تحسين باشا الفقير (1880 – 21 تموز 1948)، ضابط سوري من دمشق، قاد القوات السورية في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، بتكليف من وزير الحربية يوسف العظمة، والتي فيها هُزم الجيش السوري وفرض الانتداب الفرنسي على سورية. حكمت عليه فرنسا بالإعدام فهرب إلى عمّان حيث ساهم في تأسيس الجيش الأردني مع الملك عبد الله الأول. ومن إمارة شرق الأردن توجه إلى مكة وسمّي وزيراً للحربية في مملكة الحجاز، وبعدها مستشاراً عسكرياً لإمام اليمن ومن ثم لفوزي القاوقجي، قائد جيش الإنقاذ في فلسطين سنة 1947.
البداية
ولد حسن تحسين الفقير في حي الشاغور بدمشق ودَرَس العلوم العسكرية في كلية إسطنبول الحربية. وعند تخرجه برتبة ملازم ثانٍ سنة 1905، عُيّن أستاذاً في هيئتها التدريسية حتى سنة 1914، تاريخ نقله قائداً للجبهة العثمانية في رومانيا مع اندلاع الحرب العالمية الأولى. عاد إلى دمشق مع انتهاء الحرب سنة 1918 وبايع الأمير فيصل حاكماً عربياً على سورية، الذي كلفه بقيادة لواء المشاة الرابع في عمّان، ثم الفرقة الأولى المخصصة لحماية العاصمة دمشق.
إنذار غورو
توّج الأمير فيصل ملكاً على سورية يوم 8 آذار 1920 وبعدها بأربعة أشهر، وصله إنذار من الحكومة الفرنسية التي لم تعترف بشرعية حكمه في سورية. طالبت بحل الجيش السوري ومصادرة السلاح من يد الأهالي تمهيداً لفرض الانتداب الفرنسي، تماشياً مع مقررات اتفاقية سايكس بيكو الموقعة بين فرنسا وبريطانيا عام 1916. حَمل الإنذار توقيع الجنرال هنري غورو، مندوب فرنسا في سورية ولبنان، ووصل إلى العاصمة دمشق يوم 14 تموز 1920. وافق الملك فيصل على الشروط الفرنسية كافة وبدأ بتسريح كامل قطعات الجيش السوري (وهو ما عارضه تحسين الفقير بشدة) ولكن الجنرال غورو لم يوقف زحفه نحو دمشق مسوغاً أن رسالة الملك وصلت متأخرة.
الطريق إلى ميسلون
تراجع الملك فيصل عن قرار التسريح وطلب إلى تحسين الفقير جمع القوات المبعثرة وإعادة تشكيل الجيش تمهيداً لمواجهة حتمية مع الفرنسيين. وصل عدد القوات السورية يومها، بحسب ما ورد في مذكرات الفقير: 3800 جندي نظامي، 48 مدفعاً وثمانية رشاشات فقط لا غير. وبتكليف من وزير الحربية، سمّي الفقير قائداً للجيش السوري في معركة ميسلون وعضواً في المجلس الحربي الذي شكله الملك فيصل. أرسل اللواء الثاني مشاة إلى قرية مجدل عنجر في سهل البقاع، بقيادة المقدم موفيق عاقل، واللواء الرابع إلى حاصبيا وراشيا، وأُبقي الفوج الثاني من اللواء الأول في محيط دمشق للدفاع عنها، بقيادة المقدم إسماعيل زهدي. أشرف الفقير على حفر الخنادق وإقامة المتاريس، ووضع مدافع جبلية بين الأشجار في مكان مستور مشرف على القواعد الفرنسية، كما أقام مركزاً لقيادته العسكرية في قلعة مجدل عنجر، المطلة على سهل البقاع، وأمر قواته بنسف جسور رياق الواصلة مع بلدة جب جنين على نهر الليطاني، والخط الحديدي في سرغايا. وأخيراً، أمر بتلغيم جسور بر إلياس ودير زنون، وعدم نسفها إلا في حالات الضرورة القصوى. عُين رئيس الأركان ياسين الهاشمي قائداً لجبهة دمشق، والزعيم الركن يحيى حياتي بك قائداً لجبهة حمص، والعقيد الركن إسماعيل الطباخ قائداً لجبهة حلب في شمال البلاد.
عدد القوات الفرنسية والسورية
كان الجيش الفرنسي في ميسلون مؤلفاً من أربعة ألوية مشاة ولواء خيالة واثنتي عشرة بطارية من المدفعية، معها خمس مدافع ميدان سريعة وخمس مدافع جبلية، إضافة لخمس عشرة دبابة وخمس طائرات حربية و100 رشاش. وفي المقلب الآخر، فُتح باب التطوع في الجيش السوري وتقدم 1700 مدني طالبين الجهاد ضد فرنسا، ولكن وبعد تسلمهم السلاح، فرّ معظمهم ولم يبق إلا 300 متطوع فقط، إضافة لـ 115 خيالاً قدموا لمساندة الجيش من حيّ الميدان. جمعاً وصل عدد القوات السورية يومها إلى 850 شخصاً، بين جندي نظامي ومتطوع، 647 منهم لا يحملون أي سلاح. وشاركت في المعركة سرية الحرس الملكي، بقيادة محمد علي العجلوني، وسرية الهجانة بقيادة المقدم مرزوق التخيمي، و60 خيالاً نظامياً وسرية رشاش بقيادة الرئيس هاشم الزين.
بعد ميسلون
ولكن وعلى الرغم من كل هذه التحضيرات، هُزم الجيش السوري في معركة ميسلون، يوم 24 تموز 1920، واستشهد الوزير يوسف العظمة. هَرب الملك فيصل من قصره، متوجهاً إلى سهل حوران ثم إلى فلسطين، وبعدها إلى أوروبا، وشُكلت محاكم عسكرية لمحاكمة أعوانه ورجاله في دمشق. حاول رئيس الحكومة علاء الدين الدروبي إلقاء القبض على تحسين الفقير، الذي هرب إلى إمارة شرق الأردن حوكم عليه بالإعدام غيابياً.
وفي عمّان عُيّن مستشاراً عسكرياً للأمير عبد الله بن الحسين، شقيق الملك فيصل، وشارك بتأسيس الجيش الأردني. رفّعه الأمير عبد الله إلى رتبة فريق وعينه قائداً عسكرياً على مدينة معان. وفي عام 1922، حصل صدام بينه وبين الضابط البريطاني غلوب باشا، قائد الجيش الأردني في حينها، كان سببه موقف الفقير الناقم على الإنكليز وعلاقته بالثوار في سورية. تفادياً لأي مواجهة داخل المؤسسة العسكرية، أبعد الفقير عن الأردن وأرسل إلى مملكة الحجاز ليكون مستشاراً عسكرياً لكل من الشريف حسين بن عليّ ونجله الملك علي بن الحسين. أسس قوة عسكرية في مكّة سُميت بسرايا الملح، هدفها مواجهة قوات الأمير عبد العزيز آل سعود، وعُيّن وزيراً للحربية في مملكة الحجاز حتى عام 1925.
العودة إلى دمشق
بعد سقوط عرش الشريف حسين وإنشاء المملكة العربية السعودية، نُفي الفقير مجدداً خارج البلاد وتوجه هذه المرة إلى اليمن ليعمل مستشاراً للإمام يحيى حميد الدين حتى سنة 1944. ومع جلاء القوات الفرنسية عن سورية في دعي تحسين الفقير للعودة إلى دمشق والمشاركة بعيد الجلاء الأول يوم 17 نيسان 1946. وفي 28 أيلول 1946، أعدا راية الجيش السوري إلى الحكومة السورية، التي كان قد أنقذها من يد الفرنسيين في أثناء معركة ميسلون. وكان الراية قد ظلّت محفوظة بين ممتلكاته الشخصية طوال سنوات المنفى وتنقلاته بين الأردن والحجاز واليمن. أقيم حفل رسمي لاستلام العلم على مدخل المتحف الوطني بدمشق، ناب فيه وزير الدفاع أحمد الشرباتي عن رئيس الجمهورية شكري القوتلي.
مستشاراً في جيش الإنقاذ
وعند صدور قرار تقسيم فلسطين في نهاية شهر تشرين الثاني عام 1947، شُكل جيش الإنقاذ لمحاربة العصابات الصهيونية، بتمويل من جامعة الدول العربية، وعُيّن فوزي القاوقجي قائداً له. طَلَب القاوقجي إلى تحسين الفقير أن يكون مستشاراً عسكرياً له، وكانت هذه آخر مهمة في أوكلت إليه.
الوفاة
توفي حسن تحسين باشا الفقير يوم 21 تموز 1948، قبل أن تضع حرب فلسطين أوزارها، وأقامت له الحكومة السورية جنازة عسكرية، حضرها ممثل عن رئيس الجمهورية. شُيّع جثمانه من الجامع الأموي إلى مدافن الأسرة في مقبرة باب الصغير بدمشق.
مذكرات الباشا
نشر الفقير جزءاً من مذكراته في مجلّة الجندي السورية سنة 1946، وبعد وفاته قام أولاده بنشر بقيتها على مراحل في جريدة البعث، يومي 23-24 تموز 1986، وفي 17 نيسان 1996. وفي عام 2004، جمعوا كل ما كَتب والدهم عن معركة ميسلون في كتاب الانتداب الفرنسي الغاشم على سورية: أحداث ما قبل ومجرى وقائع معركة ميسلون وفرض الانتداب الفرنسي إلى أن تم الجلاء في 17 نيسان 1946.”