المهنية في جريدة سورية الحكومية سنة 1878، مُحرراً في قسمها العربي. وفي عام 1896 انتقل إلى جريدة الشّام الخاصة ثم إلى جريدة دمشق التي كان يُصدرها الوجيه أحمد عزت العابد. رافق الحركة الثقافية في دمشق وكتب الكثير عن مؤسس المسرح أبى خليل القباني. عُيّن بعدها رئيساً لكتّاب محكمة الاستئناف وأطلق جريدة خاصة سنة 1910 اسمها المُنتخبات. ولكنها وأغلقت بسبب عجز مالي بعد أشهر.

    الزواج

    تزوج أديب نظمي ثلاث مرات في حياته وكانت زوجته الأخيرة الكاتبة اللبنانية زينب فواز. تعرف عليها بالمراسلة بعد أن قرأ شيء من أدبها وجاءت من مصر لتقيم معه في منزل صغير بسهل حوران في تسعينيات القرن التاسع عشر. ولكن زواجهما لم يستمر وافترقا بعد ثلاث سنوات.

    جريدة الكائنات

    بعد المنتخبات، أطلق أديب نظمي جريدة أسبوعية باسم الكائنات، ظلّت تصدر حتى بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914، قبل أن تتوقف تتوقف بسبب مرض صاحبها عندما أصيب بشلل نصفي منعه من ممارسة العمل الصحفي.

    الوفاة

    توفي أديب نظمي يوم 26 أيلول 1918، عندما قصفت الطائرات العثمانية مخازن السلاح في دمشق، قبل ساعات قليلة من انسحاب الجيش العثماني عن المدينة.  خرج نظمي على كرسيه المتحرك إلى صحن داره وأصيب بشظايا قتلته على الفور. وكانت هذه القنبلة هي الوحيدة التي ألقيت على دمشق طول سنوات الحرب العالمية الأولى.

  • جريدة سورية

    سورية، الصحيفة الرسميّة لولاية سورية في العهد العثماني، صَدَرت من دمشق باللغتين العربية والتركية صباح كل يوم خميس من سنة 1865 ولغاية انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918. صَدَر عددها الأول في 19 تشرين الثاني 1865 وكان عبارة عن أربع صفحات من القطع المتوسط وفيها كانت تُنشر جميع المراسيم الحكومية والفرامات السلطانية. تعاقب على رئاسة تحريرها عدد من الصحفييّن الكبار، كان أشهرهم محمد كرد علي، وتوقفت مع هزيمة الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى وانسحابه عن دمشق في نهاية شهر أيلول من العام 1918. حلّت مكانها من يومها جريدة العاصمة، الجريدة الرسمية للحكومة سورية المُستقلة في عهد الملك فيصل الأول، التي ترأس تحريرها الصحفي والأديب محب الدين الخطيب.

     

  • هاشم الأتاسي

    الرئيس هاشم الأتاسي
    الرئيس هاشم الأتاسي

    هاشم بن خليل الأتاسي (11 كانون الثاني 1873 – 6 كانون الأول 1960)، زعيم الحركة الوطنية وأحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة، انتُخب رئيساً للجمهورية مرتين ولُقّب بأبي الدستور لدوره في صياغة دستور سورية الأول سنة 1920 ودستورها الثاني عام 1928. تقلّد أرفع المناصب السياسية في حياته فكان رئيساً للمؤتمر السوري الأول  سنة 1919 ثمّ رئيساً للحكومة السورية سنة 1920. أسس الكتلة الوطنية سنة 1927 وقاد مفاوضات الاستقلال الأولى مع فرنسا عام 1936. كانت رئاسته الأولى في السنوات 1936-1939 والثانية من عام 1949 ولغاية عام 1951. استقال من المنصب إثر انقلاب أديب الشيشكلي وعاد إلى الرئاسة سنة 1954 لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية حتى أيلول 1955.

    البداية

    ولِد هاشم الأتاسي في مدينة حمص وسط البلاد وهو سليل أسرة سياسية كبيرة من العُلماء والقضاة. كان جدّه الشّيخ محمّد الأتاسي مُفتياً على حمص وكذلك والده الشّيخ خالد الأتاسي الذي انتُخب عضواً في مجلس المبعوثان في إسطنبول سنة 1877. دَرَس هاشم الأتاسي في مدارس حمص الحكومية وفي الكليّة الإسلامية ببيروت ثم أكمل تحصيله العلمي في المدرسة الملكية العُليا في إسطنبول، وعند تخرّجه عُيّن معاوناً لوالي بيروت سنة 1894.

    الوظائف الإدارية في العهد العثماني

    من بيروت انتقل هاشم الأتاسي إلى قضاء المرقب (بانياس) قبل تسلّمه قائمقامية قضاء صهيون (الحفة) حتى نقله إلى صفد سنة 1902 ثمّ إلى صور وجبل عامل. وفي عام 1904 عُيّن قائمقام السلط ووكيل مُتصرّف الكرك حتى سنة 1907، عند تسلّمه قائمقامية قضاء جبلة في الساحل السوري.

    وفي صيف العام 1908 وقع انقلاب عسكري في إسطنبول، أطاح بحكم السلطان عبد الحميد الثاني ومعه معظم الموظفين العرب في الدولة، المحسوبين على العهد الحميدي. ولكن قرارات العزل لم تشمل هاشم الأتاسي، نظراً لسمعته الحسنة وبعده عن السياسة والجمعيات السرية المناهضة للدولة العثمانية. وفي عهد السلطان محمد رشاد الخامس، عُيّن قائمقام قضاء عجلون ثم بعلبك الهرمل، ثم يافا سنة 1912. بعدها بعام عُيّن هاشم الأتاسي برتبة مُتصرّف على مدينتي حمص وحماة، ثم على عكا. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 نُقل حاكماً على جنوب الأناضول ثم على مدينة بوردور في الأناضول الغربي، حيث بقي حتى نهاية الحرب سنة 1918.

    رئيساً للمؤتمر السوري العام 1919-1920

    لم يُشارك هاشم الأتاسي في الثورة العربية الكبرى التي انطلقت ضد العثمانيين من الصحراء العربية سنة 1916، ولكنه كان مُتعاطفاً معها ومُقرباً من قائدها العام الشريف حسين بن عليّ، أمير مكة المكرمة. وعند انتصار الثورة وسقوط الحكم العثماني في دمشق نهاية شهر أيلول من العام 1918، عاد الأتاسي إلى مسقط رأسه في حمص وبايع الأمير فيصل حاكماً عربيّاً على سورية. قرر الأخير تعيينه مُتصرّفاً على مدينة حمص من تشرين الأول 1918 وحتى آذار 1919، قبل أن يستقيل لكي يتمكن من المشاركة في الانتخابات النيابي التي دعا إليها الأمير فيصل، لإنشاء أول سلطة تشريعية عرفتها البلاد السورية، عُرفت باسم المؤتمر السوري العام.

    انتُخب الأتاسي نائباً عن حمص وفي 3 حزيران 1919 رئيساً للمؤتمر السوري العام، حيث أشرف على افتتاح أعمال السلطة التشريعية في جلسة تاريخية عُقدت داخل مبنى النادي العربي وسط مدينة دمشق. أولى مهام الرئيس الجديد كانت استقبال لجنة كينغ كراين الأمريكية التي جاءت إلى سورية بطلب من الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون لمعرفة مدى تقبل الشعب السوري لفكرة الانتداب الفرنسي، الذي كان من المفترض وضعه قيد التنفيذ وفقاً  لاتفاقية سايكس بيكو المبرمة سنة 1916 بين الحكومتين الفرنسية والبريطانية. ترأس الأتاسي الجانب السوري في أثناء المفاوضات مع اللجنة الأمريكية وأصدر بياناً باسم الشعب السوري رفض فيه الانتداب الفرنسي وطالب باحترام وحدة الأراضي السورية واستقلالها التام.

    وفي 8 آذار 1920 أشرف الأتاسي على مراسيم تتويج الأمير فيصل ملكاً على سورية، التي جرت في مبنى بلدية دمشق وسط ساحة المرجة. وانتخب بعدها الأتاسي رئيساً للجنة صياغة الدستور السوري الأول، أو دستور سورية الملكي الذي اعترف بمُلك فيصل وأولاده من بعده على أراضي المملكة السورية. ولكنه أصر أن يكون فيصل الأول ملكاً دستورياً محدود الصلاحيات، يتوجب عليه العودة إلى مجلس النواب في اتخاذ أي قرار مصيري بخص البلاد، مثل السلم والحرب.

    هاشم الأتاسي رئيساً للمؤتمر السوري العام سنة 1919.
    هاشم الأتاسي رئيساً للمؤتمر السوري العام سنة 1919.

    رئيساً للحكومة سنة 1920

    احتجت الدول العظمى على قرار تتويج فيصل وعدَّته تحدّياً سافراً لفرنسا وخرقاً لاتفاقية سايكس بيكو. وعند تزايد الكلام عن قرب مواجهة عسكرية مع الفرنسيين، دعاه الملك لتشكيل حكومة مواجهة في 5 أيار 1920، تكون مهمتها التفاوض مع الفرنسيين على حل سلمي للأزمة، أو ردّ العدوان في حال حصوله. وفي 14 تموز 1920، وصل إنذار شديد اللهجة إلى دمشق من المفوض السامي الفرنسي هنري غورو، يطالب فيه بحلّ الجيش السوري وجمع السلاح تمهيداً لفرض الانتداب الفرنسي على سورية، مع تسليم عدد من المرافق الحيوية إلى القوات الفرنسية المرابطة في سهل البقاع، مثل سكة حديد رياق-حلب.

    اقترح الأتاسي رفض الإنذار، لما فيه من شروط مجحفة بحق الشعب السوري، ولكن الملك فيصل كان له رأي مُختلف، فقد قبل به وأبرق إلى غورو بالموافقة. ولكنّ الأخير رأى أن برقية الملك جاءت متأخرة، أي بعد المهلة المحددة للرد من قبل الجيش الفرنسي، وأمر ببدء الزحف نحو مدينة دمشق واحتلالها بالكامل.

    نهاية العهد الفيصلي

    حصلت المواجهة العسكرية في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920 وهُزم على أثرها  الجيش السوري، واستشهد يوسف العظمة، وزير الحربية في حكومة الأتاسي. خرج هاشم الأتاسي من دمشق إلى قرية الكسوة مع الملك فيصل، دعماً ومؤازرة بعد الهزيمة، ولكنه فضّل عدم مغادرة سورية كما فعل فيصل، وقرر الاعتكاف في منزله بحمص. أما الملك فيصل فقد توجه إلى أوروبا مع عدد من مستشاريه للاحتجاج على الطريقة المهينة التي أُقصي فيها عن عرش سورية، وقد نجحت مساعيه وعاد إلى المنطقة بعد سنة واحدة فقط، ملكاً على العراق بدعم بريطاني. وكان آخر قرار أصدره فيصل قبل مغادرته الأراضي السورية في 1 آب 1920 هو إقالة حكومة الأتاسي وتعيين علاء الدين الدروبي رئيساً للوزراء.

    في زمن الثورة السورية الكبرى

    اعتزل هاشم الأتاسي العمل السياسي يوم احتلال دمشق ولم يُشارك في الثورة السورية الكبرى عند انطلاقها سنة 1925، ولكنه أيدها ضمناً كما فعل مع الثورة العربية الكبرى ودفع بشقيقه خليل للمشاركة بها، مع عدد من رجالات آل الأتاسي.  وقد أمرت سلطة الانتداب الفرنسي باعتقاله ونقله إلى سجن أرواد، وهي المرة الأولى والأخيرة التي دخل فيها هاشم الأتاسي السجن.

    تأسيس الكتلة الوطنية

    بعد قمع الثورة السورية الكبرى واعتقال معظم قادتها أو نفيهم، قرر هاشم الأتاسي العودة إلى العمل الوطني عبر تنظيم سياسي جديد يهدف إلى لمّ الشمل وتوحيد الكلمة في وجه الفرنسيين. وفي 23 تشرين الأول 1927 عقد اجتماعاً في بيروت مع مجموعة من الوطنيين، أعلنوا فيه عن ولادة الكتلة الوطنية لمحاربة الانتداب، تلاه اجتماع كبير في دار الأتاسي  بحمص يومي 3-4 تشرين الثاني 1932، جرى فيه إقرار دستور الكتلة الوطنية وانتخابه رئيساً لها مدى الحياة.

    قادة الكتلة الوطنية سنة 1932.
    قادة الكتلة الوطنية سنة 1932.

    سعت الكتلة إلى مقارعة الفرنسيين سياسياً وليس عسكرياً، في اعتراف ضمني من قادتها بفشل المقاومة المسلّحة التي رافقت ثورة عام 1925. وقد طالب الأتاسي باسم الكتلة الوطنية برفع الأحكام العرفية واحترام حرية الصحافة وإصدار عفو عام عن كافة المعتقلين والمنفيين لأسباب سياسية. وكان له رأي تبناه الجميع بالأكثرية، عن ضرورة محاربة الانتداب عبر المؤسسات الديمقراطية نفسها التي كانت فرنسا قد أدخلتها إلى الحياة السياسية في سورية منذ سنة 1920. قرروا المشاركة في جميع الانتخابات المُقبلة للوصول إلى الحكم بشكل ديمقراطي وقانوني، بما عُرف بسياسة “التعاون المُشرف” مع سلطة الانتداب.

    دستور عام 1928

    وفي نيسان 1928، خاضت الكتلة الوطنية أولى معاركها السياسية عند الدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية وكتابة دستور جديد للبلاد، بدلاً من الدستور الملكي الذي كان الأتاسي قد وضعه قبل سنوات، والذي لم ير النور بسبب فرض الانتداب عام 1920. خاضت الكتلة الوطنية تلك الانتخابات وفازت بغالبية مقاعد الجمعية التأسيسية، وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجنة الدستور، يعاونه اثنان من أعضاء الكتلة الحقوقيين، وهما فوزي الغزي وفائز الخوري.

    أنجز الأتاسي ورفاقه دستور سورية الجديد في فترة قياسية لم تتجاوز مدتها الأسبوعين، ووضعوا دستوراً عصرياً مُستلهماً من الدساتير الأوروبية. ولكن هذا الدستور لم يُعجب السلطات الفرنسية بسبب خلوّه الكامل من أية إشارة إلى نظام الانتداب. كما أنه أعطى بموجب المادة 74 رئيس الجمهورية السورية “المُنتخب” بدلاً من المندوب السامي الفرنسي حق إعلان الحرب والسلم وتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. وجاء في المادة 110 من الدستور حق سورية في إنشاء جيش وطني بدلاً من الجيش الفيصلي الذي سُحِق وحُلَّ بعد معركة ميسلون. وأخيراً اعترضت فرنسا على المادة الثانية من مسودة الدستور التي نصّت على أن سورية الطبيعية المساحة القانونية للدولة السورية الوليدة، في نسف كامل لحدود سايكس بيكو.

    وفي 11 آب 1928 جرى التصويت على مسودة الدستور داخل الجمعية التأسيسية، وقرر النواب تبنيه بالإجماع. ولكنّ الفرنسيين أصروا على موقفهم وأضافوا مادة حَمَلت الرقم 116، فيها ذكر صريح لنظام الانتداب. قام الأتاسي برفضها، ما استدعى قراراً فرنسياً بتعطيل أعمال الجمعية التأسيسية وحلّها نهائياً ابتداء في 5 شباط 1929.

    انتخابات الرئاسة عام 1932

    في سنة 1932 خاضت الكتلة الوطنية ثاني معاركها السياسية عبر الترشح للانتخابات النيابية، ولكنها خسرت كل مقاعدها في الشمال السوري لصالح القائمة المدعومة من قبل الفرنسيين، والتي كان يرأسها صبحي بركات، نائب مدينة أنطاكية. فاز الأتاسي بمقعده المعتاد عن حمص ووصل عدد نواب الكتلة إلى سبعة عشر نائباً، أي أنهم لم يحققوا الأكثرية النيابية المطلوبة للسيطرة على المجلس. وعند عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، قاموا بترشيح الأتاسي ضد صبحي بركات والمرشح المستقل محمد علي العابد. خاض الأتاسي الجلسة الأولى من الانتخابات وقرر الانسحاب في الجلسة الثانية، نظراً لضعف تمثيل كتلته في حلب، وأعطى أصوات كتلته للعابد لقطع الطريق على فوز صبحي بركات بالرئاسة. وبناء على هذه المناورة السياسية، فاز محمد علي العابد برئاسة الجمهورية في 11 حزيران 1932.

    الإضراب الستيني سنة 1936

    في تشرين الثاني 1935 توفي زعيم الكتلة إبراهيم هنانو في حلب وخرج رفاقه في جنازته، يتقدمهم هاشم الأتاسي، رافعين شعارات منددة بفرنسا.  حدثت صدامات دامية يومها بينهم وبين عناصر جيش الشرق الفرنسي، أدّت إلى اعتقال عدد كبير من أنصار الأتاسي في كل من حلب وحمص وحماة.  تكررت المواجهات في الداخل السوري والشمال، وتحوّلت إلى إضراب عام، أعلنت عنه  الكتلة الوطنية بعد اعتقال نائب دمشق فخري البارودي في 21 كانون الثاني 1936. بدأ الإضراب في دمشق وحلب وامتد حتى دير الزور والبوكمال، وقد دام ستين يوماً تُوّج فيها هاشم الأتاسي زعيماً على الشارع السوري بكل شرائحه وأطيافه، مع رفع شعار “الدين لله والطاعة للكتلة الوطنية.

    أُجبرت فرنسا على الدخول بمفاوضات مباشرة مع الأتاسي، جرت في مقر المفوضية الفرنسية العليا في بيروت بحضور رئيس الحكومة عطا الأيوبي. اتفق الطرفان على وقف الإضراب مقابل الإفراج عن عن المعتقلين السياسيين كافة، وفي مقدمتهم فخري البارودي، مع دعوة وفد من الكتلة الوطنية إلى باريس للتفاوض على مستقبل سورية.

    هاشم الأتاسي وعطا الأيوبي عند الإعلان عن انتهاء الإضراب الستيني سنة 1936.
    هاشم الأتاسي وعطا الأيوبي عند الإعلان عن انتهاء الإضراب الستيني سنة 1936.

    نَزَلَ هاشم الأتاسي إلى سوق الحميدية بدمشق حيث وُضِع شريط أخضر على مدخله، قام بقصه مُعلناً إنهاء الإضراب الستيني. وفي 3 آذار 1936 سافر إلى باريس على رأس وفد رفيع من قادة الكتلة الوطنية، مؤلف من فارس الخوري وسعد الله الجابري وجميل مردم بك. وفي أشهر غيابه عن دمشق، قام الأتاسي بتكليف شكري القوتلي برئاسة الكتلة الوطنية بالوكالة.

    معاهدة عام 1936

    مكث الأتاسي وصحبه في فرنسا مدة ستة أشهر، قاموا فيها بمفاوضة حكومة إدوار دلادييه أولاً ثمّ خليفته الاشتراكي ليون بلوم. حاول الأتاسي إدراج بند على جدول المفاوضات يؤدي إلى استعادة الأقضية الأربعة التي سُلخت عن سورية وضمّت إلى لبنان سنة 1920 ولكنّ بلوم أصرّ على أن تكون المفاوضات حول مستقبل سورية فقط وألا تشمل الكيان اللبناني.

    توصل الأتاسي إلى معاهدة مع فرنسا وُقّعت في مقر وزارة الخارجية الفرنسية في باريس يوم 9 أيلول 1936، تعطي سورية استقلالاً تدريجياً مقابل مجموعة من الامتيازات السياسية والعسكرية والثقافية. نصّت معاهدة عام 1936 على إعادة جبال العلويين والدروز إلى سورية والسماح بإنشاء جيش وطني، شرط أن أن يُسلَّح ويُدرَّب من قبل فرنسا. وفي المقابل وافق الأتاسي على منح فرنسا حق الانتفاع من الجو والبحر والأرض في سورية، في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا.

    هاشم الأتاسي مع أعضاء الكتلة الوطنية عند التوقيع على معاهدة عام 1936.
    هاشم الأتاسي مع أعضاء الكتلة الوطنية عند التوقيع على معاهدة عام 1936.

    عاد وفد الكتلة الوطنية إلى دمشق رافعاً شعار النصر في 29 أيلول 1936 واستُقبل أعضاؤه استقبال الفاتحين. وقد أُجريت انتخابات مبكرة في شهر تشرين الثاني، فازت فيها الكتلة الوطنية بغالبية مقاعد المجلس النيابي. استقال محمد علي العابد من منصبه وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في 21 كانون الأول 1936.

    الرئاسة الأولى 1936-1939

    كلّف هاشم الأتاسي زميله في الكتلة جميل مردم بك برئاسة الحكومة وانتُخب صديقه فارس الخوري رئيساً لمجلس النواب.  ولأول مرة منذ احتلال سورية سنة 1920 سُمح للسوريين بأن يكون لهم وزارة للخارجية، تولّاها سعد الله الجابري، ووزارة للدفاع، التي تسلّمها شكري القوتلي. وكان أول عمل قامت به الحكومة المردمية هو التصديق على معاهدة عام 1936 قبل أن تُرسَل إلى مجلس النواب حيث جرت الموافقة عليها بالإجماع.

    هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية سنة 1936.
    هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية سنة 1936.

    تعرض عهد هاشم الأتاسي من يومه الأول إلى تحديات جسيمة، تمثّلت بداية بعودة زعيم المعارضة عبد الرحمن الشهبندر من منفاه في مصر وشنّه هجوماً عنيفاً على معاهدة عام 1936، مُعتبراً أنها أعطت فرنسا الكثير ولم تأخذ بالمقابل وعداً صريحاً بالاستقلال. كان الشهبندر صديقاً قديماً للأتاسي وقد عُيّن وزيراً للخارجية في حكومته الأولى أيام الملك فيصل، ولذلك فقد تجنب الدخول في مواجهة معه وصوّب سهامه فقط باتجاه جميل مردم بك وسعد الله الجابري.  وقد ردّ رئيس الحكومة على انتقادات الشهبندر المتكررة بوضعه قيد الإقامة الجبرية ومنعه من ممارسة أي نشاط سياسي، وأمر باعتقال عدد من أنصاره، ما أضر بسمعة العهد الوطني وأزعج الرئيس الأتاسي كثيراً.

    وقد واجه الأتاسي تحديات أمنية كبيرة في منطقة الجزيرة عند ظهور تيار انفصالي قام أتباعه بخطف محافظ المنطقة توفيق شامية. حادثة الاختطاف هزت الطبقة السياسية في سورية وأدت إلى هروب محافظ اللاذقية عادل العظمة، خوفاً من مصير مشابه. إضافة لكل هذه التحديات، تزامنت رئاسة الأتاسي مع صعود أدولف هتلر في ألمانيا وشعور الفرنسيين بالقلق الشديد من طموحاته التوسعية. تحسباً لأي مواجهة معه في أوروبا، قرر البرلمان الفرنسي عدم التصديق على معاهدة عام 1936، ما وضع الكتلة الوطنية ورئيسها في موقف حرج أمام الشارع السوري. حاول الأتاسي تدارك الموقف وأرسل رئيس الحكومة إلى فرنسا للتفاوض على الملاحق للمعاهدة، كضمان مكانة اللغة الفرنسية في المدارس السورية وإعطاء فرنسا حق التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية. ولكنّه طلب من جميل مردم بك ألا يوقع على أي ملحق قبل مناقشته أمام البرلمان، ولكنّ رئيس الحكومة قام بالتوقيع، متجاهلاً كلام رئيس الجمهورية.

    وعندما أصر الفرنسيون على موقفهم الرافض للمعاهدة، استقال جميل مردم بك من رئاسة الحكومة في شباط 1939. شُكّلت بعدها حكومتان، الأولى برئاسة لطفي الحفار، عضو المكتب الدائم في الكتلة الوطنية، والثانية برئاسة السياسي المستقل نصوحي البُخاري، المحسوب على رئيس الجمهورية. ولكنّهم فشلوا في تمرير المعاهدة وفي منع سلخ منطقة لواء إسكندرون عن سورية، التي أُعطيت إلى تركيا من قبل حكومة باريس لضمان حيادها في الحرب العالمية الثانية. احتجاجاً على رفض التصديق على المعاهدة وعلى سلخ اللواء، استقال هاشم الأتاسي من منصبه مساء يوم 7 تموز 1939. بعدها بيوم واحد حُلَّ المجلس النيابي وتولّى المفوض السامي الفرنسي شؤون السلطتين التنفيذية والتشريعية في سورية.

    قمة الأتاسي – ديغول سنة 1941

    بعدها بشهرين اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وفي 14 حزيران 1940، احتُلَّت باريس من قبل هتلر والجيش الألماني، وسقطت سورية تحت حكم الرايخ الثالث. نظّمت مقاومة فرنسية  ضد الاحتلال النازي بقيادة الجنرال شارل ديغول، الذي قاد حملة مشتركة مع الإنكليز لتحرير سورية من حكم فيشي  في تموز 1941. ثم جاء ديغول إلى دمشق وتوجه إلى بلدة شتورا اللبنانية حيث كان الأتاسي يقضي إجازته الصيفية، عارضاً عليه العودة إلى رئاسة الجمهورية.

    سأله هاشم الأتاسي: “ما هي السلطة التي ستتمتع بها الجمهورية السورية العتيدة؟”

    أجابه ديغول: “هناك ضرورات حرب ويمكن أن تكون بنود معاهدة 1936 مبدئياً هي الأسس التي تحدد بموجبها العلاقات بين الجمهورية السورية والسلطات الفرنسية.”

    ردّ الأتاسي قائلاً: “لقد مرت سنوات على تلك المعاهدة وتغيّرت الظروف ونحن نطالب اليوم بما هو أوسع من ذلك.”

    ثم أبلغه عن عدم رغبته بالعودة إلى الحكم، مُشيراً إلى أن تجربته السابقة مع الفرنسيين لم تكن مشجعة بسبب تخليهم عن المعاهدة وتراجعهم عن كل الوعود التي كانوا قد قطعوها في السنوات السابقة.

    الأتاسي في عهد القوتلي (1943-1946)

    غاب هاشم الأتاسي عن المشهد السياسي من بعدها باستثناء مباركته ترشح زميله في الكتلة،  شكري القوتلي، إلى رئاسة الجمهورية في صيف العام 1943. وقد دُعي الأتاسي لمشاركة القوتلي احتفالات عيد الجلاء الأول يوم 17 نيسان 1946، ولكنه رفض الدخول في الحزب الوطني الذي ظهر في مطلع عهد الاستقلال، وكان مدعوماً من القوتلي. برر الأتاسي اعتذاره عن دخول الحزب الوطني قائلاً إن الكتلة الوطنية كانت تجمعاً وطنياً في وجه الاستعمار، ليس لها أي هدف إلّا تحرير البلاد وصون وحدة أراضيها. أمّا الحزب الوطني فله غاية سياسية أخرى وهي الوصول إلى الحكم. وكان هاشم الأتاسي يعدّ نفسه زعيماً وطنياً وممثلاً لكل السوريين، تعلو مكانته الرفيعة جميع الاعتبارات السياسية والحزبية.

    الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي مع رئيس الجمهورية شكري القوتلي سنة 1946.
    الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي مع رئيس الجمهورية شكري القوتلي سنة 1946.

    تكليفه برئاسة الحكومة سنة 1948

    في حرب فلسطين سنة 1948، خرج هاشم الأتاسي من عُزلته نزولاً عند رغبة الرئيس القوتلي وقبل تكليفه برئاسة الحكومة في محاولة لإنقاذ البلاد من أزمة وزارية حادة، جاءت في أعقاب استقالة حكومة جميل مردم بك الخامسة والأخيرة. كان ذلك بعد تسع سنوات من خروجه من الحكم، ليكون الوحيد بين رؤساء سورية الذي قبل أن يكون رئيساً للحكومة بعد أن كان رئيساً للجمهورية. جاء الأتاسي إلى دمشق لإجراء مشاورات مع الأحزاب والكتل النيابية ولكنه سرعان ما اعتذر عن التكليف نظراً لشدة التحزب والغليان الناتج عن تراجع الجيش السوري في فلسطين.

    انقلاب سامي الحناوي (14 آب 1949)

    عصفت بسورية من بعدها مرحلة حكم عسكري بدأت بانقلاب حسني الزعيم على شكري القوتلي في 29 آذار 1949، تلاها انقلاب سامي الحناوي على حسني الزعيم في 14 آب 1949. وبعد نجاح الانقلاب الثاني ومقتل الزعيم، أعلن سامي الحناوي أنه لا يريد رئاسة الجمهورية لنفسه وقال إنه سيعيد الجيش إلى ثكناته ويفسح المجال أمام عودة الحياة البرلمانية التي كان حسني الزعيم قد عطلها مع انقلابه الأول.

    اللواء سامي الحناوي مع الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1949.
    اللواء سامي الحناوي مع الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1949.

    دعا الحناوي إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة، حضره قادة الأحزاب السياسية، تقرّر فيه الطلب إلى هاشم الأتاسي العودة إلى الحكم بصفته زعيماً تاريخياً أجمع عليه الشعب السوري بكل أطيافه، لقيادة المرحلة الانتقالية وترسيخ الأسس الدستورية والديمقراطية. رفض الأتاسي هذا الطلب بداية، ورأى أنّ شكري القوتلي يبقى هو الرئيس الشرعي للبلاد، بموجب الانتخابات النيابية التي أوصلته إلى الحكم سنة 1943، وجددت له سنة 1948.

    رأى أن يعود القوتلي إلى الحكم ويدعو إلى انتخابات نيابية جديدة تليها انتخابات رئاسية، ولكن معظم السياسيين رفضوا هذا المقترح وأصروا على عودة الأتاسي. نزولاً عند رغبة الأكثرية وإنقاذاً للموقف قَبل هاشم الأتاسي التكليف وشكّل حكومة جديدة في 15 آب 1949. فور تسلّمه الحكم أصدر عفواً عن جميع معتقلي حسني الزعيم وأمر بعودة الضبّاط المُسرحين إلى الخدمة، وكان على رأسهم أديب الشيشكلي، الذي عُيّن آمراً للواء الأول.

    العلاقة مع حزب الشعب

    حاول الأتاسي التعاون مع كل الأحزاب السياسية العاملة في البلاد، وعيّن نظام القدسي من حزب الشعب وزيراً للخارجية وميشيل عفلق من حزب البعث وزيراً للمعارف، وجاء بالزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني إلى وزارة الدفاع. المُستفيد الأكبر من حكومة الأتاسي الجديدة كان ومن دون منازع، قادة حزب الشعب، وهو الحزب المعارض لشكري القوتلي الذي ظهر في حلب سنة 1948. أحد مؤسسيه كان الدكتور عدنان الأتاسي، ثاني أبناء هاشم الأتاسي، الذي نادى بإقامة وحدة عربية شاملة تكون بدايتها بين سورية والعراق.

    وقد طالب الأتاسي الابن بأن تكون الوحدة تحت عرش الأسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد والممثلة بالملك فيصل الثاني، حفيد الملك فيصل الأول. وقد أيَّده في هذا الطرح رئيس الجمهورية ورئيس الأركان سامي الحناوي، المحسوب على العراق الهاشمي. تولى وزير الخارجية ناظم القدسي مهمة التفاوض مع العراق لتحقيق الوحدة، بدعم من صديقه رشدي الكيخيا، الذي انتخب رئيساً للجمعية التأسيسية المكلفة بوضع دستور سورية الجديد. كلاهما كان من حزب الشعب، وكانا مقرَّبين من هاشم الأتاسي الذي انتُخِب رئيساً للدولة بالإجماع يوم 14 كانون الأول 1949.

    انقلاب الشيشكلي الأول (19 كانون الأول 1949)

    ظنّ كثيرون أن عودة الأتاسي إلى الحكم ستؤدي حكماً إلى تحقيق الوحدة السورية – العراقية، ولكنّ انقلاباً عسكرياً وقع في 19 كانون الأول 1949، أطاح بسامي الحناوي الداعم الأول بين ضباط الجيش لمشروع الوحدة. أُرسل مكبلاً مهاناً إلى السجن بعد عزله عن رئاسة الأركان العامة، وكان مهندس الانقلاب أديب الشيشكلي يرى في مشروع الوحدة تعدّياً على نظام سورية الجمهوري وتحدياً شخصياً له. كان انقلاب الشيشكلي هو الثالث في أقل من عام بعد انقلاب الزعيم في آذار وانقلاب الحناوي في آب 1949، وقد هدف إلى حرمان تحالف الأتاسي – حزب الشعب من دعم المؤسسة العسكرية الذي كان يوفره سامي الحناوي فيما يتعلق بقضية الوحدة مع العراق.

    انقلاب الشيشكلي الثاني (29 تشرين الثاني 1951)

    اشترط الشيشكلي على السلطة المدنية تعيين أحد أعوانه، اللواء فوزي سلو، في وزارة الدفاع في كل الحكومات المُقبلة، مع صلاحية نقد أي مشروع وحدوي مع بغداد قد تطرحه وزارة حزب الشعب في المستقبل. تفادياً لصدام جديد مع العسكر، وخوفاً من انقلاب جديد وأوسع قد يقوم به الشيشكلي، قرر الأتاسي قبول مطالب الجيش والتعايش مع أديب الشيشكلي حتى 28 تشرين الثاني 1951، عندما شُكلت حكومة جديدة بقيادة حزب الشعب، رفضت إسناد حقيبة الدفاع إلى فوزي سلو.

    وجه الشيشكلي إنذاراً شديداً إلى رئيس الحكومة معروف الدواليبي، طالباً منه تعديل التشكيلة الوزارية فوراً، وعندما لم يستجب قام الشيشكلي بانقلاب جديد صباح يوم 29 تشرين الثاني 1951. اعتُقِل الدواليبي مع أعضاء حكومته، وأجبروا على الاستقالة من داخل سجن المزة. غضب الأتاسي من هذا التطاول الصريح على حكمه وصلاحياته الدستورية، وفي 2 كانون الأول 1951، استقال من الرئاسة احتجاجاً على تجاوزات الشيشكلي. في اليوم نفسه، أصدر الشيشكلي قراراً عسكرياً بتسمية فوزي سلو رئيساً للدولة والحكومة معاً وظلّ يحكم عبره حتى توليه الحكم بشكل مباشر وانتخابه رئيساً للجمهورية في 11 تموز 1953.

    مؤتمر حمص 

    في هذه المرة، لم يعتزل هاشم الأتاسي السياسة كما فعل سنة 1939 بل كرس جهوده لإسقاط الشيشكلي ونزع الشرعية عن حكمه. وقد دعا إلى مؤتمر كبير في داره بحمص يوم 20 حزيران 1953، حضره جميع خصوم الشيشكلي، تقرر فيه عدم الاعتراف بالعهد الجديد والسعي لإسقاطه بكل الطرق المتاحة، سياسياً وعسكرياً. نظراً لتقدمه بالسن ومكانته الرفيعة في المجتمع السوري، لم يتمكن الشيشكلي من اعتقال هاشم الأتاسي يومها ولكنّه أمر باعتقال نجله عدنان مع جميع رفاقه في حزب الشعب.

    هاشم الأتاسي رئيساً لمؤتمر حمص في عهد الشيشكلي.
    هاشم الأتاسي رئيساً لمؤتمر حمص في عهد الشيشكلي.

    الرئاسة الأخيرة 1954-1955

    لم يُغير اعتقال عدنان الأتاسي من قناعات هاشم الأتاسي وموقفه الصارم من حكم العسكر، فقد أيّد الثورة التي انطلقت ضد أديب الشيشكلي من جبل الدروز وامتدت إلى حمص وحلب والساحل، قبل أن تُطيح به وبحكمه في 25 شباط 1954. عاد الأتاسي فوراً إلى دمشق في 1 آذار 1954 لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية، ورأى أن نظام الشيشكلي لم يمر على سورية. وأمر باستعادة البرلمان القديم والمُنتخب سنة 1949 ومعه دستور عام 1950، وألغى معظم القرارات التي صدرت في العهد البائد وحملت توقيع أديب الشيشكلي.

    اغتيال العقيد عدنان المالكي

    حضر الرئيس العائد إلى الحكم افتتاح معرض دمشق الدولي في 1 أيلول 1954، مبشراً بمرحلة جديدة يسودها الهدوء والاستقرار والرخاء الاقتصادي، ولكن سورية شهدت جريمة كبيرة بعدها بأشهر قليلة، عكرت صفاء ولاية الأتاسي، يوم اغتيال رئيس الشعبة الثالثة في الجيش العقيد عدنان المالكي في 22 نيسان 1955.

    كان لهذا الحدث تأثير كبير على مجرى الحياة السياسية في سورية، وقد أدى إلى حظر الحزب السوري القومي الاجتماعي المتهم بتنفيذ الجريمة، واعتقال جميع قادته وأعضائه. وقد أعطت هذه الجريمة ذريعة لضباط الجيش بالتدخل مجدداً في الشؤون السّياسيّة، بحجة الثأر للشهيد المالكي. ومن أبرز النتائج المباشرة لتلك الجريمة كان تعيين عبد الحميد السراج مديراً للمكتب الثاني (شعبة المخابرات العسكرية) للإشراف على التحقيقات وفرض حكم بوليسي على سورية لم يختلف كثيراً عن حكم حسني الزعيم وأديب الشيشكلي.

    الخلاف مع جمال عبد الناصر

    ترافق عهد الأتاسي الأخير مع صعود نجم جمال عبد الناصر في مصر، الذي لم يكن على علاقة جيدة مع نظيره السوري. كان الأتاسي ينظر إلى عبد الناصر ورفاقه من الضباط الأحرار على أنهم “مراهقون” في السياسة، لا خبرة لهم ولا حكمة، وقد رفض أن تكون لهم اليد العُليا في رسم سياسات الوطن العربي وفرض إرادتهم ومشيئتهم على سورية. وقد ظهر الخلاف بينهم منذ أن أعطى الأتاسي اللجوء السياسي لبعض كوادر الإخوان المسلمين في مصر، المُلاحقين أمنيّاً بعد محاولة اغتيال عبد الناصر في مدينة الإسكندرية في تشرين الأول 1954. رد عبد الناصر بسحب السفير المصري من دمشق وشنّ حملة إعلامية واسعة على حكّام سورية عبر جريدة الأهرام وإذاعة صوت العرب.

    تفاقم الخلاف بعدها حول مشروع حلف بغداد، الذي أراد عبد الناصر إجهاضه ولكن الأتاسي رفض قائلاً إنّ بلاده لن تدخل في مواجهة لأجله، لا مع الغرب ولا مع العراق. وفي كانون الثاني 1955 دُعيت سورية للمشاركة في مؤتمر رؤساء الحكومات العربية المُنعقد في القاهرة برعاية الرئيس عبد الناصر وحضوره. قبِل الأتاسي الدعوة وأرسل صديقه القديم فارس الخوري للمشاركة، بعد تعيينه رئيساً للحكومة. بالتنسيق مع الأتاسي، رفض فارس الخوري التهجم على العراق وتخوين رئيس حكومته نوري السعيد، ورفض وصف حلف بغداد بالمشروع الاستعماري والصهيوني.

    انتخابات عام 1954

    ومع قرب نهاية ولايته طلب الأتاسي إلى سعيد الغزي تشكيل حكومة وطنية للإشراف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية المُقبلة. وتعدّ هذه الانتخابات الأكثر نزاهة وشفافية في تاريخ سورية الحديث نظراً للكفاءة العالية التي كان يتمتع بها سعيد الغزي ووزير الداخلية إسماعيل قولي، الذي أصرّ على عدم تدخل الجيش أو طبقة الملاكين القدامى في العملية الانتخابية. وقد صبّ هذا الحياد في مصلحة حزب البعث، الذي فاز بسبعة عشر مقعداً من مقاعد المجلس النيابي، وهي أعلى نسبة منذ تأسيسه سنة 1947.

    انتقال الحكم بين هاشم الأتاسي وشكري القوتلي سنة 1955.
    انتقال الحكم بين هاشم الأتاسي وشكري القوتلي سنة 1955.

    اجتمع المجلس النيابي الجديد لاختيار رئيس جديد يوم 18 آب 1955، وكانت المنافسة بين رئيس الجمهورية الأسبق شكري القوتلي ورئيس الحكومة الأسبق خالد العظم. فاز القوتلي في هذه الانتخابات وتولّى الحكم في 5 أيلول 1955، خلفاً لهاشم الأتاسي، كانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي يجري فيها تداول السلطة بهذا الشكل السلمي والدستوري، حيث ينتقل الحكم من رئيس مُنتخب إلى رئيس مُنتخب جديد دون وفاة أو استقالته أو إطاحة بموجب انقلاب عسكري.

    مراسيم انتقال السلطات بين هاشم الأتاسي وشكري القوتلي سنة 1955.
    مراسيم انتقال السلطات بين هاشم الأتاسي وشكري القوتلي سنة 1955.

    سنوات التقاعد

    سلّم هاشم الأتاسي مقاليد الحكم إلى شكري القوتلي وتوجه إلى حمص لقضاء سنواته الأخيرة، مُعتزلاً السياسة وبعيداً عن الشأن العام. في سنوات التقاعد تعرض لصدمة كبيرة يوم اعتقال نجله عدنان سنة 1956، بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري مموّل من العراق لقلب نظام الحكم في سورية. اتُهم عدنان الأتاسي بمحاولة إقصاء جميع الشخصيات السّياسيّة والعسكرية الموالية لعبد الناصر في سورية، ومنها رئيس البرلمان أكرم الحوراني ومدير المكتب الثاني عبد الحميد السراج.

    جرت محاكمة علنية لعدنان الأتاسي على مُدرّج جامعة دمشق، ولكن هاشم الأتاسي رفض حضورها أو التوسط لدى شكري القوتلي لإطلاق سراحه. وقد بقي عدنان الأتاسي سجيناً حتى 1960، عندما نُقِل إلى مصر ووُضِع قيد الإقامة الجبرية في مدينة الإسكندرية. كان ذلك في الجمهورية العربية المتحدة وكان آخر ظهور للرئيس الأتاسي  يوم إعلان الوحدة سنة 1958، حيث توجه إلى دمشق للمشاركة في استقبال جمال عبد الناصر، على الرغم من الخلاف الشديد بينهما ووجود ابنه في السجن.

    الرئيس الأتاسي مع الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1958.
    الرئيس الأتاسي مع الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1958.

    الوفاة

    توفي الرئيس هاشم الأتاسي في حمص عن عمر ناهز 87 عاماً صباح يوم 6 كانون الأول 1960. رُتبت له جنازة رسميّة حُمل فيها نعشه المجلل بالعلم السوري على عربة مدفع، حضرها عبد الحميد السراج بصفته وزيراً للداخلية، ممثلاً عن الرئيس عبد الناصر، ومعه المهندس نور الدين كحالة، رئيس المجلس التنفيذي في دولة الوحدة. أُعلن الحداد العام في أراضي الجمهورية العربية المتحدة كافة وأُطلق اسم هاشم الأتاسي على شارع رئيسي ومدرسة في كل مدينة سورية، منها مسقط رأسه في حمص ومركز حُكمه في دمشق.

    جنازة الرئيس هاشم الأتاسي في 6 كانون الأول 1960.
    جنازة الرئيس هاشم الأتاسي في 6 كانون الأول 1960.

    وفي سنة 2005 صدر كتاب بعنوان هاشم الأتاسي: حياته وعصره، وضعه حفيده المهندس محمّد رضوان الأتاسي.

    أولاد هاشم الأتاسي

    أشهر أبناء هاشم الأتاسي كان الدكتور عدنان الأتاسي وذلك بسبب عمله في السياسة، أما ابنه البكر سرّي فقد كان أميناً عاماً لمجلس النواب في عهد أبيه وتوفي سنة 1937. وقد عمل ابنه الثالث ناظم الأتاسي في الزراعة، وكان الأصغر رياض الأتاسي رئيساً لمكتب تفتيش الدولة في مطلع الستينيات.

    المناصب

    متصرف حمص (تشرين الأول 1918 – آذار 1919)
    رئيساً للمؤتمر السوري العام (3 حزيران 1919 – 5 أيار 1920)
    رئيساً للحكومة السورية (5 أيار – 26 تموز 1920)
    رئيساً للجمهورية السورية (21 كانون الأول 1936 – 7 تموز 1939)
    رئيساً للحكومة السورية (14 آب – 14 كانون الأول 1949)
    رئيساً للجمهورية السورية (14 كانون الأول 1949 – 3 كانون الأول 1951)
    رئيساً للجمهورية السورية (1 آذار 1954 – 5 أيلول 1955)

     

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !