صناعة البروكار هي صناعة نسيجية بدأت في دمشق منذ قرون، وتدخل فيها بشكل أساسي خيوط الحرير والقصب الفضية أو الذهبية. وتعتبرها بعض المراجع بمثابة “أعجوبة الصناعات النسيجية الدمشقية” لما تحتاجه من دقة وإتقان ووقت طويل لنسجها، إلى جانب جماليتها والقيمة الكبيرة لهذا النسيج غالي الثمن. وقد كتب عنها في المراجع والصحف بأنها “انتصار للصانع السوري” و”صناعة لا يمكن أن تضاهى أو تقلد”.
يختلف نوع البروكار بحسب الحرير المستخدم والألوان الداخلة في النسيج، ويمكن أن نجد البروكار ثنائي أو ثلاثي اللون وحتى سبعة ألوان، أما الرسومات الشائعة في هذا النسيج فهي إما النباتية أو الحيوانية أو الهندسية أو الآدمية، ومن أشهر النقشات البندقة وصلاح الدين والفراشة والوردة الجورية والياسمينة الدمشقية. ويستخدم البروكار في الألبسة والحقائب والمفروشات والعديد من الأغراض التزيينية الأخرى.
ولأهمية هذه الصناعة وارتباطها بدمشق، فقد أهدى الرئيس شكري القوتلي عام 1947 قطعة من قماش البروكار لملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، وكانت من نقش العاشق والمعشوق، مصنوعة من الحرير الطبيعي الأبيض والقصب الذهبي. كما أهدى بدر الدين الشلاح قطعة بروكار إلى زوجة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.
أصل تسمية البروكار
هناك روايات مختلفة حول أصل تسمية هذا النسيج، منها أنها مركبة من كلمتين هما “برو” تصغير إبراهيم و”كار” أي المهنة العريقة، ورواية ثانية تنسب التسمية إلى الكلمة الفرنسية Brocart أو الكلمة الإيطالية بروكاتيلو التي تعني القماش المقصب أو القماش الحريري المطرز بخيوط الفضة والذهب.
مراحل إنتاج البروكار
يمكن حياكة البروكار الدمشقي يدوياً أو آلياً حسب نوع النول المستخدم، وفي كلا الحالتين تحتاج هذه الصناعة الكثير من الإتقان خاصة مع كون المواد الأولية الداخلة فيها حساسة للغاية، كما أن عدد الخيوط المستخدمة لإنتاج قماش البروكار يبلغ عدة آلاف، وهو ما يجعل من الأمر معقداً.
وتتضمن مراحل صناعة البروكار: فتل الحرير على مواسير خشبية أو يمكن شراؤه مفتولاً بشكل جاهز وهو الحالة الأعم اليوم في الصناعة الحديثة، صبغ الحرير حسب الألوان المطلوبة، لف الحرير بعد الصباغة على بكرات خاصة، التسدية أي رصف الخيوط بشكل طولاني حسب الرسم المطلوب، الحياكة على النول، ثم الكوي مع الضغط ليصبح القماش أملساً بشكل نهائي.
أما الرسم المطلوب الحصول عليه فهو يتم كما الكثير من أنواع الأقمشة الأخرى بالاستعانة ببطاقات الجاكار التي تثقب وفق المطلوب لتتحرك حسبها آلاف الخيوط والإبر، والتي يزداد عددها بتعقيد الرسمة والألوان المرغوبة.
كانت صناعة البروكار قديماً تعتمد على الحرير المنتج محلياً، ومع تناقص كمياته باتت تعتمد على الحرير والقصب المستوردين بشكل أساسي من الصين.
معامل البروكار في دمشق
بدأ إنتاج البروكار الآلي في دمشق منذ القرن العشرين مع استمرار وجود حيز للبروكار اليدوي، ويعتبر البروكار اليدوي أكثر جمالية من الآلي، لكن أعداد الأنوال اليدوية في دمشق تناقصت بشكل كبير ومع بداية الألفية ثم الحرب، ولم يبق سوى عدد محدود جداً منها.
ومن أشهر معامل البروكار الآلي في دمشق مزنر والنعسان والأصيل والآله رشي ومتيني، وهي تضم عشرات الأنوال، وتعتمد طاقتها الإنتاجية على الطلب والزبائن المحليين والخارجيين. ويعتبر معمل مزنر من أوائل وأشهر معامل البروكار في دمشق، فقد تأسس نهاية القرن التاسع عشر، وارتبط اسم العائلة بشكل وثيق بهذه الصناعة التي عملت على تطويرها والحفاظ عليها، وأطلق على المؤسس أنطون الياس مزنر لقب “ملك البروكار الدمشقي”.