سوق ساروجا، سوق أثري وحيّ سكني يمتد من بوابة الصالحية غرباً إلى شارع الملك فيصل شرقاً، أنشأه الأمير صارم الدين صاروجا في العهد المملوكي. وفي العهد العثماني لقب الحيّ باسم “إسطنبول الصغرى” نسبة إلى الشخصيات السياسية الكبرى التي سكنت فيه، مثل أحمد عزت باشا العابد، كبير أمناء السلطان عبد الحميد الثاني وعبد الرحمن باشا اليوسف، أمير محمل الحج الشامي، ومحمد فوزي باشا العظم، وناظر الأوقاف في الدولة العثمانية.
يعد سوق ساروجا من أشهر أسواق دمشق التاريخية خارج السور، وفيه حارات معروفة مثل حارة المفتي وحارة الورد وحارة قولي وزقاق الكمّار. تعرض السوق والمنطقة المحيطة به إلى دمار كبير أثناء العدوان الفرنسي على مدينة دمشق يوم 29 أيار 1945، عندما لجأت الحكومة السورية إلى دار خالد العظم الكائنة في وسطه سوق، هرباً من القصف السراي الكبير في ساحة المرجة.
أصول التسمية
يوجد إجماع بين المؤرخين على أن اسم “ساروجا” جاء تخفيفاً لإسم الأمير صارم الدين صاروجا، ولكن هناك قصة متداولة شعبياً أن التسمية جاءت نسبة لأحد أهل الخطوة الذي “سار واجا” من دمشق إلى الحجاز. وأصل التسمية كانت “سويقة صاروجا” ومعنى السويقة عمرانياً: تجمع سكني صغير مستقل فيه جميع مستلزمات الحياة المدنية، من مسجد وحمام وفرن. أسلوب السويقات لم يكن معروفاً في مدينة دمشق القديمة، ولكنه بدأ ينتشر مع إنشاء تجمعات سكنية خارج السور في العهد المملوكي وأصبحت هذه السويقات نواة الضواحي التي ألحقت بالمدينة، مثل سويقة العقيبة وسويقة ساروجا.
لمحة تاريخية
وكانت محلّة ساروجا في عهد السلاجقة عبارة عن أرض خالية ليس فيها أي عمار، أقيمت فيها مدافن الجند والعسكر. ازدهرت المنطقة في العهد الأيوبي مع إنشاء المدرسة الشّامية البرّانية وفي العهد العثماني توسعت المنطقة شمالاً نحو عين كرش وبساتين الصالحية، وسكن فيها عدد من المسؤولين الأتراك والعرب.
معالم الحيّ
- المدرسة الشّامية البرّانية المشيّدة في العهد الأيوبي سنة 1191 (عند ناصية شارع الثورة اليوم).
- جامع الورد الكائن في حارة الورد والذي شيّد في العهد المملوكي سنة 1426. وفي التاريخ المعاصر كان يخطب فيه مفتي دمشق الشيخ أبو الخير عابدين ونجله المفتي الشيخ أبو اليسر عابدين.
- حمّام الورد في حارة الورد، الذي يعود بناؤه إلى العهد المملوكي.
- قصر محمد فوزي باشا العظم الذي يُعرف اليوم باسم ابنه خالد العظم، والذي صادرته الدولة السورية سنة 1963 وحولته إلى متحف للحرف والفنون الدمشقية. وفيه مركز الوثائق التاريخية ومقر جمعية أصدقاء دمشق التي أسست سنة 1977.
- قصر عبد الرحمن باشا اليوسف الملاصق لقصر محمد فوزي باشا العظم والذي كان يسكنه أمير الحج الشامي حتى سنة 1920. أنشأ في منتصف القرن التاسع عشر وفيه نزل الإمبراطور غليوم الثاني خلال زيارته دمشق سنة 1898. انتقلت ملكية القصر إلى ورثة اليوسف بعد مقتله سنة 1920، قبل أن يجروه سنة 1964 بسبب تكاليف صيانته العالية. استملكته الدولة السورية في كانون الأول 2017 ودمر بالكامل إبان الحريق الكبير الذي نشب في سوق ساروجا في 16 تموز 2023.
- قصر الرئيس محمد علي العابد الممتد بين حارتي قولي والمفتي، والذي شيده جدّه هولو باشا العابد في منتصف القرن التاسع عشر.
- بيت الإبيش في زقاق الكمّار، وهو منزل الصياد الشهير حسين إبيش الذي أقام فيه قاعة للحيوانات المحنطة التي اصطادها في أدغال أفريقيا. وفيه أيضاً أول كرة قدم استخدمها الإبيش يوم إدخاله هذه الرياضة إلى مدينة دمشق سنة 1900، بعد أن تعلمها أثناء دراسته في جامعة بيروت الأمريكية.
- بيت الحبوباتي في زقاق دوار الأغا، المشيّد في القرن التاسع عشر.
ساروجا في العصر الحديث
عند شق شارع الثورة في سبعينيات القرن العشرين، قسّم سوق ساروجا إلى قسمين وأزيلت العديد من منازله العربية الفاخرة. ومع تزايد القصف على أحياء باب شرقي وباب توما أثناء الحرب السورية بعد سنة 2012، أغلقت الكثير من مقاهيها فيها وفتحت بدالها مقاه شعبية في سوق ساروجا، ارتداها الطلاب وذوي الدخل المحدود. وفي سنة 2021، بدأت الأمم المتحدة بمشروع لإعادة تأهيل وتجميل منطقة ساروجا، قبل سنتين من نشوب حريق كبير في 16 تموز 2023، التهمت نيرانه قصر عبد الرحمن اليوسف وجزء من قصر خالد العظم.