ناظم بن تقي الدين القدسي (26 شباط 1906 – 7 شباط 1998)، سياسي سوري من حلب ورجل دولة، أسس حزب الشعب مع زميله رشدي الكيخيا، الذي وصل قادته إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع وكانت لهم أكبر كتلة نيابية في السنوات 1949-1951. شارك في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية وكان أول وزير مفوض في واشنطن سنة 1945. ترأس لجنة صياغة الدستور السوري سنة 1950 وشكل بعدها ثلاث حكومات، وكان رئيساً لمجلس النواب في المرحلة التي سبقت قيام الوحدة السورية – المصرية عام 1958. انتقل إلى العمل المصرفي في زمن الوحدة وابتعد كلياً عن السياسة، ليعود إبان انقلاب الانفصال وينُتخب رئيساً للجمهورية في 14 كانون الأول 1961. شهد عهده معركة الكرسي مع إسرائيل، ومحاولات متكررة من الرئيس جمال عبد الناصر للتدخل في شؤون سورية الداخلية، كان آخرها الانقلاب العسكري الذي قام به المقدم عبد الكريم النحلاوي في 28 آذار 1962. اعتُقل القدسي ونُقل إلى سجن المزة، ومنه استقال ثم تراجع عن استقالته عندما تمرّدت مجموعة من الضباط على النحلاوي ونفته خارج البلاد. عاد إلى القصر الجمهوري لغاية الانقلاب عليه مجدداً في 8 آذار 1963.
البداية
ولد ناظم القدسي في حلب وكان والده قاضياً في محكمة الجنايات، وجده بهاء الدين قاضياً ونقيباً للأشراف وأول رئيس لبلدية حلب. أما والدته فاطمة فهي ابنة عبد القادر الركبي، أحد أشهر تجار حلب في القرن التاسع عشر. تنقل بين مدارس عدّة ودخل القسم الإعدادي الداخلي في الإنترنشونال كولدج التابعة للجامعة الأميركية في بيروت. وفي سنة 1923 دخل كلية الحقوق في الجامعة السورية وتخرج فيها قبل سفره إلى سويسرا لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة جنيف سنة 1929 وكانت أطروحته بعنوان نقد نظرية السيادة في القانون الدولي.
مع إبراهيم هنانو
انتسب ناظم القدسي في شبابه إلى الكتلة الوطنية، أبرز التنظيمات السياسية في سورية، وكان مقرباً من أحد مؤسسيها إبراهيم هنانو، زعيم حلب وقائد ثورة الشمال ضد الفرنسيين. وكان يحضر جلسات محكمة هنانو وهو لا يزال في الخامسة عشرة من عمره، وعندما برأته المحكمة الفرنسية أعجب القدسي باستقلال القضاة الفرنسيين، وتركت هذه المحاكمة تأثيراً كبيراً في قراره دراسة المحاماة. وعند خروج هنانو من السجن، ذهب القدسي لتهنئته وقبَّل يديه.
عمله مع الكتلة الوطنية (1932-1939)
بعد عودته من سويسرا، تدرّب في مكتب صديقه المحامي الدكتور إدمون رباط وانتسب رسمياً إلى الكتلة الوطنية. شارك في المظاهرات المنددة بزيارة رئيس الجمهورية محمد علي العابد ورئيس حكومته تاج الدين الحسني إلى حلب سنة 1936، ومنعهم من الصلاة في الجامع الكبير. اعتُقل مع رفيقه سعد الله الجابري، وأضربت مدينة حلب احتجاجاً، وعند خروجهما من السجن – وكان هذا هو الاعتقال الأول في حياته – انضم إلى مكتب الزعيم فخري البارودي بدمشق كباحث في الشؤون الدولية. صار يكتب تقارير إلى البارودي ورئيس الكتلة هاشم الأتاسي، عن مداولات عصبة الأمم في جنيف، محذراً من أطماع الصهاينة في فلسطين والأتراك في منطقة لواء إسكندرون.
فاز بالنيابة عن حلب سنة 1936 ودخل البرلمان على قائمة الكتلة الوطنية وانتُخب أميناً لسر المجلس. كان ذلك بعد التوقيع على معاهدة عام 1936 وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية. آلمه كثيراً نكوث الفرنسيين بوعودهم ورفضهم التصديق على المعاهدة، بحجة عدم قدرتهم الاستغناء عن مستعمراتهم العربية في ظلّ تنامي احتمال نشوب حرب جديدة في أوروبا. ومع حلول صيف العام 1939 وفشل الحكومة الوطنية في تمرير المعاهدة ومنع سلخ لواء إسكندرون عن سورية استقال القدسي من الكتلة الوطنية مع زميله وصديقه رشدي الكيخيا. لم تكن الاستقالة موجهة إلى الرئيس الأتاسي الذي كان يحبه ويحترمه، بل إلى رئيس الحكومة جميل مردم بك المسؤول عن سياسات سورية الخارجية والداخلية في السنوات 1936-1939.
وزيراً مفوضاً في واشنطن (1945-1946)
وفي انتخابات عام 1943 ترشح مع الكيخيا على قائمة مستقلة معارضة للكتلة وفازا من جديد بالنيابة عن حلب. أطلقا كتلة نيابية معارضة لرئيس الجمهورية شكري القوتلي، ومع ذلك عرض عليه الأخير أن يكون أول وزير مفوض لسورية لدى الولايات المتحدة، مع عضوية الوفد السوري المؤسس للأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية. وقال له القوتلي: “أعرض عليك المنصب مع أنك من المعارضة، ولو وجدت شخصاً مؤهّلاً أكثر منك لهذا المنصب لما عرضته عليك.”
قبل القدسي التكليف واختار لجهاز السفارة كلاً من الدكتور قسطنطين زريق، أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية في بيروت، وحسني الصوّاف، من كبار موظفي وزارة المالية. واتخذ من فندق مايفلاور Mayflower مركزاً مؤقتاً للسفارة السورية، واشترى بيت الرئيس الأمريكي السابق وليام هوارد تافت ليكون مقراً دائماً لها. لم تكن وزارة الخارجية يومها تملك أي عقار خارج سورية، ولا كانت ميزانيتها تسمح بذلك، فعارضت طلب شراء المنزل في واشنطن. ولكن القدسي دافع عن موقفه وقال إن الولايات المتحدة ستكون أقوى دولة في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإن وجود مقر دائم لسورية في عاصمتها أضر وأنفع من شراء عقار في باريس أو لندن.
قدّم القدسي أوراق اعتماده للرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت في 18 آذار 1945، وكان يومها من ضمن خمسة سفراء آخرين، أبلغهم رئيس تشريفات البيت الأبيض أن الوقت المحدّد لكل واحد منهم خمس دقائق فقط لأن صحة الرئيس لا تساعده (وقد توفي روزفلت بعدها بشهر واحد). غير أنه عند دخوله على الرئيس روزفلت، قال له القدسي “جئتك من دولة صغيرة، ولكن بأكبر أوراق اعتماد في العالم”. فانشرح الرئيس الأمريكي لتلك الافتتاحية واستمر اللقاء عشرين دقيقة.
تأسيس حزب الشعب سنة 1948
عاد القدسي إلى دمشق للمشاركة في عيد الجلاء الأول يوم 17 نيسان 1946، وتعاون مع زميله الكيخيا على تأسيس حزب الشعب، ليكون في طليعة المعارضة البرلمانية لحكم القوتلي، بعد سعي أنصاره ومؤيديه لتعديل الدستور والسماح له بولاية رئاسية ثانية. تزامن ذلك مع وفاة رئيس الحكومة سعد الله الجابري، ما يتّم حلب من زعامتها التاريخية، وحاجة المدينة الماسة لمن يمثلها في الحياة السياسية السورية. دعم الحزب الجديد من تجّار حلب وصناعيّيها الكبار، وذهبت رئاسته لناظم القدسي فيما انتخب رشدي الكيخيا عميداً. خاضا معركة تعديل الدستور في المجلس النيابي وعندما لم يفلحا في مساعيهما قرّرا مقاطعة الجلسة المخصصة لأداء قسم الرئيس وافتتاح ولايته الرئاسية الثانية.
انقلاب حسني الزعيم
وعند انقلاب حسني الزعيم على شكري القوتلي يوم 29 آذار 1949 عرض التعاون على قادة حزب الشعب وأن تكون رئاسة الحكومة من نصيب ناظم القدسي، بصفته أحد أبرز المعارضين للحكم البائد. رفض القدسي العرض بشدة وقال للزعيم: “أنت انقلبت على مؤسسات الدولة الدستورية ومن دون اتفاق أو مشاورة مع السياسيين، ولذلك أرفض تشكيل الوزارة حتى لو كان ذلك سيؤدي بي إلى سجن المزة.” غضب الزعيم من هذا التحدي وأصدر مرسوماً بحلّ حزب الشعب من سائر الأحزاب السياسية، واعتقل الكثير من أعضائه ووضع كلاً من رشدي الكيخيا وناظم القدسي قيد الإقامة الجبرية في حلب.
القدسي وزيراً للخارجية (آب – كانون الأول 1949)
وبعد سقوط حسني الزعيم ومقتله في 14 آب 1949 حضر القدسي إلى مبنى الأركان العامة بدمشق للمشاركة في اجتماع كبير دعا إليه مهندس الانقلاب الجديد، اللواء سامي الحناوي. وفي هذا الاجتماع تقرّرت عودة الجيش إلى الثكنات واستعادة الحياة المدنية والنيابية، مع تكليف الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي بتشكيل حكومة للإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد بدلاً من دستور عام 1928 الذي عطّله الزعيم قبل بضعة أشهر.
سمّي الدكتور القدسي وزيراً للخارجية في حكومة هاشم الأتاسي يوم 14 آب 1949، وعُيّن رشدي الكيخيا وزيراً للداخلية. ومن منصبه الجديد أعلن أن هدفه الأول سيكون إقامة وحدة عربية شاملة، تكون بدايتها بين سورية والعراق، فاتهم بالسعي للإطاحة بنظام سورية الجمهورية والإتيان بنظام ملكي تحت عرش الملك فيصل الثاني أو خاله الأمير عبد الإله. وقد ظلّت هذه التهمة – مناصرة العرش الهاشمي في العراق – تلاحق القدسي وكل زعماء حزب الشعب لغاية سقوط الحكم الملكي في العراق إبان ثورة 14 تموز 1958.
حكومة القدسي الأولى
أجريت انتخابات الجمعية التأسيسية في موعدها وفاز حزب الشعب بغالبية المقاعد. انتُخب رشدي الكيخيا رئيساً للمجلس التأسيسي وناظم القدسي رئيساً للجنة صياغة الدستور. اقتبسوا من دساتير الديمقراطيات الغربية ولا سيما الفقرات التي تضمن جميع حقوق الفرد السوري ومنها الحرية السياسية، وحرية الصحافة، وحرية التظاهر، وجميع الحقوق المدنية المعمول بها في الغرب. وعند الانتهاء من كتابة الدستور وإقراره تحوّلت الجمعية التأسيسية تلقائياً إلى مجلس نيابي بصلاحيات تشريعية كاملة. استقال هاشم الأتاسي من رئاسة الوزارة وأصبح رئيسا للدولة، وكلّف ناظم القدسي بتشكيل الحكومة الأولى في 24 كانون الأول 1949. صدرت المراسيم بذلك ولكنه استقال بعد ثلاثة فقط أيام بسبب رفض الضباط العسكريين التعهد أمامه بألا يتدخلوا بقراراته.
حكومة القدسي الثانية (حزيران – أيلول 1950)
بتكليف من الرئيس الأتاسي شكل القدسي حكومته الثانية في حزيران 1950 وكانت مؤلفة من ثماني حقب، ذهب ستّ منها إلى حزب الشعب. تمكن من تحييد الجيش والعقيد أديب الشيشكلي عبر تعيين صديقه اللواء فوزي سلو في وزارة الدفاع. وكان الشيشكلي قد ظهر قبل أشهر كرجل سورية الأقوى بين العسكريين، وقاد انقلاباً داخل المؤسسة العسكرية في نهاية عام 1949 للتخلّص من رئيس أركان الجيش سامي الحناوي، المقرّب من حزب الشعب ومن العراق الهاشمي. وقد اشترط الشيشكلي على كل الحكومات المدنية تعيين فوزي سلو وزيراً، لضمان عدم طرح موضوع الوحدة مع العراق داخل السلطة التنفيذية.
زار الملك فيصل الثاني دمشق وطرح مع ناظم القدسي موضوع الوحدة بين البلدين، ما أثار حفيظة الشيشكلي، الذي أقسم اليمين على إجهاض هذه الوحدة بأي ثمن، متهماً حكّام العراق بالعمالة للإنكليز. وفي مطلع عام 1951 انعقد مجلس الجامعة العربية في القاهرة على مستوى رؤساء الوزراء، برئاسة سورية ومشاركة رئيس الحكومة. وإيماناً من القدسي بأن الطريق الوحيد لمجابهة الأطماع الصهيونية في العالم العربي هو إيجاد نوع من الاتحاد الفيدرالي بين الدول العربية، تكون بدايته بين سورية والعراق، قدّم مشروعه للاتحاد الفيدرالي العربي، لكنّه طلب أن يبقى سرّياً حتى تكمل الحكومات العربية دراسته. إلا أن رياض الصلح، رئيس وزراء لبنان، سربه إلى صحيفة الأهرام المصرية التي نشرته قبل عودة ناظم القدسي إلى دمشق. وافق رئيس الجمهورية على هذا المشروع، ولكنه لم ير النور بسبب معارضة الشيشكلي.
حكومة القدسي الثالثة والأخيرة
وفي 8 أيلول 1950 شكل القدسي حكومته الثالثة والأخيرة، مسنداً كل الحقائق السيادية فيها إلى حزب الشعب، ما عدا وزارة الدفاع التي بقيت من حصة الجيش واللواء فوزي سلو. وفي هذه الوزارة أحدثت إدارة خاصة لتجفيف أراضي سهل الغاب واستعمال قواه المائية لتوليد الكهرباء، وأممت شركة الكهرباء البلجيكية – الفرنسية ومعها شركة الترامواي وشركة مياه حلب. واستمرت الحكومة بالعمل لغاية شهر آذار من العام 1951، وبعد استقالتها، انتُخب ناظم القدسي رئيساً لمجلس النواب يوم 1 تشرين الأول 1951، خلفاً لزميله الدكتور معروف الدواليبي.
معارضة حكم الشيشكلي
دُعي الدواليبي لتشكيل حكومة جديدة، وقرر تحدي الشيشكلي وإقصاء فوزي سلو من وزارة الدفاع، في تراجع عن العرف السائد في تشكيل الحكومات منذ سنة 1949. طالبه الشيشكلي بالتراجع وعندما لم يفعل ردّ بانقلاب عسكري يوم 29 تشرين الثاني 1951 وأمر باعتقال الدواليبي وكل الوزراء، ومعهم رئيس مجلس النواب ناظم القدسي الذي اقتيد من غرفته في فندق أورينت بالاس إلى سجن المزة. استقال هاشم الأتاسي من رئاسة الجمهورية غضباً واحتجاجاً على تجاوزات الشيشكلي في 3 كانون الأول ونصّب فوزي سلو رئيساً للدولة ولمجلس الوزراء. بقي سلو في الحكم لغاية صيف العام 1953، عندما قرر الشيشكلي تسلّم رئاسة الجمهورية بشكل مباشر.
عارض القدسي حكم الشيشكلي بشدة وحضر اجتماعاً كبيراً في دار هاشم الأتاسي في حمص، تقرر فيه إسقاطه بكل الطرق المتاحة – ومنها العسكرية – مع عدم الاعتراف بشرعية ولايته الرئاسية ولا بدستوره. اندلعت ثورة مسلحة في كل أرجاء البلاد، سقط على أثرها الشيشكلي وغادر سورية في 25 شباط 1954. وفي 1 آذار 1954، عاد هاشم الأتاسي إلى دمشق لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية وعاد ناظم القدسي إلى رئاسة مجلس النواب. عاد القدسي إلى دمشق بصفته الدستورية رئيساً للسلطة التشريعية وفصل جميع النواب الذين شاركوا في انتخابات الشيشكلي، مُسقطاً عنهم عضوية المجلس النيابي، وفي مقدمتهم الدكتور مأمون الكزبري، رئيس المجلس في عهد الشيشكلي.
انتخابات الرئاسة سنة 1955
ومع قرب انتهاء ولاية هاشم الأتاسي أشرف القدسي على انتخابات الرئاسة في البرلمان السوري يوم 18 آب 1955، بين رئيس الجمهورية الأسبق شكري القوتلي ورئيس الحكومة الأسبق خالد العظم. اعتمد حزب الشعب ترشيح القوتلي للرئاسة، متناسياً كل خلافات الماضي، بينما رشّح البعثيون والاشتراكيون وزعيم الحزب الشيوعي خالد بكداش، في المقابل، خالد العظم. حصل القوتلي على غالبية أصوات النواب إلا أنه لم يحظ بثلثي الأصوات حسب الدستور السوري، فرفع القدسي الجلسة للاستراحة على أن تعقد بعد ساعة.
عندها طلب أكرم الحوراني وخالد بكداش وصلاح البيطار الاجتماع مع رئيس المجلس في غرفته، وبحضور رشدي الكيخيا، لمحاولة إقناع أحدهما بقبول الترشح لرئاسة الجمهورية كـ”حلٍ وسط.” إلا أن الكيخيا والقدسي رفضا الفكرة وشدّدوا على أن حزبهم اتخذ قراراً لا رجعة فيه بترشيح القوتلي. وفي الدورة الثانية من الاقتراع انخفض عدد النواب الذين صوّتوا لخالد العظم، وحصل القوتلي على ثلثي عدد الأصوات. فذهب القدسي إلى بيته ليبارك له الرئاسة الأولى وأشرف بنفسه على انتقال السلطات بينه وبين الأتاسي في 5 أيلول 1955.
الوحدة السورية – المصرية (1958-1961)
جنحت سورية في النصف الثاني من الخمسينيات نحو الاتحاد السوفيتي ومصر، ووقفت في وجه حلف بغداد، ما وضعها في مواجهة مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية. أسقط اليسار – الممثل يومها بحزب البعث – حكومة الرئيس فارس الخوري سنة 1955 لرفضها اتخاذ موقف صارم ضد العراق ورئيس حكومته نوري السعيد، وفي تشرين الثاني 1957، أسقط نواب اليسار ناظم القدسي في انتخابات رئاسة المجلس النيابي وصوتوا للزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني. فاز الحوراني بثلاثة وستين صوتاً من أصوات المجلس، وحصل القدسي يومها على 57 صوتاً. وفي كانون الثاني 1958 سافر وفد من العسكريين إلى القاهرة – دون علم رئيس الجمهورية أو وزير الدفاع – وطلبوا إلى الرئيس جمال عبد الناصر توحيد سورية ومصر.
اعترض القدسي على الطريقة التي أقيمت بها الوحدة ولكنّه لم يعارضها وعدّ نفسه أول من دعا إليها، قبل جمال عبد الناصر بسنوات. نزولاً عند رغبة الرئيس المصري بحل الأحزاب السياسية في سورية، اتخذ القدسي والكيخيا قراراً تاريخياً بحلّ حزب الشعب وعادا إلى حلب واعتزلا السياسة معاً في زمن الوحدة. عمل القدسي بداية في الزراعة، التي كانت عشقه منذ الصغر، رافضاً عرضاً من ولّي عهد اليمن الإمام البدر حميد الدين أن يكون مستشاراً له.
رئيس بنك العالم العربي (1959-1961)
وفي سنة 1959 جاءه رجل الأعمال موفق الميداني والمهندس عثمان العائدي وقالا إنهما يحضران لتأسيس مصرف سورية تابع لبنك انترا في لبنان، عارضين عليه مشاركتهما العمل. قبل القدسي عرضهما وأصبح أحد مؤسسي بنك العالم العربي ورئيساً لمجلس إدارته. حقق المصرف نجاحاً مالياً سريعاً قبل تأميمه مع بقية المصارف السورية في تموز 1961، بقرار من الرئيس عبد الناصر، وظلّ القدسي رئيساً تنفيذياً له لغاية انتخابه رئيساً للجمهورية سنة 1961.
انقلاب الانفصال وانتخابه رئيساً للجمهورية
وفي 28 أيلول 1961 وقع انقلاب عسكري بدمشق، قاده المقدم عبد الكريم النحلاوي ضد الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها. وفي صبيحة اليوم التالي للانقلاب طُلب إلى القدسي والكيخيا حضور اجتماع في نادي الضباط بدمشق للتداول في مستقبل البلاد والتوقيع على وثيقة الانفصال. رفضا الحضور وقالا كلمتهما الشهيرة: “إن اليد التي وقعت على ميثاق الوحدة تُقطع قبل أن توقع على وثيقة انفصال الوحدة.”
أعاد القدسي والكيخيا تفعيل حزب الشعب بعد غياب طوعي استمر منذ سنة 1958 وخاض أعضاؤه الانتخابات النيابية في 1 كانون الأول 1961. تحالفا يومها مع خصوم الأمس في الحزب الوطني أطلقوا معهم قائمة مشتركة باسم”اللائحة القومية المؤتلفة.” لم يترشح القدسي في هذه الانتخابات ولكنه رُشح من قبل حزبه وأنصاره – بعد فوزهم بغالبية مقاعد البرلمان – ليكون رئيساً للجمهورية. اختيارهم الأول للرئاسة كان رشدي الكيخيا الذي رفض العمل مع العسكر ولكنه لم يمانع ترشح القدسي ضد رؤساء الحكومات السابقين خالد العظم ومأمون الكزبري وسعيد الغزي. فاز القدسي في هذه الانتخابات بالأكثرية: 153 صوتاً من أصل 172 صوت، وفي 14 كانون الأول 1961 أقسم اليمين الدستوري رئيساً للجمهورية السورية.
انقلاب 28 آذار 1962
وبناء على المشاورات النيابية كلّف الرئيس زميله معروف الدواليبي بتشكيل أول حكومة في عهده، علماً أن القدسي كان يُفضّل أن تكون رئاسة الوزراء بيد شخصية دمشقية لكيلا يقال إن الحلبيين سيطروا على مفاصل الدولة السورية في عهده. سعى الدواليبي فور تسلّمه الحكم إلى إبطال قانون الإصلاح الزراعي وقرارات التأميم الصدارة في عهد الوحدة، وحاول جاهداً إبعاد العسكريين عن الحكم ومنهم عبد الكريم النحلاوي، مهندس انقلاب الانفصال. ردّ النحلاوي على محاولة إقصائه بانقلاب عسكري جديد يوم 28 آذار 1962، وأمر باعتقال كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ومعهم رشدي الكيخيا وعدد كبير من قادة حزب الشعب. طلب النحلاوي حلّ المجلس النيابي وقال إن الجيش غير راضٍ عن مداولاته وخاصة محاولة إلغاء القوانين الاشتراكية. وطالب أيضاً بإجراء انتخابات نيابية جديدة، ولكن القدسي رفض ذلك بشدة واستقال من منصبه احتجاجاً وقال: “كان الله في عون الوطن الذي هو الآن بعهدتكم.”
مؤتمر حمص
وفي 1 نيسان 1962 عُقد اجتماع لكبار ضباط الجيش في حمص، سُمي “مؤتمر حمص” وكان برئاسة آمر سلاح الطيران اللواء وديع مقعبري. اتفق الضباط المناهضون للنحلاوي، بالتشاور مع قائد الجيش اللواء عبد الكريم زهر الدين، على رفض انقلاب النحلاوي وتسريح كل من شارك به ونفيهم خارج البلاد. قرّروا إعادة الجيش إلى ثكناته وطلبوا إلى القدسي سحب استقالته واستكمال ولايته الدستورية. بدأت مفاوضات بينه وبين الجيش عبر وزير الدفاع رشاد برمدا – وهو من أعضاء حزب الشعب – كانت نتيجتها الاتفاق على أن يقدم جميع النواب استقالاتهم وأن تجرى انتخابات جديدة في مدّة ثلاثة أشهر. أجاب الرئيس بأن هذا الشأن عائد للنواب وليس له. أتى برمدا باستقالات النواب، وقبلها الرئيس عند عودته إلى القصر الجمهوري.
معركة الكرسي
وفي مطلع عهد ناظم القدسي اقتحم الجيش الإسرائيلي منطقة الحدود السورية في 16 آذار 1962. دُمرت الدبابات الإسرائيلي نتيجة سلسلة من الألغام كان الجيش السوري قد وضعها على الشريط الحدودي، وأمر القدسي بقصف المستعمرات الإسرائيلية في الجليل، رداً على العدوان. عُرِفت هذه المعركة بموقعة الكرسي نسبة إلى اسم القرية المجاورة، وكانت نقطة تحول في تاريخ الحرب بين سورية وإسرائيل، إلّا أن الإذاعة المصرية لم تتوقّف عن مهاجمة عهد القدسي ووصف رموزه كافة بأنهم “رجعيون” و”أعوان الاستعمار.” اشتكت سورية رسمياً إلى جامعة الدول العربية وقالت إن قيادتها تتعرّض لحملة تشهير منتظمة، مع تدخلات سافرة في شؤونها الداخلية، سواء من سفير مصر في لبنان عبد الحميد غالب أو من الرئيس عبد الناصر شخصياً. عقدت الجامعة اجتماعاً في بلدة شتورا اللبنانية، أرسل القدسي إليه وفداً مؤلفاً من وزراء اشتراكيين سابقين وأرسل عبد الناصر وزراء سوريين ناصريين بقوا في مصر بعد انهيار الوحدة.
انقلاب 8 آذار 1963
شكّل خالد العظم الوزارة الأخيرة في عهد الرئيس ناظم القدسي في شهر أيلول 1962 وضمّت مختلف التيارات السياسية، اليمينية والبعثيين والاشتراكيين والإخوان المسلمين. وفي نهاية العام 1962 جال العظم على عدد من المحافظات السورية وقامت مظاهرات من التيار الناصري والاشتراكي والبعثي ضده، وفي محافظة درعا رشقت سيارته بالبيض والبندورة. وفي صبيحة 8 آذار 1963، وقع انقلاب جديد في سورية، قاده اللواء زياد الحريري مع مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين. قُطعت الاتصالات الهاتفية عن القصر الجمهوري وهرب خالد العظم تجنباً للاعتقال ولجأ إلى السفارة التركية في الدور الأرضي من بيته. عُزل القدسي عن منصبه، دون اعتقال، بمرسوم صادر عن مجلس قيادة الثورة وفي الأسبوع الأول من شهر نيسان انتقل إلى داره في حلب ومنه ألقي القبض عليه ونُقل إلى سجن المزة لغاية إطلاق سراحه، بأمر من رئيس الدولة أمين الحافظ، يوم 30 تشرين الثاني 1963.
بدأت وفود المهنئين تتوافد على بيته وكان يعلم أن ذلك سيزعج العسكريين كثيراً فطلب إلى أمين الحافظ السماح له بالمغادرة إلى بيروت لزيارة ابنه فريد، الذي كان آنذاك يدرس في الجامعة الأميركية. استقبله في مطار بيروت موفد عن الرئيس اللبناني فؤاد شهاب وعرض عليه اللجوء السياسي مع منزل يليق به وحرّاس ولكنه رفض.
السنوات الأخيرة والوفاة
بقي القدسي مقيماً في بيروت لغاية اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975 ثم غادرها إلى عمّان، ضيفاً على الملك حسين، ثم إلى تونس ضيفاً على رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة الذي كان صديقه أيام الجامعة في جنيف. وبعد الزيارة الأولى إلى تونس غادرها إلى لندن مجدداً في صيف العام 1976 وأقام في منزل ابنه فيصل الذي كان يعمل في البنك العربي هناك. أقام القدسي في تونس مدة سنة، ومنها انتقل إلى مدينة نيس الفرنسية عام 1978. وفي أوروبا كان يستعمل وسائل النقل العمومية من حافلات وقطارات، مثله مثل أي مواطن عادي. وعند بلوغه الثمانين، انتقل إلى أبو ظبي حيث أقام في بيت ابنه فواز، رئيس التشريفات في وزارة الخارجية الإماراتية. ولكن شدة الرطوبة والحرارة لم تناسبه فانتقل مجدداً إلى عمّان وفيها توفي عن عمر ناهز 92 عاماً يوم 7 شباط 1998. عرض الملك حسين على العائلة أن يُدفن في المقابر الملكية، وكذلك عرض السفير السوري أن يدفن في سورية، ولكن رغبته كانت أن يُدفن إلى جانب زوجته في مقبرة العائلة بعمّان.
العائلة
تزوّج ناظم القدسي سنة 1934 من شهيرة بنت الحاج عبد الله صلاحية، وله منها ثمانية أولاد.
المذكرات
بدأ القدسي بتسجيل مذكرات صوتية في الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1974، بطلب من صديقه الدكتور قسطنطين زريق، رئيس الجامعة الأسبق ومدرّس التاريخ فيها الذي كان عمل معه في السفارة السورية في واشنطن قبل سنوات طويلة. سجّل ثلاث تسجيلات ثم توقف عند اندلاع الحرب الأهلية في نيسان 1975. بعدها في عمّان، وبناء على إلحاح شديد من أولاده وزوجته، تابع تسجيل ذكرياته صوتياً سنة 1990 وطلب إلى النائب والوزير الأسبق أحمد قنبر، صديقه وزميله في حزب الشعب المقيم في حلب، زيارته في عمّان ليتذاكرا ببعض الأمور التي جرت معهما في عقدي الأربعينيات والخمسينيات. فرغ من هذه التسجيلات سنة 1994 وفي عام 2023 جمعت ونشرت في موقع إلكتروني أنشأته أسرته باسم المكتبة الرئاسية للدكتور ناظم القدسي.
المناصب
وزير سورية المفوض في واشنطن (1945-1946)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: الدكتور قسطنطين زريق
وزيراً للخارجية (14 آب – 27 كانون الثاني 1949)
- سبقه في المنصب: الدكتور محسن البرازي
- خلفه في المنصب: خالد العظم
رئيساً للحكومة السورية (24-27 كانون الأول 1949)
- سبقه في المنصب: هاشم الأتاسي
- خلفه في المنصب: خالد العظم
رئيساً للحكومة السورية (4 حزيران 1950 – 27 آذار 1951)
- سبقه في المنصب: خالد العظم
- خلفه في المنصب: خالد العظم
رئيساً لمجلس النواب (1 تشرين الأول – 3 كانون الأول 1951)
- سبقه في المنصب: الدكتور معروف الدواليبي
- خلفه في المنصب: الدكتور مأمون الكزبري
رئيساً لمجلس النواب (1 آذار 1954 – 13 تشرين الأول 1957)
- سبقه في المنصب: الدكتور مأمون الكزبري
- خلفه في المنصب: أكرم الحوراني
رئيساً للجمهورية السورية (14 كانون الأول 1961 – 8 آذار 1963)
- سبقه في المنصب: جمال عبد الناصر
- خلفه في المنصب: لؤي الأتاسي رئيس مجلس قيادة الثورة