جامع الورد الكبير، جامع أثري من مشيدات العهد المملوكي يقع في حارة الورد ضمن حي سوق ساروجا بدمشق إلى الشمال الغربي من سور المدينة القديم، بناه الحاجب الكبير في دمشق الأمير سيف الدين برسباي الناصري أثناء ولايته للشام ودفن بالقرب منه.
تم إنجاز البناء منتصف شهر رمضان من عام 1427، وكان الجامع يجمع بين الطريق المؤدي من بوابة طريق الصالحية وحتى المدرسة الشامية البرانية لست الشام والموجودة حاليا بحي سوق صاروجا. وذكرت بعض المصادر أن الأمير سيف الدين برسباي أقام بناء جامع الورد على أنقاض مسجد مملوكي صغير، وقد ذكر الدكتور قتيبة الشهابي بأن الظن يميل الى أن تسمية ذلك المسجد القديم كانت مسجد السبع قاعات.
التسمية
اختلفت تسميته بحسب المؤرخين فمنهم من يدعوه بجامع الورد الكبير كما هي اللوحة القاشانية المعلقة فوق باب الجامع نسبة إلى حكر الورد الدمشقي التي كانت تسقى من عين الكرش التي تبعد عن الجامع شمالاً حوالي 200م، ومنهم من يدعوه بجامع حمام الورد نسبة إلى حمّام يقع إلى الشمال منه هو حمام الورد الشهير الماثل إلى الآن، ومنهم من يدعوه بجامع برسباي نسبة إلى الأمير سيف الدين برسباي، ومنهم من يدعوه بجامع الحاجب نسبة إلى الحاجب الكبير الأمير برسباي الناصري، ومنهم من يدعوه بجامع السبع قاعات نسبة لاسم الجامع الأقدم منه الذي بني في نفس الموقع سنة 1382.
لمحة تاريخية
يقول العلامة تقي الدين بن قاضي شهبة: أن الأمير سيف الدين برسباي بن عبد الله بن حمزة الناصري كان من مماليك الملك الناصر فرج، ومن خاصكيته، ثم صار من جملة أمراء دمشق، ثم أمسكه الملك المؤيد شيخ وحبسه سنين ثم أطلقه، فدام بطالًا إلى أن أنعم عليه الأتابك ططر بإمرة بدمشق. ثم ولاه الملك الأشرف المملوكي حجوبية الحجاب بدمشق، فدام على الحجوبية سنين طويلة، ونالته السعادة إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق نيابة طرابلس بعد الأمير قاني باي الحمزاوي بحكم انتقال الحمزاوي إلى نيابة حلب بعد تولية جلبان على نيابة دمشق بحكم موت آقبغا التمرازي.
ورد ذكر الجامع في كتاب الآثار الإسلامية في مدينة دمشق للبعثة الألمانية العثمانية التي قامت بإجراء مسح ميداني شامل للأبنية الأثرية والإسلامية صفحة 83، وذكر المؤلف أن جامع الورد يرجح أن يكون هو جامع برسباي الكبير، تم بناؤه سنة 1436 حسب ما ورد عند الباحث التاريخي النمساوي ألفريد فون كريمر في كتابه طوبوغرافية دمشق عام 1854. وبحسب ما ذكره المؤرخ الاسكتلندي جيوسيس ليسلي بورتر كتابه خمس سنوات في دمشق عام 1850 فإن التسمية التي أطلقت عليه في كلا المصدرين أنفي الذكر هي جامع القاعات السبع.
معالمه
الجامع هو من نموذج المساجد ذات الحرم البسيط تنتصب في الجنوب مئذنة تطل على الشارع وبجوارها تربة قبتها زائلة، ولم يبق من التربة ألا جدرانها الأربعة ورقبة القبة وكلتاهما من الحجارة النحتية. له بابان الأول جانبي يفتح على حارة المفتي، والثاني يقع على الواجهة الجنوبية للجامع أي عند الجادة الرئيسية ويطل على السوق التجاري وهو الباب الرئيس له.
للجامع واجهة حجرية صغيرة الحجم نسبياً، مشيدة بالحجارة الأبلقية البيضاء والسوداء، وتقع البوابة الرئيسية ضمن قوس مدبب معقود يحيط به تشكيل من الحجارة الأبلقية الشعاعية، وتحتها شريط من الحجارة المدككة ممتدة على طول واجهة المسجد، في الأعلى حشوة مستديرة مدككة، وعلى ما يبدو فقدت حليتها المركزية وتحتها نافذتان منخفضتان تطلان على طريق سوق ساروجا وخلفهما الضريح. وفوق هاتين النافذتين ساكف حجري منقوش بالكتابات يعلوه شريط من المدكك المتداخل والملتحم في الوسط تماماً. وقد كتب على الساكف بخط الثلث ما نصه:
الحمد لله برزت المراسم الشريفة شرفها الله وعظمها بان يعمر جهات وقف المرحوم برسباي وان لا يصرف منه زيادة على ما شرطه الواقف أثابه الله تعالى ومن بدله شيأ ذلك فإنما إثمه على الذين يبدلونه لو كان مخالف لشرط الواقف الذي هو كنص الشارع صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً كثيرا.
ومن هذا الباب يدخل الى الصحن المفروش بالحجارة السوداء والبيضاء، وفيه الميضأة وهي بركة ماء مستطيلة الشكل أخذت شكل دائري، ويحيط بالصحن من جهاته الثلاث أروقة: الرواق الشمالي ذو قناطر حجرية خمس، والرواقان الشرقي والغربي ذوا ثلاث قناطر، وقد جددت دائرة الأوقاف الإسلامية في منتصف ثلاثينات القرن العشرين هذه القناطر مع المنارة.
وأبواب حرم بيت الصلاة من الخشب المنجور الحديث الجميل الصنع ونرى واجهة حرم بيت الصلاة ذات الحجارة المتناوبة الأبلقية البيضاء والسوداء، وباب الحرم، ونافذتي حرم بيت الصلاة، يعلو الباب أقواس متراكبة مدببة الرأس، ومزدانة في وسطها بالمنحور الخشبي المتقن الحفر والصنع ذو رسوم هندسية جميلة. وما زال سقف الحرم الطيني القديم ذو جذوع أشجار الحور والصفصاف قائماً مع صيانته، وقد اعتمد المهندس المعماري نظام الحوامل في الحرم على أربع دعامات تقسم الحرم نفسه إلى قسمين متساويين ومتوازيين، وغالب الظن أنه جدد في الفترة العثمانية، كذلك في ثلاثينات القرن العشرين حين قامت دائرة الأوقاف الإسلامية بتجديد بعض مساجد دمشق إبان الاحتلال الفرنسي لسوريا.