الشّيخ طاهر بن صالح الجزائري (12 كانون الثاني 1852 – 5 كانون الثاني 1920)، عالم ومُجدد في الدين والسياسة، أطلق نهضة تعليمية في دمشق وشارك في افتتاح أولى المدارس الحكومية في عهد الوالي مدحت باشا نهاية سبعينيات القرن التاسع عشر. وضع منهاج المدارس بنفسه مع كل مقرراتها العلمية، وعُيّن مفتشاً عاماً عليها وعلى معارف دمشق. وبعد سقوط الحكم العثماني سنة 1918 عُيّن أميناً للمكتبة الظاهرية في عهد الملك فيصل وانتُخب عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق. يعد الشيخ طاهر الجزائري من رواد التجدد في سورية وهو أحد أبرز المفكرين في العصر الحديث، تتلمذ على يده عدد كبير الشخصيات السياسية الفكرية ومنها محمد كرد عليّ وشكري العسلي وفخري البارودي والدكتور عبد الرحمن الشهبندر.
البداية
ولِد طاهر الجزائري بدمشق وهو سليل عائلة من العلماء هاجرت من الجزائر إلى سورية في أربعينيات القرن التاسع عشر وتولّى أبناؤها إفتاء المذهب المالكي. درس على يد والده وقرأ في حلقة العلّامة الشّيخ عبد الغني الميداني الذي علّمه أصول الفقه والشريعة، إضافة لمواد التاريخ والفلك والرياضيات. أكمل تحصيله العلمي في المدرسة الجقمقية حيث برع في تعلّم اللغات، ومنها الفارسية التي كان يَنظُم بها الشِعر، كما ألمّ بالبربريّة والعبرانيّة والحبشيّة.
مع مدحت باشا
وفي سنة 1878، عُيّن الشّيخ طاهر الجزائري مُدرساً في المدرسة الظاهرية، قبل أشهر قليلة من وصول الوالي العثماني مدحت باشا إلى سورية. التقى الجزائري بمدحت باشا وولدت بينهما صداقة متينة، أثمرت عن تعاون في إحداث نهضة عِلمية شاملة في دمشق. بدلاً من الكُتّاب والزوايا الدينيّة المنتشرة بكثرة في حارات المدينة وتحديداً في منطقة الصالحية على سفح جبل قاسيون، عمل الوالي مع الجزائري على تأسيس مدارس حكومية حديثة.
أطلقوا معاً جمعيّة خيريّة لجمع الأموال المطلوبة لإنشاء هذه المدارس، برئاسة الجزائري وعضوية مفتي دمشق الشّيخ محمود الحمزاوي. وفي 5 شباط 1879 افتتحوا أول مدرسة حديثة في دمشق، تلتها مدرسة ثانية مع نهاية شهر شباط، اجتمع فيها 106 طالباً من الذكور. جمعاً، أطلق الجزائري – بالتعاون مع مدحت باشا – ثلاثين مدرسة حكومية في ولاية سورية، من ضمنها مدرسة خاصة للبنات ومدرسة صناعية ومدرسة للأيتام.
وضع الجزائري مناهج هذه المدارس وكتب معظم مقرراتها العلمية، مثل كتاب الجواهر الكلاميّة في العقيدة الإسلاميّة و”مدخل الطلّاب إلى فنّ الحساب.” بعضها أقيم في باحات المساجد، وفرضت عقوبة مالية على الأهالي الذين رفضوا إرسال أولادهم للدراسة فيها. أحد تلك المساجد كان جامع تنكز في محلّة السنجقدار الذي تم تحويله إلى مدرسة عسكرية بأمر من الوالي، وكان من بين أوائل طلابها رضا الركابي، الذي أصبح أول رئيس وزراء في سورية سنة 1918، بعد تحريرها من الحكم العثماني. ولكي يتمكن الجزائري من إنجاز مشروعه العلمي بشكل كامل، عينه الوالي مُفتشاً عاماً على المدارس الابتدائية ومديراً لمعارف دمشق سنة 1880.
حلقة الشيخ طاهر العلمية
في تسعينيات القرن التاسع عشر، أطلق الشيخ طاهر الجزائري حلقة فكرية في داره، كانت تجتمع مرة واحدة في الأسبوع لمناقشة أمور الدين والسياسة، ضمت من أقرانه وأصدقائه الشيخ جمال الدين القاسمي والشيخ عبد الرزاق البيطار والشّيخ محمود الحمزاوي. توسعّت الحلقة ودخل عليها عدد كبير من المفكرين الشباب، الذين وجدوا طريقهم للشهرة في سنوات لاحقة، مثل المحامي عبد الوهاب الإنكليزي والنائب شكري العسلي والطبيب عبد الرحمن الشهبندر، إضافة للصحفي والناشر محمد كرد عليّ، الذي وصف الشيخ الجزائري بأنه “محمد عبده سورية.”
تنوع توجهات أعضاء حلقة طاهر الجزائري الفكرية، بين مؤيد الدولة العثمانية ومعارض لها، ما جعله في صدام مع السلطات المحلية. انزعجت الدولة من المواضيع الحساسة التي نُقشت في حلقة الجزائري، عن ضرورة الإصلاح السياسي والتجديد، ما أدى إلى ملاحقته أمنياً وإعفائه من مديرية المعارف سنة 1902.
وخلال سفره إلى القدس، داهمت السلطات العثمانية منزله بدمشق وصادرت الكثير من الأوراق والمستندات. وُجهت إليه تهمة التعاطف مع صديقه القديم مدحت باشا، الذي أُدين بجريمة قتل السلطان عبد العزيز وسُجن في مدينة الطائف وفيها قتل سنة 1888. عاد الجزائري إلى دمشق ليلاً وبطريقة سرية إنقاذ ما أمكن من مكتبته وأوراقه، قبل أن يشدّ الرحال إلى القاهرة بعد منحه حق اللجوء السياسي من الخديوي عباس حلمي الثاني.
بقي طاهر الجزائري مقيماً في مصر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918. وفي هذه الأثناء جرت حملة اعتقالات واسعة بدمشق، طالت الكثير من تلامذته مريديه، وفي مقدمتهم عبد الوهاب الإنكليزي وشكري العسلي اللذين أعدموا شنقاً في 6 أيار 1916. وشكلت الاعتقالات أيضاً ابن أخيه الضابط الشاب سليم الجزائري، الذي أدين بالخيانة العظمى.
الجزائري في عهد الملك فيصل الأول
وبعد سقوط الحكم العثماني في سورية عاد طاهر الجزائري إلى دمشق في تشرين الأول 1918 وعُيّن أميناً للمكتبة الظاهرية والتي من رحمها ولد مجمع اللغة العربية في 30 تموز 1919. وفي 7 تشرين الأول 1919، انتخب الجزائري عضواً في المجمع، قبل وفاته بثلاثة أشهر.
الوفاة
توفي الشّيخ طاهر الجزائري عن عمر ناهز 68 عاماً يوم 5 كانون الأول 1920 ودُفن على سفح جبل قاسيون، تنفيذاً لوصيته. وقد أُطلق اسمه على شوارع رئيسية في القاهرة والإسكندرية وعمّان وجدة، وسمّيت مدرسة باسمه بدمشق.
مؤلفاته
وضع الشيخ الجزائري ستة وعشرين كتاباً في حياته، كان أهمها:
- بديع التلخيص وتلخيص البديع “بديعية الطاهر الجزائري” (دمشق 1879)
- تدريب اللسان على تجويد البيان (دمشق 1879)
- منية الأذكياء في قصص الأنبياء (تعريب عن التركية، دمشق 1881)
- حدائق الأفكار في رقائق الأشعار (دمشق 1882)
- ميزان الأفكار في شرح معيار الأشعار، ومعيار النظَّار في علوم الأشعار للزنجاني (تحقيق، الهند 1883)
- الفوائد الجسام في معرفة خواص الأجسام (دمشق 1883)
- مد الراحة لأخذ المساحة (دمشق 1883)
- مدخل الطلاب إلى فنّ الحساب (دمشق 1885)
- العقود اللآلي من الأسانيد العوالي (دمشق 1885)
- تسهيل المجاز إلى فن المعمى والألغاز (دمشق 1886)
- تمهيد العروض في فن العروض (دمشق 1887)
- إتمام الأنس في عروض الفرس (دمشق 1887)
- ديوان خطب ابن نباتة (دمشق 1893)
- رسالة وجداول في الخطوط القديمة والحديثة والهندية واليونانية (دمشق 1895)
- إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد لابن الأكفاني (تحقيق، القاهرة 1900)
- تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين للراغب الأصفهاني (تحقيق، بيروت 1901)
- الفوز الأكبر لابن مسكويه (تحقيق، بيروت 1901)
- أمنية الألمعي ومنية المدعي للأسواني (تحقيق، القاهرة 1902)
- مبتدأ الخبر من مبادئ علم الأثر (القاهرة 1902)
- التمرين على البيان والتبيين (بيروت 1902)
- إرشاد الألبَّاء إلى طريق الألف باء (القاهرة 1903)
- توجيه النظر إلى أصول الأثر (القاهرة 1910)
- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء للبستي (تحقيق، القاهرة 1910)
- الحنين إلى الأوطان للجاحظ (تحقيق، القاهرة 1914)
- التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الإتقان (القاهرة 1916)
- التقريب لأصول التعريب (القاهرة 1918)
- أشهر الأمثال (القاهرة 1919)
- تلخيص أدب الكاتب لابن قتيبة (القاهرة 1920)
وقد صدرت بعد وقاته الكتب التالية:
- الجواهر الكلاميّة في العقيدة الإسلاميّة (القاهرة 1948)
- حديقة الأذهان في رقائق الأشعار (دمشق 2009)
قالوا في طاهر الجزائري
كُتب الكثير عن الشيخ طاهر الجزائري أثناء حياته وبعد وفاته، ووضع القاضي عدنان الخطيب سيرته الذاتية في كتاب صدر عن جامعة الدول العربية في مصر سنة 1971. وقد وصفه تلميذه فخري البارودي بلقب “شيخ الأحرار،” وقال عنه الدكتور هشام شرابي من جامعة جورجتاون الأميركية إنه كان “روح الإصلاح” في العالم الإسلامي.
المناصب
أمين المكتبة الظاهرية (1919)
- سبقه في المنصب: الشيخ حسني الكسم
- خلفه في المنصب: الشيخ حسني الكسم